...
الثقافة

حوار مع – لوسيان سيف (Lucien Sève)

◆ ترجمة : عبد الكريم وشاشا

الفيلسوف والمناضل الشيوعي لوسيان سيف Lucien Sève (توفي يوم الاثنين 23 مارس 2020 بسبب إصابته بفيروس كورونا المستجد عن عمر يناهز 93 عاما) صاحب مشروع فلسفي كبير حاول أن يربط ” التفكير مع ماركس ” بالمعارف المعاصرة، من علم النفس والأنتربولوجيا إلى البيولوجيا وأخلاقيات علم الأحياء (la bioéthique) مرورا بدور الديالكتيك في العلوم الطبيعية. وهذا النشاط النضالي والفلسفي الذي يقوم به هو خارج المؤسسات الجامعية؛ فهو عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفرنسي من 1961 إلى 1994، ومدير لدار المنشورات الاشتراكية من 1970 إلى 1982 وكان أحد المبادرين والمشرفين لإعادة نشر وترجمة كل أعمال ماركس وإنجلز. من أهم إصداراته: الماركسية ونظرية الشخصية – مقدمة في الفلسفة الماركسية – علوم وديالكتيك الطبيعة …الخ انخرط في مشروعه الكبير والأخير تحت عنوان عريض “التفكير مع ماركس اليوم” ب: ماركس ونحن؟- الإنسان؟ – الفلسفة ؟ والسؤال الجديد للشيوعية أو شيوعية القرن الحادي والعشرين… الخ

فيما‭ ‬يلي‭  ‬النص‭ ‬الحواري‭ ‬الذي‭ ‬أجرته‭ ‬معه‭ ‬مجلة Le Philosophoire

سؤال‭:‬‭ ‬في‭ ‬الخاتمة‭ ‬التي‭ ‬أنهيت‭ ‬بها‭ ‬عملك‭ ” ‬الإنسان‭ ‬؟‭ ” ‬أدرجت‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬الملفتة‭ ‬والمذهلة‭ ‬لماركس‭: “‬لا‭ ‬يطور‭ ‬الإنتاج‭ ‬الرأسمالي‭ ‬تقنية‭ ‬ودمج‭ ‬عملية‭ ‬الإنتاج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬إلا‭ ‬بالقيام‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬بتدمير‭ ‬المصادر‭ ‬الحية‭ ‬لكل‭ ‬الثروة‭: ‬الأرض‭ ‬والعامل‭.” ‬لكنك‭ ‬تؤكد‭ ‬بعدها،‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الرهانات‭ ‬والتحديات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬عصرنا،‭ ‬وحدها‭ ‬قضية‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬ومستديم‭ ‬داخل‭ ‬الفضاء‭ ‬العمومي،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬تقصير‭ ‬نظري‭ ‬وعملي‭ ‬مثير‭ ‬للقلق‭ ‬لما‭ ‬تقترح‭ ‬أن‭ ‬تسميه‭ “‬القضية‭ ‬الأنتربولوجية‭”. ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تعنيه‭ ‬بالضبط‭ ‬بهذا‭ ‬المفهوم‭ ‬؟‭ ‬وكيف‭ ‬تفسر‭ ‬هذا‭ ‬الاختلال‭ ‬–‭  ‬في‭ ‬حين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصير‭ ‬الإنسانية،‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتحضرة،‭ ‬منطقيا‭ ‬مقلقا‭ ‬لنا،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬مصير‭ ‬الطبيعة‭ ‬؟

•‭ ‬لوسيان‭ ‬سيف‭:‬‭  ‬لقد‭ ‬تأثرت‭ ‬كثيرا‭ ‬بهذا‭ ‬التناقض‭ ‬في‭ ‬العواقب‭ ‬الوخيمة؛‭ ‬فالرأي‭ ‬العام‭ ‬واع‭ ‬تمام‭ ‬الوعي‭ ‬بالاحتباس‭ ‬الحراري،‭ ‬والتلوث‭ ‬البيئي،‭ ‬واستنزاف‭ ‬الموارد،‭ ‬وإهدار‭ ‬التنوع‭ ‬البيولوجي‭… ‬الخ‭.. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الضرر‭ ‬لكوكب‭ ‬الأرض‭ ‬نتحمله‭ ‬أقل‭ ‬فأقل،‭ ‬وهو‭ ‬عنوان‭ ‬إلزامي‭ ‬لكل‭ ‬خطاب‭ ‬رسمي‭ ‬ولكل‭ ‬برنامج‭ ‬سياسي‭.‬‭ ‬فالقضية‭ ‬الإيكولوجية‭ ‬تؤرق‭ ‬الضمير‭ ‬المدني،‭ ‬وتختلط‭ ‬داخلها‭ ‬البلاغات‭ ‬الخادعة‭ ‬بالمطالبة‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬والمحاسبة‭. ‬ففي‭ ‬مقابل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الضجيج‭ ‬–‭ ‬وهو‭ ‬مشروع‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭- ‬حول‭ ‬الخطر‭ ‬المحدق‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض،‭ ‬أجد‭ ‬الصمت‭ ‬المطبق‭ ‬على‭ ‬خطر‭ ‬يهدد‭ ‬كوكب‭ – ‬الإنسان‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬خطورة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض،‭ ‬وأعني‭ ‬به‭ ‬الإنسانية‭ ‬باعتبارها‭ ‬نوعا‭ ‬متحضرا‭. ‬

فعندما‭ ‬تتجاوز‭ ‬سخرية‭ ‬واستخفاف‭ ‬الأثرياء‭ ‬الحدود‭ ‬والمرتفعات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية،‭  ‬حيث‭ ‬يتضور‭ ‬جوعا‭ ‬حتى‭ ‬الموت‭ ‬مليار‭ ‬من‭ ‬الأشخاص،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الأجراء‭ ‬يتم‭ ‬دفعهم‭ ‬نحو‭ ‬الانتحار‭ ‬بسياسة‭ (‬personnicide‭) ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬الشركات‭ ‬والمقاولات،‭ ‬أما‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬فإنه‭ ‬يتعرض‭ ‬للهجوم‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الجهات،‭ ‬وتتكاثر‭ ‬وتنتشر‭ ‬مافيا‭ ‬السلطة‭ ‬و‭”‬العصابات‭ ‬البربرية‭” ‬أو‭ “‬جماعات‭ ‬الكراهية‭ ‬العرقية‭ ‬والعنصرية‭ ‬المقيتة‭” ‬وتنهار‭ ‬جميع‭ ‬القيم‭ ‬أمام‭ ‬قيمة‭ ‬وحيدة‭ ‬وفريدة،‭ ‬قيمة‭ ‬المال‭ ‬التي‭ ‬تُفرغ‭ ‬كل‭ ‬قيمة‭ ‬والعالم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬معنى‭… ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬نتساءل،‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬إنسانيتنا‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬مهددة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬مثل‭ ‬الجليد‭ ‬القطبي‭ ‬؟‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬الأنتربولوجية‭  ‬المستعجلة‭ ‬والحيوية،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬موضوع‭ ‬لوعي‭ ‬عالمي،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬اسم‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وغير‭ ‬مدرجة‭ ‬في‭ ‬برنامج،‭ ‬أي‭ ‬تشكيل‭ ‬سياسي‭… ‬الكل‭ ‬يشعر‭ ‬بالقلق‭ ‬من‭ ‬احتمال‭ ‬كوكب‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬للسكن،‭ ‬ولكن‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬هذه‭ ‬الحركات‭ ‬وبنفس‭ ‬المنطق‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬الإنسانية‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬لأن‭ ‬تصبح‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للعيش‭ ‬؟‭   

نعم،‭ ‬لذا‭ ‬في‭ ‬خاتمة‭ ‬كتابي‭ ‬حيث‭ ‬يقوم‭ ‬النقد‭ ‬الراديكالي‭ ‬بنقد‭ ‬هذا‭ ‬التجريد‭ ‬المضلل،‭ “‬الإنسان‭” ‬يذهب‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬منظور‭ ‬آخر‭ ‬للإنسانية،‭ ‬أشعر‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أرفع‭ ‬عاليا‭ ‬راية‭ “‬القضية‭ ‬الأنتربولوجية‭” ‬إنها‭ ‬راية‭ ‬صغيرة‭ ‬لقضية‭ ‬عملاقة،‭ ‬أنا‭ ‬على‭ ‬وعي‭ ‬بذلك،‭ ‬لأن‭ ‬الفرق‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬القضايا‭ ‬الإيكولوجية‭ ‬والأنتربولوجية‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نؤيد‭ ‬الأولى‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نشكك‭ ‬أو‭ ‬ندين‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجريم‭ ‬التقدم‭ ‬التكنولوجي،‭ ‬والعطش‭ ‬للوفرة،‭ ‬والتهور‭ ‬والاستهتار‭… ‬في‭ ‬حين،‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬أن‭ ‬نفس‭ ‬الهيجان‭ ‬والجنون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الربح‭ ‬الخاص‭ ‬وفي‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يدمر‭ ‬الكوكب‭ ‬كما‭ ‬يدمر‭ ‬الإنسانية‭. ‬في‭ ‬نسخها‭ ‬الغير‭ ‬المسيسة،‭ ‬القضية‭ ‬الإيكولوجية‭ ‬تتناولها‭ ‬وتتناقلها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بإسهاب،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الأنتربولوجية‭ ‬فإن‭ ‬الإملاءات‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الرأسمالية‭ ‬متهمة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭: ‬هنا،‭ ‬لا‭ ‬دعم‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬ويمكن‭ ‬لأحد‭ ‬المساهمين‭ ‬في‭  ‬CAC 40‭ (‬مؤشر‭ ‬كاك‭ ‬40‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مؤشرات‭ ‬بورصة‭ ‬باريس‭ ‬لأكبر‭ ‬أربعين‭ ‬شركة‭ ‬فرنسية‭) ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬المدافعين‭ ‬الخضر‭ ‬عن‭ ‬البيئة‭… ‬لذلك‭ ‬فهي‭ ‬معركة‭ ‬صعبة‭ ‬للغاية،‭ ‬ولكنها‭ ‬جوهرية،‭ ‬إنها‭ ‬مسألة‭ ‬تفكير،‭ ‬وانخراط‭ ‬وإشراك،‭ ‬وبذل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجهود‭. 

سؤال‭:‬‭ ‬يحتل‭ ‬نقد‭ ‬مارتن‭ ‬هايدغر‭ ‬للتقنية‭  ‬مكانا‭ ‬بارزا‭ ‬عند‭ ‬المفكرين‭ ‬المعاصرين‭: ‬إدانة‭ ‬للعلوم‭ ‬التكنولوجية‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬الصعود‭ ‬التقني‭ ‬للطبيعة‭ (‬Gestell‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬يحول‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬–‭ ‬أي‭ ‬الطبيعة‭ ‬–‭ ‬إلى‭ ‬مخزون‭ ‬ضخم‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬المتراكمة‭ ‬والقابلة‭ ‬للاستخدام‭ ‬والاستغلال،‭ ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭…‬

أنتم‭ ‬كنتم‭ ‬مهتمون‭ ‬في‭ ‬كتابكم‭ ‬النقدي‭ ‬لأخلاقيات‭ ‬البيولوجيا،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬هايدغر‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬تشيرون‭ ‬إليها‭ : ‬هل‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬تحول‭ ‬الناس‭ ‬أنفسهم‭ ‬إلى‭ “‬موارد‭ ‬بشرية‭” ‬وبجملة‭ ‬واحدة‭ ‬استغلال‭ ‬الإنسان‭ ‬للإنسان‭ ‬؟

•‭ ‬لوسيان‭ ‬سيف‭:‬‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬أتقاسم‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬إيمانويل‭ ‬فاي‭ (‬Emmanuel Faye‭) ‬بإضاءته‭ ‬الثمينة‭ ‬والجديدة‭ ‬حول‭ ‬النظرية‭ ‬النازية‭ ‬لصاحب‭ ‬كتاب‭ “‬الزمان‭ ‬والوجود‭ “‬،‭ ‬لينفي‭ ‬عنه‭ ‬صفة‭ ‬الفيلسوف؛‭ ‬نعم،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬هايدغر‭ ‬حقا‭ ‬نازيا،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬مفكر‭ ‬كبير،‭ ‬تحليله‭ ‬ل‭ ‬Gestell‭ (‬أنظر‭ ‬المصطلحات‭ ‬الهايدغرية‭ ‬التي‭  ‬أعدها‭ ‬محمد‭ ‬سبيلا‭ : ‬هكذا‭ ‬تتجلى‭ ‬التقنية‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬نظام‭ ‬تقني‭ ‬وصناعي‭ ‬كلي‭  ‬Gestell‭ ‬مهيمن،‭ ‬وذلك‭ ‬بواسطة‭ ‬العلم‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬تقنيا‭) ‬والذي‭ ‬أعود‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬كتبي،‭ ‬يمس‭ ‬الجوهر‭ ‬والأسس‭.. ‬أظهر‭ ‬لنا‭ ‬هايدغر‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬الخمسينات‭ ‬الخطر‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬يقترب‭ ‬منا‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ “‬التقنية‭” ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ “‬جوهر‭ ‬التقنية‭ ” ‬بمعنى‭ : ” ‬اعتلاء‭ ‬وصعود‭ ‬النفعية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬بعيدون‭ ‬عن‭ ‬الموضوعة‭ ‬الماركسية‭ ‬حول‭ ‬الاغتراب‭ ‬بسبب‭ ‬الربح‭ ‬الخاص‭ ‬؟‭ ‬ولكن‭ ‬عند‭ ‬هايدغر،‭ ‬كل‭ ‬تحليل‭ ‬اقتصادي‭ ‬يواجه‭ ‬تحديا‭ ‬متعاليا،‭ ‬وهذا‭ ‬الصعود‭ ‬المرعب‭ ‬للمصير‭ ‬التراجيدي‭ ‬للإنسان‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينقذه‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ “‬إله‭” ‬فقط‭. ‬هنا‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬الحد‭ ‬البالغ‭ ‬الخطورة‭ ‬للفكر‭ ‬الهايدغري‭ : ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬التجريد‭ ‬الفلسفي‭ ‬الذي‭ ‬يخفي‭ ‬الحقائق‭ ‬الطبقية‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬الدازاين‭ (‬un Dasein‭ = ‬وتعني‭ ‬الوجود‭) ‬كمفتاح‭ ‬رئيسي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مهدا‭ ‬للتوفيقية‭ ‬النازية‭… ‬

ففي‭ ‬المجال‭ ‬البيئي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬الوضوح‭ ‬النقدي‭ ‬الماركسي‭.‬

سؤال‭:‬‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬تسمونه‭ “‬الإنسانية‭” ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬أن‭ ‬نفهمه‭ ‬بطريقة‭ ‬مباشرة،‭ ‬لكنه‭ ‬يمثل‭ ‬موضوعا‭ ‬لإعداد‭ ‬نظري‭ ‬تاريخي‭ ‬مركب‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬علم‭ ‬موثوق‭ ‬وأصيل‭ ‬للشخصية،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬القلب‭ ‬الحي‭ ‬لبحثك،‭ ‬من‭ ‬الماركسية‭ ‬و‭”‬نظرية‭ ‬الشخصية‭” ‬إلى‭ “‬الإنسان‭” ‬؟‭ ‬مرورا‭ ‬بأعمالك‭ ‬حول‭ ‬أخلاقيات‭ ‬البيولوجيا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬CCNE‭ (‬الجمعية‭ ‬الاستشارية‭ ‬الوطنية‭ ‬للأخلاقيات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬علوم‭ ‬الحياة‭ ‬والصحة‭ ‬والتي‭ ‬تأسست‭ ‬بمرسوم‭ ‬سنة‭ ‬1983‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬فرنسوا‭ ‬ميتران‭) ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬إعطاء‭ ‬مضمون‭ ‬صارم‭ ‬لمفهوم‭ ‬الجوهر‭ ‬الإنساني‭ ‬بعد‭ ‬ماركس‭ ‬ومعه‭ ‬؟‭ ‬دون‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬مطبات‭ ‬الفلسفة‭ ‬المثالية‭ ‬التقليدية‭ ‬ولا‭ ‬في‭ “‬نظرية‭ ‬معاداة‭ ‬الإنسانية‭” ‬التي‭ ‬تصور‭ ‬لنا‭ ‬التاريخ‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ” ‬محاكمة‭ ‬بدون‭ ‬موضوع‭ ” ‬وبذلك‭ ‬تقصي‭ ‬بشكل‭ ‬جذري‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬كل‭ ‬إشكالية‭ ‬أنتربولوجية؟

أنت‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬على‭ ‬نقد‭ ‬متقارب‭ ‬لأطروحات‭ ‬المدرسة‭ ‬الألتوسيرية،‭ ‬الأطروحة‭ ‬السادسة‭ ‬حول‭ ‬فيورباخ،‭ ‬لطرح‭ ‬ما‭ ‬تسميه‭ “‬الانحراف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للجوهر‭ ‬الإنساني‭” ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬الأساسي‭ ‬الذي‭ ‬يدشن‭ ‬حسب‭ ‬رؤيتك‭ ‬ثورة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬الأنتربولوجيا‭ ‬؟

•‭ ‬لوسيان‭ ‬سيف‭:‬‭ ‬لقد‭ ‬حدث‭ ‬معي‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬عادي‭ ‬شيئا‭ ‬ما‭: ‬لقد‭ ‬قرأت‭ ‬كتاب‭ “‬الرأسمال‭” ‬سنة‭ ‬1953‭ ‬بأسئلة‭ ‬رجل‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمرK‭ ‬في‭ ‬المقدمة‭ ‬أسئلة‭ ‬حول‭ ‬علم‭ ‬النفس،‭ ‬وفي‭ ‬الخلفية‭ ‬حول‭ ‬معنى‭ ‬الحياة؛‭ ‬والآن،‭ ‬شيء‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬له‭ ‬مثيل،‭ ‬لقد‭ ‬أجابتني‭ ‬قراءة‭ ‬الرأسمال‭ ‬على‭ ‬أبعد‭ ‬مما‭ ‬توقعت،‭ ‬وقد‭ ‬عرضته‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬من‭ “‬الإنسان‭ ‬؟‭” ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كشفه‭ ‬لنا‭ ‬ماركس‭ ‬ولا‭ ‬زال‭ ‬يكتشفه،‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنتاج‭ ‬وسائل‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصة‭ ‬بنا،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬نوع‭ ‬حيواني‭ ‬القيام‭ ‬به،‭ ‬تكرس‭ ‬الإنسانية‭ ‬قدراتها‭ ‬العملية‭ ‬والنفسية،‭ ‬وتخلق‭ ‬بشكل‭ ‬تراكمي،‭ ‬عالما‭ ‬إنسانيا،‭ ‬من‭ ‬الأشياء،‭ ‬والعلامات،‭ ‬والعلاقات،‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬والتمثيليات،‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تبدأ‭ ‬جدلية‭ ‬تجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬حقيقة‭ ‬واقعية‭ ‬تختلف‭ ‬اختلافا‭ ‬جوهريا‭ ‬عن‭ ‬الحيوان‭… ‬

اكتشاف‭ ‬كبير‭ ‬لم‭ ‬تفهمه‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬السائدة‭ “‬للطبيعة‭ ‬الإنسانية‭”. ‬هذه‭ ‬رؤية‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬هائل‭ ‬لجميع‭ ‬العلوم‭ ‬وأيضا‭ ‬لجميع‭ ‬المساعي‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تغذي‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬تحليلات‭ (‬Grundrisse‭ ‬مساهمة‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السياسي‭)  ‬ورأس‭ ‬المال‭ ‬التي‭ ‬أوجزتها‭ ‬الأطروحة‭ ‬السادسة‭ ‬حول‭ ‬فيورباخ‭ ‬عندما‭ ‬قالت‭: “‬أن‭ ‬الجوهر‭ ‬الإنساني‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬أناسا‭ ‬متقدمين‭ ‬تاريخيا‭ ‬اجتماعيا‭ – ‬وليس‭ ‬تجريدا‭ ‬متأصلا‭ ‬لفرد‭ ‬تم‭ ‬عزله‭ –  ‬يجد‭ ‬فعاليته‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وعلى‭ ‬نطاق‭ ‬أوسع‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬العالم‭ ‬الإنساني‭.‬

لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المبالغة‭ ‬إذا‭ ‬تحدثنا‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬النظرية‭ ‬الأنتربولوجيا،‭ ‬ثورة‭ ‬أخطأها‭ ‬ألتوسير‭ ‬لسوء‭ ‬الحظ،‭ ‬ونحن‭ ‬مدينون‭ ‬له‭ ‬بالكثير،‭ ‬ولكن‭ ‬اليوم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬ألتوسير‭ ‬بعزم‭ ‬وتصميم‭. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.