الأدب العمالي
عبد الغني عارف
على مر العقود الماضية كانت قضايا العمال ومعاناتهم موضوع الكتابة لدى كثير من الكتاب والفنانين، وهي كتابة تلتقط جوانب من حياة العمال ونضالهم من أجل كرامتهم وحماية حقوقهم، خصوصا مع بدايات الثورة الصناعية وما أفرزته من إعادة ترتيب البنيات الطبقية للمجتمعات الجديدة، وظهور تعبيرات ثقافية تعكس مواقف أطراف الصراع الطبقي داخل كل مجتمع.
إن الأدب العمالي كتابة تستند إلى خلفية الفكر الاشتراكي والتقدمي وتتخندق، بالكلمة والموقف، مع الطبقة العاملة في نضالها ضد آلة الاستغلال وجبروت المستغلين، وتحتج مع العمال بالكلمة دفاعا عن حقهم في تحسين ظروف عملهم والارتقاء بشروط عيشهم، وهو بذلك أدب يستمد هويته من كونه ” الفائض الإبداعي” الذي يعبر عن الظروف القاسية التي تنتج فيها الطبقة العاملة ” فائض القيمة” على مستوى الإنتاج المادي، وهو بذلك يندرج في إطار ” الأدب الهادف والملتزم” باعتباره رؤية تعطى للإبداع الأدبي والفني وظيفة اجتماعية بالدرجة الأولى، فضلا عن وظيفته الفنية والجمالية.
في هذا السياق نستحضر رواية إميل زولا ( جيرمنال) التي رصدت، برؤية واقعية دقيقة، معاناة عمال المناجم بالشمال الفرنسي أواخر القرن19 ، مستحضرة بين ثنايا ذلك قضايا وجودية أخرى كالموت والحب والجمال والعلاقات العائلية..
أما على مستوى المغرب، فيمكن أن نستحضر تجربة ” المسرح العمالي ” التي استوحاها المسرحي المغربي محمد مسكين، من معايشة يومية ومباشرة لمعاناة عمال مناجم جرادة، وهي تجربة بقدر ما تستوحي التراث الشعبي والأسطورة فإنها تعبر عن الواقع المعيش، برؤية رمزية وفنية تراهن على تكسير السائد من الأفكار.
ترى ما الذي تبقى اليوم من هذا النمط من الكتابة ؟. هل ما يزال ممكنا الحديث اليوم عن أدب عمالي كجنس تعبيري قائم الذات؟. ما الذي حدث بالضبط: هل هو اختيار ذاتي جعل الأدباء والفنانين أصبحوا غير معنيين بهذا النوع من الإبداع، أم أن شروطه الموضوعية انتفت في الواقع، مما جعل صداه يخفت بالضرورة في أعمال الأدباء واهتماماتهم ؟