الباشا من السودان إلى الشماعية
◆ زياد السادري
الباشا كلمة تركية، استعملها العثمانيون، في بداية الأمر، كرتبة في وظائف الدولة في المناطق التي استولوا عليها مثل بلاد الشام ومصر والجزء الأكبر من شمال افريقيا؛ وتعني لغويا القائم عند جزمة الباب العالي، حيث كان كرسي هذا الأخير عاليا جدا، بحيث يكون رأس الباشا موازيا لجزمة الحاكم، كدلالة رمزية على أنه المنفذ لعسف وركلات الأخير في دائرة اختصاصه. وقد تزامن استعمال الأتراك لهذه الرتبة، مع استعمال كل أساليب التعذيب والبطش مثل الخازوق ضد القوى المحلية الرافضة للاحتلال التركي.
لم يأخذ المغرب برتبة الباشا إلا في أيام الدولة السعدية، وهو الآخر طبقها في البداية على البلدان التي سيطر عليها في السودان الغربي، وتدخل أيضا كما في حالة العثمانيين ضمن ما نسميه اليوم بالتوسع الاستعماري، وكانت هذه البلدان تشمل مملكة غانة جنوب بلاد الملثمين وليست غانا الحالية، وتشمل أيضا السنغال ومالي وجزء كبير من النيجر. ومع المدة طبقت هذه الرتبة الوظيفية في كل المغرب حيث كان يعين عليها باشا من سلاطين السعديين.
المقدم والشيخ كانا قديمين في التاريخ الاجتماعي المغربي (أمزوار، أمغار)، وكانا يعبران عن مصالح جماعات سكانية قروية فلاحية، وفيما بعد حتى دينية، قبل أن تستوعبهما الدولة المخزنية بالكامل على مر الزمن، غير أن وظيفة الباشا دخيلة على المجتمع المغربي، وربما بسبب هذا الرابط الاجتماعي للمقدم والشيخ نلاحظ أن في أوساطهم عرف عددا ممن انحاز إلى جانب الحركة الوطنية وحتى إلى جانب المقاومة المسلحة ضد المستعمر، بل هناك حتى قواد لعبوا أدوارا ضد المستعمر، في حين انحاز الباشوات إلى المستعمر ولعبوا دور “الصباط ” في العسف والتنكيل، وكان الكلاوي في مقدمة هؤلاء الباشوات، الذين كانوا اليد اليمنى للمستعمر لقمع الوطنيين واستعمال أسلوب الضرب والتعذيب وتلفيق التهم.
الشرط الأولي لكي تتحول أية دولة، من دولة القرون الوسطى إلى دولة عصرية، هو أن تكون دولة القانون، سواء أكان هذا القانون قانونا ديمقراطيا أو ديكتاتوريا. والحال أنه في المغرب ما تزال الدولة تجر معها نماذج لرجال سلطة يستلذون باسترجاع أسلوب “الصباط” ضدا على القانون، ومنهم من يستلذ ذلك من أجل الحفاظ على مصالح الحلب من قوت الناس، وحتى من المال العام.
كل أمثال هؤلاء وفي مقدمتهم الباشوات تجد أنهم يتذرعون بأنهم يدافعون عن الدولة، لكن في حقيقة الأمر هم ” خدام الدولة ” بذلك المعنى الذي كان قد صرح به مسؤول حكومي، أي وجود منفعة مادية مقوننة بينه وبين الدولة ضد المجتمع ومصالحه.
ما دام أن الدولة لا تستطيع في الشروط الحالية، أن تتحول إلى دولة عصرية، وهي ما تزال محتفظة بطاقم وظيفي دخيل وقروسطي، فهي أكثر من ذلك لا يمكن أن تتحول إلى دولة ديمقراطية، ولن تنفع معها لا كورونا ولا الضغوط الدولية، وكل الأمل في تغيير أحوال المجتمعات معقود فقط على الناس المنتجِـين أنفسهم، كما تؤكد النظرية الاشتراكية. وبشكل آخر قال الشافعي:” ما حكَّ جلدكَ مثلُ ظفركَ، فَتَوَلَّ أنْتَ جَميعَ أمركَ”.
عندما أصدرت الداخلية عددا من الاجراءات للحد من انتشار الوباء، أرفقتها بالجزاءات لمن خالف تلك الاجراءات. في دولة القانون لا يمكن لرجل سلطة سواء في الشماعية أو أي مدينة أخرى. أن يخرج عما هو مسطر في القانون، ولو على علاته، لكن نجد أن عددا منهم استعمل القبضة والبعض النطح بالرأس، وباشا الشماعية تجاوز الجميع باستعمال الركل لحجر المواطن ويا ليته اكتفى، فقد سلط أعوانه على الضحية وأعد مؤامرة مقصودة ومبيتة ودفع الأعوان الذين كانوا جلادا، لكي يشهدوا زورا لصالح الباشا في عمل آخر قذر للزج بالقضاء في مؤامرته المبيتة.
إذا أضفنا عدم قدرة الحكومة على تنفيذ وعودها لمساعدة الفئات الاجتماعية المتضررة من الحجر الصحي، إلى تكليف رجال السلطة بتنفيذ الحجر، يظهر لنا مدى حجم الضرر الذي أصاب الناس، خاصة مع انكشاف أن الحجر المنفذ في الواقع كان انتقائيا غير مبني على أي دراسات علمية، وإنما على المزاج ومصلحة رجل السلطة التي تناقصت بفعل الركود الاقتصادي الشيء الذي جعله يفقد صوابه ويضرب ضرب عشواء.
نحن نعلم أن ما يتم انتاجه في زمن الحجر يجب أن يصل إلى المستهلك، والفئات التي توصله عادة متعددة، منها من يملك محلا ومن لا يملكه، وقد وقفنا على أمثلة كثيرة لم تخضع لأي معيار صحي في وضعها ضمن الحجر أو خارجه، في حين كان يجب أن يتم السهر على ضمان السلامة فقط في غلق المحلات أو فتحها وفي منع عرض البضاعة أو السماح بذلك، وليس الهدف هو حرمان الناس من قوت يومهم، بل الأدهى ممارسة العنف عليهم.