...
الملف
أخر الأخبار

الانقلاب الأوروبي الأوكراني على بروتوكول مينسك

لقد‭ ‬كان‭ ‬الطلب‭ ‬الروسي‭ ‬واضحا،‭ ‬حول‭ ‬إجراء‭ ‬مفاوضات‭ ‬شاملة‭ ‬للتوازن‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الأوروبية‭. ‬لكن‭ ‬عدم‭ ‬التجاوب‭ ‬معه‭ ‬يحيلنا‭ ‬على‭ ‬نية‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬بؤرة‭ ‬صراع‭ ‬تخدم‭ ‬مصالحها‭ ‬الجيوسياسية‭. ‬فلو‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬راغبة‭ ‬فعلا‭ ‬في‭ ‬إقرار‭ ‬السلام‭ ‬وتجنب‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬القائمة،‭ ‬فلماذا‭ ‬لم‭ ‬تعمل‭ ‬مع‭ ‬حلفائها‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬طيلة‭ ‬السنوات‭ ‬السبع‭ ‬الفارطة،‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬اتفاقية‭ ”‬مينسك‭”‬،‭ ‬والتي‭ ‬قبلت‭ ‬بها‭ ‬روسيا،‭ ‬وكان‭ ‬تطبيقها‭ ‬سيمنع‭ ‬التوتر‭ ‬اللاحق‭ ‬ويفتح‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬ضبط‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ويحافظ‭ ‬على‭ ‬سيادتها‭ ‬ووحدتها‭.‬

اتفاقات‭ ‬مينسك

وللتذكير‭ ‬فقط،‭ ‬فإن‭ ‬بروتوكول‭ ‬مينسك‭ ‬أو‭ ‬البروتوكول‭ ‬الخاص‭ ‬بنتائج‭ ‬مشاورات‭ ‬مجموعة‭ ‬الاتصال‭ ‬الثلاثية‭ ‬هو‭ ‬اتفاق‭ ‬لوقف‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬دونباس‭ ‬بأوكرانيا،‭ ‬وقع‭ ‬عليه‭ ‬ممثلو‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وروسيا‭ ‬وجمهورية‭ ‬دونيتسك‭ ‬الشعبية‭ ‬وجمهورية‭ ‬لوغانسك‭ ‬الشعبية‭ ‬ومنظمة‭ ‬الأمن‭ ‬والتعاون‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬سبتمبر‭ ‬2014‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬الاتفاق،‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬دونباس،‭ ‬وتبعته‭ ‬حزمة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬تسمى‭ ‬مينسك‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬فبراير‭ ‬2015،‭ ‬والتي‭ ‬فشلت‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬القتال‭. ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إليها‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬ومنظمة‭ ‬الأمن‭ ‬والتعاون‭ ‬الأوروبية،‭ ‬تضمنت‭ ‬أمرين‭ ‬أساسيين‭: ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬بين‭ ‬قوات‭ ‬الدفاع‭ ‬الشعبي‭ ‬الموالية‭ ‬لجمهوريتي‭ ‬دونباس‭ ‬ولوغانسك‭ ‬والقوات‭ ‬المحسوبة‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬الأوكراني‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬منح‭ ‬منطقتي‭ ‬دونباس‭ ‬ولوغانسك‭ ‬حكما‭ ‬ذاتيا‭ ‬نحو‭ ‬نظام‭ ‬فيديرالي‭ ‬للدولة‭ ‬الأوكرانية‭. ‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬روايات‭ ‬الاجتثاث‭ ‬الدموي‭ ‬لسكان‭ ‬هذه‭ ‬المناطق،‭ ‬ليس‭ ‬صعبا‭ ‬التيقن‭ ‬ممن‭ ‬كان‭ ‬يهاجم‭ ‬الآخر،‭ ‬لأن‭ ‬القوى‭ ‬المتطرفة‭ ‬التابعة‭ ‬للحكم‭ ‬الأوكراني‭ ‬كان‭ ‬هدفها‭ ‬التعجيل‭ ‬فورا‭ ‬بتدمير‭ ‬الكيانين‭ ‬الناشئين‭ ‬في‭ ‬جمهوريتي‭ ‬دونباس‭ ‬ولوغانسك،‭ ‬وقد‭ ‬أنجزت‭ ‬بهمجية‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬بدليل‭ ‬احتلالها‭ ‬لأغلب‭ ‬المساحة‭ ‬في‭ ‬التقسيم‭ ‬الإداري‭ ‬الأوكراني‭ ‬لمنطقتي‭ ‬دونباس‭ ‬ولوغانسك‭.‬

الانتفاضة‭ ‬البرتقالية

‭ ‬توالت‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وجاءت‭ ‬الانتفاضة‭ ‬البرتقالية‭ ‬الملونة‭ ‬وأفضت‭ ‬الصراعات‭ ‬التي‭ ‬تمخضت‭ ‬عنها‭ ‬إلى‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬بالقوة‭ ‬المسلحة‭ (‬في‭ ‬2014‭) ‬وبظهور‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الأوكراني‭ ‬لقوى‭ ‬يمينية‭ ‬متطرفة‭ ‬مستلبة‭ ‬بالنموذج‭ ‬الغربي‭ ‬وأخرى‭ ‬ذات‭ ‬ترسبات‭ ‬نازية‭ ‬قديمة،‭ ‬وكلاهما‭ ‬عملا‭ ‬بعدائية‭ ‬شرسة‭ ‬على‭ ‬اقتلاع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يشد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬انتماء‭ ‬حضاري‭ ‬مشترك‭. ‬ولقد‭ ‬تمكنت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬تشكل‭ ‬الدولة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬المستقلة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬اليد‭ ‬الطولى‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬دواليبها‭ ‬واختياراتها‭.‬

‭ ‬لكل‭ ‬ذلك،‭ ‬وجد‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬المنتخب‭ (‬زلنسكي‭) ‬نفسه،‭ ‬وهو‭ ‬القادم‭ ‬بلا‭ ‬خبرة‭ ‬من‭ ‬ميدان‭ ‬الكوميديا‭ ‬التلفزيونية‭ ‬إلى‭ ‬السياسة،‭ ‬سجينا‭ ‬لنظام‭ ‬تم‭ ‬تشكيله‭ ‬على‭ ‬المقاس‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المكونات‭ ‬السابقة‭ ‬القومية‭ ‬المتطرفة‭ ‬والأخرى‭ ‬ذات‭ ‬الميولات‭ ‬النازية‭. ‬وكان‭ ‬فوزه‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬لتعهده‭ ‬أنه‭ ‬سيمشي‭ ‬على‭ ‬ركبتيه‭ ‬لتحقيق‭ ‬السلام‭. ‬

إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الماسكة‭ ‬برقاب‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬لم‭ ‬تسع‭ ‬قط‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬اتفاقية‭ ‬مينسك‭ ‬الثانية‭ ‬لتجنيب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬فيه،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬أيا‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬الكبار‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬ينطق‭ ‬يوما‭ ‬قبل‭ ‬الأزمة‭ ‬بلفظة‭ ‬اتفاقية‭ ‬مينسك،‭ ‬ولا‭ ‬بإمكان‭ ‬اعتبارها‭ ‬قاعدة‭ ‬أولى‭ ‬للحل‭. ‬ولعل‭ ‬هذه‭ ‬الملاحظة‭ ‬تبين‭ ‬لوحدها‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الولاية‭ ‬المتحدة‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تبقي‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الأوكراني‭ ‬كمصدر‭ ‬تهديد‭ ‬وتوثير‭ ‬دائمين‭ ‬لروسيا‭ ‬بقوة‭ ‬السلاح‭. ‬

لقد‭ ‬قدمت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وأعضاء‭ ‬آخرون‭ ‬في‭ ‬الناتو‭ ‬تدريبات‭ ‬للجيش‭ ‬الأوكراني‭. ‬قاموا‭ ‬ببناء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬منشأة‭ ‬عسكرية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬15‭ ‬مختبرا‭ ‬للبنتاغون‭ ‬لتطوير‭ ‬الأسلحة‭ ‬الجرثومية‭ (‬الكوليرا‭ ‬والطاعون‭ ‬والأمراض‭ ‬الفتاكة‭ ‬الأخرى‭). ‬أوكرانيا‭ ‬بمحطاتها‭ ‬الأربعة‭ ‬للطاقة‭ ‬النووية‭ ‬وإمكانياتها‭ ‬العلمية‭ ‬والتقنية‭ ‬الضخمة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬صنع‭ ‬قنبلة‭ ‬ذرية،‭ ‬وكان‭ ‬تصريح‭ ‬زلنسكي‭ ‬بذلك‭ ‬علانية‭ ‬النقطة‭ ‬التي‭ ‬أفاضت‭ ‬الكأس‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬خطر‭ ‬نشر‭ ‬صواريخ‭ ‬كروز‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭. ‬مما‭ ‬أصبح‭ ‬معه‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬يهدد‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬أمن‭ ‬روسيا‭.        

شرارة‭ ‬الحرب

‭ ‬في‭ ‬دجنبر‭ ‬2021،‭ ‬تم‭ ‬تجاهل‭ ‬اقتراح‭ ‬روسيا‭ ‬عدم‭ ‬توسيع‭ ‬الناتو‭. ‬وحذرت‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2022‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬ستضطر‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬إضافية‭ ‬لحماية‭ ‬أمنها‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬أصبح‭ ‬معروفا‭ ‬أن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬قد‭ ‬حشدت‭ ‬150‭.‬000‭ ‬جندي‭ ‬وكتائب‭ ‬نازية‭ ‬في‭ ‬دونباس‭.‬

‭ ‬علمت‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬تقاريرها‭ ‬العسكرية‭ ‬المخابراتية،‭ ‬أن‭ ‬كييف،‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬تستعد‭ ‬لاستعادة‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬دونباس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هجوم‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2022‭.  ‬وفي‭ ‬22‭ ‬فبراير،‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬الاعتراف‭ ‬باستقلال‭ ‬دونيتسك‭ ‬ولوغانسك‭. ‬وفي‭ ‬25‭ ‬فبراير،‭ ‬بدأت‭ ‬عملية‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الروسية‭.                

وجاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬لا‭ ‬نية‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬والغرض‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬هو‭ ‬تحرير‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬النازيين‭ ‬الجدد‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬تعبير‭ ‬بوتين‭ ‬وفرض‭ ‬حيادها‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬الجمهوريات‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬استقلالها‭ ‬وطلبت‭ ‬العون‭ ‬والمساعدة‭ ‬من‭ ‬روسيا‭. ‬في‭ ‬انسجام‭ ‬تام‭ ‬مع‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭. ‬وذكر‭ ‬بوتين‭ ‬بتدمير‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ليوغسلافيا‭ ‬في‭ ‬1999،‭ ‬بدعوة‭ ‬من‭ ‬كوسوفو‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬استقلالها‭ ‬وتم‭ ‬الاعتراف‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وأرغمت‭ ‬باقي‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بكوسوفو‭.‬

إن‭ ‬اتفاقات‭ ‬مينسك،‭ ‬مهمة‭ ‬وكانت‭ ‬مقدمة‭ ‬للجلوس‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬التفاوض،‭ ‬لكن‭ ‬تم‭ ‬تجاهلها‭ ‬والقفز‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الدولي‭. ‬مما‭ ‬برر‭ ‬التدخل‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لحماية‭ ‬مصالحه‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬أمنه‭. ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.