Uncategorized

سيناريوهات العالم بعد كورونا

بقلم : أحمد كاعودي

يجمع الأكاديميون والفلاسفة والباحثون في شؤون العلاقات الدولية، في التوافق على خلاصة وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية  السابق “هنري كيسنجر”؛ على أن عالم ما بعد كورونا لن يكون كما قبله وأن النظام السياسي العالمي يعاني من أزمة غير مسبوقة، وقد كشف كوفيد 19 عن هشاشة النيوليبرالية، ولكنهم يختلفون في التقديرات الأولية والبدائل المرتقبة، حسب هويتهم الأيديولوجية، ففي تصريح الأسبوع الماضي لزعيم “فرنسا الأبية” قال: “العالم ما بعد كوفيد 19  سيكون صدمة للنيولبرالية، فأوروبا حسب تعبيره، عاجزة أمام كورونا أكثر مما كما كانت عليه في القرن 19 في مواجهة الطاعون الأسود”، كما سارت مجلة “فورين بوليسي” الذائعة الصيت من منطلقها الليبرالي، في ذات التفسير، إذ تناولت تقديرات، لعديد من المفكرين والدبلوماسيين تداعيات كورونا على العلاقات الدولية، وأهم خلاصة خرجت بها المجلة، هي هول الأزمة عالميا وتداعياتها على النظام السياسي العالمي، وعودة دولة الرعاية القومية، والاكتفاء الذاتي، وانتقال الثقل الاقتصادي إلى شرق آسيا، وتراجع تكافل دور الاتحاد الأوروبي، ومن الملاحظ أن المفكرين والباحثين الذين قدموا تفسيراتهم بحكم هويتهم الليبرالية، لم يطرحوا انهيار النظام الرأسمالي، كل ما طرحوه هو ترميم النظام المعولم لذاته بعد استيعاب صدماته، وهذا ه والحد الأقصى حسب تصوراتهم، والحال أن مؤشرات واضحة تقول عكس توقعات المنظرين الليبراليين.
حيث تم تسجيل انهيار أهم القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد المعولم، ونخص بالذكر:

أ- انهيار البورصة منذ منتصف مارس ب4,5% و 5% نقطة.

ب- إغلاق المعامل.

ج- شلل في وسائل النقل واللوجستيك.

فقد كشف كورونا عن عمق الأزمة في طبيعة النظام الرأسمالي وبنيته ومؤسساته، فمتزعمة العالم الغربي وقائدته بالرغم من ريادتها للاقتصاد العالمي وتبوئها  للمرتب الأولى عسكريا وهيمنتها على معظم دول القارات الخمس، فهي عاجزة على سد النقص المهول في القطاع الطبي، لتضطر للتسول لتتسول من الصين المعدات الصحية، أمام ازدياد الإصابات في صفوف مواطنيها، وأغلبهم من السود وأصول أمريكا اللاتينية، وكذا الحديث عن المقابر الجماعية التي أشعلت وسائل التواصل الاجتماعي بهزة عاطفية عنيفة، شدت الانتباه بملاين المشاهدين، حيث الانهيار الشامل لأكبر دولة تسوق للحرية والديمقراطية، وتشعل حروبا أهلية من أجل حقوق الإنسان، وهي عاجزة عن تأمين الحق في الصحة وتأمين الحياة لمواطنيها، وتثبت أنها غير مؤهلة لقيادة العالم، أما دول أوروبا، ما بعد مشروع مارشال  ونهاية الحرب العالمية، فنشهد استمرار هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على صناعة القرار الأوروبي، وبالتالي فكل أزمة أو انتكاسة في الولايات المتحدة الأمريكية إلا ولها تأثير على”القارة العجوز” حسب التعبير الأمريكي.

 

أمام هول هذه الجائحة، تطرح عدة سيناريوهات مفتوحة على المستقبل :

ـ فهل ستجدد الرأسمالية العالمية نفسها، بعد استيعاب الصدمة وامتصاصها، بضخ الملايير من الدولارات في المصارف العالمية والأبناك، والدعم اللامشروط للشركات الكبرى، باستغلال الولايات المتحدة الأمريكية للفائض المالي الخليجي، كما فعلت في 1987 والأزمة المالية ل 2008 ؟ ويبدو أن هذا الخيار غير متاح إلى حدود اللحظة، لأن تداعيات الأزمة انعكست على 3/1 سكان القارات الخمس، ولا تنحصر فقط في أمريكا الشمالية أو أوروبا.

ـ أم هل سيأخذ البيت الأبيض نموذج “مشروع مارشال” كما فعل مع أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ؟

ـ أو هل سيسير العالم الرأسمالي  إلى تثبيت نموذج الدولة الأكثر استبدادية وانعزالية بتكريس سلطة اليمين الفاشي المتطرف…؟

ـ أم سيخرج من أنقاض النظام النيوليبرالية، مجتمع أكثر إنسانية لدولة الرعاية، الذي يعتمد على تلبية الاحتياجات البشرية في بعدها الإنساني، كما يتوقع نعموم تشومسكي؟ أو  خيار الطريق الثالث الذي سيخرج من العباءة الرأسمالية بديمقراطيته اجتماعية، على غرار النموذج الاسكندينافي سيكون البديل المرتقب؟

إذا كان الرأسمال المعولم  بسبب  تناقضاته  الداخلية يحمل  بذور سقوطه على المدى المتوسط، وغير مأسوف  على نهايته، فهل خيار اليسار بمفهومه الماركسي والذي يشكل في نظرنا رافعة أممية للقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، جاهز عالميا لطرح، خيارات بديلة للنظام  الرأسمالي، وقد تخلص من أَسر البرامج التقليدية ومن أغلال الانقسامات والتشظي، وذلك لتسريع  أممية، والتسويق لبعدها الإنساني والتعبئة والتنسيق والتفاعل مع أوسع الشعوب وجماهيرها التواقة إلى مجتمع  الحرية والعدل والمساواة الاجتماعية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى