اليد الخفية لأدم سميت تصاب بالشلل

◆ عادل رضى

يستمر‭ ‬وباء‭ ‬الفيروس‭ ‬التاجي‭ ‬في‭ ‬التفشي‭ ‬بسرعة‭ ‬تصاعدية،‭ ‬لتصل‭ ‬الأزمة‭ ‬لمستويات‭ ‬عالمية‭ ‬ذات‭ ‬أبعاد‭ ‬تاريخية،‭ ‬فبينما‭ ‬يسيطر‭ ‬المرض‭ ‬الخبيث‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬ويحكم‭ ‬قبضته‭ ‬على‭ ‬البشرية،‭ ‬فإن‭ ‬المعالجة‭ ‬الكارثية‭ ‬لتفشي‭ ‬المرض‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا‭ ‬تسلط‭ ‬الضوء‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭ ‬الهيكلية‭ ‬في‭ ‬التكوينات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬للعالم‭ ‬الغربي‭. ‬وهذا‭ ‬يوضح‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيها‭ ‬التعامل‭ ‬اللاأخلاقي‭ ‬والمنافي‭ ‬للقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬الذي‭ ‬أقدمت‭ ‬عليه‭ ‬الأنظمة‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬عدم‭ ‬جاهزيتها‭ ‬لمعالجة‭ ‬طوارئ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النطاق‭ ‬والكثافة‭.‬

هناك‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬ثلاثة‭ ‬جوانب‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالأزمة‭ ‬الحالية،‭ ‬وكلها‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬انهيارات‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ :‬

البعد‭ ‬الصحي‭:‬‭ ‬

اكتست‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬الصحية‭ ‬معضلة‭ ‬عامة،‭ ‬بعد‭ ‬ارتفاع‭ ‬حجم‭ ‬الإصابة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬زيادة‭ ‬أسِّيَّة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الحالات‭ ‬المكتشفة،‭ ‬وفي‭ ‬عدد‭ ‬المرضى‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬وكذا‭ ‬عدد‭ ‬الوفيات‭. ‬ففي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬عرى‭ ‬التدفق‭ ‬المفاجئ‭ ‬للمرضى‭ ‬على‭ ‬أقسام‭ ‬الرعاية‭ ‬المركزة،‭ ‬والذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬خطيرة‭ ‬وحرجة‭ ‬ترهل‭ ‬وانهيار‭ ‬أنظمة‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬العامة،‭ ‬والتي‭ ‬كشف‭ ‬الوباء‭ ‬أنها‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬التمويل‭ ‬الكافي،‭ ‬وأنها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحمل‭ ‬نفقات‭ ‬الصحة‭ ‬العمومية‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭. ‬لذا‭ ‬انصبت‭ ‬الأولوية‭ ‬الفورية‭ ‬للحكومات‭ ‬بشكل‭ ‬متأخر‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير،‭ ‬على‭ ‬درء‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬القادمة‭ ‬بأقل‭ ‬الخسائر،‭ ‬وإنقاذ‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الأرواح‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬المستعصي،‭ ‬يتطلب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬التدخل‭ ‬البراغماتي‭ ‬للمسؤولين‭ ‬الحكوميين،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬دفع‭ ‬المواطنين‭ ‬نحو‭ ‬التغييرات‭ ‬السلوكية‭. ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬في‭ ‬عمقها‭ ‬لخصخصة‭ ‬تكاليف‭ ‬الأزمة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬وضع‭ ‬عبء‭ ‬التكيف‭ ‬الكامل‭ ‬مع‭ ‬الحالة‭ ‬الوبائية‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الأفراد‭ ‬والأسر،‭ ‬وهو‭ ‬النهج‭ ‬المطابق‭ ‬مع‭ ‬توحش‭ ‬السوق‭. ‬وبالطبع‭ ‬فقد‭ ‬أظهر‭ ‬تذبذب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الأسابيع‭ ‬الماضية،‭ ‬أن‭ ‬الحملة‭ ‬العامة‭ ‬لغسل‭ ‬اليدين،‭ ‬والعطس،‭ ‬ومسافة‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬كافية‭ ‬لوقف‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدل‭ ‬الإصابة،‭ ‬إنها‭ ‬فقط‭ ‬مساحيق‭ ‬تجميل‭ ‬لإخفاء‭ ‬بشاعة‭ ‬فردانية‭ ‬الرأسمالية‭.‬

وبحسب‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬فإن‭ ‬كبح‭ ‬الوباء‭ ‬سيتطلب‭ ‬إجراءات‭ ‬حكومية‭ ‬جذرية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬الإغلاق‭ ‬القسري‭ ‬والحجر‭ ‬الصحي،‭ ‬بل‭ ‬تدخلات‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيتطلب‭ ‬إجراءات‭ ‬هيكلية،‭ ‬بتدخل‭ ‬مباشر‭ ‬للدولة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الصحي،‭ ‬بالرفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬سعة‭ ‬المستشفيات،‭ ‬وجهدًا‭ ‬هائلاً‭ ‬لإنتاج‭ ‬أجهزة‭ ‬التنفس‭ ‬الصناعي‭ ‬ومعدات‭ ‬الحماية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإمدادات‭ ‬الطبية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سيجبر‭ ‬معظم‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬المتغولة‭ ‬ليبراليا،‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬المحددات‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬انبنت‭ ‬عليها‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬والتي‭ ‬انبنت‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬منطق‭ “‬دعه‭ ‬يسرق،‭ ‬دعه‭ ‬ينهب،‭ ‬دعه‭ ‬يربح‭..‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬تدخلات‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬ستكون‭ ‬باهظة‭ ‬التكلفة،‭ ‬وهاته‭ ‬الخلاصة‭ ‬بدورها،‭ ‬تسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬الثاني‭ ‬للأزمة‭ ‬الحالية‭ ‬اقتصاديا‭. ‬

البعد‭ ‬الاقتصادي‭:‬‭ ‬

بينما‭ ‬يواصل‭ ‬الفيروس‭ ‬انتشاره‭ ‬السريع،‭ ‬تجد‭ ‬الدول‭ ‬الرأسمالية‭ ‬نفسها‭ ‬فجأة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬استثنائي،‭ ‬يضطرها‭ ‬إلى‭ ‬تجاوز‭ ‬مصالحها‭ ‬التجارية‭ ‬والربحية‭ ‬اضطراريان‭ ‬وإغلاق‭ ‬جميع‭ ‬أماكن‭ ‬العمل‭ ‬غير‭ ‬الضرورية،‭ ‬وإيصاد‭ ‬أجواء‭ ‬النقل‭ ‬الجوي،‭ ‬وتمكين‭ ‬سكانها‭ ‬العاملين‭ ‬من‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭. ‬وهي‭ ‬مقارة‭ ‬ربحية‭ ‬أيضا‭ ‬تجنبا‭ ‬لإنفاق‭ ‬مهول‭ ‬للدولة‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العمومية‭.‬

والمؤكد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬ستؤول‭ ‬إليه‭ ‬الأمور‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬نتائج‭ ‬كارثية‭ ‬على‭ ‬أرباح‭ ‬أرباب‭ ‬المعامل‭ ‬والشركات‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسية،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬التوقف‭ ‬المفاجئ‭ ‬في‭ ‬النشاط‭ ‬الإنتاجي‭ ‬والتجاري‭. ‬فالتداعيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ستكون‭ ‬مدوية،‭ ‬ويشكل‭ ‬تهديدًا‭ ‬وجوديًا‭ ‬للاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬المثقل‭ ‬بالديون،‭ ‬والنظام‭ ‬المالي‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬انهارت‭ ‬كل‭ ‬توازناته‭. ‬

وقد‭ ‬تهافتت‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬والبنوك‭ ‬المركزية‭ ‬لإنقاذ‭ ‬النظام‭ ‬القائم‭ ‬من‭ ‬الانهيار،‭ ‬لقد‭ ‬تردد‭ ‬الرأسمال‭ ‬المتوحش‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬عامة‭ ‬الناس،‭ ‬لكنه‭ ‬تحرك‭ ‬بسرعة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬الأسواق‭. ‬ففي‭ ‬غضون‭ ‬أسابيع‭ ‬فقط،‭ ‬تعهد‭ ‬المسؤولون‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الحُزم‭ ‬لمنع‭ ‬سقوط‭ ‬منظومة‭ ‬السوق‭. ‬مع‭ ‬تسجيل‭ ‬أن‭ ‬اليابان‭ ‬ومنطقة‭ ‬اليورو‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وأمريكا‭ ‬عرفت‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬أسوأ‭ ‬الانخفاضات‭ ‬في‭ ‬نشاط‭ ‬الأعمال‭ ‬المسجلة‭.‬

ففي‭ ‬ظل‭ ‬انعدام‭ ‬إجراءات‭ ‬جذرية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدولة،‭ ‬فإن‭ ‬الكساد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬القادم‭ ‬سيغذي‭ ‬حتمًا‭ ‬حالة‭ ‬طوارئ‭ ‬متزامنة،‭ ‬ستمس‭ ‬كل‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة،‭ ‬وخصوصا‭ ‬الاجتماعية‭. ‬

البعد‭ ‬الاجتماعي‭:‬

إن‭ ‬أزمة‭ ‬اجتماعية‭ ‬شديدة‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها،‭ ‬تلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق،‭ ‬مع‭ ‬توقف‭ ‬الاقتصادات‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬العالم‭ ‬فجأة،‭ ‬وسيفقد‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬وظائفهم‭ ‬وسبل‭ ‬عيشهم‭. ‬فقد‭ ‬حذر‭ ‬مجلس‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الاتحادي‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬قياسية‭ ‬ستصل‭ ‬لنسبة‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬بحلول‭ ‬الربع‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2020‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المقارنة،‭ ‬فخلال‭ ‬فترة‭ ‬الكساد‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬استغرق‭ ‬الأمر‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬البطالة‭ ‬إلى‭ ‬ذروتها‭ ‬البالغة‭ ‬25‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬

فمن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬يستدعي‭ ‬اتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭. ‬من‭ ‬المداخل‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬الاقتصاديون‭ ‬لمنع‭ ‬الكارثة‭ ‬الثلاثية‭ ‬لوباء‭ ‬مدمر،‭ ‬واقتصاد‭ ‬عالمي‭ ‬متدهور،‭ ‬ونظام‭ ‬اجتماعي‭ ‬آيل‭ ‬للسقوط،‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬تمامًا‭. ‬هو‭ ‬الدفع‭ ‬بحكومات‭ ‬وحدة‭ ‬وطنية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬لتتضافر‭ ‬الجهود‭ ‬بشكل‭ ‬منسق،‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬بشكل‭ ‬حاسم‭ ‬مع‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬العالمية،‭ ‬ودعم‭ ‬الصحة‭ ‬العامة،‭ ‬وتدخل‭ ‬الدولة‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬الأجزاء‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والحيوية‭ ‬من‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وضمان‭ ‬استمرار‭ ‬إنتاج‭ ‬السلع‭ ‬الأساسية‭ ‬وفقًا‭ ‬للقدرات‭ ‬وتوزيعها‭ ‬بشكل‭ ‬عادل‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الحاجة‭. ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬السماح‭ ‬بإلقاء‭ ‬تكاليف‭ ‬الأزمة‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أقل‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬العبء،‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬والمسنين‭ ‬والفقراء‭ ‬والنساء‭..‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬سيتطلب‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الأسس‭ ‬النيوليبرالية‭ ‬القديمة‭ ‬والمتوحشة‭ ‬حول‭ ‬قدسية‭ ‬السوق،‭ ‬والقيام‭ ‬بجهد‭ ‬جماعي‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتضامن‭ ‬الاجتماعي‭. ‬ويجب‭ ‬تحمل‭ ‬الطبقات‭ ‬المالكة‭ ‬لوسائل‭ ‬الإنتاج‭ ‬تبعات‭ ‬الأزمة‭ ‬لأنها‭ ‬حصدت‭ ‬سابقا‭ ‬كل‭ ‬أرباح‭ ‬مرحلة‭ ‬السلم،‭ ‬بما‭ ‬يستوجب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬وقف‭ ‬فوري‭ ‬لجميع‭ ‬مدفوعات‭ ‬الإيجار‭ ‬والديون‭ ‬والرهن‭ ‬العقاري،‭ ‬لإبقاء‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬الوباء‭ ‬،‭ ‬وسيتعين‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬والدول‭ ‬التدخل‭ ‬لضمان‭ ‬جميع‭ ‬الرواتب‭ ‬وتوفير‭ ‬أجر‭ ‬مضمون‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬ليس‭ ‬لهم‭ ‬عمل‭ ‬منتظم‭ ‬أو‭ ‬ثابت‭.‬

وستتطلب‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجذرية‭ ‬بدورها‭ ‬زيادة‭ ‬هائلة‭ ‬في‭ ‬الإنفاق‭ ‬الحكومي‭ ‬للدولة،‭ ‬للتعويض‭ ‬عن‭ ‬الدخل‭ ‬المفقود‭ ‬والأضرار‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المترتبة‭ ‬عن‭ ‬الوباء‭. ‬ويمكن‭ ‬تمويل‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الإنفاق‭ ‬المالي‭ ‬الطموح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضريبة‭ ‬على‭ ‬الثروة‭ ‬والتحويلات‭ ‬المالية‭ ‬الضخمة‭. ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬اليورو‭ ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬طرح‭ ‬مقترح‭ ‬مؤخرا‭ ‬يخص‭ ‬إصدار‭ “‬سندات‭ ‬كورونا‭” ‬الجماعية،‭ ‬وهو‭ ‬إجراء‭ ‬طرحته‭ ‬تسع‭ ‬دول‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬اليورو،‭ ‬لكن‭ ‬ألمانيا‭ ‬وهولندا‭ ‬تعارضه‭ ‬بشدة،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬تكاليف‭ ‬الاقتراض‭ ‬للدول‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثرًا،‭ ‬مما‭ ‬سيمكنها‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬القارة‭ ‬آمنة‭ ‬من‭ ‬تكرا‭ ‬ر‭ ‬الإصابة‭. ‬فمن‭ ‬دون‭ ‬إظهار‭ ‬لتضامن‭ ‬أنساني‭ ‬وأممي‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬المشتركة،‭ ‬فإن‭ ‬المشروع‭ ‬الأوروبي‭ ‬للوحدة‭ ‬أيل‭ ‬للزوال،‭ ‬ولمزيد‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬الحمائية‭  ‬وانغلاق‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬على‭ ‬حدودها‭ ‬الضيقة‭. ‬

من‭ ‬خلال‭ ‬دروس‭ ‬كورونا،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬جليا،‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬العفوي‭ ‬للسوق‭ ‬تبعثر،‭ ‬وأن‭ ‬اليد‭ ‬الخفية‭ ‬لأدم‭ ‬سميت‭ ‬أصيبت‭ ‬بالشلل،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينقذنا‭ ‬من‭ ‬الطوارئ‭ ‬الطبية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬إلا‭ ‬اقتصاد‭ ‬المخططات‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬اقتصاد‭ ‬موجه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والحاضنة‭ ‬للمواطنات‭ ‬والمواطنات،‭ ‬والتي‭ ‬تأمم‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية‭. ‬فالسؤال‭ ‬الإشكالي‭ ‬المطروح‭ ‬يحتمل‭ ‬صيغتين‭ : ‬

ـ‭ ‬هل‭ ‬سيأخذ‭ ‬النموذج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الناشئ‭ ‬شكل‭ “‬رأسمالية‭ ‬الكوارث‭”‬،‭ ‬حيث‭ ‬تصحح‭ ‬أعطابها‭ ‬الداخلية،‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال،‭ ‬موجهة‭ ‬قوتها‭ ‬لتغطية‭ ‬استمرار‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬وأنظمة‭ ‬البنوك‭ ‬العالمية،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬قومي‭ ‬ويميني،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يوصل‭ ‬شوفينية‭ ‬الدول‭ ‬الرأسمالية‭ ‬لسدة‭ ‬الحكم‭.‬

‭ ‬ـ‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬ستتخذ‭ ‬شكل‭ “‬اشتراكية‭ ‬أممية‭  ‬لمواجهة‭ ‬الكارثة،‭ ‬بالعودة‭ ‬لتقوية‭ ‬الدولة‭ ‬الراعية،‭ ‬وتأميم‭ ‬قطاعات‭ ‬الحماية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والصناعات‭ ‬الكبرى،‭ ‬واعتماد‭ ‬اقتصاد‭ ‬موجه،‭ ‬والمخططات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الطويلة‭ ‬الأمد،‭  ‬قوة‭ ‬العمل،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬نسيج‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬الديمقراطية‭.‬

لقد‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬شبه‭ ‬المؤكد‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬أكبر‭ ‬أزمة‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭. ‬ومهما‭ ‬كانت‭ ‬النتائج،‭ ‬فإنها‭ ‬ستشكل‭ ‬أفقا‭ ‬جديدا،‭ ‬ستحدده‭  ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الوباء،‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬خطاطة‭ ‬لانهيارات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كورونا،‭ ‬فهناك‭ ‬حالة‭ ‬طوارئ‭ ‬مناخية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تهدد‭ ‬البشرية‭ ‬بالانقراض‭ ‬الجماعي،‭ ‬فعلى‭ ‬ساكنة‭ ‬الأرض‭ ‬استخلاص‭ ‬الدروس‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭.. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى