من تاريخ الحركة العمالية المغربية من أجل التحرر

◆ عبد الغاني حيدان

في‭ ‬زمن‭ ‬كورونا،‭ ‬تخلد‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭ ‬عموما‭ ‬والطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬المغربية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬عيدها‭ ‬الأممي‭ ‬يوم‭ ‬فاتح‭ ‬ماي‭ ‬2020،‭ ‬في‭ ‬صيغته‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية‭ ‬بسياقات‭ ‬متعددة‭ ‬ومتشابكة‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات،‭ ‬وفي‭ ‬معترك‭ ‬الصراع‭ ‬الطبقي‭ ‬بحجم‭ ‬فعله‭ ‬السياسي‭ ‬العالمي‭ ‬والإقليمي‭ ‬والوطني،‭ ‬ليؤكد‭ ‬فاتح‭ ‬ماي‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬حجم‭ ‬الاستغلال‭ ‬الفاحش‭ ‬للطبقة‭ ‬العاملة،‭ ‬وتفشي‭ ‬مظاهره‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وانتفاع‭  ‬طبقات‭ ‬وفئات‭ ‬اجتماعية‭ ‬من‭ ‬الريع‭ ‬والأزمات‭ ‬والجوائح،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬والشغيلة‭ ‬المغربية،‭ ‬هذه‭ ‬الطبقات‭ ‬والفئات‭ ‬الاستغلالية،‭ ‬هي‭ ‬وليدة‭ ‬الحضن‭  ‬الاستعماري،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬ولازالت‭ ‬حريصة‭ ‬أشد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬احتكارهذا‭ ‬الانتفاع‭ ‬المريب،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الجماهير‭ ‬الشعبية‭ ‬وقواها‭ ‬الحية،‭ ‬إنها‭ ‬طبيعة‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬من‭  ‬سمته‭ ‬الوطنية‭ ‬إلى‭ ‬وحش‭ ‬كاسر‭ ‬عابر‭ ‬للقارات‭ ‬وإلى‭ ‬إمبراطورية‭ ‬امبريالية،‭ ‬إمبراطورية‭ ‬الشر‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬مقدرات‭ ‬وخيرات‭ ‬الشعوب‭ ‬والبلدان‭ ‬ذات‭ ‬السيادة‭ ‬والبلدان‭ ‬الفقيرة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭. ‬والطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬المغربية‭ ‬باعتبارها‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬العالمية‭ ‬كفاحيا‭ ‬وسياسيا‭ ‬وطبقيا،‭ ‬هي‭ ‬متساوية‭ ‬في‭ ‬الاستغلال‭ ‬وفي‭ ‬إنتاج‭ ‬فائض‭ ‬القيمة،‭ ‬بحكم‭ ‬موقعها‭ ‬من‭ ‬عملية‭  ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي،‭ ‬والأكيد‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬المراحل‭ ‬السياسية‭ ‬والنضالية‭ ‬للطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬المغربية‭ ‬والشغيلة،‭ ‬ارتبط‭ ‬أشد‭ ‬الارتباط‭ ‬بتطور‭ ‬نمط‭ ‬الإنتاج‭ ‬الرأسمالي،‭ ‬الذي‭ ‬تحكم‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬أنمطة‭ ‬الإنتاج‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الرأسمالية‭ ‬ببلدنا،‭ ‬وتحول‭ ‬إلى‭ ‬نمط‭ ‬إنتاج‭ ‬كولونيالي،‭ ‬ثم‭ ‬نيوكولونيالي،‭ ‬والثابت‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإعاقة‭ ‬البنيوية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معزولة‭ ‬عن‭  ‬شروطها‭ ‬التاريخية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والأيديولوجية‭ ‬والسياسية،‭ ‬لتشكل‭ ‬وتكون‭ ‬نمط‭ ‬الإنتاج‭ ‬الكولونيالي‭.‬

إن‭ ‬تحديد‭ ‬الرؤية‭ ‬الموضوعية‭ ‬والدقيقة‭ ‬لتطور‭ ‬البنى‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬ودور‭ ‬حركاتها‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬والنقابية‭ ‬فيها،‭ ‬تتأسس‭ ‬على‭ ‬منظور‭ ‬سياسي‭ ‬طبقي‭ ‬يتطلب‭ ‬فرزا‭ ‬موضوعيا‭ ‬للعوامل‭ ‬الرئيسية‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬حيث‭ ‬هناك‭ ‬دعاوى‭ ‬تنظيرية‭ ‬تفند‭ ‬دور‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬السياسي،‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬طبقة‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الصراع‭ ‬السياسي‭ ‬العام،‭ ‬بدعوى‭ ‬عدم‭ ‬جاهزيتها‭ ‬طبقيا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الاستغلال،‭ ‬مادام‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أفرادها‭ ‬مرتبطين‭ ‬بالملكية‭ ‬الخاصة،‭ ‬أي‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬طبقة‭ ‬بروليتارية،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬إلا‭ ‬أغلالها‭. ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المحتوى‭ ‬التنظيري‭ ‬تبسيطي‭ ‬وسطحي،‭ ‬ولا‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬علمية‭ ‬دقيقة‭ ‬منهجيا‭ ‬ونظريا،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬المغربية‭ ‬ارتبطت‭ ‬بتطور‭ ‬بنية‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬وبالعلاقات‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬الملكية‭ ‬الخاصة‭ ‬والتشابكات‭ ‬الإقطاعية‭ ‬وشبه‭ ‬الإقطاعية،‭ ‬كما‭ ‬اصطلح‭ ‬عليها‭  ‬الشهيد‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬بالهياكل‭ ‬الإقطاعية،‭ ‬وبتطور‭ ‬علاقات‭ ‬الإنتاج‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬أي‭ ‬التحول‭  ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الرأسمال‭ ‬الثابت‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الرأسمال‭ ‬المتحول،‭ ‬ببناء‭ ‬المصانع‭ ‬والأوراش‭ ‬والمناجم،‭  ‬والزراعات‭ ‬العصرية،‭ ‬وتأسيس‭ ‬الشركة‭ ‬العامة‭ ‬للمغرب‭ ‬1902‭ ‬المكلفة‭ ‬ببناء‭ ‬الموانئ‭ ‬وتصدير‭ ‬الحبوب‭ ‬والمواشي،‭ ‬واستيراد‭ ‬السكر‭ ‬والشاي‭ ‬والأقمشة‭ ‬والشمع،‭ ‬شركة‭ ‬الفوسفاط‭ ‬الممتاز1920،‭ ‬قطاع‭ ‬البناء‭ ‬1920،‭ ‬الشركة‭ ‬المغربية‭ ‬لتوزيع‭ ‬الماء‭ ‬والغاز‭ ‬1914،‭ ‬الشركة‭ ‬المغربية‭ ‬للشحن‭ ‬والإفراغ‭ ‬1916،‭ ‬السكك‭ ‬الحديدية‭ ‬والطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬1923،‭ ‬شركة‭ ‬المنشآت‭ ‬الميكانيكية‭ ‬1923،‭ ‬واستغلال‭ ‬أراضي‭ ‬شاسعة‭ ‬لفائدة‭ ‬المعمرين‭ ‬تحت‭ ‬حماية‭ ‬المستعمر،‭ ‬هذه‭ ‬الشبكة‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬الرأسمالية‭ ‬انعكست‭  ‬سياساتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬الداخلية،‭ ‬وشكلت‭ ‬قاعدة‭ ‬استقطابات‭ ‬إيديولوجية‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الفئات‭ ‬والشرائح‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬لتصطف‭ ‬ضمن‭ ‬تشكيلات‭ ‬الكمبرادور‭ ‬والأوليغارشية‭ ‬المالية،‭ ‬ودورها‭ ‬كان‭ ‬بتسهيل‭ ‬مهمة‭ ‬تدوير‭ ‬الرأسمال‭ ‬الكولونيالي‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لقطع‭ ‬صرة‭ ‬بناء‭ ‬الرأسمال‭ ‬الوطني‭ ‬بأفق‭ ‬اقتصادي‭ ‬وطني،‭ ‬وهذه‭ ‬أولوية‭ ‬من‭ ‬أوليات‭ ‬السياسة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬في‭ ‬بلدنا‭ ‬وبلدان‭ ‬العالم‭ ‬الثالث،عبر‭ ‬عنها‭ ‬الشهيد‭ ‬المهدي‭ ‬بنبركة‭ ‬بظاهرة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجديد،‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬ودخل‭ ‬من‭ ‬النافذة‭.‬

الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬المغربية‭ ‬والشغيلة‭ ‬وتطور‭ ‬التناقضات‭ ‬الوطنية

لم‭ ‬يفض‭ ‬تحقق‭ ‬الاستقلال‭ ‬الوطني‭ ‬وتدعيم‭ ‬ركائز‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬إلى‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬التدخلات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬محور‭ ‬الصراع‭ ‬الداخلي‭ ‬بين‭ ‬قوى‭ ‬حركة‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬المغربية‭ ‬والطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬والأحزاب‭ ‬المساندة‭ ‬لها،‭ ‬بل‭ ‬تأكد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬حول‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬الصراع‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬وليد‭ ‬حاجات‭ ‬موضوعية‭ ‬أملتها‭ ‬الضرورة‭ ‬الوطنية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬بالأساس‭ ‬بفعل‭ ‬تناقضات‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬وسياساته‭ ‬وأدواره‭ ‬المهيمنة‭ ‬على‭ ‬مفاصل‭ ‬السياسة‭ ‬الوطنية‭ ‬والدولية‭ ‬والمستند‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬التطور‭ ‬المتفاوت،‭ ‬فسياسات‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬انبنت‭ ‬على‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬الوطنية‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬اقتصاد‭ ‬وطني‭ ‬متكامل‭ ‬مستقل،‭ ‬والقادر‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬بنهج‭ ‬سياسية‭ ‬وطنية‭ ‬مستقلة‭ ‬عن‭ ‬اختيارات‭ ‬إملاءات‭ ‬مراكز‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬للنظام‭ ‬الرأسمالي‭. ‬فأضحت‭ ‬تدور‭ ‬بين‭ ‬قطبي‭ ‬الوطنية‭ ‬والتبعية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تطور‭ ‬التناقضات‭ ‬الطبقية‭ ‬الداخلية،‭ ‬وقانون‭ ‬الاستقطاب‭ ‬الرأسمالي‭ ‬المعولم‭ ‬وتوسعه‭ ‬الذي‭ ‬أحدث‭ ‬تغيرات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وسوسيوثقافية،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬والشغيلة‭ ‬عموما‭ ‬قاعدة‭ ‬أساسية‭ ‬داخل‭ ‬البنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المغربية،‭ ‬وطرفا‭ ‬رئيسيا‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الصراع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي،‭ ‬بل‭ ‬وأضحت‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬المغربية‭ ‬محورا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬الاستغلال‭ ‬الرأسمالي‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الاستعماري‭ ‬ومابعده،‭ ‬لقد‭ ‬كتبت‭ ‬جريدة‭ “‬المغرب‭ ‬الاشتراكي‭” ‬بتاريخ‭ ‬18‭ ‬يونيو‭ ‬1937‭ ‬بقلم‭ ‬أكوسنيس‭ ‬براديي‭: “‬أصبح‭ ‬البروليتاريون‭ ‬المغاربة‭ ‬واعون‭ ‬بكرامتهم‭ ‬ولم‭ ‬يعودوا‭ ‬يقبلون‭ ‬أن‭ ‬يعاملوا‭ ‬مثل‭ ‬الأقنان‭ ‬أو‭ ‬الدواب‭”. ‬وعلى‭ ‬إثر‭ ‬الإضراب‭ ‬البطولي‭  ‬الذي‭ ‬خاضه‭ ‬العمال‭ ‬بمسؤولية‭ ‬وثبات‭ ‬يوم‭ ‬18‭ ‬يونيو‭  ‬1937،‭ ‬كتبت‭ ‬الفيدرالية‭ ‬الاشتراكية‭ ‬للمغرب‭ ‬بتاريخ‭  ‬29‭ ‬يونيو‭ ‬1937‭ ‬مقالا‭ ‬بعنوان‭: “‬دروس‭ ‬النضال‭ ‬الإضراب‭” ‬ما‭ ‬يلي‭: “‬بينت‭ ‬الجماهير‭ ‬المغربية‭ ‬باندفاعها‭  ‬القوي‭ ‬في‭ ‬النضال،‭ ‬أن‭ ‬البروليتاريا‭ ‬والصراع‭ ‬الطبقي‭ ‬موجودان‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬باقي‭ ‬الدول‭.”‬

وعن‭ ‬إضرابات‭ ‬خريبكة‭ ‬وفاس‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬السنة،‭ ‬نشرت‭ ‬جريدة‭ “‬كلارتي‭” ‬مقالا‭ ‬تشيد‭ ‬فيه‭ ‬بالدور‭ ‬البطولي‭ ‬والحازم‭ ‬للعمال‭ ‬المغاربة‭ ‬هذا‭ ‬نصه‭ : “‬بإبطالها‭ ‬للكليشيهات‭ ‬القديمة‭ ‬لرجال‭ ‬الإدارة‭ ‬المنهكين،‭ ‬بينت‭ ‬البروليتاريا‭ ‬المغربية،‭ ‬بأنها‭ ‬كسبت‭ ‬أخيرا‭ ‬الوعي‭ ‬الطبقي‭ ‬الذي‭ ‬يجعلها‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬البروليتاريين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬الشغل‭ ‬وفي‭ ‬القوت‭ ‬اليومي‭”. ‬وساهم‭ ‬توسع‭ ‬بنيات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرأسمالي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬من‭ ‬مد‭ ‬لشبكات‭ ‬الطرقات‭ ‬والسدود‭ ‬والسكك‭ ‬والموانئ،‭ ‬كميناء‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬وخط‭ ‬السكك‭ ‬المنجمي‭ ‬وجدة‭ ‬بوعرفة‭ ‬لنقل‭ ‬الفحم‭ ‬والمنغنيز،‭ ‬وبناء‭ ‬المدن‭ ‬وإحداث‭ ‬مصانع‭ ‬أخرى‭ ‬كمعامل‭ ‬المصبرات‭ ‬والزيوت‭ ‬والصابون‭ ‬والجير،‭ ‬في‭ ‬انخراط‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬والشغيلة‭ ‬وانتظامها‭ ‬في‭ ‬إطارات‭ ‬نقابية‭ ‬وجمعوية‭ ‬وحزبية‭ ‬كشكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬صراعها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬ضد‭ ‬المستعمر،‭ ‬وكواجهة‭ ‬للنضال‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحرر‭ ‬والاستقلال،‭ ‬في‭ ‬ارتباط‭ ‬وثيق‭ ‬مع‭ ‬كتلة‭ ‬العمل‭ ‬الوطني،‭ ‬ولقد‭ ‬كان‭ ‬لثورة‭ ‬أكتوبر‭ ‬الاشتراكية‭ ‬سنة‭ ‬1917‭ ‬دور‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬إلهاب‭ ‬حماس‭ ‬الحركة‭ ‬العمالية‭ ‬المغربية،‭ ‬بمظاهرات‭ ‬صاخبة‭ ‬مؤيدة‭ ‬لانتصار‭ ‬الحركة‭ ‬العمالية‭ ‬بروسيا،‭ ‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬1919‭ ‬اتحدت‭ ‬وداديات‭ ‬شغيلة‭ ‬الكتاب‭ ‬بالبيضاء،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬السنة‭ ‬تأسس‭ “‬تجمع‭ ‬عمال‭ ‬ومستخدمي‭ ‬الشحن‭ ‬والإفراغ‭ ‬المغربي‭”‬،‭ ‬وفي‭ ‬25‭ ‬ماي‭ ‬1920‭ ‬انضمت‭ ‬نقابات‭ ‬المعلمين‭ ‬والفيدرالية‭ ‬الوطنية‭ ‬للموظفين‭  ‬إلى‭ ‬الكونفدرالية‭ ‬العامة‭ ‬للشغل،كما‭ ‬تأسست‭ ‬جمعية‭ ‬المهندسين‭ ‬والمساعدين‭ ‬في‭ ‬الأشغال‭ ‬العمومية‭ ‬سنة‭ ‬1921،‭ ‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬1924‭ ‬تأسست‭ ‬اتحادات‭ ‬الشغيلة‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء‭ ‬والرباط‭ ‬والقنيطرة‭ ‬ومكناس،‭ ‬وتأسيس‭ :‬اتحاد‭ ‬نقابات‭ ‬المغرب‭” ‬للكنفدرالية‭ ‬العامة‭ ‬للشغل‭ ‬سنة‭ ‬1930‭.. ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬النضال‭ ‬السياسي‭ ‬للأحزاب‭ ‬التقدمية‭ ‬التي‭ ‬انخرط‭ ‬فيها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬والمثقفين‭ ‬المغاربة،‭ ‬كان‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬الفرع‭ ‬الفرنسي‭ ‬للأممية‭ ‬العمالية‭ ‬والتي‭ ‬تأسست‭ ‬فروعه‭ ‬في‭ ‬البيضاء‭ ‬وأسفي‭ ‬ومراكش‭ ‬ووجدة‭ ‬وفاس‭ ‬سنة‭ ‬1925،‭ ‬تهيأ‭ ‬الندوات‭ ‬والمحاضرات‭ ‬بمناسبة‭ ‬كل‭  ‬فاتح‭ ‬ماي،‭ ‬وتنظيميا‭ ‬كانت‭ ‬الأطر‭ ‬الحزبية‭ ‬تشتغل‭ ‬على‭ ‬تأطير‭ ‬الشباب‭ ‬العامل‭ ‬والطلبة‭ ‬بالفكر‭ ‬والقيم‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬كما‭ ‬تأسست‭ ‬بالموازاة‭ ‬فروع‭ ‬رابطة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬ولقد‭ ‬لعبت‭ ‬دينامية‭ ‬النشاط‭ ‬التجاري‭ ‬والصناعي‭ ‬دورا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬خلخلة‭ ‬البنى‭ ‬التقليدية‭ ‬للمجتمع‭ ‬المغربي،‭ ‬ومحاولة‭ ‬إفراغ‭ ‬المستعمر‭ ‬للأرياف‭ ‬والقرى‭ ‬من‭ ‬نشاطها‭ ‬الزراعي‭ ‬المعيشي،‭ ‬إضافة‭ ‬لضعف‭ ‬المحاصيل‭ ‬وعوامل‭ ‬الفقر‭ ‬والخصاص‭ ‬المهول‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬الزراعي‭ ‬والفلاحي،‭ ‬وتفويت‭ ‬الضيعات‭ ‬الكبيرة‭ ‬للمعمرين،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬سكانها‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬وأسر‭ ‬وعائلات‭ ‬تضطر‭ ‬إلى‭ ‬النزوح‭ ‬للمدينة‭ ‬طلبا‭ ‬للعيش‭ ‬وإيجاد‭ ‬فرص‭ ‬العمل،‭ ‬وشكل‭ ‬جل‭ ‬هؤلاء‭ ‬النازحين‭ ‬القاعدة‭ ‬العمالية‭ ‬النشيطة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الصناعي‭ ‬وقطاع‭ ‬الفوسفاط‭ ‬والسكك‭ ‬الحديدية‭ ‬والبناء‭ ‬والإسمنت‭ ‬والمصبرات‭ ‬والميناء‭ ‬وقطاع‭ ‬الصيد‭ ‬البحري‭ ‬والضيعات‭ ‬الكبيرة‭ ‬وغيرها،‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬الكمي،‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬الأثر‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬بنية‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬المغربية‭ ‬وتحللها‭ ‬تدريجيا‭ ‬من‭ ‬ارتباطها‭ ‬بالملكية‭ ‬الخاصة،‭ ‬وفي‭ ‬تسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬الانصهار‭ ‬الطبقي‭ ‬كقوة‭ ‬وحركة‭  ‬قبيل‭ ‬الاستقلال‭ ‬وفي‭ ‬الفترات‭ ‬اللاحقة،‭ ‬فاكتسب‭  ‬نضال‭ ‬العمالة‭ ‬المغربية‭ ‬خاصيات‭ ‬النضال‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬ارتباطه‭ ‬بالنضال‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المطلبي‭ ‬والديمقراطي،‭ ‬وهذه‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬مميزات‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بالطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬والشغيلة‭ ‬عموما‭.‬

الحركة‭ ‬النقابية‭ ‬للطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬المغربية‭ ‬والشغيلة‭.. ‬الجدلية‭ ‬التحررية‭ ‬للنضال‭ ‬الوطني‭ ‬و‭ ‬السياسي‭ ‬والمطلبي‭ ‬

لقد‭ ‬انخرطت‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬المغربية‭ ‬وحركاتها‭ ‬النقابية‭ ‬في‭ ‬نضالها‭ ‬السياسي‭ ‬والمطلبي‭ ‬بروح‭ ‬كفاحية‭ ‬وبحزم‭ ‬ومسؤولية،‭ ‬وسلسلة‭ ‬إضراباتها‭ ‬الناجحة‭ ‬أكسبتها‭ ‬الثقة‭ ‬الجماهيرية،‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬تعقيدات‭ ‬المرحلة‭ ‬الحاصلة‭ ‬بين‭ ‬مضمون‭ ‬وشكل‭ ‬الصيرورة‭ ‬النضالية،‭ ‬وما‭ ‬تخللتها‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬ومن‭ ‬قمع‭ ‬ووحشية‭ ‬ومن‭ ‬تمييز‭ ‬وعنصرية‭ ‬للاستعمار‭ ‬الفرنسي،‭ ‬حيث‭ ‬شكلت‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬المغربية‭ ‬الأساس‭ ‬المادي‭ ‬والبشري‭ ‬لتطور‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭ ‬بتوازي‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬للحركة‭ ‬الوطنية،‭ ‬تجسد‭ ‬هذا‭ ‬الربط‭ ‬الجدلي‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬مطالب‭ ‬الإصلاحات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والإدارية‭ ‬والنقابية‭ ‬والثقافية،‭ ‬حيث‭ ‬تقدمت‭ ‬بها‭ ‬كتلة‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬سنة‭ ‬1934‭ ‬إلى‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭: ‬قانون‭ ‬تحديد‭ ‬ثماني‭ ‬ساعات‭ ‬للعمل‭ ‬وتطبيق‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬للأجور،‭ ‬والمساواة‭ ‬في‭ ‬الأجور‭ ‬بين‭ ‬كافة‭ ‬العاملين‭ ‬ألمغاربة‭ ‬مع‭ ‬نظرائهم‭ ‬الأجانب،‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬حوادث‭ ‬الشغل،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬محاربة‭ ‬البطالة‭ ‬،وتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬سلطات‭ ‬محكمة‭ ‬الشغل،‭ ‬واحترام‭ ‬القوانين‭ ‬الجاري‭ ‬بها‭ ‬العمل‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬عمل‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬والترخيص‭ ‬بإنشاء‭ ‬نقابات‭ ‬خاصة‭ ‬بالعمال‭ ‬والشغيلة‭ ‬المغربية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالحهم،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المطالب‭ ‬السياسية‭ ‬والنقابية‭ ‬والإدارية،‭ ‬وكانت‭ ‬أغلب‭ ‬بلاغات‭ ‬كتلة‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬تنشر‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ “‬المغرب‭ ‬الاشتراكي‭”‬،‭ ‬وكان‭ ‬لتصاعد‭ ‬حركة‭ ‬الإضرابات‭ ‬حول‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المطالب‭ ‬النقابية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬أثرها‭ ‬البالغ‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الحركة‭ ‬العمالية‭ ‬وسلطات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬كإضرابات‭ ‬عمال‭ ‬الفوسفاط‭ ‬والسكر‭ ‬والصباغة‭ ‬والبناء‭ ‬والنقل‭ ‬وعمال‭ ‬النظافة‭ ‬بالبيضاء‭ ‬ومستخدمي‭ ‬الحافلات‭ ‬والمياومين‭ ‬المكلفين‭ ‬بإفراغ‭ ‬عربات‭ ‬القطار‭ ‬بفاس‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المدن،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬للأجور‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالحق‭ ‬النقابي‭.‬

الحركة‭ ‬العمالية‭ ‬المغربية‭ ‬وضرورة‭ ‬إنجاز‭ ‬مهام‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬والتحرر‭ ‬الأممي

لقد‭ ‬استطاعت‭ ‬الحركة‭ ‬العمالية‭ ‬والحركات‭ ‬الاشتراكية‭ ‬أن‭ ‬تنجز‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬المهام‭ ‬التاريخية‭ ‬وذلك‭ ‬بتأسيسها‭ ‬الأممية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1864،‭ ‬حيث‭ ‬استطاعت‭ ‬بوعيها‭ ‬الإنساني‭ ‬الخلاق‭ ‬أن‭ ‬تبلور‭ ‬الوعي‭ ‬الأممي‭ ‬المتقدم‭ ‬لمصلحة‭ ‬الإنسانية‭ ‬جمعاء،‭ ‬لكن‭ ‬ظروف‭ ‬الهيمنة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬وتحولها‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬رأسمالي‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬امبريالي،‭ ‬مكنها‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬شروط‭ ‬السيطرة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬عسكريا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬ومن‭ ‬إضعاف‭ ‬البلدان‭ ‬والشعوب،‭ ‬وذلك‭ ‬بإشعال‭ ‬فتيل‭ ‬النزاعات‭ ‬المذهبية‭ ‬والعرقية‭ ‬والطائفية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬المضمون‭ ‬الكفاحي‭ ‬والسياسي‭ ‬للحركة‭ ‬العمالية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭. ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬إنضاج‭ ‬شروط‭ ‬الوعي‭ ‬الطبقي‭ ‬والسياسي‭ ‬للحركة‭ ‬العمالية،‭ ‬أسس‭ ‬لينين‭ ‬لنظريته‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬الإرادة‭ ‬النضالية‭ ‬في‭ ‬تعميم‭ ‬سلاح‭ ‬الوعي‭ ‬الوطني‭ ‬الطبقي‭ ‬والسياسي‭  ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الوطنية‭ ‬،وتعميم‭ ‬سلاح‭ ‬الوعي‭ ‬الأممي‭ ‬عالميا‭ ‬لمجابهة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬المتوحشة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى