اليسار العالمي ومسألة العنف الديني

لا‭ ‬بأس‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬بسؤال‭ ‬البدء‭: ‬ما‭ ‬اليسار؟‭ ‬عندما‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬اليسار‭ ‬قد‭ ‬يغمرنا‭ ‬شعور‭ ‬مضلل‭ ‬بأننا‭ ‬نعرف‭ ‬حقّ‭ ‬المعرفة‭ ‬عن‭ ‬ماذا‭ ‬نتكلم‭. ‬لكن،‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬يسألنا‭ ‬أحدهم‭ ‬ما‭ ‬اليسار؟‭ ‬حتى‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬عاجزين‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬إجابة‭ ‬وافية‭ ‬في‭ ‬عبارة‭ ‬واضحة‭. ‬دعنا‭ ‬نقول‭ ‬بأسلوب‭ ‬يستلهم‭ ‬إحدى‭ ‬مقولات‭ ‬النفري‭:‬‭ ‬هنا‭ ‬تتّسع‭ ‬الرّؤية‭ ‬وتضيق‭ ‬العبارة‭. ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬اليسار‭ ‬نعرفه‭ ‬عندما‭ ‬نتكلم‭ ‬عنه،‭ ‬نعرفه‭ ‬عندما‭ ‬نتكلم‭ ‬باسمه،‭ ‬نعرفه‭ ‬عندما‭ ‬نغضب‭ ‬عليه،‭ ‬نعرفه‭ ‬عندما‭ ‬نرضى‭ ‬عنه،‭ ‬نعرفه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أحوالنا،‭ ‬نعرفه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أحواله،‭ ‬نعرفه‭ ‬بالتمام،‭ ‬لكن،‭ ‬شريطة‭ ‬ألاّ‭ ‬يسألنا‭ ‬أحد‭ ‬ما‭ ‬اليسار؟

صعوبة‭ ‬تعريف‭ ‬الموضوع‭ ‬تعني‭ ‬أنّنا‭ ‬أمام‭ ‬موضوع‭ ‬يتسم‭ ‬بقدر‭ ‬عال‭ ‬من‭ ‬التعقيد‭. ‬لكن‭ ‬السؤال،‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬موضوع‭ ‬لا‭ ‬يتسم‭ ‬بالتعقيد؟‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬ستكون‭ ‬الإجابة‭ ‬لا‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬اليسار‭ ‬العالمي،‭ ‬وبهذا‭ ‬نحصل‭ ‬على‭ ‬سمة‭ ‬واحدة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬اليسار،‭ ‬أنه‭ ‬يُجدد‭ ‬تصوراته‭ ‬ومفاهيمه‭ ‬بنحو‭ ‬دائم‭ ‬ومستمر‭. ‬وبالطبع،‭ ‬فنحن‭ ‬واعون‭ ‬بأنّ‭ ‬كلامنا‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬بالضرورة‭ ‬على‭ ‬اليسار‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬القدامة‭ ‬السياسية،‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يفلح‭ ‬في‭ ‬التحرّر‭ ‬من‭ ‬مؤثرات‭ ‬ثقافة‭ ‬القدامة‭. ‬لذلك،‭ ‬سنتكلم‭ ‬عن‭ ‬اليسار‭ ‬ضمن‭ ‬الأفق‭ ‬الكوني‭.‬

في‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬بمكان‭ ‬صياغة‭ ‬تعريف‭ ‬قطعيّ‭ ‬لليسار؛‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬انخراط‭ ‬اليسار‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬ضمن‭ ‬جهود‭ ‬مقاومة‭ ‬وتفكيك‭ ‬المنظومات‭ ‬الفكرية‭ ‬الشمولية‭ (‬النازية،‭ ‬الفاشية،‭ ‬الستالينية‭) ‬قد‭ ‬جعلته‭ ‬أكثر‭ ‬مرونة‭ ‬وأكثر‭ ‬انفتاحاً‭. ‬إن‭ ‬اليسار‭ ‬في‭ ‬أفقه‭ ‬الكوني‭ ‬اليوم‭ ‬يبقى‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬تشكيل‭ ‬منظومة‭ ‬موحدة‭ ‬ومغلقة،‭ ‬وذلك‭ ‬لاعتبارين‭ ‬اثنين‭ ‬على‭ ‬الأقل‭:‬

أوّلا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المرجعية‭: ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ماركس‭ ‬يمثل‭ ‬المرجعية‭ ‬النصية‭ ‬الأساسية‭ ‬لليسار‭ ‬العالمي،‭ ‬بل‭ ‬أضيف‭ ‬فلاسفة‭ ‬آخرون،‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬فيلسوف‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالماركسية‭ ‬ولا‭ ‬بالاشتراكية‭ ‬ولا‭ ‬بالشيوعية،‭ ‬نقصد‭ ‬به‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الألماني‭ ‬الكبير‭ ‬نيتشه‭. ‬وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬اليسار‭ ‬النيتشوي،‭ ‬والذي‭ ‬يتداول‭ ‬داخل‭ ‬نطاق‭ ‬الفلسفة‭ ‬السياسية‭ ‬اليوم،‭ ‬فقد‭ ‬نجحت‭ ‬المفاهيم‭ ‬النيتشوية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬في‭ ‬اختراق‭ ‬المنظومة‭ ‬اليسارية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استراتيجيات‭ ‬النقد‭ ‬الثقافي‭ ‬وتفكيك‭ ‬القيم‭ ‬واستحضار‭ ‬قيمة‭ ‬الحياة‭ ‬كإرادة‭ ‬وقوة‭ ‬واندفاع‭ ‬حيوي‭. ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬اليساريين‭ ‬من‭ ‬بات‭ ‬يستحضر‭ ‬كانط‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المنحى‭ ‬التشييئي‭ ‬والتسليعي‭ ‬للإنسان‭. ‬وثمة‭ ‬أيضا‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة‭ ‬لاستحضار‭ ‬أفلاطون‭ ‬وفق‭ ‬تأويل‭ ‬فيلسوف‭ ‬يساري‭ ‬كبير‭ ‬هو‭ ‬آلان‭ ‬باديو،‭ ‬والذي‭ ‬استطاع‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬جمهورية‭ ‬أفلاطون،‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬أفلاطون‭ ‬مرجعا‭ ‬ضمن‭ ‬مرجعيات‭ ‬اليسار‭ ‬العالمي‭. ‬بالموازاة،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬اليسار‭ ‬العالمي‭ ‬يتوجس‭ ‬من‭ ‬مفاهيم‭ ‬التعدد‭ ‬والتنوع‭ ‬والاختلاف،‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬قبل‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬وبهذا‭ ‬النحو‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬كيف‭ ‬اتجهت‭ ‬مرجعية‭ ‬اليسار‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الانفتاح‭ ‬الفكري‭ ‬والتنوع‭ ‬المرجعي‭.‬

ثانياً‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬يدافع‭ ‬عنها‭ ‬اليسار‭: ‬هنا‭ ‬أيضا‭ ‬حدث‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬مفاهيم‭ ‬التنوع‭ ‬والتعدد‭ ‬والاختلاف‭. ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الشعب،‭ ‬أو‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة،‭ ‬أو‭ ‬البروليتاريا،‭ ‬أو‭ ‬تحالف‭ ‬العمال‭ ‬والفلاحين،‭ ‬الفئة‭ ‬المحورية‭ ‬والمتجانسة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنضال‭ ‬اليسار،‭ ‬بل‭ ‬دخلت‭ ‬محاور‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬الخط،‭ ‬ضمنها‭: ‬أ‭- ‬الأقليات‭ ‬بكل‭ ‬أنواعها‭ ‬الدينية‭ ‬واللغوية‭ ‬والجنسية‭.‬

ب‭- ‬الحريات‭ ‬الفردية‭ ‬بكل‭ ‬أبعادها‭ ‬الفكرية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والجنسية‭.‬

