منذ تنصيب حكومة أخنوش في أكتوبر من سنة 2021 والشعب المغربي في قاعة انتظار الذي يأتي والذي لا يأتي مما وعدت به هذه الحكومة من إصلاحات ومن حلول اقتصادية واجتماعية وثقافية. من هذه القاعة نفتح نافدة على الوضع العام، كيف أصبح عليه حال الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
التركيبة الحكومية وتضارب المصالح
عندما تم تنصيب حكومة أخنوش في خريف سنة 2021، وهي الحكومة رقم 33 منذ “استقلال” المغرب في سنة 1956، قيل عنها بأنها حكومة كفاءات وتجارب وربما الحكومة التي ستباشر تنزيل المخطط التنموي والنصوص الدستورية التي ظلت دون تنزيل. لكن المغاربة اكتشفوا بأن مصيرهم أصبح بين أيدي حكومة تصريحات أحيانا متناقضة وأحيانا أخرى متضاربة، من أجل الهروب إلى الأمام من الواقع الذي أصبحت تعيشه البلاد. سنحاول من خلال هذه النافذة الوقوف أولا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي في ظل هذه الحكومة.
الوضع الاجتماعي واتساع دائرة الفقر
رفعت الحكومة شعار “الدولة الاجتماعية”، كخيار استراتيجي، في غياب أي انسجام لمشاريعها ومرامي وأهداف الدولة الاجتماعية. فما تدعيه لا علاقة له بمفهوم الدولة الاجتماعية كما تبنتها بعض الدول الأوروبية منذ القرن التاسع عشر، ذلك أن مفهوم الدولة الاجتماعية هو في الأصل ظهر في ألمانيا “Sozialstaat” = «الدولة الاجتماعية»، وتم اعتماده منذ عام 1870. وكانت للدولة الاجتماعية أسس تتجلي في خلق الرفاهية لدى الشعب بناء على فلسفة اقتصادية قوامها المساواة وكرامة الإنسان أولا وجاءت في سياق تاريخي معين. إذن فحكومة اخنوش تستعمل مصطلحات للتضليل فقط، خارج السياق التاريخي والدولي وبعيدا عن واقع الوضع الاجتماعي المزرى للأغلبية الساحقة من الشعب المغربي، لأن من مقومات الدولة الاجتماعية أن يكون فيها الحق في العلاج مجانا ومضمونا، حتى لا يظل المواطنون والمواطنات أما خيارات صعبة بين أن ينتظروا أمام مستشفى عمومي يصنع الموت وبين مصحة خصوصية تتاجر في المرضى وتستنزف جيوبهم واستهلاك مهول لأرصدة الكنوبس “CNOPS ” بفعل المبالغة في فاتورة التطبيب بدون مراقبة ولا محاسبة. فالنفقات في قطاع الصحة لا ترقى إلى مطالب الدولة الاجتماعية في توفير الصحة للجميع. لقد ازداد الوضع الصحي في بلادنا سوءا وأصبح مجالا للريع والاغتناء غير المشروع، رغم أن الحكومة تتغنى بالتغطية الصحية التي ما هي إلا أكذوبة القرن أمام واقع أصبح مخزيا. أما بالنسبة للتعليم فإنه لا يزداد إلا تهاويا نحو الأسفل ليحتل رتبا دنيا على سلم الارتقاء بالتعليم، بشهادة المنظمات الدولية المهتمة بالشؤون التعليمية. لقد أصبح تعليمنا بعيدا عن الأهداف الوطنية التي فقدتها المدرسة العمومية بفعل السياسة التي تنهجها الدولة والمبنية على اختيارات لا وطنية وعلى التجارب المستوردة الفاشلة، حتى أصبح التعليم في بلادنا ينتج الجهل والتخلف والأمية الثقافية والتفاهة والانحراف والتطرف، وبالمقابل تعمل الحكومة على تعميم التعليم الخصوصي وتمكينه من جميع التسهيلات حتى يتكاثر بسرعة و بدون مردودية تربوية حقيقية ودون كفاءات تذكر، مما جعل رواده يلجؤون إلى الساعات الإضافية، في ظل تعاقد مستتر بعيدا عن المراقبة والتتبع وقد أصبح الطفل بضاعة للاسترزاق الفاحش. إن الحكومة ومنذ تنصيبها تسعى وبشكل سريع للتخلص من قطاعي الصحة والتعليم وتسليمهما للقطاع الخاص كبضاعة مربحة في تعاقد غير معلن والذي يكشفه الواقع المعيش. فالحكومة نجحت في توسيع دائرة الفقر بفعل سياستها في هذا المجال الذي كان عبر التاريخ المغربي حقا من حقوق كل مواطن ومواطنة، أي الحق في التعليم والحق في الصحة والحق في الحياة والكرامة.
أما على مستوى التشغيل وفي سياق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب نتيجة السياسة اللاشعبية واللاديمقراطية التي تنهجها الحكومة توسع التشجيع على اقتصاد الريع على حساب التنمية وتبديد المال العام في مشاريع غير منتجة ولا تستجيب لحاجيات الشعب بالإضافة إلى خلق مناخ غير سليم للاستثمار الشيء الذي أدى إلى تفشي ظاهرة الفساد والرشوة والمحسوبية والزبونية في التشغيل والأعمال. وتضاءلت كل الحظوظ في خلق فرص للشغل والحد من تنامي البطالة في البلاد.
سياسة اقتصادية يطبعها الريع
إن الصفة التي لازمت حكومة أخنوش هي استغلال النفوذ من أجل الاغتناء غير المشروع من خلال إبرام الصفقات مع المقربين وتوظيف الأبناء والأصهار بشكل مفضوح. وخير مثال على ذلك لا الحصر هو حصول وزير التعليم العالي على تعويضات ورواتب غير قانونية ولا مشروعة، من مؤسسة فرنسية ومن جامعة القاضي عياض، وهو الأمر الذي استنكره الجميع، لكن هذا الأخير لم يخجل من هذه الممارسة غير الأخلاقية بل استمر يدافع عن موقفه و متشبثا بموقعه وكأن الأمر يتعلق بحقوق ثابتة، وما زاد الطين بلة هو تفويته صفقة الدفاع عن مصالح الوزارة لمكتب المحاماة الذي يملكه عبد اللطيف وهبي، وزير العدل و الحريات والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة الذي يمثله ميداوي في الحكومة دون تحقق أدنى شروط المنافسة الشريفة والشفافية. هي إذن وقاحة سياسية واستغلال للنفوذ. أما ما يقوم به أخنوش رئيس الحكومة في ميدان تدبير شؤون البلاد فهو يشكل مظهرا من مظاهر الاستغلال وتبديد أموال الشعب، لأنه ظل ولا يزال يذكي نار المحروقات التي يكتوي بها الشعب ويضرب في العمق اقتصاد البلاد، فهو المتحكم في أسعارها، لأنه المالك الأكبر وسط شركات المحروقات. كما قاد الحكومة إلى التزام الصمت والبرلمان كذلك، فيما يتعلق بالأرباح غير المشروعة التي يراكمها لوبي المحروقات على حساب انتعاش الاقتصاد الوطني. وأيضا وضع ملف الاختلاسات التي عرفها هذ القطاع في تلاجه الحكومة. لأن مصالحه وثرواته ازدادت توسعا من خلال التلاعب في أثمان المحروقات، الشيء الذي مس بشكل مباشر القدرة الشرائية للمواطنين والمواطنات دون مبرر منطقي يذكر، وأمام تبريرات الحكومة الواهية من خلال ادعاءات غير منطقية يعلمها الجميع، أصبحت أسعار جميع المواد الاستهلاكية تعرف ارتفاعات غير مسبوقة وفي مقدمتها أسعار المحروقات. فالأثمان أصبحت صاروخية، وتكتوي بنارها الطبقة الفقيرة، وامتدت إلى الطبقة المتوسطة التي أصبحت عاجزة عن مسايرة هذا الغلاء، بالرغم من أن المغرب هو من الدول الأولى المنتجة للخضر والفواكه والأسماك ومن المفروض أن يحقق اكتفاء ذاتيا منها، وهو من المصدرين لهذه المنتجات. فإن ارتفاع الأسعار لهذه المواد يجعل الحكومة أمام المسؤولية الكاملة في هذا الانهيار، خصوصا مع صمتها غير المفهوم فيما يخص عودة شركة لاسمير للإنتاج، والسكوت حول العائدات الاستثنائية للفوسفاط.
إنها ليست بحكومة الكفاءات، كما سموها لنا في البداية، لأنها لم تستطع إيقاف النزيف الاقتصادي، ولأنها تضرب في العمق دولة الحق والقانون وتكرس دولة الفوارق الطبقية والمجالية. كما أن هذه الحكومة لم تستطع الوقوف أمام تنامي القطاع غير المهيكل الذي أصبح ظاهرة بنيوية يستعصي حلها أمام تراكم مشاكلها دون إيجاد حلول ناجعة، وهو ما كان يتطلب الحنكة والحكامة والكفاءة لمحاربة هذه الظاهرة التي تشكل نوعا من البطالة المقنعة التي تخفي وراءها الاستغلال من طرف المسؤولين الحكوميين وغير حكوميين والمنتخبين والسلطات، رغم أن جميعهم يحققون مكاسب شخصية على حساب التنمية. ونسجل أن الحكومة لم تعمل على التصدي للفساد والمفسدين، بل عملت على سحب مشرع قانون الإثراء غير المشروع وتجميد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. وبدل أن تقوم هذه الحكومة بمراجعة سياستها الاقتصادية من خلال بناء اقتصاد وطني واستثمار الموارد البشرية والطبيعية استثمارا عقلانيا، ظلت كسابقاتها تراهن على الغيث وعلى المياه الجوفية لاستمرار الحياة. كما ظلت تراهن على نتائج المخطط الأخضر الذي استنزف ميزانية ضخمة ب 43 مليار درهم (حوالي 4.5 مليار دولار) من الدعم العمومي. فسرعان ما عرفت السنة جفافا غير مسبوق وارتفعت بفعله أسعار الحبوب والدقيق واللحوم وأسعار بعض المواد الأساسية، وأصبح المغرب يواجه أسوأ موجة جفاف منذ 30 عاما، حيث تراجع معدل التساقطات المطرية وارتفعت حدة المطالبة بمياه الري والماء الصالح للشرب. أمام هذا الوضع لجأت الحكومة الى تدابير ترقيعيه من ضمنها إغلاق المسابح والإقلاع عن غسل السيارات وسقي الأشجار رغم أنها غير معممة. إنها لم تتحرك حتى جفت السدود والوديان وجفت العيون والآبار وتلاشت الأشجار بفعل الجفاف وأصبح الناس مهددون بالعطش في المدن وفي القرى والدواوير وفي المداشر. ولم تقم الحكومة في الوقت المناسب بتشخيص موضوعي لواقع الجفاف وما آلت إليه أوضاع الفلاحين الصغار الذين اكتووا بسياسة المخطط الأخضر الذي جاءت نتائجه سلبية باعتراف المؤسسات الرسمية مثل المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الأعلى للحسابات حول حصيلة ”المغرب الأخضر” وعدم قدرته على تحقيق الأمن الغذائي لارتباط جزء كبير من أهدافه بالتساقطات المطرية بدون سيناريو بديل في حالات الجفاف. ولم يضع في الحسبان التدبير العقلاني للمياه الجوفية والسطحية ومياه السدود و لم يضع ضمن آليات التنفيذ عملية تخزين المياه الشتوية للحفاظ عليها في الشدة وكذا مخططات تحلية مياه البحر، فالوضع أصبح يتطلب من الحكومة مراجعة سياستها لمواجهة خطر الجفاف الذي لم يعد معه الرهان على الوقت الضائع ممكنا، وذلك بتشخيص واقعي لما آلت إليه الأوضاع التي أصبحت تعيشها البلاد من مخاطر الجفاف لاتخاذ إجراءات عملية وعلمية سريعة وتنمية اقتصادية غير مرهونة بالتساقطات المطرية، وذلك باعتماد سياسة تشاركية في إطار برنامج مندمج يراعي التوازن بين المناطق، مع وضع مخطط لمحاربة تفشي الرشوة ومظاهر الفساد في كل أبعادهما، إننا نحتاج فعلا لنموذج تنموي حقيقي ديمقراطي يكون فيه رفاه المغاربة وكرامتهم وعيشهم الكريم في صلب برامجه دون الخضوع إلى ضغوطات اللوبيات المالية والإقطاعيين الجدد و إملاءات بنك النقد الدولي والاتحاد الأوربي..