أكاسرة الأواني الذهبية
يُحْكَى والعُهْدَةُ على الراوي، أن حاكم بلاد الفُرس كِسْرَى كان يشرب، فوقعت عينه على أحد خَدَمِه، وقد أخفى في ثيابه إناءً من الذهب، فأمسك ملك الفُرس على فضح الأمر، افتقد الخازن القطعة الذهبية في يوم الغد، عند افتحاص الأواني النفيسة للمطبخ، علت الجلبة الإيوان، فقال كِسْرَى منتشيا: لا تتعبوا في طلبها، فقد أخذها من لا يردها، ورآه من لا ينم عليه، فاسكتوا فهذا أمري.. فلما كان بعد سنة، كان كسرى يشرب، فدخل ذلك الخادم وقد زين خاصرته بزِنَّارٍ من الذهب، فقال له الملك سراً: هل هذا من ذاك؟ فأجابه: نعم. فقال له: إن نفذ ما عندك من دنانير فأخبرني، لأدفع إليك أخرى.
إن الحكمة الكامنة في مروية كِسْرَى وخادمه، تجد تطبيقاتها على طول خريطة الاستبداد الإقليمي، حيث الهيمنة على الثروة سيدة الموقف، والأدهى والأمَرُّ أن يتم إغماض العين على فساد المقربين من محيط السلطة المركزية، حتى أصبح المقربون من الأكاسرة الجدد كُلّ مزين بسلاسل وخواتم الذهب والماس، بل حتى أطقم أسنانهم من ذهب، بالسطو على المال العام وخيرات البلدان، وقد أفرغوا مطابخ الشعوب من مقدراتها، ولن نستغرب من تشابه الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية إقليميا في رفع شعار مواجهة فساد المقربين من السلطة، وقد بحت حناجر المتظاهرين لفضح تَغَوُّل سرطان نهب المال العام بتغطية من السلطة المركزية لأعوانها ومستشاريها.
لن نَشُدّ في المغرب على قاعدة أكاسرة الفساد، ونورد فقط مئات الجرائم المالية والتي قدمتها تقارير المجلس الأعلى للحسابات، والتي توثق بشكل جلي لضلوع محيط السلطة المركزية في ملفات الفساد الاقتصادي والمُرِيبُ في ذلك ألَّا تحرك المؤسسة القضائية ساكناً في افتحاص هاته الملفات، رغم أن مدونة المحاكم المالية تنص في مهامها على التدقيق والبت في حسابات الأجهزة العمومية، وكذا التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، ويحدث أن تصل ملفات الفساد المالي والاقتصادي أمام أنظار المحاكم، فتطول مساطرها ويعلوها الغبار، فالزمن رهان عند البعض لنسيان الملفات السوداء.
ولا يمكن إلا أن ننوه في هذا السياق بالمجهود الجبار الذي تقوم به الجمعية المغربية لحماية المال العام، التي عقدت مؤتمرها الوطني نهاية مارس الماضي، في دائرة الصراع من أجل إشاعة شفافية التعاطي مع ملفات الفساد الاقتصادي والمالي، رغم أنها تتحرك في حقل من الألغام، خصوصاً وقد تعددت أفواه أكاسرة نهب المال العام وحاشيتهم صغاراً وكباراً، إلى درجة أصبح معها مطبخ مقدرات المغاربة بلا أوانٍ، لا الذهبية ولا الفضية ولا حتى القصديرية.