الشباب والهوية… بين الثابت والمتغير
◆ نجاة وافدي
هناك سؤال مركزي عادة ما يطرحه الباحثون في موضوع الهوية، وهو سؤال يتعلق بما إذا كانت الهوية معطى ثابتا وساكنا لا يتغير، أم أنها سيرورة تخضع في مجملها للتحول والتغيير فهما وتفسيرا. وكما يرى بعض الدارسين فإن أصول الهوية حتى وإن كانت قائمة، فإن بعض عناصرها من قبيل العادات والفنون، تتطور وتكون أكثر تعرضا للتغيير والتبدل، إما بالحذف أو بالتطعيم، خاصة وأن هذه العناصر تكون باستمرار في تلاقح مع ثقافات وهويات أخرى.
ومن دون شك فإن التلاقح والتحول لا يتمان بصورة جاهزة ودفعة واحدة، بل إنهما يخضعان لمنطق التدرج والتكامل والتراكم، إما في مدى زمني يكون طويل الأمد، أو في مدى زمني قصير ومتحكم فيه. في خضم عملية التحول هذه تخوض الثقافات المختلفة جولات من الصراع الذي ينجم عنه في بعض الأحيان محاولة الهويات الكبرى السيطرة على الهويات الفرعية، وهو ما يؤدي إلى بروز نزعات قوامها رفض التعايش وانتفاء أي رغبة في التواصل بين مختلف الهويات، وبالتالي تدير فرص وشروط العيش الإنساني المشترك، مع ما يستتبع ذلك كله من عدم الاعتراف بالتنوع والحق في التميز. والمتضرر من كل ذلك ليس فئة عمرية بعينها بل جميع الفئات بمن فيهم فئة الشباب الأكثر عرضة، ربما، لتأثيرات تسليع الثقافة، وتعميم نمط الاستهلاك والفردانية، الرامي إلى تهميش، بل ونسف، منظومة القيم التي تشكل قاعدة الهويات الفرعية الصغيرة.
إن هذه الوضعية تدفعنا في العمق إلى طرح قضيتين رئيسيتين لهما أهمية كبيرة في المزيد من استعياب إشكالية الشباب والهوية، وهما:
القضية الأولى، تتمحور حول المصدر الذي ينتج الهوية اليوم في المجتمعات العربية، هل هو الأسرة، أم الدين، أم الشارع كفضاء للعيش، أم التكنولوجيات الحديثة، أم كل هذه المؤسسات جميعها؟
القضية الثانية، تتجلى في معرفة أين تكمن المكونات الرئيسية للهوية، هل في أشكال التعبير عن الوجود كالدين والأخلاق، أو في طريقة اللباس، أو في التراث، أو في التعبيرات الفنية؟
إن الإشكالية موضوع المقال تفرز مجموعة من الخلاصات، نؤكد على اثنتين منهما:
- 1 - أن الشباب العربي عامة والمغربي ضمنهم، يعيش مرحلة دقيقة تنطوي على الكثير من التحديات، من أبرز تجلياتها زعزعة الهوية الجماعية للشباب وتسلل قيم جديدة إلى ثقافتهم. وهو الأمر الذي يفرض عليهم وعلى كافة قنواتهم التعبيرية ، العمل على تطوير مبادراتهم وفعلهم حتى لا يتحولوا إلى ضحايا هذا التحول، وبطبيعة الحال فهذا لا يعني الانسلاخ من الهوية التي تشكل علة وجودهم بدعوى مجاراة التقدم التكنولوجي الجاري والمتسارع في الآن نفسه، بل على الشباب ألا يبقى غير مبال إزاء ما يحدق به من مخاطر، وبالتالي فإن المدخل لنجاح الشباب في تحقيق طموحاتهم الذاتية والجماعية، هو الانخراط في دينامية القضايا المحيطة بهم، والعمل على بناء مشاريع وتصورات تجيب عن حاجاتهم وتمكنهم من امتلاك القدرة على فهم التحديات التي تواجههم في الواقع والمساهمة في إيجاد الحلول الملائمة لها.
- 2 - إن مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وفي مقدمتها الأسرة والمؤسسة التعليمية، أصبحت مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى بأن تزرع لدى الشباب ثقافة العيش المشترك في المجال، والتبني الواعي لقضايا المجتمع وإشكالاته، مسلحين بآليات المناعة الضرورية للحفاظ على توازنهم الفكري والوجدان في عصر يعرف تقلبات عاصفة على صعيد القيم وتدفقا كبيرا في الأفكار والمعلومات.
ضمن هذا الأفق، وفي إطار هذه الشروط الموضوعية، يمكن الحديث عن امتلاك الشباب لهوية قوية تحميهم من التيارات الجارفة للعولمة، وتجعلهم نخبا فاعلة بشكل رئيسي في العملية التنموية، ومؤهلين أكثر للقيام بالأدوار المنوطة بهم.