...
السياسة

المغرب على أبواب انفجار اجتماعي واقتصادي

◆ البدالي صافي الدين

منذ‭ ‬تنصيب‭ ‬حكومة‭ ‬أخنوش‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2021‭ ‬والشعب‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬انتظار‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬مما‭ ‬وعدت‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬إصلاحات‭ ‬ومن‭ ‬حلول‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وثقافية‭. ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القاعة‭ ‬نفتح‭ ‬نافدة‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬العام،‭ ‬كيف‭ ‬أصبح‭ ‬عليه‭ ‬حال‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والسياسي‭.‬

التركيبة‭ ‬الحكومية‭ ‬وتضارب‭ ‬المصالح

‭ ‬

  ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬تنصيب‭ ‬حكومة‭ ‬أخنوش‭ ‬في‭ ‬خريف‭ ‬سنة‭ ‬2021،‭ ‬وهي‭ ‬الحكومة‭ ‬رقم‭ ‬33‭ ‬منذ‭ “‬استقلال‭” ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1956،‭ ‬قيل‭ ‬عنها‭ ‬بأنها‭ ‬حكومة‭ ‬كفاءات‭ ‬وتجارب‭ ‬وربما‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬ستباشر‭ ‬تنزيل‭ ‬المخطط‭ ‬التنموي‭ ‬والنصوص‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬دون‭ ‬تنزيل‭. ‬لكن‭ ‬المغاربة‭ ‬اكتشفوا‭ ‬بأن‭ ‬مصيرهم‭ ‬أصبح‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬حكومة‭ ‬تصريحات‭ ‬أحيانا‭ ‬متناقضة‭ ‬وأحيانا‭ ‬أخرى‭ ‬متضاربة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الهروب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬أصبحت‭ ‬تعيشه‭ ‬البلاد‭. ‬سنحاول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬النافذة‭ ‬الوقوف‭ ‬أولا‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭.‬

الوضع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬واتساع‭ ‬دائرة‭ ‬الفقر‭ ‬

      ‬رفعت‭ ‬الحكومة‭ ‬شعار‭ “‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭”‬،‭ ‬كخيار‭ ‬استراتيجي،‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬انسجام‭ ‬لمشاريعها‭ ‬ومرامي‭ ‬وأهداف‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬فما‭ ‬تدعيه‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بمفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬كما‭ ‬تبنتها‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ “‬Sozialstaat‭” = ‬‮«‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‮»‬،‭ ‬وتم‭ ‬اعتماده‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1870‭. ‬وكانت‭ ‬للدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أسس‭ ‬تتجلي‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الرفاهية‭ ‬لدى‭ ‬الشعب‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬فلسفة‭ ‬اقتصادية‭ ‬قوامها‭ ‬المساواة‭ ‬وكرامة‭ ‬الإنسان‭ ‬أولا‭ ‬وجاءت‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تاريخي‭ ‬معين‭. ‬إذن‭ ‬فحكومة‭ ‬اخنوش‭ ‬تستعمل‭ ‬مصطلحات‭ ‬للتضليل‭ ‬فقط،‭ ‬خارج‭ ‬السياق‭ ‬التاريخي‭ ‬والدولي‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬الوضع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المزرى‭ ‬للأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬العلاج‭ ‬مجانا‭ ‬ومضمونا،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يظل‭ ‬المواطنون‭ ‬والمواطنات‭ ‬أما‭ ‬خيارات‭ ‬صعبة‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬ينتظروا‭ ‬أمام‭ ‬مستشفى‭ ‬عمومي‭ ‬يصنع‭ ‬الموت‭ ‬وبين‭ ‬مصحة‭ ‬خصوصية‭ ‬تتاجر‭ ‬في‭ ‬المرضى‭ ‬وتستنزف‭ ‬جيوبهم‭ ‬واستهلاك‭ ‬مهول‭ ‬لأرصدة‭ ‬الكنوبس‭ “‬CNOPS‭ ” ‬بفعل‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬فاتورة‭ ‬التطبيب‭ ‬بدون‭ ‬مراقبة‭ ‬ولا‭ ‬محاسبة‭. ‬فالنفقات‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الصحة‭ ‬لا‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬مطالب‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الصحة‭ ‬للجميع‭. ‬لقد‭ ‬ازداد‭ ‬الوضع‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬سوءا‭ ‬وأصبح‭ ‬مجالا‭ ‬للريع‭ ‬والاغتناء‭ ‬غير‭ ‬المشروع،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬تتغنى‭ ‬بالتغطية‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬أكذوبة‭ ‬القرن‭ ‬أمام‭ ‬واقع‭ ‬أصبح‭ ‬مخزيا‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للتعليم‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يزداد‭ ‬إلا‭ ‬تهاويا‭ ‬نحو‭ ‬الأسفل‭ ‬ليحتل‭ ‬رتبا‭ ‬دنيا‭ ‬على‭ ‬سلم‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالتعليم،‭ ‬بشهادة‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬المهتمة‭ ‬بالشؤون‭ ‬التعليمية‭. ‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬تعليمنا‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الأهداف‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬فقدتها‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‭ ‬بفعل‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬تنهجها‭ ‬الدولة‭ ‬والمبنية‭ ‬على‭ ‬اختيارات‭ ‬لا‭ ‬وطنية‭ ‬وعلى‭  ‬التجارب‭ ‬المستوردة‭ ‬الفاشلة،‭ ‬حتى‭  أصبح‭  ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬ينتج‭  ‬الجهل‭ ‬والتخلف‭ ‬والأمية‭ ‬الثقافية‭ ‬والتفاهة‭ ‬والانحراف‭ ‬والتطرف،‭ ‬وبالمقابل‭ ‬تعمل‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬تعميم‭ ‬التعليم‭ ‬الخصوصي‭ ‬وتمكينه‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬التسهيلات‭ ‬حتى‭ ‬يتكاثر‭ ‬بسرعة‭ ‬و‭ ‬بدون‭ ‬مردودية‭ ‬تربوية‭ ‬حقيقية‭ ‬ودون‭ ‬كفاءات‭ ‬تذكر،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬رواده‭ ‬يلجؤون‭ ‬إلى‭ ‬الساعات‭ ‬الإضافية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭  ‬تعاقد‭ ‬مستتر‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬المراقبة‭ ‬والتتبع‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬الطفل‭ ‬بضاعة‭ ‬للاسترزاق‭ ‬الفاحش‭. ‬إن‭ ‬الحكومة‭ ‬ومنذ‭ ‬تنصيبها‭ ‬تسعى‭ ‬وبشكل‭ ‬سريع‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬قطاعي‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬وتسليمهما‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬كبضاعة‭ ‬مربحة‭ ‬في‭ ‬تعاقد‭ ‬غير‭ ‬معلن‭ ‬والذي‭ ‬يكشفه‭ ‬الواقع‭ ‬المعيش‭. ‬فالحكومة‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬الفقر‭ ‬بفعل‭ ‬سياستها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬المغربي‭ ‬حقا‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬ومواطنة،‭ ‬أي‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والكرامة‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التشغيل‭ ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬المغرب‭ ‬نتيجة‭ ‬السياسة‭ ‬اللاشعبية‭ ‬واللاديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬تنهجها‭ ‬الحكومة‭ ‬توسع‭ ‬التشجيع‭ ‬على‭ ‬اقتصاد‭ ‬الريع‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬التنمية‭ ‬وتبديد‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬غير‭ ‬منتجة‭ ‬ولا‭ ‬تستجيب‭ ‬لحاجيات‭ ‬الشعب‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬مناخ‭ ‬غير‭ ‬سليم‭ ‬للاستثمار‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تفشي‭ ‬ظاهرة‭ ‬الفساد‭ ‬والرشوة‭ ‬والمحسوبية‭ ‬والزبونية‭ ‬في‭ ‬التشغيل‭ ‬والأعمال‭. ‬وتضاءلت‭ ‬كل‭ ‬الحظوظ‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬للشغل‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬تنامي‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

سياسة‭ ‬اقتصادية‭ ‬يطبعها‭ ‬الريع‭ ‬

إن‭ ‬الصفة‭ ‬التي‭ ‬لازمت‭ ‬حكومة‭ ‬أخنوش‭ ‬هي‭ ‬استغلال‭ ‬النفوذ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاغتناء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إبرام‭ ‬الصفقات‭ ‬مع‭ ‬المقربين‭ ‬وتوظيف‭ ‬الأبناء‭ ‬والأصهار‭ ‬بشكل‭ ‬مفضوح‭. ‬وخير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬هو‭ ‬حصول‭ ‬وزير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬على‭ ‬تعويضات‭ ‬ورواتب‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬ولا‭ ‬مشروعة،‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬فرنسية‭ ‬ومن‭ ‬جامعة‭ ‬القاضي‭ ‬عياض،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬استنكره‭ ‬الجميع،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬لم‭ ‬يخجل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬غير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬بل‭ ‬استمر‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬موقفه‭ ‬و‭ ‬متشبثا‭  ‬بموقعه‭ ‬وكأن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بحقوق‭ ‬ثابتة،‭ ‬وما‭ ‬زاد‭ ‬الطين‭ ‬بلة‭ ‬هو‭ ‬تفويته‭ ‬صفقة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬الوزارة‭ ‬لمكتب‭ ‬المحاماة‭ ‬الذي‭ ‬يملكه‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬وهبي،‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬و‭ ‬الحريات‭ ‬والأمين‭ ‬العام‭ ‬لحزب‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬ميداوي‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬دون‭ ‬تحقق‭ ‬أدنى‭ ‬شروط‭ ‬المنافسة‭ ‬الشريفة‭ ‬والشفافية‭. ‬هي‭ ‬إذن‭ ‬وقاحة‭ ‬سياسية‭ ‬واستغلال‭ ‬للنفوذ‭. ‬أما‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬أخنوش‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬تدبير‭ ‬شؤون‭ ‬البلاد‭ ‬فهو‭ ‬يشكل‭ ‬مظهرا‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الاستغلال‭ ‬وتبديد‭ ‬أموال‭ ‬الشعب،‭ ‬لأنه‭ ‬ظل‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يذكي‭ ‬نار‭ ‬المحروقات‭ ‬التي‭ ‬يكتوي‭ ‬بها‭ ‬الشعب‭ ‬ويضرب‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬اقتصاد‭ ‬البلاد،‭ ‬فهو‭ ‬المتحكم‭ ‬في‭ ‬أسعارها،‭ ‬لأنه‭ ‬المالك‭ ‬الأكبر‭ ‬وسط‭ ‬شركات‭ ‬المحروقات‭. ‬كما‭ ‬قاد‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬التزام‭ ‬الصمت‭ ‬والبرلمان‭ ‬كذلك،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأرباح‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭ ‬التي‭ ‬يراكمها‭ ‬لوبي‭ ‬المحروقات‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬انتعاش‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭. ‬وأيضا‭ ‬وضع‭ ‬ملف‭ ‬الاختلاسات‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬هذ‭ ‬القطاع‭ ‬في‭ ‬تلاجه‭ ‬الحكومة‭.  ‬لأن‭ ‬مصالحه‭ ‬وثرواته‭ ‬ازدادت‭ ‬توسعا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التلاعب‭ ‬في‭ ‬أثمان‭ ‬المحروقات،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬مس‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للمواطنين‭ ‬والمواطنات‭ ‬دون‭ ‬مبرر‭ ‬منطقي‭ ‬يذكر،‭ ‬وأمام‭ ‬تبريرات‭ ‬الحكومة‭ ‬الواهية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ادعاءات‭ ‬غير‭ ‬منطقية‭ ‬يعلمها‭ ‬الجميع،‭ ‬أصبحت‭ ‬أسعار‭ ‬جميع‭ ‬المواد‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬تعرف‭ ‬ارتفاعات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬أسعار‭ ‬المحروقات‭. ‬فالأثمان‭ ‬أصبحت‭ ‬صاروخية،‭ ‬وتكتوي‭ ‬بنارها‭ ‬الطبقة‭ ‬الفقيرة،‭ ‬وامتدت‭ ‬إلى‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬مسايرة‭ ‬هذا‭ ‬الغلاء،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأولى‭ ‬المنتجة‭ ‬للخضر‭ ‬والفواكه‭ ‬والأسماك‭ ‬ومن‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬اكتفاء‭ ‬ذاتيا‭ ‬منها،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬المصدرين‭ ‬لهذه‭ ‬المنتجات‭. ‬فإن‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬لهذه‭ ‬المواد‭ ‬يجعل‭ ‬الحكومة‭ ‬أمام‭ ‬المسؤولية‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الانهيار،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬صمتها‭ ‬غير‭ ‬المفهوم‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬عودة‭ ‬شركة‭ ‬لاسمير‭ ‬للإنتاج،‭ ‬والسكوت‭ ‬حول‭ ‬العائدات‭ ‬الاستثنائية‭ ‬للفوسفاط‭.‬

إنها‭ ‬ليست‭ ‬بحكومة‭ ‬الكفاءات،‭ ‬كما‭ ‬سموها‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬إيقاف‭ ‬النزيف‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ولأنها‭ ‬تضرب‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬دولة‭ ‬الحق‭ ‬والقانون‭ ‬وتكرس‭ ‬دولة‭ ‬الفوارق‭ ‬الطبقية‭ ‬والمجالية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬الوقوف‭ ‬أمام‭ ‬تنامي‭ ‬القطاع‭ ‬غير‭ ‬المهيكل‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬ظاهرة‭ ‬بنيوية‭ ‬يستعصي‭ ‬حلها‭ ‬أمام‭ ‬تراكم‭ ‬مشاكلها‭ ‬دون‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬ناجعة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يتطلب‭ ‬الحنكة‭ ‬والحكامة‭ ‬والكفاءة‭ ‬لمحاربة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬البطالة‭ ‬المقنعة‭ ‬التي‭ ‬تخفي‭ ‬وراءها‭ ‬الاستغلال‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المسؤولين‭ ‬الحكوميين‭ ‬وغير‭ ‬حكوميين‭ ‬والمنتخبين‭ ‬والسلطات،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬جميعهم‭   ‬يحققون‭ ‬مكاسب‭ ‬شخصية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬التنمية‭. ‬ونسجل‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬لم‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬التصدي‭ ‬للفساد‭ ‬والمفسدين،‭ ‬بل‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬سحب‭ ‬مشرع‭ ‬قانون‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬وتجميد‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد‭. ‬وبدل‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬بمراجعة‭ ‬سياستها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬اقتصاد‭ ‬وطني‭ ‬واستثمار‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬والطبيعية‭ ‬استثمارا‭ ‬عقلانيا،‭ ‬ظلت‭ ‬كسابقاتها‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬الغيث‭ ‬وعلى‭ ‬المياه‭ ‬الجوفية‭ ‬لاستمرار‭ ‬الحياة‭. ‬كما‭ ‬ظلت‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬المخطط‭ ‬الأخضر‭ ‬الذي‭ ‬استنزف‭ ‬ميزانية‭ ‬ضخمة‭ ‬ب‭ ‬43‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ (‬حوالي‭ ‬4‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭) ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬العمومي‭. ‬فسرعان‭ ‬ما‭ ‬عرفت‭ ‬السنة‭ ‬جفافا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬وارتفعت‭ ‬بفعله‭ ‬أسعار‭ ‬الحبوب‭ ‬والدقيق‭ ‬واللحوم‭ ‬وأسعار‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية،‭ ‬وأصبح‭ ‬المغرب‭ ‬يواجه‭ ‬أسوأ‭ ‬موجة‭ ‬جفاف‭ ‬منذ‭ ‬30‭ ‬عاما،‭ ‬حيث‭ ‬تراجع‭ ‬معدل‭ ‬التساقطات‭ ‬المطرية‭ ‬وارتفعت‭ ‬حدة‭ ‬المطالبة‭ ‬بمياه‭ ‬الري‭ ‬والماء‭ ‬الصالح‭ ‬للشرب‭. ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬لجأت‭ ‬الحكومة‭ ‬الى‭ ‬تدابير‭ ‬ترقيعيه‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭ ‬إغلاق‭ ‬المسابح‭ ‬والإقلاع‭ ‬عن‭ ‬غسل‭ ‬السيارات‭ ‬وسقي‭ ‬الأشجار‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬معممة‭. ‬إنها‭ ‬لم‭ ‬تتحرك‭  ‬حتى‭ ‬جفت‭ ‬السدود‭ ‬والوديان‭ ‬وجفت‭ ‬العيون‭ ‬والآبار‭ ‬وتلاشت‭ ‬الأشجار‭ ‬بفعل‭ ‬الجفاف‭ ‬وأصبح‭ ‬الناس‭ ‬مهددون‭ ‬بالعطش‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬وفي‭ ‬القرى‭ ‬والدواوير‭ ‬وفي‭ ‬المداشر‭. ‬ولم‭ ‬تقم‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬بتشخيص‭ ‬موضوعي‭ ‬لواقع‭ ‬الجفاف‭ ‬وما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬أوضاع‭ ‬الفلاحين‭ ‬الصغار‭ ‬الذين‭ ‬اكتووا‭ ‬بسياسة‭ ‬المخطط‭ ‬الأخضر‭ ‬الذي‭ ‬جاءت‭ ‬نتائجه‭ ‬سلبية‭ ‬باعتراف‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬مثل‭ ‬المندوبية‭ ‬السامية‭ ‬للتخطيط‭ ‬والمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات‭ ‬حول‭ ‬حصيلة‭ ‬‭”‬المغرب‭ ‬الأخضر‭” ‬وعدم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬لارتباط‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬أهدافه‭ ‬بالتساقطات‭ ‬المطرية‭ ‬بدون‭ ‬سيناريو‭ ‬بديل‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الجفاف‭. ‬ولم‭ ‬يضع‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬التدبير‭ ‬العقلاني‭ ‬للمياه‭ ‬الجوفية‭ ‬والسطحية‭ ‬ومياه‭ ‬السدود‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬يضع‭ ‬ضمن‭ ‬آليات‭ ‬التنفيذ‭ ‬عملية‭ ‬تخزين‭ ‬المياه‭ ‬الشتوية‭ ‬للحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الشدة‭ ‬وكذا‭ ‬مخططات‭ ‬تحلية‭ ‬مياه‭ ‬البحر،‭ ‬فالوضع‭ ‬أصبح‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬مراجعة‭ ‬سياستها‭ ‬لمواجهة‭ ‬خطر‭ ‬الجفاف‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬معه‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬الوقت‭ ‬الضائع‭ ‬ممكنا،‭ ‬وذلك‭ ‬بتشخيص‭ ‬واقعي‭ ‬لما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬الأوضاع‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تعيشها‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬الجفاف‭ ‬لاتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬عملية‭ ‬وعلمية‭ ‬سريعة‭ ‬وتنمية‭ ‬اقتصادية‭ ‬غير‭ ‬مرهونة‭ ‬بالتساقطات‭ ‬المطرية،‭ ‬وذلك‭ ‬باعتماد‭ ‬سياسة‭ ‬تشاركية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬برنامج‭ ‬مندمج‭ ‬يراعي‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬المناطق،‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬مخطط‭ ‬لمحاربة‭  ‬تفشي‭ ‬الرشوة‭ ‬ومظاهر‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أبعادهما،‭ ‬إننا‭ ‬نحتاج‭ ‬فعلا‭ ‬لنموذج‭ ‬تنموي‭ ‬حقيقي‭ ‬ديمقراطي‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬رفاه‭ ‬المغاربة‭ ‬وكرامتهم‭ ‬وعيشهم‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬برامجه‭ ‬دون‭ ‬الخضوع‭ ‬إلى‭  ‬ضغوطات‭ ‬اللوبيات‭ ‬المالية‭ ‬والإقطاعيين‭ ‬الجدد‭ ‬و‭ ‬إملاءات‭ ‬بنك‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوربي‭..‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.