البئر الجديد وحد السوالم: مفارقات وأسئلة في الشأن المحلي
◆ عبد اللطيف أبو الصفاء
جنوب العاصمة الاقتصادية على الطريق الوطنية رقم 1 مدينتان تشكلان ملتقى إقليمي برشيد والجديدة، هما البئر الجديد وحد السوالم، يذكر التاريخ للبئر الجديد وجودا إداريا بتجمع عمراني في بداية القرن العشرين، وضع هندسته الفرنسي غيوم شافان «GUILLAUME CHAVAN» في شبه استنساخ لهندسة سانت هيبير الفرنسية والتي حمل إسمها في مرحلة معينة، وظل تمثاله البرونزي يزين النصب المشيد وسط الحديقة التي عرفت باسمه حتى انتزعتها أياد سائبة مطلع الثمانينيات حين تفتقت عبقرية مدبري الشأن المحلي على اجتثاث أشجار الخروب التي كانت تملأ فراغات النخيل الذي لازال يشهد بملامح الترتيب وحسن التدبير الذي أفل مع مسلسل البدونة الذي يواصل طمس معالم كان ينبغي لها أن تشكل رمزية المدينة التي أعلن منها التحرري الفرنسي بيير باران pierre parentالذي دخل المغرب عائدا من الحرب العالمية الأولى فاقدا ذراعه ذات يوم من عشرينيات القرن الماضي معلنا أنه «مواطن مغربي من البئر الجديد»، هذا في زمن قام فيه الفلاحون بمنطقة البئر الجديد بتشكيل أول شكل نقابي بمنطقة الولجة متمردين على العنري الكرسيكي «كازييه» الذي حسب الروايات المتواترة سيقوم بقتل مدام باريس، أم زوجته، بسبب دعمها للعمال المضربين، لقد كان المزود الأول لفرنسا نظام فيشي بالخضر والفواكه واللحوم عبر البحر، في هذه المنطقة كانت تنتج المؤونة والغذاء للجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية من عرق أبناء الفلاحين المنتمين إلى منطقة المحارزة فبل أن تحولها فرنسية المستعمر إلى إسمها الحالي «المهارزة» والذين تحولوا إلى عمال فلاحيين في خدمة معمرين مثل فرانسوا أوليجيني المعروف ب»الجيني» ولا زالت آلاف الهكتارات بين البئر الجديد و منطقة السوالم تحمل إسمه في حين كان مسير ضيعاته المسمى «ديدييه» مقيما في البئر الجديد، وطل أبناؤه إلى حدود السبعينيات مقيمين بمركز المدينة التي صنفت من قبل قرية نموذجية شكلت مركز استقطاب تجاري و إداري.
هكذا بين معمر مارس الاستغلال وتحرري ناضل ضد الاستغلال والتجويع، يتشكل التاريخ المشترك لمنطقتي البئر الجديد وجماعة السوالم، حتى لما شاءت مصالح ورثة المعمرين من أعيان المنطقة أن تبعد مشروع المنطقة الصناعية عن البئر الجديد مطلع الثمانينيات وفق ما كان مبرمجا للإبقاء على يد عاملة رخيصة للاشتغال في ضيعاتهم الممتدة عبر منطقة هشتوكة إلى حدود الشاوية. هكذا ستتحول منطقة حد السوالم بفضل حي صناعي يضم عشرات الشركات إلى صيغة تعايش هجين بين نمط زراعي لا زال مهيمنا على السلوك العام لأبناء المنطقة، خصوصا من ارتبطوا بالأرض، مما عطل تشكل حركة عمالية واعية رغم الدينامية التي انطلقت مع العقدين الأخيرين، وتعتبر في شكلها المرتبط بعمال المطاحن بفضل نقابة عمال وعاملات مجموعة داليا بحد السوالم إلى نموذج يحتذى به وطنيا ، بالمحافظة على نسبة زيادة في الأجور بنسبة 5 في المائة، و لنفس الأسباب تتعرض اليوم لعراقيل موجهة من الخارج لأن بقايا العهد القديم لازالت تمارس نفس أساليب الكبح لجميع صيغ الممارسة المدنية المنتجة، وتبارك في المقابل فاسدين تأكل بأفواههم حياة الفقراء. هكذا تتشكل مدينة حد السوالم التي يدار شأنها العام بمنطق شبه أوليغارشي مزركش بمسوخ مدنية للتطبيل تحت الطلب في غالب الأحوال، وهي نفس تمظهرات الهجانة تسير الجماعة الحضرية للبئر الجديد، حيث تم توقيف وكبح تنفيذ مشاريع خصصت لمعطلين بموجب محاضر والتزامات صادرة في قرارات مجلسين محليين تعاقبا بنفس الرئيس المنتمي إلى المشمولين بمفهوم «الهمزاوية « كما صاغها المرحوم محمد جسوس، مما أدى إلى تعليق مصالح المواطنين وانتظارات اقتصادية واجتماعية مأمولة، في الوقت الذي تسير المشاريع الخاصة للمنعشين العقاريين بشكل جيد وضمنهم مشروع يقام على الأرض التي أقام فيها بيير باران أول قسم دراسي لتدريس أبناء المغاربة بالمنطقة، فعن أي رأسمال لامادي كان يتحدث الخطاب الرسمي إن لم يكن مثل هذه الذاكرة الثقافية المشرقة ؟ يتساءل جزء كبير من المتابعين لما يقع، ولم لا فصاحب المشروع هو رئيس المجلس وله أن يفعل ما يشاء في ما يلائم مزاجه الربحي الخام.
وقد فجرت مباراة غابت فيها الشفافية وتكافؤ الفرص وباقي المبادئ الدستورية في إطار سياسة اقتسام «الوزيعة» احتجاجات المعطلين الذين اعتبروها صفقة في إطار تبادل الانتفاع ووزعت فيها بيانات تفضح المعطيات التي رغم إسكاتها ببناء عشر دكاكين لازالت لم تسلم لمن خصصت لهم بحي بام بمحاذاة شارع محمد الخامس الرئيسي بالمدينة باتجاه جماعة المهارزة الساحل، فقد أبانت مستوى التدبير الذي يترك للقارئ حق تصنيفه فكل تجربة تقيّم بنتائجها، هكذا هي السياسة المنتهجة في شبه تواطؤ على تعطيل كل شيء يتعلق بالمصلحة العامة، خارج دائرة الانتفاع التي فتحت على مصراعيها تزامنا مع لجان التفتيش القضائية والإدارية التي حلت بالبلدية منذ أزيد من سنة، ولازالت لم تحسم بما يشفي الآمال المعلقة للمواطنات والمواطنين في تقويم الانحرافات وردع التجاوزات المستهترة بالحقوق والقوانين إلا فيما تعلق بدائرة المستفيدين، فإذا كان الرئيس السابق لبلدية حد السوالم المجاورة يؤدي ثمن الاختلالات الخطيرة التي عرفتها مرحلة تدبيره للشأن العام، تاركا لخلفه السير على خطاه وبتوجهات معدلة بدأت تتأكد في استهداف محيط حماة المال العام جاعلا من السلطات الإدارية أدوات تنفيذ، في نفس منطق تبادل المصالح ..
هذه صورة عامة عبر معطيات ملموسة وواقعية عما هو عليه حال الشأن العام المحلي في مدينتين من إقليمين داخل جهة الدار البيضاء هما مدينتا البئر الجديد وحد السوالم… حيث أفضى التخبط المنفعي الضيق الذي يحكم منطق تدبير الشأن العام في شكله المشرع للمقاولاتية الفجة والمعزولة عن أي مضمون وطني وشعبي، إلى تشكل حركات اجتماعية وجبهة من الضحايا والمتضررين وضمنهم مشردات ومشردو دواوير استبيحت حرماتها لتقدم إلى رساميل العقار مثلما حدث لدوار البراهمة بجماعة السوالم الطريفية مطهرة من أغيارها الذين تشهد لبعضهم وثائق إدارية بالميلاد على تلك الأرض في ثلاثينيات القرن الماضي ليطمس لهم أثر الوجود شهر مارس من سنة 2015 واللواتي انتظمن في إطار جمعية حازت حكما قضائيا نهائيا ضد غطرسة المسؤولين الترابيين الذين فعلوا كل شيء لأجل منع تأسيس جمعية للضحايا ولا زالوا حتى اليوم يمتنعون عن تنفيذ أحكام القضاء، بل وحتى الانضباط لقرارات الإدارة المركزية كما وضح ذلك أعضاء من مكتب جمعية البراهمة السمايرية في تصريحات إعلامية ووقفات احتجاجية أمام عمالة برشيد ووزارة الداخلية وحتى وزارة العدل التي حسمت الجدل بانعدام مسؤولية النيابة العامة ببرشيد في تنفيذ التشريد المذكور، مما شكل إحراجا وكشف مدى التعارض بين القانون وعقلية السلطة الإدارية ومضمون الأهداف التي يطلقها الخطاب الرسمي الكسيح بالقوة قبل الفعل مادام يسير خارج المحاسبة الذاتية وفي ظل ضعف الوازع الوطني الممنّع للتعايش البناء والمنتج.