ج‭- ‬الإيكولوجيا‭ ‬بمختلف‭ ‬مضامينها‭ ‬وأبعادها‭.‬

هكذا،‭ ‬بوسعنا‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬اليسار‭ ‬اليوم‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬ورشة‭ ‬مفتوحة‭ ‬للنقاش‭ ‬وتطوير‭ ‬مفاهيم‭ ‬الحداثة‭ ‬السياسية‭. ‬وبالفعل،‭ ‬لن‭ ‬نجانب‭ ‬الصواب‭ ‬إذا‭ ‬اعتبرنا‭ ‬الحداثة‭ ‬السياسية‭ ‬نفسها‭ ‬لم‭ ‬تتطور‭ ‬إلا‭ ‬بفضل‭ ‬جهود‭ ‬اليسار‭. ‬إن‭ ‬اليسار‭ ‬هو‭ ‬الإطار‭ ‬المرجعي‭ ‬لنشأة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الحركة‭ ‬النسائية‭ ‬والحركة‭ ‬البيئية‭ ‬وحركة‭ ‬العولمة‭ ‬البديلة،‭ ‬بل‭ ‬لن‭ ‬نبالغ‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬اليسار‭ ‬الجذري‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭ ‬الإطار‭ ‬المرجعي‭ ‬الذي‭ ‬أفرز‭ ‬الجيل‭ ‬الأخير‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

بناء‭ ‬عليه،‭ ‬طبيعي‭ ‬أن‭ ‬نلتفت‭ ‬إلى‭ ‬اليسار‭ ‬عندما‭ ‬نطرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬المصيرية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سنفعله‭ ‬ونحن‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نتبيّن‭ ‬موقف‭ ‬اليسار‭ ‬من‭ ‬مسألة‭ ‬العنف‭ ‬الديني‭.‬

لربما‭ ‬لا‭ ‬يسع‭ ‬المقام‭ ‬الآن‭ ‬لاستحضار‭ ‬أهم‭ ‬الكتابات‭ ‬اليسارية‭ ‬حول‭ ‬مسألة‭ ‬العنف‭ ‬الديني،‭ ‬لكننا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نستنتج‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬التحليل‭ ‬بأن‭ ‬الموقف‭ ‬اليساري‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬الديني‭ ‬هو‭ ‬امتداد‭ ‬لموقف‭ ‬الماركسيين‭ ‬الكلاسيكيين‭ ‬من‭ ‬الدين‭: ‬الدين‭ ‬ثمرة‭ ‬اختلالات‭ ‬اجتماعية‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعالجها‭ ‬حتى‭ ‬تنتهي‭ ‬المسألة‭. ‬وأما‭ ‬عندما‭ ‬تفاقم‭ ‬العنف‭ ‬الديني‭ ‬مؤخراً‭ ‬فقد‭ ‬حافظ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬اليساريين‭ ‬العالميين‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الفرضية‭: ‬تفاقم‭ ‬العنف‭ ‬الديني‭ ‬ثمرة‭ ‬تفاقم‭ ‬الاختلالات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بسبب‭ ‬الرأسمالية‭ ‬والإمبريالية‭. ‬المشكلة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفرضية‭ ‬تقودنا‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬مستويات‭ ‬من‭ ‬تبرير‭ ‬العنف‭ ‬الديني‭:‬

المستوى‭ ‬الأول‭: ‬العنف‭ ‬الديني‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬عرضي‭ ‬على‭ ‬عنف‭ ‬أصلي‭ ‬هو‭ ‬عنف‭ ‬الرأسمالية‭ ‬والإمبريالية،‭ ‬لكننا‭ ‬نعتبر‭ ‬العنف‭ ‬العرضي‭ ‬حليفا‭ ‬ممكنا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬العنف‭ ‬الأصلي‭ (‬مقاربة‭ ‬ثيري‭ ‬ميسان‭).‬

المستوى‭ ‬الثاني‭: ‬العنف‭ ‬الديني‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬عرضي‭ ‬على‭ ‬عنف‭ ‬أصلي‭ ‬هو‭ ‬عنف‭ ‬الرأسمالية‭ ‬والإمبريالية،‭ ‬لكننا‭ ‬نحارب‭ ‬بالأولى‭ ‬العنف‭ ‬الأصلي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬العنف‭ ‬الفرعي‭ ‬حليفا‭ (‬مقاربة‭ ‬بودريار‭).‬

المستوى‭ ‬الثالث‭: ‬العنف‭ ‬الديني‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬عرضي‭ ‬على‭ ‬عنف‭ ‬أصلي‭ ‬هو‭ ‬عنف‭ ‬الرأسمالية‭ ‬والامبريالية،‭ ‬لكننا‭ ‬نقاومهما‭ ‬معاً‭ ‬ولا‭ ‬نعتبر‭ ‬أيا‭ ‬منهما‭ ‬حليفا‭ ‬لنا‭ ‬ضدّ‭ ‬الآخر‭ (‬مقاربة‭ ‬طارق‭ ‬علي،‭ ‬جلبير‭ ‬الأشقر‭ ‬وسمير‭ ‬أمين‭).‬

رغم‭ ‬أنّ‭ ‬المستوى‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬التفسير،‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬أمثال‭ ‬طارق‭ ‬علي‭ ‬وجلبير‭ ‬الأشقر‭ ‬وسمير‭ ‬أمين،‭ ‬يبقى‭ ‬الأكثر‭ ‬توازناً،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬ننكره‭ ‬بأي‭ ‬حال،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنّ‭ ‬المسلمة‭ ‬الأساسية‭ ‬والمشتركة‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المستويات‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬الديني‭ ‬مجرّد‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬عنف‭ ‬أصلي‭ ‬هو‭ ‬عنف‭ ‬الرأسمالية‭ ‬والإمبريالية،‭ ‬أو‭ ‬عنف‭ ‬العولمة‭ ‬الرأسمالية‭. ‬وهي‭ ‬فرضية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جهد‭ ‬تقويضي‭. ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬اليسار‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭.‬

إن‭ ‬كل‭ ‬عنف‭ ‬نعتبره‭ ‬اليوم‭ ‬عنفا‭ ‬فرعيا،‭ ‬أي‭ ‬مجرّد‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬عنف‭ ‬أصلي،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬سيصبح‭ ‬عنفا‭ ‬أصليا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للعنف‭ ‬الذي‭ ‬سيأتي‭ ‬لكي‭ ‬يردّ‭ ‬عليه‭. ‬ولكي‭ ‬نخرج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحلقة‭ ‬المفرغة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬كل‭ ‬عنف‭ ‬بمثابة‭ ‬عنف‭ ‬أصلي‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬نواياه‭. ‬وهناك‭ ‬اعتبار‭ ‬آخر‭:‬

العنف‭ ‬كيفما‭ ‬كانت‭ ‬أحواله‭ ‬وأهواله،‭ ‬فإنه‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬ذوات‭ ‬عاقلة‭ ‬لها‭ ‬حرية‭ ‬القرار‭ ‬ومسؤولية‭ ‬الاختيار‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الذات‭ ‬العاقلة‭ ‬بمثابة‭ ‬وجود‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬بالمعنى‭ ‬الكانطي،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬وسيلة‭ ‬لأي‭ ‬غاية‭ ‬أخرى‭. ‬إن‭ ‬الذات‭ ‬تبقى‭ ‬ذاتا‭ ‬ولا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نجعلها‭ ‬موضوعا‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭. ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬أؤكد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬كل‭ ‬عنف‭ ‬بمثابة‭ ‬عنف‭ ‬أصلي‭ ‬طالما‭ ‬أنه‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬ذوات‭ ‬عاقلة‭ ‬وليس‭ ‬صادرا‭ ‬عن‭ ‬موجودات‭. ‬داخل‭ ‬الطبيعة‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬قانون‭ ‬الضرورة،‭ ‬حيث‭ ‬لكل‭ ‬فعل‭ ‬رد‭ ‬فعل،‭ ‬لكن‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬قانون‭ ‬الواجب،‭ ‬حيث‭ ‬بين‭ ‬الفعل‭ ‬ورد‭ ‬الفعل‭ ‬هناك‭ ‬مسافة‭ ‬واسعة‭ ‬تضم‭ ‬الإرادة‭ ‬والرغبة‭ ‬والإدراك‭ ‬والتأويل‭ ‬والحرية‭ ‬والمسؤولية‮…‬‭ ‬أي‭ ‬الإنسان‭ ‬العاقل‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى