ارتفاع رسوم التسجيل بالتعليم العالي

انطلاقا‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬الجامعي‭ ‬المقبل‭ ‬ستعرف‭ ‬رسوم‭ ‬التسجيل‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬بفرنسا‭ ‬ارتفاعا‭ ‬ضخما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للطلبة‭ ‬الأجانب،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الرسوم‭ ‬ستنتقل‭ ‬من‭ ‬170‭ ‬يورو‭ ‬في‭ ‬سلك‭ ‬الإجازة‭ ‬إلى‭ ‬2770‭ ‬ومن‭ ‬243‭ ‬يورو‭ ‬إلى‭ ‬3770‭ ‬بالنسبة‭ ‬لسلك‭ ‬الماستر‭ ‬ومن‭ ‬380‭ ‬يورو‭ ‬إلى‭ ‬3770‭ ‬بالنسبة‭ ‬لسلك‭ ‬الدكتوراه‭. ‬

هذه‭ ‬الزيادات‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬عليها‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬نونبر‭ ‬2018‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬مرحبا‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬‘’‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬حسبها‭ ‬إلى‭ ‬استقبال‭ ‬500000‭ ‬طالب‭ ‬أجنبي‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬2027‭ ‬مقابل‭ ‬حوالي‭ ‬320000‭ ‬حاليا،‭ ‬مبررة‭ ‬ذلك‭ ‬بأنه‭ ‬رغم‭ ‬هذه‭ ‬الزيادات‭ ‬فالطالب‭ ‬لن‭ ‬يساهم‭ ‬بدفعه‭ ‬لهذه‭ ‬الرسوم‭ ‬إلا‭ ‬بثلث‭ ‬ما‭ ‬تنفقه‭ ‬عليه‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬السلك‭ ‬الذي‭ ‬سيلجه‭. ‬وستتمكن‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الزيادة‭ ‬بتحسين‭ ‬شروط‭ ‬استقبال‭ ‬الطلبة‭ ‬الأجانب‭ ‬وتسهيل‭ ‬عملية‭ ‬قدومهم‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬وكذلك‭ ‬مضاعفة‭ ‬المنح‭ ‬التي‭ ‬سيستفيدون‭ ‬منها‭. ‬وقد‭ ‬صرح‭ ‬الوزير‭ ‬الأول‭ ‬Edouard Philippe‭ ‬بأن‭ ‬دفع‭ ‬طالب‭ ‬أجنبي‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬ميسورة‭ ‬لرسوم‭ ‬تسجيل‭ ‬مساوية‭ ‬لطالب‭ ‬فرنسي‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬دخلها‭ ‬متواضع،‭ ‬تقطن،‭ ‬تعمل‭ ‬وتدفع‭ ‬الضرائب‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬عادل‭.‬

رغم‭ ‬ادعاءات‭ ‬الحكومة‭ ‬بأن‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرسوم‭ ‬ستجعل‭ ‬الجامعات‭ ‬الفرنسية‭ ‬أكثر‭ ‬جاذبية‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬لم‭ ‬يتأخر‭ ‬في‭ ‬تكذيب‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة،‭  ‬فقد‭ ‬انخفض‭ ‬عدد‭ ‬المقدمين‭ ‬لطلبات‭ ‬الدراسة‭ ‬بفرنسا‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الأولى‭ ‬بـ‭ ‬10‭% ‬كما‭ ‬أعلنت‭ ‬عنه‭ ‬Campus France‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬الجارية،‭ ‬وفي‭ ‬جامعة‭ ‬Paris 8‭ ‬انخفض‭ ‬عدد‭ ‬الطلبات‭ ‬الإجمالي‭ ‬بـ‭ ‬87‭% ‬و50‭% ‬في‭ ‬جامعات‭ ‬Le Havre‭ ‬و39‭% ‬في‭ ‬جامعات‭ ‬Lyon‭ ‬وهذا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬17‭  ‬رئيسا‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬الجامعات‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬أعلنوا‭ ‬عن‭ ‬رفضهم‭ ‬لتطبيق‭ ‬هذه‭ ‬الزيادة‭. ‬وانطلقت‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الطلبة‭ ‬الفرنسيين‭ ‬والأجانب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إسقاط‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬العدل‭ ‬في‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الطلبة‭ ‬من‭ ‬الأجانب‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬كذلك،‭  ‬حيث‭ ‬أصبحوا‭ ‬متخوفين‭ ‬من‭  ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الزيادات‭  ‬مجرد‭ ‬غطاء‭ ‬لسياسة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬يد‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬تدريجيا،‭  ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬الأجانب‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬خوصصته‭ ‬كليا‭. ‬لقد‭ ‬انخفضت‭ ‬الميزانية‭ ‬المخصصة‭ ‬لكل‭ ‬طالب‭ ‬بـ‭ ‬10‭ % ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وهذا‭ ‬سيساهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬فوارق‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬جودة‭ ‬التعليم‭ ‬مؤديا‭ ‬إلى‭ ‬تعمق‭ ‬الهوة‭ ‬بين‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاجها‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬تباينا‭ ‬وستفقد‭ ‬معه‭ ‬الشهادات‭ ‬الوطنية‭ ‬قيمتها‭.‬

لقد‭ ‬استطاع‭ ‬الطلبة‭ ‬المحتجون‭ ‬أن‭  ‬يتصدوا‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬التراجعات‭ ‬أعلنت‭ ‬عليها‭ ‬الحكومة‭ ‬لاحقا‭. ‬فبعدما‭ ‬كان‭ ‬الإعفاء‭ ‬من‭ ‬الزيادة‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الطلبة‭ ‬المقيمين‭ ‬بالاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أو‭ ‬الفضاء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الأوربي،‭ ‬انتقل‭ ‬ليشمل‭ ‬الطلبة‭ ‬الأجانب‭ ‬الذين‭ ‬يتابعون‭ ‬دراستهم‭ ‬بفرنسا‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬واقتصرت‭ ‬الزيادة‭ ‬على‭ ‬الوافدين‭ ‬الجدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭. ‬هذا‭ ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬تقرر‭ ‬إعفاء‭ ‬طلبة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬بعدما‭ ‬كانت‭ ‬تشملهم‭ ‬الزيادة‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬استطاعت‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬التونسية‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬لتعفي‭ ‬جميع‭ ‬الطلبة‭ ‬التونسيين‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزيادة‭ ‬بينما‭ ‬المغرب‭ ‬لم‭ ‬يتخذ‭ ‬أي‭ ‬خطوة‭ ‬تذكر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنحى‭.‬

هذه‭ ‬الزيادة‭ ‬ستؤثر‭ ‬بالخصوص‭ ‬في‭ ‬الطلبة‭ ‬المغاربة‭ ‬والأفارقة‭ ‬الذين‭ ‬يتابعون‭ ‬وسيتابعون‭ ‬دراستهم‭ ‬بفرنسا‭ ‬وذلك‭ ‬لكون‭ ‬المغاربة‭ ‬يتصدرون‭ ‬الطلبة‭ ‬الأجانب‭ ‬بفرنسا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬العدد‭. ‬حوالي‭ ‬40000‭ ‬مغربي‭ ‬يتابع‭ ‬دراسته‭ ‬بها‭ ‬ويأتي‭ ‬الجزائريون‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬بحوالي‭ ‬30521‭ ‬ثم‭ ‬الطلبة‭ ‬الصينيون‭ ‬بحوالي‭ ‬30071‭. ‬وتشكل‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬الرافد‭ ‬الأول‭ ‬للطلبة‭ ‬الأجانب‭ ‬بفرنسا‭ ‬بنسبة‭ ‬46‭% ‬مقابل‭ ‬25‭% ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أوربا‭.‬

ويبقى‭ ‬المتضرر‭ ‬الأول‭ ‬هم‭ ‬أبناء‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية‭ ‬محدودة‭ ‬الدخل‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬الاقتراض‭ ‬والتقشف‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إرسال‭ ‬أبنائها‭ ‬لمتابعة‭ ‬دراستهم‭ ‬بالخارج‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬ذي‭ ‬جودة‭ ‬يفتقدونها‭ ‬في‭ ‬بلدهم‭ ‬وطموحا‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬وضعيتهم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ووضعية‭ ‬أبنائهم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬فتح‭ ‬آفاق‭ ‬جديدة‭ ‬تخولها‭ ‬لهم‭ ‬الشهادات‭ ‬الجامعية‭ ‬الفرنسية‭.  ‬والآن،‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الزيادة‭ ‬ستعيد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬السماح‭ ‬لأبنائها‭ ‬بمتابعة‭ ‬دراستهم‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬لضعف‭ ‬الإمكانيات‭ ‬كما‭ ‬أظهرته‭ ‬الأرقام‭ ‬المذكورة‭ ‬سابقا،‭ ‬بينما‭ ‬الأسر‭ ‬الميسورة‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬أي‭ ‬مشكلة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬وعليه‭ ‬فهذا‭ ‬القرار‭ ‬سيساهم‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬أنتاج‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للدول‭ ‬التي‭ ‬تربطها‭ ‬علاقة‭ ‬تبعية‭ ‬بفرنسا‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬الروافد‭ ‬الأولى‭ ‬لطلبتها‭ ‬الأجانب‭ ‬مساهمة‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الفوارق‭ ‬وتعميقها‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالثروة‭ ‬أو‭ ‬الوعي‭ ‬والتعليم‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى