...

المثقف المغربي وسؤال “الهوية المفقودة” قراءة سوسيولوجية

◆ محمد امباركي - باحث في علم الاجتماع

الاحتجاج‭ ‬كمدخل‭ ‬لاستعادة‭ “‬الهوية‭ ‬المفقودة‭”‬‭ ‬

إن‭ ‬مناسبة‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬هو‭ ‬الدعوة‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬والقاضية‭ ‬بجعل‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬26‭ ‬مارس‭ ‬2022‭ ‬يوما‭ ‬وطنيا‭ ‬لاحتجاج‭ ‬المثقفين‭ ‬المغاربة،‭ ‬وذلك‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬المادية‭ ‬والرمزية‭ ‬والحقوقية‭ ‬التي‭ ‬تعلي‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الإنسان‭ ‬وتؤسس‭ ‬لمغرب‭ ‬جديد‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الانطلاق‭ ‬بشكل‭ ‬جماعي‭ ‬نحو‭ ‬المستقبل‭ ‬بأمل‭ ‬حقيقي‭ ‬ومسؤولية‭ ‬ثابتة،‭ ‬وكذلك‭ ‬–‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬نداء‭ ‬الوقفة‭ ‬–‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬والإنسان‭ ‬والقيم‭ ‬وكل‭ ‬الجمال‭ ‬الذي‭ ‬يؤسس‭ ‬للحياة‭ ‬ويصارع‭ ‬القبح‭ ‬بكل‭ ‬تلويناته‭ .‬

فماهي‭ ‬دلالات‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬؟

لما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬المثقف‭ ‬المغربي،‭ ‬فحديثنا‭ ‬يستحضر‭ ‬مفهوم‭ ‬المثقف‭ ‬باعتباره‭ ‬فاعلا‭ ‬سوسيوثقافيا‭ ‬يتشابك‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬بمفهومها‭ ‬الواسع‭ ‬وفي‭ ‬أبعادها‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والقيمية،‭ ‬وكذلك‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬المجتمع،‭ ‬مع‭ ‬أسئلته‭ ‬وتطلعاته‭ ‬وانتظاراته،‭ ‬أما‭ ‬المقصود‭ ‬بسوسيولوجيا‭ ‬المثقف‭ ‬فهو‭ ‬محاولة‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬خصائص‭ ‬وتحولات‭ ‬الحقل‭ ‬الثقافي‭ ‬الراهن‭ ‬ومسائلة‭ ‬بعض‭ ‬آليات‭ ‬حضور‭ ‬المثقف‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العام‭ . ‬

فلماذا‭ ‬سوسيولوجيا‭ ‬المثقف‭ ‬المغربي؟

من‭ ‬الراجح‭ ‬أن‭ ‬خروج‭ ‬دعوة‭ ‬من‭ ‬أوساط‭ ‬مثقفة‭ ‬تدعو‭ ‬الى‭ ‬جعل‭ ‬26‭ ‬مارس‭ ‬2022‭ ‬يوما‭ ‬وطنيا‭ ‬احتجاجيا‭ ‬للمثقفين‭ ‬المغاربة،‭ ‬له‭ ‬دلالات‭ ‬متعددة‭ ‬تعكس‭ ‬التمزق‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬المثقف‭ ‬كامتداد‭ ‬لتمزق‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬بين‭ ‬مشاريع‭ ‬متعددة‭ ‬ومتنافرة‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬متداخلة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حقل‭ ‬اقتصادي‭ ‬وسياسي‭ ‬واجتماعي‭ ‬وثقافي‭ ‬حابل‭ ‬بفرامل‭ ‬الدمقرطة‭  ‬وعوائق‭ ‬التحول‭ ‬المنشود‭ ‬وهدر‭ ‬فرص‭ ‬الانتقالات‭ ‬المنتظرة،‭ ‬ومن‭ ‬ثمة‭ ‬فهو‭ ‬حقل‭ ‬مؤهل‭ ‬لاستدعاء‭ ‬حضور‭ ‬المثقف‭ ‬النقدي‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬الرأسمال‭ ‬الثقافي‭ ‬والرمزي،‭ ‬شجاعة‭ ‬تفكيك‭ ‬جميع‭ ‬السلط‭ ‬والكشف‭ ‬عن‭ ‬الآليات‭ ‬الخفية‭ ‬والصريحة‭  ‬لإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬تلك‭ ‬السلط‭ ‬ومصادر‭ ‬شرعيتها‭ ‬ومشروعيتها‭ ‬المادية‭ ‬والرمزية‭.‬

إن‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭  ‬أن‭ ‬تمنح‭ ‬مشروعية‭ ‬السؤال‭ ‬السوسيولوجي‭ ‬حول‭ ‬المثقف‭ ‬المغربي‭ ‬كذات‭ ‬جمعية‭ ‬وفردية‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬حقول‭ ‬مختلفة‭ ‬للإنتاج‭ ‬الرمزي،‭ ‬وهو‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ ‬ربما‭ ‬المفقودة‭ ‬أو‭ ‬التائهة‭ ‬أوالهشة‭ ‬أو‭ ‬المتداخلة‭ ‬مع‭ ‬هويات‭ ‬أخرى‭ ‬قد‭ ‬تفصلها‭ ‬مسافات‭ ‬نظرية‭ ‬ومعيارية‭ ‬شاسعة‭ ‬مع‭ ‬الثقافة‭ ‬والمثقف‭ …‬فهل‭ ‬فقد‭ ‬المثقف‭ ‬المغربي‭ ‬هويته؟‭ ‬

المثقف‭ ‬بين‭ ‬المجتمع‭ ‬والسلطة

من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬نعبر‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬المركزي‭ ‬المطروح‭ ‬أعلاه،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬الفرعية‭ : ‬من‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬المثقف‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الهوية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬الشروط‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لممارسة‭ ‬الثقافة؟‭ ‬اي‭ ‬نموذج‭ ‬مثالي‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬نشيده‭ ‬للمثقف‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬؟،‭ ‬أية‭ ‬روابط‭ ‬تجعله‭ ‬في‭ ‬تماس‭ ‬واحتكاك‭ ‬مع‭ ‬بنيات‭ ‬المجتمع‭ ‬وسلطاته‭ ‬المختلفة‭ ‬و‭”‬المغرية‭” ‬ودينامياته‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬الصاعدة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استراتيجية‭ ‬التفقير‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والثقافي‭ ‬و‭”‬الانحدار‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والقيمي‭ ” ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بأخلاق‭ ‬الالتزام‭ ‬والتطوع‭ ‬وسلطة‭ ‬النقد‭ ‬والتفكيك‭  ‬؟‭.  ‬ببساطة‭ ‬ماهي‭ ‬علاقة‭ ‬المثقف‭ ‬بالمجتمع؟‭ ‬أو‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬ماهي‭ ‬طبيعة‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬راهنا؟،‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬تراكمات‭ ‬نظرية‭ ‬وأدبيات‭ ‬ومتن‭ ‬فكري‭ ‬وثقافي‭ ‬يقربنا‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬تحولات‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع؟،‭ ‬وهو‭ ‬متن‭ ‬فكري‭ ‬يعكس‭ ‬مستوى‭  ‬تطوير‭ ‬وتجاوز‭ ‬الإنتاج‭ ‬الكولونيالي‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬الكولونيالي‭ ‬حول‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬من‭ ‬مقاربات‭ ‬متعددة‭/ ‬تاريخية،‭ ‬انتروبولوجية،‭ ‬سوسيولوجية‭/ ‬ديمغرافية،‭ ‬اقتصادية‭…‬الخ؟،‭ ‬ماهي‭ ‬اتجاهات‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بالتقدم‭ ‬والحداثة‭  ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبالمحافظة‭ ‬والتقليد‭ ‬وإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الاديولوجية‭ ‬الماضوية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية؟،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬المجادلات‭ ‬الحادة‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬كلما‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بقضايا‭ ‬التحديث‭ ‬التي‭ ‬تمس‭ ‬البنية‭ ‬الذهنية‭ ‬والهوية‭ ‬العقائدية‭ ‬كما‭ ‬تمت‭ ‬صياغتهما‭ ‬تاريخيا‭ ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن؟،‭  ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬لحضور‭ ‬المثقف‭ ‬ضمن‭ ‬هذه‭ ‬المجادلات‭ ‬مكانة‭ ‬ملفتة‭ ‬ولائقة‭ ‬اللهم‭ ‬استثناءات‭ ‬قليلة‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬الشائكة‭  ‬برؤية‭ ‬علمية‭ ‬رصينة‭ ‬وجرأة‭ ‬الموقف‭ ‬والقول‭ ‬مما‭ ‬يعرضها‭ ‬لاستهداف‭ ‬تيارات‭ ‬التطرف‭ ‬الديني‭ ‬التي‭ ‬نمت‭ ‬وترعرعت‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬السائدة‭ ‬كثقافة‭ ‬لإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬واقع‭ ‬التخلف‭ ‬الثقافي‭ ‬ومقاومة‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬الحداثة‭ ‬والتقدم‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬الأخير‭ ‬حول‭ ‬علاقة‭ ‬المثقف‭ ‬بالمجتمع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بالذات‭ ‬يكتسي‭ ‬الوجاهة‭ ‬والأهمية‭ ‬اللازمتين‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬السؤال‭ ‬التقليدي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مزعجا‭: ‬ماهي‭ ‬علاقة‭ ‬المثقف‭ ‬بالسلطة‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المسألتين‭ ‬غير‭ ‬قابلتين‭ ‬للفصل؟،‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬الطابع‭ ‬غير‭ ‬المزعج‭ ‬لسؤال‭ ‬المثقف‭ ‬والسلطة‭  ‬هو‭ ‬تماهي‭ ‬معظم‭ ‬النخب‭ ‬المثقفة‭ ‬مع‭ ‬شعار‭ ‬السلطة‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ “‬المشروع‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الحداثي‭ ” ‬خلال‭ ‬نهاية‭ ‬التسعينات‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬شهدت‭ ‬ميلاد‭ ‬حكومة‭ ‬التناوب‭ ‬التوافقي‭ ” ‬وتبوء‭ ‬مثقفين‭ ‬بارزين‭ ‬لمراكز‭” ‬السلطة‭  ‬الحكومية‭ … ‬فالسؤال‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مصدرا‭ ‬للإزعاج‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬النقاشات‭ ‬الابستيمولوجية‭ ‬والأديوسياسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحيط‭ ‬بسرديات‭ ‬كبرى‭ ‬وتعلق‭ ‬نظري‭ ‬وممارساتي‭  ‬بالخطاطة‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ” ‬كرامشي‭ ‬لنموذج‭  ” ‬المثقف‭ ‬العضوي‭” ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬منظور‭ ‬يعتبر‭ ‬سلطة‭ ‬المثقف‭ ‬والهيمنة‭ ‬الفكرية‭ ‬كجزء‭  ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬المضادة‭ ‬للمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬دلالاته‭ ‬الواسعة‭ ( ‬الأسرة،‭ ‬المدرسة،‭ ‬الإعلام،‭ ‬الحزب،‭ ‬الجمعية‭…)‬،‭ ‬وهنا‭ ‬تبدو‭ ‬المساهمة‭ ‬الضرورية‭ ‬للمثقف‭ ‬في‭ ‬التحديد‭ ‬المقبول‭ ‬للمفاهيم‭ ‬والتصنيفات،‭ ‬والجواب‭ ‬عن‭ ‬أسئلة‭ ‬حيوية‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ : ‬هل‭ ‬المجتمع‭ ‬رأسمالي،‭ ‬ليبرالي،‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬صناعي،‭ ‬مجتمع‭ ‬استهلاكي،‭ ‬وكذلك‭ ‬للمشاكل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الفقر،‭ ‬الانحراف،‭ ‬المعاناة‭ ‬في‭ ‬الشغل؟،‭ ‬وتستهدف‭ ‬مساهمة‭ ‬المثقف‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬ترسيخ‭ ‬رؤية‭ ‬معينة‭ ‬بل‭ ‬إبعاد‭ ‬الرؤى‭ ‬الوهمية‭ ‬واللامفكر‭ ‬فيها‭ ‬1‭. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يحاول‭ ” ‬غرامشي‭” ‬توضيحه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مفهوم‭ ‬الهيمنة‭  ‬هو‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الوظائف‭ ‬السياسية‭ ‬للإنتاج‭ ‬الفكري‭ ‬والأسس‭ ‬الفكرية‭ ‬للهيمنة‭ ‬الاجتماعية‭.‬2

لن‭ ‬نجانب‭ ‬الصواب‭ ‬إذا‭ ‬صرحنا‭ ‬أن‭  ‬العناوين‭ ‬الرمزية‭ ‬لمرحلة‭  ‬المد‭ ‬الثقافي‭ ‬والحيوية‭ ‬السياسية‭ (‬من‭ ‬بداية‭ ‬الستينات‭ ‬الى‭ ‬نهاية‭ ‬الثمانينات‭) ‬كانت‭ ‬ترجمة‭ ‬لشعاراتها‭ ‬السياسية‭ ‬وتطلعاتها‭ ‬نحو‭ ‬مغرب‭ ‬آخر‭ ‬اكثر‭ ‬عدلا‭ ‬وكرامة‭ ‬وحرية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تجسدت‭ ‬تلك‭ ‬العناوين‭ ‬الرمزية‭ ‬في‭ ‬منابر‭ ‬ومجلات‭ ‬فكرية‭ ‬وممارسات‭ ‬وفضاءات‭ ‬جمعوية،‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬منارات‭ ‬ثقافية‭ ‬ممانعة‭ ‬وعالية‭ ‬تعتبر‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬ماركس‭ ‬في‭ ‬تعريفه‭ ‬للفلسفة‭ ‬باعتبارها‭ ” ‬الخلاصة‭ ‬الروحية‭ ‬لعصرها‭ ” ( ‬لاماليف،‭ ‬الأساس،‭ ‬أقلام،‭ ‬الثقافة‭ ‬الجديدة،‭ ‬البديل،‭ ‬المقدمة،‭ ‬جسور‭..)‬،‭. ‬ثم‭ ‬حيوية‭ ‬وعطاءات‭ ‬النسيج‭ ‬الجمعوي‭ ‬مسرحيا،‭ ‬سينمائيا،‭ ‬غنائيا،‭ …‬الخ‭)‬،‭  ‬وهي‭ ‬بالنتيجة‭ ‬خلاصة‭ ‬روحية‭ ‬لانشغال‭ ‬المثقفين‭ ‬المغاربة‭ ‬خلال‭ ‬مرحلة‭ ‬السرديات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬أنتجت‭ ‬نخبا‭ ‬نقدية‭ ‬وأعلاما‭ ‬فكرية‭  ‬ظلت‭ ‬بصماتها‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للمحو،‭  ‬بل‭ ‬وكسرت‭ ‬هيمنة‭ ‬فكر‭ ‬وثقافة‭ ‬المشرق‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ” ‬الجابري،‭ ‬العروي،‭ ‬باسكون،‭ ‬جسوس،‭ ‬الخطيبي،‭ ‬الللعبي،‭ ‬بلقزيز،‭ ‬فاطمة‭ ‬المرنيسي،‭ ‬الديالمي،‭ ‬والائحة‭ ‬طويلة‭.‬

إن‭  ‬انشغال‭ ‬الاجتهادات‭ ‬والإنتاجات‭ ‬الفكرية‭ ‬في‭ ‬الحقول‭ ‬المعرفية‭ ‬المختلفة،‭ ‬بقضايا‭ ‬السلطة‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬ذاتها‭ ‬وتحالفاتها‭ ‬وشرعياتها‭ ‬ومواردها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والدينية‭ ‬والقبلية‭ ‬والسوسيوتاريخية،‭ ‬وبالتالي‭  ‬بلورة‭ ‬أدبيات‭ ‬غنية‭ ‬ومتعددة‭ ‬حول‭ ‬قضايا‭ ‬الحريات‭ ‬والمساواة‭ ‬وقيم‭ ‬التحرر‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬صاغ‭ ‬ملامح‭ ‬النموذج‭ ‬المثالي‭ ‬للمثقف‭ ‬النقدي‭ ‬الذي‭ ‬ينخرط‭ ‬في‭ ‬أسئلة‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬التشخيص‭ ‬والتفكيك‭ ‬وإنتاج‭ ‬الخطاب‭ ‬المزعج‭  ‬والسعي‭ ‬الى‭ ‬تبيئة‭ “‬اليتوبيات‭” ‬الكبرى‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬تغذية‭ ‬القطائع‭ ‬الممكنة‭ ‬مع‭ ‬واقع‭ ‬التخلف‭ ‬والانحطاط‭ ‬والاستبداد‭ ‬وخنق‭ ‬الحريات‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬مرحلة‭ ‬طبيعتها‭ ‬وخصوصياتها،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬الإقرار‭ ‬بأن‭ ‬جودة‭ ‬المنتوج‭ ‬الثقافي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ارتباطه‭ ‬بالقلق‭ ‬المجتمعي‭ ‬وتمزقات‭ ‬الهوية‭ ‬ومعيقات‭ ‬التحول‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬اعتراها‭ ‬التراجع‭ ‬والانحدار‭ ‬و‭”‬الحط‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ” ‬المثقف‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التنامي‭ ‬المضطرد‭ ‬للوسائط‭ ‬الرقمية‭ ‬وتحولات‭ ‬الجامعة‭ ‬والحقل‭ ‬الأكاديمي‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬التسويق‭ ‬للمثقف‭ ” ‬المرئي‭ ” ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السمعي‭ ‬البصري،‭ ‬والجاهز‭ ‬لتلبية‭ ‬طلب‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬المقاولة‭  ‬سواء‭ ‬كخبرة،‭ ‬استشارة‭ ‬أو‭ ‬موقف،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تخمة‭ ‬الخطاب‭ ‬حول‭ ‬ربط‭ ‬الجامعة‭ ‬بمحيطها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وبمستلزمات‭ ‬النسيج‭ ” ‬المقاولاتي‭”.‬

إن‭ ‬الإحاطة‭ ‬بهذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬الشائكة‭ ‬والصعبة‭ ‬تستوجب‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭  ‬وسوسيوتاريخية‭ ‬تستند‭ ‬على‭ ‬أبحاث‭ ‬أمبيريقة‭ ‬ومداخل‭ ‬نظرية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تشييد‭ “‬براديغمات‭” ‬تسعف‭ ‬على‭  ‬تفسير‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬مست‭ ‬المثقف‭ ‬وواقع‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬حقولها‭ ‬في‭ ‬ارتباط‭ ‬وثيق‭ ‬بتحولات‭ ‬المجتمع‭ ‬المركبة‭ ‬والمتناقضة‭ ‬والمتسارعة‭  ‬والبعيدة‭ ‬عن‭ ‬ممكنات‭ ‬إحداث‭ ‬القطائع‭ ‬الضرورية،‭ ‬فالمرجعية‭ ‬المهيكلة‭  ‬لوعي‭ ‬المجتمع‭ ‬تكاد‭ ‬تماثل‭ ‬المرجعية‭ ‬المهيكلة‭  ‬لاديولوجية‭ ‬السلطة‭ ‬أي‭ ” ‬التغيير‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الاستمرارية‭ ” ‬أو‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الثبات‭ ” ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مشروع‭ ‬أيديولوجي‭ ‬تلفيقي‭ ‬يحاول‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬التقليد‭ ‬والحداثة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رؤية‭ ‬محافظة‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬هندسة‭ ‬تصور‭ ‬محافظ‭ ‬للحداثة‭ ‬يستجيب‭ ‬لمستلزمات‭ ‬اللحظة‭ ‬السياسية‭ ‬والسوسيوثقافية‭ ‬والتي‭ ‬تتأرجح‭ ‬بين‭ ‬استدعاء‭ ‬التقليد‭ ‬تارة‭ ‬والحداثة‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والثقافة‭ ‬والاجتماع،‭ ‬ويعبر‭ ‬هذا‭ ‬التمزق‭ ‬عن‭ ‬ذاته‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬في‭ ‬الظاهر‭ ‬متعطش‭ ‬جدا‭ ‬الى‭ ‬الحداثة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نمط‭ ‬العيش‭ ‬والاستهلاك‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬مكتسبات‭ ‬الحداثة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المادية‭ ‬والتقنية،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬معاداتها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الرمزي‭ ‬ورفض‭ ‬قيمها‭ ‬الثقافية‭ ‬والحقوقية‭  ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الحريات‭ ‬الفردية‭ ‬وعلاقة‭ ‬المرأة‭ ‬بالرجل،‭ ‬وهو‭ ‬تمزق‭ ‬يحيل‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬السوسيونفسية‭ ‬للإنسان‭ ‬المقهور‭ ‬ولسلطة‭  “‬باتريمونيالية‭ ” ‬تستمد‭ ‬أساب‭ ‬وجودها‭ ‬وسيطرتها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البنية‭ ‬المشوهة‭  ‬ذاتها‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوقائع‭ ‬والمؤشرات‭ ‬تترجم‭ ‬تحولات‭ ‬جارية‭ ‬بشكل‭ ‬موضوعي‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التطلع‭ ‬الى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وكرامة‭ ‬العيش‭ ‬والحريات‭ ‬الفردية‭ ‬والجماعية،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحضور‭ ‬النسائي‭ ‬المتدحرج‭ ‬بالفضاء‭ ‬العمومي‭ ‬في‭ ‬بعديه‭ ‬المادي‭ ‬والافتراضي‭.‬

المثقف‭ ‬بين‭ ‬الاستكانة‭ ‬والممانعة

لا‭ ‬مندوحة‭ ‬أن‭ ‬ممارسة‭ ‬نوع‭ ‬مما‭ ‬يسميه‭ ” ‬ميشال‭ ‬فوكو‭ ” ‬بأركيولوجيا‭ ‬المثقف،‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬فهم‭  ‬الصرخة‭ ‬شبه‭ ‬جماعية‭ ‬لجزء‭ ‬من‭  “‬الأنتلجنسيا‭” ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬الى‭ ‬إخراج‭ ‬المثقف‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬النسيان‭ ‬والتغييب‭ ‬والإدانة،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬الكف‭ ‬عن‭ ‬تنصيب‭ ‬محاكمات‭ ‬غير‭ ‬عادلة‭ ‬له‭ ‬كأننا‭ ‬أمام‭ ‬‭”‬بيان‭ ‬للمثقفين‭ ‬المغاربة‭ ” ‬بشكل‭ ‬يجعلنا‭ ‬نستحضر‭ ‬نصا‭ ‬من‭  ‬كتاب‭ ” ‬سوسيولوجيا‭ ‬المثقفين‭ ” ‬يقول‭ ‬فيه‭ ‬صاحبه‭ “  ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬ربط‭ ‬الصورة‭ ‬الجديدة‭ ‬للمثقف‭ ‬ب‭ “‬بيان‭ ‬المثقفين‭ “‬،‭ ‬المنشور‭ ‬سنة‭ ‬1898‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬الكابيتان‭ ” ‬دريفوس‭ ” ‬الذي‭ ‬اتهم‭ ‬ظلما‭ ‬بالخيانة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬القضاء‭ “‬3‭ .‬

لكن‭ ‬الذي‭ ‬يستحق‭ ‬التأمل‭ ‬والدراسة،‭ ‬هو‭  ‬التحولات‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬مكانة‭ ‬المثقف‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬القرب‭ ‬من‭ ‬السلطة‭  ‬ونيل‭ ‬رضاها‭  ‬أصبحا‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬الواجهات‭ ‬المطلوبة‭  ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هاته‭ ‬السلطة‭  ‬تفوقت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أجهزتها‭ ‬الاديولوجية‭ ‬في‭ ‬تطبيع‭ ‬وتطويع‭ ‬الحقل‭ ‬الثقافي‭ ‬باسم‭ ‬الشراكة‭ ‬والحكامة‭ ‬وصناعة‭ ‬الثقافة‭ ‬وجدلية‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة‭ ‬والمشروع‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الحداثي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬أصبح‭ ‬الهاجس‭ ‬المركزي‭ ‬الذي‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬أغلب‭ ‬منتجي‭ ‬المحتويات‭ ‬الرمزية‭ ‬هو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬منصات‭ ‬استعراض‭ ‬الذات‭ ‬وتسويق‭ ‬المنتوج،‭ ‬ولا‭ ‬يهم‭ ‬طبيعة‭ ‬تلك‭ ‬المنصات‭ ‬ورهاناتها‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬منصات‭ ‬واقعية‭ ‬أو‭ ‬افتراضية،‭.‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬هناك‭ ‬هيمنة‭ ‬نموذج‭ “‬المثقف‭ “‬الخبير‭” ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬عنه‭ ” ‬ألان‭ ‬باديو‭ ” “‬إن‭ ‬الخبير،‭ ‬الذي‭ ‬يتعرف‭ ‬غالبية‭ ‬أكاديمي‭ ‬الجامعات‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬فيه،‭ ‬يمثل‭ ‬النموذج‭ ‬المركزي‭ ‬للتفاهة‭ ..‬فوظيفة‭ ‬الخبير‭ ‬هي‭ ‬تحويل‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الاديولوجية‭ ‬والأفكار‭ ‬الصوفية‭ ‬الى‭ ‬عناصر‭ ‬معرفية‭ ‬ذات‭ ‬مظهر‭ ‬نقي‭. “‬4‭.‬

حقيقة،‭ ‬إن‭ ‬المثقف‭ ‬المغربي‭ ‬باعتباره‭ ‬منتجا‭ ‬للقيم‭ ‬الرمزية‭ ‬وفاعلا‭ ‬سوسيوثقافبا،‭ ‬تعرض‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الهدم‭ ‬المادي‭ ‬والرمزي،‭ ‬وتراوحت‭ ‬معاول‭ ‬الهدم‭ ‬بين‭ ‬مشاريع‭ ‬المحافظة‭ ‬والتقليد‭ ‬والتسليع‭ ‬والانتصار‭ ‬للمثقف‭ “‬الفقيه‭” ‬والمثقف‭ ‬الخبير‭ ‬والمثقف‭ ‬الأكاديمي‭ “‬المحايد‭” ‬في‭ ‬سياق‭ ‬هواجس‭ ‬المشهد‭ ‬الاستعراضي‭ ‬وسيادة‭ ‬التفاهة‭ ‬إذ‭ ” ‬كلما‭ ‬تراجعت‭ ‬الأوليغارشية‭ ‬الى‭ ‬عاداتها‭ ‬السيئة‭ (‬الفساد،‭ ‬التدليس‭ ‬والتفاهة‭) ‬سارع‭ “‬الخبراء‭ ” ‬الذين‭ ‬يتقاضون‭ ‬رواتبهم‭ ‬منها‭ ‬الى‭ ‬إنقاذها‭ “‬5،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لمنتج‭ ‬القيم‭ ‬الرمزية‭ ‬غير‭ ‬المتصالحة‭ ‬مع‭ ‬استراتيجيات‭ ‬الترهيب‭ ‬والترغيب،‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬صامدا‭ ‬أمام‭ ‬خطط‭  ‬تبخيس‭ ‬تلك‭ ‬القيم‭ ‬لصالح‭ ‬إنتاج‭ ‬القيم‭ ‬المادية‭ ‬والمعنوية‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬مصالح‭  ‬أقلية‭ ‬رأسمالية‭ ‬ريعية‭ ‬تحتكر‭ ‬ثروات‭ ‬البلاد‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬سلطة‭ “‬تسليع،‭ ‬رسملة‭ ‬وترييع‭ ” ‬الثقافة‭ ‬كإحدى‭ ‬القلاع‭ ‬الحيوية‭ ‬لمقاومة‭ ‬التخلف‭ ‬والانحطاط‭ ‬والرداءة؟‭…‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬بعض‭ ‬رواد‭ ‬مدرسة‭ ‬فرانكفورت‭ ” ‬النقدية‭ ‬خاصة‭  ‬أدورنو‭ ‬وهوركهايمر‭ ” ‬بهيمنة‭ ‬الصناعة‭ ‬الثقافية‭ ‬أي‭ ‬خضوع‭ ‬صناعة‭ ‬الثقافة‭ ‬للمراكز‭ ‬التجارية‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الجماهيري‭ ‬ومنطق‭ ‬التسليع‭ ‬حيث‭ ” ‬إن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقال،‭ ‬كل‭ ‬معلومة،‭ ‬وكل‭ ‬فكرة،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬إعداده‭ ‬مسبقا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مراكز‭ ‬الصناعة‭ ‬الثقافية‭ ” ‬6‭ .‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬شعور‭ ‬يسكن‭ ‬أعماق‭ ‬غالبية‭ ‬المثقفين،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الشعور‭ ‬الداخلي‭ ‬العميق‭ ‬بالهزيمة‭ ‬الذاتية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬عوامل‭ ‬مركبة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬هشاشة‭ ‬أدوات‭ ‬النقد‭ ‬والمقاومة‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬الممانعة‭ ‬كحالة‭ ‬اتحاد‭ ‬كتاب‭ ‬المغرب‭ ‬التي‭ ‬تبعث‭ ‬على‭ ‬الأسى‭ ‬والأسف،‭ ‬كساد‭ ‬سوق‭ ‬المقروئية‭ ‬وتسارع‭ ‬الوسائط‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬وجد‭ ‬المثقف‭ ‬نفسه‭ ‬أمامها‭ ‬حائرا‭ ‬فهجرها‭ ‬إلا‭ ‬قلة‭ ‬قليلة‭ ‬ظلت‭ ‬تبصم‭ ‬حضورها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صفحات‭ ‬مشرقة‭ ‬وشرائط‭ ‬سمعية‭ ‬بصرية‭ ‬غنية،‭ ‬ثم‭ ‬غياب‭ ‬السرديات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬خلق‭ ‬وإغناء‭ ‬منتديات‭ ‬الحوار‭ ‬والنقاش‭ ‬كالحداثة‭ ‬ومناهضة‭ ‬العولمة‭ ‬والمقاومات‭ ‬الثقافية‭ ‬والحقوقية‭ ‬والتحول‭ ‬الرقمي‭ ‬وقضايا‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والتقدم‭ ‬والاشتراكية،ـ‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬تسويق‭ ‬كما‭ ‬أشرنا‭ ‬سابقا‭ ‬نموذج‭ “‬المثقف‭ ‬الخبير‭ ” ‬الذي‭ ‬كلما‭ ‬نادت‭ ‬عليه‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مؤسسات‭ “‬الحوكمة‭ ” ‬ولجان‭ “‬التنمية‭ ” ‬تجده‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬الجاهزية‭ ‬والاستعداد‭ ‬للانخراط‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬معرفة‭ “‬تقنوقراطية‭ ” ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬الى‭ ‬الهندسة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬منها‭ ‬الى‭ ‬المشروع‭ ‬الثقافي‭ ‬كمشروع‭ ‬نقدي‭ ‬تحرري،‭ ‬ومستقل‭ ‬عن‭ ‬جميع‭ ‬السلط‭ ‬إلا‭ ‬سلطة‭ ‬الحقيقة‭ ‬والحجة،‭ ‬وغير‭ ‬قابل‭ ‬للتطويع‭ ‬والترويض‭. ‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬التشخيص‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المثقف‭ ‬غائب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬تجليات‭ ‬عدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬الرسمي‭ ‬وغير‭ ‬الرسمي‭ ‬بأدوار‭ ‬المثقف‭ ‬والمناداة‭ ‬عليه‭ ‬مناسباتيا‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الحضور‭ ‬غيابا‭ ‬وتغييبا‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭…‬فعدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬أو‭ ‬الاعتراف‭ ‬الرسمي‭ “‬الصوري‭ ” ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التفاتات‭ ‬ظرفية‭ ‬للمثقف‭ ‬وأحوال‭ ‬المثقف‭ ‬لحظة‭ ‬العجز‭ ‬الصحي‭ ‬أو‭ ‬الوفاة،‭ ‬أما‭ ‬تجاهل‭ ‬المجتمع‭ ‬فيترجمه‭ ‬السوق‭ ‬القرائية‭ ‬ودرجة‭ ‬حضور‭ ‬المسألة‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬وأجندات‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬نسيجه‭ ‬الجمعوي‭ ‬يعج‭ ‬بصناعة‭ ‬ثقافية‭ “‬تنموية‭ ‬تدبيرية‭ ” ‬تحت‭ ‬الطلب،‭ ‬وقد‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المفارقة‭ ‬الفيلسوف‭ ” ‬سارتر‭ ” ‬بقوله‭ ‬أنه‭ ” ‬أحيانا‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬لا‭ ‬ينظر‭ ‬الى‭ ‬المثقفين‭ ‬بعين‭ ‬الارتياح‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬عامة،‭ ‬وللأسف‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأوقات‭ ‬من‭ ‬الطبقات‭ ‬الكادحة‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تجل‭ ‬العالم‭ ‬وتحترمه‭ ‬باعتباره‭ ‬رجل‭ ‬علم‭ ‬ومعرفة‭ ‬ولكن‭ ‬ترتاب‭ ‬منه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬مثقفا‭’ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقصده‭ ‬سارتر‭ ‬بالمثقف‭ ‬هو‭ ” ‬الذي‭ ‬يتدخل‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يخصه‭ ..”‬7‭… ‬كل‭ ‬هذا‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سياق‭ ‬عام‭ ‬تطبعه‭ ‬خوصصة‭ ‬الخدمات‭ ‬العمومية‭  ‬وتبخيس‭ ‬المدرسة‭  ‬والجامعة‭ ‬وهيمنة‭ ‬الإعلام‭ ‬ذي‭ ‬البعد‭ ‬الواحد‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬كلها‭ ‬شروط‭  ‬تغذ‭ ‬واقع‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الاصولية‭ ‬والماضوية‭ ‬والانحطاط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والقيمي‭ ‬وضحالة‭ ‬الذوق‭ ‬الفني‭ ‬العام‭ ‬وتفشي‭ ‬قيم‭ ‬الوصولية‭ ‬والزبونية‭ ‬والفردانية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬إعدام‭ ‬الاعتقاد‭ ‬في‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬وثقافة‭ ‬الجهد‭ ‬وروح‭ ‬التطوع‭…‬

من‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الحابل‭ ‬بعوامل‭ ‬الغضب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وعدم‭ ‬الرضى؟،‭  ‬لماذا‭ ‬تنتهي‭ ‬كل‭ ‬حركية‭ ‬للرفض‭ ‬والاحتجاج‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬متواضعة؟،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬وضعية‭ ‬المثقف‭ ‬والثقافة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬جدلية‭ ‬القمع‭ ‬والتشتت‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬يميز‭ ‬الحقل‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والثقافي؟،‭ ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬التمزق‭ ‬عائقا‭ ‬هيكليا‭ ‬أمام‭ ‬حافز‭ ‬ولادة‭ ‬وتطوير‭ ‬روح‭ ‬التنافس‭ ‬والتدافع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬القتل‭ ‬المتواصل‭ ‬للحظة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬فكرا،‭ ‬قيما‭ ‬وتدابيرا‭ ‬حيث‭ ‬تستمراستراتيبجية‭ ‬احتكار‭ ‬الفضاء‭ ‬العمومي‭ ‬وإفراغه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مضمون‭ ‬سياسي،‭ ‬ثم‭ ‬صناعة‭ ‬مشهد‭ ‬الانتخابي‭ ‬باعتباره‭ ‬دعامة‭ ‬أساسية‭ ‬لإعادة‭ ‬انتاج‭ ‬هيمنة‭ ‬قوى‭ ‬الرأسمال‭ ‬الريعي‭ ‬التبعي؟‭.  ‬لكن‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬أخرى‭ ‬معاكسة‭ ‬وطموحة‭ ‬،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬قراءة‭ ‬حماسة‭ ‬المثقفين‭ ‬لحظة‭ ‬انبثاق‭ ‬وصعود‭ ‬ديناميات‭ ‬سياسية‭ ‬ممانعة‭ ( ‬مثلا‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬ومواكبة‭ ‬تطوراتها،‭  ‬عريضة‭ ‬مساندة‭ ‬الأستاذة‭  ‬نبيلة‭ ‬منيب‭ ‬كمرشحة‭ ‬لفدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭ .‬سنة‭ ‬2016‭ ..)‬،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬التواري‭ ‬الى‭ ‬الخلف‭ ‬لحظة‭ ‬الجدل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬المؤسس‭ ‬لمجتمع‭ ‬الغد،‭ ‬مجتمع‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحداثة‭ ‬؟،‭  ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬والقضايا‭ ‬الشائكة‭ ‬حول‭ ‬الحريات‭ ‬الفردية‭ ‬مثل‭ ‬حرية‭ ‬المعتقد،‭ ‬الإجهاض،‭ ‬عقوبة‭ ‬الإعدام،‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬مصادرة‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬واعتقال‭ ‬ومحاكمة‭ ‬صحفيين‭ ‬ومدونين‭ ‬ومراقبة‭ ‬حياتهم‭ ‬الخاصة؟،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬قراءة‭ ” ‬الصمت‭ ‬المتواطئ‭ ” ‬لمعظم‭ ‬مثقفي‭ ‬المرحلة‭ ‬إزاء‭ ‬قضايا‭ ‬التطبيع‭ ‬الشامل‭ ‬وضمنه‭ ‬التطبيع‭ ‬السوسيوثقافي‭ ‬والتربوي‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬شكلت‭ ‬فيه‭ ‬فلسطين‭ ‬قلعة‭ ‬وروح‭ ‬وخريطة‭ ‬الفعل‭ ‬الثقافي‭ ‬الممانع‭ ‬في‭ ‬المغرب؟،‭ ‬ألا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬مع‭ ‬سارتر‭ ‬أن‭ ‬المثقف‭ ‬هو‭ ” ‬محل‭ ‬ارتياب‭ ‬الطبقات‭ ‬الكادحة‭ ‬لأن‭ ‬حالته‭ ‬الموضوعية‭ ‬تجعله‭ ‬مشاركا‭ ‬لأصحاب‭ ‬السلطة،‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬فائض‭ ‬القيمة‭ ‬ويعيش‭ ‬عموما‭ ‬بين‭ ‬الطبقات‭ ‬المتوسطة‭ ‬كالبورجوازي‭ ‬الصغير،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬الطبقات‭ ‬الكادحة‭ “‬8‭.‬

من‭ ‬الاحتجاج‭ ‬الى‭ “‬المانيفست‭” : ‬النقلة‭ ‬المستحيلة‭ !‬

ختاما،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬اليوم‭ ‬الاحتجاجي‭ ‬لجزء‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬المغاربية‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬46‭ ‬نقطة‭ ‬جغرافية‭ ‬من‭ ‬البلاد،‭ ‬هو‭ ‬نقطة‭ ‬نظام‭ ‬تعكس‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أولى‭  ‬استياء‭ ‬عميقا‭ ‬وخيبة‭ ‬أمل‭ ‬المثقف‭ ‬إزاء‭ ‬الواقع‭ ‬والذات،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ ‬تترجم‭ ‬طموح‭ ‬المثقف‭ ‬المشروع‭ ‬لتجاوز‭ ‬فردانتيه‭ ‬وكذا‭ ‬تجاوز‭ ‬بنيات‭ ‬جماعية‭ ‬معطوبة‭ ‬تستبعد‭ ‬ممارسة‭ ‬تحليل‭ ‬سوسيسولوجي‭ ‬ذاتي‭ ‬على‭ ‬ذواتها‭ ‬كما‭ ‬قال‭ “‬بيير‭ ‬بورديو‭ ” ‬عن‭ ‬مثقفي‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬الخمسينات‭ ‬والستينات‭ ‬في‭ ‬نقده‭ ‬لأطروحة‭ “‬سارتر‭” ‬حول‭ “‬أسطورة‭ ‬المثقف‭ ‬الحر‭ ” ‬أنه‭ “‬هناك‭ ‬مثقفين‭ ‬يطالبون‭ ‬بمساءلة‭ ‬العالم،‭ ‬لكن‭ ‬قليلون‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يطالبون‭ ‬بمساءلة‭ ‬عالم‭ ‬المثقف‭ ‬نفسه‭” ‬9‭ .‬

إن‭ ‬البنيات‭ ‬الموضوعية‭ ‬للإنتاج‭ ‬الثقافي‭ ‬وواقع‭ ‬الثقافة‭ ‬والمثقفين‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬لهما‭ ‬وزنهما‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬تراجعات‭ ‬الحقل‭ ‬الثقافي‭ ‬باعتباره‭ ‬حقلا‭ ‬صراع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الهيمنة‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬القوى‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمشاريع‭ ‬السياسية‭ ‬المتنافسة‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬عدم‭ ‬التكافؤ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الرساميل‭ ‬المادية‭ ‬والرمزية،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعفي‭ ‬مسؤولية‭ ‬المثقف‭ “‬النقدي‭ ” ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬دينامية‭ ‬جماعية‭ ‬بديلة‭ ‬تتوخى‭ ‬الممانعة،‭ ‬التنظيم‭ ‬والتأثير‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬مختلفة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬انتزاع‭ ‬الاعتراف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والمؤسساتي‭  ‬والتأسيس،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أولى‭ ‬للقطيعة‭ ‬الممكنة‭ ‬مع‭ ‬استراتيجية‭ ‬التبخيس‭ ‬والنسيان‭ ‬المنهجي،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ ‬المنافحة‭ ‬الصريحة‭ ‬عن‭ ‬الأفق‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الكوني‭ ‬والإنساني،‭ ‬والمساهمة‭  ‬النظرية‭ ‬والعملية‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬مضامين‭ ‬ذلك‭ ‬الأفق‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬صياغة‭ ‬التعبير‭ ‬الثقافي،‭ ‬القيمي‭ ‬والمؤسساتي‭ ‬والهوية‭ ‬المتعددة‭ ‬والمنفتحة‭ ‬في‭ ‬تفاعل‭ ‬جدلي‭ ‬مع‭ ‬كشف‭ ‬الستار‭ ‬عن‭ ‬الفوارق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمجالية‭ ‬المتصاعدة،‭ ‬والتطلع‭ ‬الجماعي‭ ‬الى‭ ‬مجتمع‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭. . ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬العريض‭ ‬والحرج‭ ‬هو‭ : ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لتلك‭ ‬الصرخة،‭ ‬نقطة‭ ‬نظام،‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬الطابع‭ ‬المناسباتي‭ ‬وتتحول‭ ‬إلى‭ ‬دينامية‭ ‬جماعية‭ (‬مانيفست‭) ‬منتجة‭ ‬ومؤثرة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬حقول‭ ‬الصراع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬العام؟‭…‬

الهوامش

1‭ ‬Louis Pinto‭. ‬La Sociologie des intellectuels‭. ‬La Découverte‭. ‬Paris‭. ‬2021‭. ‬P‭ : ‬26

2‭ ‬Ibid‭. ‬p‭ : ‬26

3‭ ‬Louis Pinto‭. ‬La Sociologie des intellectuels‭. ‬La Découverte‭. ‬Paris‭. ‬2021‭. ‬p‭ : ‬7

4  ‬آلان‭ ‬دونو‭. ‬نظام‭ ‬التفاهة‭. ‬ترجمة‭ ‬وتعليق‭ ‬د‭. ‬مشاعل‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الهاجري‭. ‬دار‭ ‬سؤال‭ ‬للنشر‭. ‬2020‭. ‬ص‭ ‬81

5  ‬نفس‭ ‬المرجع‭ ‬السابق‭. ‬ص‭ : ‬197

6  ‬يان‭ ‬سبورك‭. ‬أي‭ ‬مستقبل‭ ‬لعلم‭ ‬الاجتماع‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬وفهم‭ ‬العالم‭ ‬الاجتماعي‭. ‬ترجمة‭ ‬د‭.‬حسن‭ ‬منصور‭ ‬الحاج‭ . ‬المؤسسة‭ ‬الجامعية‭ ‬للدراسات‭ ‬والنشر‭ ‬والتوزيع‭. ‬2009‭. ‬ص‭ ‬70

7  ‬جان‭ ‬بول‭ ‬سارتر‭ .‬دور‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المعاصر‭. ‬مجلة‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭. ‬العدد‭ ‬30‭ ‬خريف‭ ‬2006‭..‬

8  ‬جان‭ ‬بول‭ ‬سارتر‭ .‬دور‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المعاصر‭. ‬مجلة‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭. ‬العدد‭ ‬30‭ ‬خريف‭ ‬2006‭..‬

9  ‬حسن‭ ‬أحجيج‭. ‬نظرية‭ ‬العالم‭ ‬الاجتماعي‭. ‬قواعد‭ ‬الممارسة‭ ‬السوسيولوجية‭ ‬عند‭ ‬بيير‭ ‬بورديو‭. ‬مؤمنون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭. ‬2018‭. ‬ص‭ ‬284

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.