عمر حي فينا

- مبارك متوكل

هكذا‭ ‬كان‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون،‭ ‬مرحا‭ ‬في‭ ‬فرحه‭ ‬ومرحا‭ ‬في‭ ‬غضبه‭. ‬قد‭ ‬يسمعك‭ ‬جوابا‭ ‬تظن‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬سيراميك‭ ‬باستمرار،‭ ‬وما‭ ‬تكاد‭ ‬تنتهي‭ ‬من‭ ‬النقاش‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬غضبه‭ ‬عليك‭ ‬حتى‭ ‬يناديك‭ ‬مجددا،‭ ‬ليبدا‭ ‬معك‭ ‬حوارا‭ ‬مرحا‭ ‬وكأنه‭ ‬لم‭ ‬يغضب‭ ‬منك‭ ‬أبدا‭.‬

زرته‭ ‬غداة‭ ‬توصله‭ ‬بالطرد‭ ‬الملغوم‭ ‬يوم‭  ‬13‭ ‬يناير‭ ‬1973،‭ ‬التقينا‭ ‬بمقهى‭ ‬بشارع‭ ‬مصطفى‭ ‬المعاني‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬كان‭ ‬قلقا‭ ‬على‭ ‬مصير‭ ‬رفيق‭ ‬له‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حذرا‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية،‭ ‬إذ‭ ‬انفجر‭ ‬اللغم‭ ‬في‭ ‬وجهه‭. ‬شربنا‭ ‬القهوة‭ ‬معا‭ ‬وتبادلنا‭ ‬أطراف‭ ‬الحديث‭ ‬حول‭ ‬طرق‭ ‬الإرهاب‭ ‬التي‭ ‬التي‭ ‬يلجأ‭ ‬إليها‭ ‬خصوم‭ ‬الحركة‭ ‬التقدمية‭ ‬لتصفية‭ ‬المعارضين‭ ‬وذوي‭ ‬الرأي‭ ‬المخالف‭. ‬وعند‭ ‬الوداع‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حذرا،‭ ‬فالخصوم‭ ‬كُثر‭ ‬ومعظمهم‭ ‬عديمو‭ ‬الأخلاق،‭ ‬كان‭ ‬جواب‭ ‬عمر‭: “‬لا‭ ‬تجزع‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تموت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭”‬،‭ ‬وبالفعل‭ ‬كان‭ ‬لعمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬الموت‭.‬

حكم‭ ‬عليه‭ ‬بالإعدام‭ ‬بعد‭ ‬المؤامرة‭ ‬المزعومة‭ ‬ضد‭ ‬النظام،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬مؤامرة‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬الاتحادية،‭ ‬كاستمرار‭ ‬لحركة‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبية،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬المخزن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تفكيك‭ ‬التنظيمات‭ ‬التقدمية‭ ‬وعزلها‭ ‬عن‭ ‬محيطها‭ ‬الجماهيري،‭ ‬وتصفية‭ ‬عناصرها‭ ‬الأكثر‭ ‬حيوية‭ ‬ونشاط‭.‬

نعم‭ ‬حكم‭ ‬على‭ ‬عمر‭ ‬بالإعدام‭ ‬بتهمة‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬النظام،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬المحاكمة‭ ‬وما‭ ‬سيتبعها‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬ستؤكد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬جمعه‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬أدلة‭ ‬وشهود،‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الصمود‭ ‬أمام‭ ‬صراحة‭ ‬الحجج‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬المتهمون،‭ ‬وفندوا‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬التهم،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أكثرها‭ ‬سخافة‭ ‬وضحالة‭ ‬مؤاخذة‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬كمدير‭ ‬جهوي‭ ‬للبريد‭ ‬على‭ ‬توفره‭ ‬على‭ ‬مكتبه‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء‭ ‬على‭ ‬تصميم‭ ‬شبكة‭ ‬خيوط‭ ‬الهاتف‭ ‬بالبيضاء‭ ‬ونواحيها‭. ‬وقد‭ ‬واجه‭ ‬عمر‭ ‬التهم‭ ‬الموجهة‭ ‬إليه‭ ‬وإلى‭ ‬رفاقه‭ ‬بجرأة‭ ‬وشجاعة‭ ‬قل‭ ‬نظيرها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬النظام‭ ‬يصدر‭ ‬عفوا‭ ‬على‭ ‬معتقلي‭ ‬الإتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬العفو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ناتجا‭ ‬عن‭ ‬رحمة‭ ‬أو‭ ‬رأفة‭ ‬أو‭ ‬أزمة‭ ‬ضمير‭ ‬أو‭ ‬اعتراف‭ ‬بالخطأ‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬مناضلين‭ ‬أبطال‭ ‬من‭ ‬قدماء‭ ‬المقاومين‭ ‬وأعضاء‭ ‬جيش‭ ‬التحرير،‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬جزيل‭ ‬التضحيات‭ ‬وتحملوا‭ ‬المشاق‭ ‬والأهوال‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الوطن‭. ‬إذ‭ ‬تزامن‭ ‬العفو‭ ‬على‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬ورفاقه‭ ‬مع‭ ‬تنفيذ‭ ‬حكم‭ ‬الإعدام‭ ‬بمنكناس‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬بنحمو‭ ‬و‭ ‬14‭ ‬من‭ ‬رفاقه‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬العفو‭ ‬ضربا‭ ‬لثلاثة‭ ‬عصافير‭ ‬بحجرة‭ ‬واحدة،‭ ‬إذ‭ ‬أنست‭ ‬غمرة‭ ‬فرحة‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬المعتقلين‭ ‬استشهاد‭ ‬بنحمو‭ ‬ورفاقه‭ ‬المعتقلين‭ ‬بسجن‭ ‬مكناس‭. ‬كما‭ ‬تضمن‭ ‬العفو‭ ‬عن‭ ‬معتقلي‭ ‬1963،‭ ‬عفوا‭ ‬عن‭ ‬سائر‭ ‬الخونة‭ ‬وأذناب‭ ‬الاستعمار،‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬تعويضهم‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سلب‭ ‬منهم،‭ ‬وتمت‭ ‬إعادة‭ ‬إدماجهم‭ ‬في‭ ‬مناصب‭ ‬السلطة‭ ‬والقضاء،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيوفر‭ ‬لهؤلاء‭ ‬العملاء‭ ‬إمكانية‭ ‬تصفية‭ ‬حساباتهم‭ ‬مع‭ ‬الأحياء‭ ‬والأحرار‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬المقاومة‭ ‬وجيش‭ ‬التحرير‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬السلطتين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والقضائية‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬العفو‭ ‬جاء‭ ‬كمحاولة‭ ‬لتخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الخصوم،‭ ‬بعد‭ ‬المطالبة‭ ‬بفصل‭ ‬السلط‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬المخزن‭ ‬وجبروته،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬شعبا‭ ‬بأكمله‭ ‬بدأ‭ ‬يشعر‭ ‬أن‭ ‬تضحياته‭ ‬لم‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تلوح‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬أبواق‭ ‬البورجوازية‭ ‬المدنية‭ ‬من‭ ‬رخاء‭ ‬وطمأنينة‭ ‬سيوفران‭ ‬استقلال‭ ‬البلد‭. ‬فكانت‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬وفي‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬ومراكش،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الصحراء،‭.. ‬وجاءت‭ ‬انتفاضة‭ ‬الطلاب‭ ‬والتلاميذ‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬مارس‭ ‬1965،‭ ‬لمزيد‭ ‬الأوضاع‭ ‬تأزما،‭ ‬مما‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬المخزن‭ ‬التظاهر‭ ‬بالتنازل‭ ‬وتغيير‭ ‬أسلوب‭ ‬التعامل،‭ ‬وانتظار‭ ‬ظروف‭ ‬أكثر‭ ‬ملاءمة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬رغباته‭ ‬وفرض‭ ‬اختياراته‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬بدأ‭ ‬عمر‭ ‬يتحرك‭ ‬ليبعث‭ ‬الروح،‭ ‬فيما‭ ‬حاول‭ ‬المخزن‭ ‬خنقه‭ ‬والقضاء‭ ‬عليه‭. ‬إذ‭ ‬بدأ‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬انتهى‭ ‬في‭ ‬يوليوز‭ ‬1963،‭ ‬بتوصية‭ ‬الشهيد‭ ‬المهدي‭ ‬بن‭ ‬بركة‭ ‬الداعية‭ ‬إلى‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬النضال‭ ‬السياسي‭ ‬والنضال‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ومادام‭ ‬الاتحاد‭ ‬المغربي‭ ‬للشغل‭ ‬قد‭ ‬اختار‭ ‬طريق‭ ‬العمالة‭ ‬الطبقية،‭ ‬فلا‭ ‬مفر‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬تأطير‭ ‬النضال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اعتماد‭ ‬فكر‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة،‭ ‬فكرا‭ ‬وممارسة،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تكوين‭ ‬الأطر‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬القيم‭ ‬الثورية‭ ‬والاستعداد‭ ‬للنضال‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬وكان‭ ‬رأس‭ ‬عمر‭ ‬أن‭ ‬الطلبة‭ ‬ورجال‭ ‬التعليم‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يستطيعون‭ ‬إذا‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬النظرية‭ ‬الثورية‭ ‬أن‭ ‬يساهموا‭ ‬في‭ ‬إحياء‭ ‬التنظيم‭ ‬وقيادته‭ ‬لصالح‭ ‬الجماهير‭ ‬وتأطيرها‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬التغيير‭. ‬وعمل‭ ‬لهذه‭ ‬الغاية‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬نواة‭ ‬نقابية،‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬النقابة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتعليم‭. ‬على‭ ‬أن‭ ‬أعين‭ ‬المخزن‭ ‬كانت‭ ‬بالمرصاد،‭ ‬وهكذا‭ ‬يغيب‭ ‬عمر‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬لقد‭ ‬اختطف‭ ‬عمر‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬أو‭ ‬المخابراتية‭ ‬أو‭ ‬القضائية‭ ‬يعرف‭ ‬عن‭ ‬مصيره‭ ‬شيئا‭.. ‬وشاءت‭ ‬الصدفة،‭ ‬مجرد‭ ‬صدفة،‭ ‬أن‭ ‬مواطنا‭ ‬أخبر‭ ‬بأنه‭ ‬رأى‭ ‬سيارة‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬مركونة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬قصي‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬مراكز‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬أجهزة‭ ‬القمع‭ ‬أن‭ ‬تخبر‭ ‬عن‭ ‬موقع‭ ‬عمر،‭ ‬وأن‭ ‬تجهز‭ ‬له‭ ‬ملفا‭ ‬تقدمه‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬القضاء،‭ ‬بتهمة‭ ‬تبقيه‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬المدة‭ ‬الكافية‭ ‬ليلتقي‭ ‬في‭ ‬زنزانة‭ ‬واحدة‭ ‬مع‭ ‬غريمه‭ ‬المحجوب‭ ‬بن‭ ‬الصديق‭ ‬المعتقل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تهم‭ ‬أخرى‭. ‬ويخرج‭ ‬عمر‭ ‬من‭ ‬سجنه‭ ‬ليبدأ‭ ‬معركة‭ ‬أخرى‭.‬

لقد‭ ‬استطاع‭ ‬عمر‭ ‬أن‭ ‬يحرر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬تاريخي،‭ ‬جعل‭ ‬الحزب‭ ‬مكبلا‭ ‬ومضطر‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الازدواجية‭ ‬التنظيمية،‭ ‬جناح‭ ‬يسعى‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬النفعية‭ ‬مع‭ ‬النظام،‭ ‬وجناح‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تثبيت‭ ‬قيم‭ ‬النضال‭ ‬المفضي‭ ‬إلى‭ ‬اقتسام‭ ‬السلطة‭ ‬وبناء‭ ‬مجتمع‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والاشتراكية‭. ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬اليأس‭ ‬بهذا‭ ‬الجناح‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬دون‭ ‬توفر‭ ‬شروطه‭. ‬فكانت‭ ‬قرارات‭ ‬30‭ ‬يوليوز‭ ‬1972‭ ‬انطلاقا‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬هذا‭ ‬الحسم‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬القبضة‭ ‬الحديدية‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬هزتي‭ ‬يوليوز‭ ‬71‭ ‬وغشت‭ ‬72،‭ ‬والتي‭ ‬أطلقت‭ ‬يد‭ ‬أجهزة‭ ‬المخابرات‭ ‬والشرطة‭ ‬السرية‭ ‬تعبث‭ ‬بحرية‭ ‬المواطنين‭ ‬وأرزاقهم،‭ ‬وتلاحق‭ ‬المناضلين‭ ‬باختلاق‭ ‬أسباب‭ ‬المتابعة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬يقررون‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مغامرة‭ ‬بقصد‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اعتماد‭ ‬القوة‭. ‬وكانت‭ ‬أحداث‭ ‬مولاي‭ ‬بوعزة‭ -‬مارس‭ ‬1973‭-‬،‭ ‬فرصة‭ ‬المخزن‭ ‬لتصفية‭ ‬حسابه‭ ‬مع‭ ‬عمر‭ ‬والجناح‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه،‭ ‬ومحاولة‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬مشروعه‭ ‬الثوري،‭ ‬فشمل‭ ‬الاعتقال‭ ‬تلك‭ ‬اللائحة‭ ‬التي‭ ‬اعتمد‭ ‬عليها‭ ‬عمر‭ ‬لمواصلة‭ ‬المشوار،‭ ‬والتي‭ ‬لازال‭ ‬بعض‭ ‬الأحياء‭ ‬منها‭ ‬يواصلون‭ ‬النضال‭ ‬في‭ ‬تحد‭ ‬لصون‭ ‬وتقدم‭ ‬الحركة‭ ‬الاتحادية‭ ‬الأصيلة‭.. ‬فينفذ‭ ‬حكم‭ ‬الإعدام‭ ‬في‭ ‬فوج‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الشهداء‭ ‬يوم‭ ‬الفاتح‭ ‬من‭ ‬نونبر‭ ‬1973‭. ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬السجن‭ ‬المركزي‭ ‬بالقنيطرة‭ ‬يختطف‭ ‬الشهيد‭ ‬عمر‭ ‬ومن‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬المحكومين‭ ‬بالبراءة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المحكمة‭ ‬العسكرية،‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬طبخ‭ ‬ملف‭ ‬آخر‭ ‬يُظهر‭ ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬كان‭ ‬يحضر‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬السجن‭ ‬المركزي‭ ‬للقيام‭ ‬بأعمال‭ ‬جنائية‭ ‬ستعرض‭ ‬على‭ ‬القضاء‭ ‬ليبث‭ ‬فيها‭.‬

وما‭ ‬إن‭ ‬أفرج‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬ورفاقه‭ ‬حتى‭ ‬عاد‭ ‬ليبعث‭ ‬التنظيم‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬فتحول‭ ‬عمر‭ ‬المهندس‭ ‬إلى‭ ‬عمر‭ ‬المحامي‭ ‬ثم‭ ‬عمر‭ ‬الصحفي‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التعدد‭ ‬في‭ ‬الاختصارات‭ ‬والمهارات‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬بإيجابية‭ ‬ونجاح‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬خصوم‭ ‬الحركة‭ ‬الاتحادية‭ ‬الأصيلة‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬صيغ‭ ‬أخرى‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬عمر‭ ‬وقدراته‭ ‬الجبارة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬والتأطير‭ ‬والفعل‭.‬

عادت‭ ‬المحرر‭ ‬للصدور‭ ‬واستعاد‭ ‬الاتحاد‭ ‬نشاطه‭ ‬وعقد‭ ‬مؤتمره‭ ‬الاستثنائي‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬1975،‭ ‬وبرز‭ ‬عمر‭ ‬القيادي‭ ‬والمفكر‭ ‬والرائد‭ ‬للأصدقاء‭ ‬والخصوم‭ ‬على‭ ‬السواء‭. ‬وتبين‭ ‬لأجهزة‭ ‬القمع‭ ‬أن‭ ‬المحاكمات‭ ‬والتهم‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬خطورتها‭ ‬لن‭ ‬تنال‭ ‬من‭ ‬عزيمة‭ ‬هذا‭ ‬المناضل‭ ‬العنيد‭. ‬لذلك‭ ‬بدأ‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬صيغ‭ ‬جديدة‭ ‬تهدف‭ ‬أولا‭ ‬إلى‭ ‬الإساءة‭ ‬لسمعة‭ ‬المناضل‭ ‬قبل‭ ‬تصفية‭ ‬الحساب‭ ‬مع‭. ‬واستطاعت‭ ‬عناصر‭ ‬الردة‭ ‬أن‭ ‬تستغل‭ ‬عقول‭ ‬البسطاء،‭ ‬مدعية‭ ‬أنها‭ ‬تسعى‭ ‬لإحياء‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الراشدية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يجب‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬صيغ‭ ‬أخرى‭ ‬للتغيير‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يصدر‭ ‬حكم‭ ‬غيابي‭ ‬سري‭ ‬بإعدام‭ ‬عمر‭ ‬ويوكل‭ ‬التنفيذ‭ ‬إلى‭ ‬بئيس‭ ‬من‭ ‬أولائك‭ ‬الذين‭ ‬كرس‭ ‬عمر‭ ‬حياته‭ ‬للدفاع‭ ‬عنهم‭ ‬مناضلا‭ ‬ومحاميا‭ ‬وصحفيا‭.‬

استشهد‭ ‬عمر‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬عطائه‭ ‬الفكري‭ ‬وعنفوان‭ ‬قدراته‭ ‬النضالية‭. ‬لقد‭ ‬نسي‭ ‬الذين‭ ‬لجأوا‭ ‬إلى‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتكفير‭ ‬بدعوى‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الإسلام،‭ ‬وسفكوا‭ ‬دما‭ ‬بريئا،‭ ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬كان‭ ‬يخوض‭ ‬صراعا‭ ‬مريرا‭ ‬يقوده‭ ‬ويؤطره‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬استغلال‭ ‬الإنسان‭ ‬للإنسان،‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬باسم‭ ‬الحق‭ ‬الإلهي،‭ ‬ونسيوا‭ ‬بأن‭ ‬القيم‭ ‬الإسلامية‭ ‬كما‭ ‬آمن‭ ‬بها‭ ‬عمر‭ ‬وكما‭ ‬فهمها‭ ‬التنويريون،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬الظلم‭ ‬أو‭ ‬التحريض‭ ‬عليه‭. ‬

انطلاقا‭ ‬من‭ ‬الثوريين‭ ‬لا‭ ‬يموتون‭ ‬بغياب‭ ‬أجسادهم‭ ‬عنا،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬استشهادهم‭ ‬هو‭ ‬ضامن‭ ‬خلودهم،‭ ‬لأن‭ ‬التركة‭ ‬التي‭ ‬خلفوها‭ ‬بيننا‭ ‬تحملنا‭ ‬مسؤولية‭ ‬أن‭ ‬نبقى‭ ‬قيمين‭ ‬عليها،‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬نشرها‭ ‬وتطويرها‭ ‬خدمة‭ ‬للحق‭ ‬والحقيقة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى