المدارس الخاصة بين الانتهازية والجشع
◆ محمد الحمري
تابعت النزاع القائم بين الأسر والمدارس الخصوصية حول واجبات أشهر الحجر الصحي، وما خلق من نقاش حول التعليم الخصوصي وكأن هذا التعليم وتجاوزاته وليد اللحظة فقط. وبعيدا عن المزايدات النضالية أود توضيح بعض الأمور من وجهة نظري.
1 - النزاع بين الأسر والمدارس الخصوصية هو مرتبط بالجانب المالي فقط، حيث وجد الآباء فرصة الجائحة مبررا لرفض أداء واجبات دراسة أبنائهم، علما أن الجائحة قوة قاهرة على الجميع. ولا مسؤولية للمدارس الخصوصية فيها؛ فعلى الموظفين وذوي الدخول المرتفعة أداء ما في ذمتهم، ما دامت رواتبهم لم تتوقف، أما باقي الزبناء الذي تأثروا بالجائحة فمن الواجب على المدارس الخصوصية التعامل بمرونة مع الوضع.
2 - المدارس الخصوصية أنواع من المصنفة 5 نجوم إلى البناء العشوائي، ومن أرباب المدارس من راكم ثروة طائلة فسارع إلى تأسيس سلسلة من المدارس الخصوصية في مدن مختلفة، وبعضهم بالكاد يصارع من اجل البقاء. لذلك لا يجب التعامل مع كل المدارس بنفس الطريقة في هذا الموضوع بالتحديد.
3 - زبناء هذه المدارس استفادوا ويستفيدون من التجاوزات الخطيرة للقطاع الخصوصي للمناهج المغربية، ولغياب المراقبة الصارمة من طرف الدولة لأن هناك توجها لدعم هذه المدارس من أجل ضرب القطاع العمومي. هذا التجاوزات ساهمت في ضرب مبدإ تكافؤ الفرص بين تلاميذ العمومي وتلاميذ الخصوصي، فمثلا يتم – في القطاع الخصوصي- إلغاء المواد الأدبية في الثانية باكالوريا في الشعب العلمية والاستفادة من غلافها الزمني لصالح الرياضيات والعلوم من أجل منح فرصة أكبر للتلاميذ للتمرن على الاختبارات الوطنية. فلو قامت مدرسة عمومية بإلغاء مادة التربية الإسلامية في الثانية باكالوريا مثلا لقامت الدنيا ولن تقعد، في حين يصمت الجميع أمام القطاع الخصوصي وخصوصا دعاة “الإسلام في خطر”. هذا بالإضافة إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية قبل أكذوبة ما يسمى بالتناوب اللغوي، وذلك من أجل تأهيل تلاميذ الخصوصي لمسايرة الدراسة في التعليم العالي. إذن المدارس الخصوصية وفرت للأسر الذين يأكلون الغلة ويسبون الملة امتيازات لأبنائهم، ليتمكنوا من حصد المقاعد في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان والهندسة المعمارية وغيرها. كما استفاد زبناء القطاع الخصوصي من النفخ في نقط المراقبة المستمرة لسنوات طويلة مما ساعد أبنائهم في ولوج المعاهد العليا على حساب تلاميذ القطاع العمومي.
4 - هناك صراع قائم بين القطاع العمومي والخصوصي خفي وظاهر أحيانا، ويعمل القطاع الخصوصي على تغذيته من خلال الحط من قيمة المدرسة العمومية ومثالا على ذلك فالتلاميذ الذي يتراجعون في مستواهم الدراسي في القطاع الخصوصي يطلب من أسرهم نقلهم إلى المدرسة العمومية حيث مستواه المناسب -حسب زعمهم-، ويتم ذلك عادة في السنوات الإشهادية تفاديا للتأثير على نسبة النجاح الوهمية. هذا دون أن تسائل المدرسة الخصوصية نفسها عن هذا التراجع في المستوى. وكذلك أثناء التسجيل لا تقبل المدارس الخصوصية من لا يحصل على نقط مرتفعة في ركائز التسجيل.
5 - يستند القطاع الخصوصي في تبخيس المدرسة العمومية على كون العاملين في القطاع العمومي لا يستهلكون منتوجهم، مستندين على أن جل أبناء الموظفين في وزارة التربية الوطنية يدرسون في القطاع الخصوصي كشهادة مجانية للجودة في هذا القطاع.
6 - صحيح أن جل المدارس الخصوصية لا تتوانى في البحث عن فرص لنهب جيوب الزبناء بطريقة ذكية وبرضاهم، من خلال أنشطة الدعم التربوي – شراء الكتب الأجنبية – الأنشطة الموازية – الإطعام – الحراسة بالنسبة لتلاميذ التعليم الابتدائي..، ولكن أين كانت الأسر عندما ترفع المدرسة الخصوصية من قيمة الواجب الشهري أو واجب التامين أو تطالبهم بأداء مبالغ إضافية عن مهام من صميم المدرسة (الدعم التربوي مثلا)؟؟
7 - تبني المدرسة الخصوصية مجدها على ثلاثة أسس: خرق القانون – ضرب المدرسة العمومية – تحكم المدرسة الخصوصية في اختيار التلاميذ.
8 - أسر المدارس الخصوصية تعيش نشوة وتحس بارتقاء اجتماعي مزيف هو الآخر عندما تقف سيارة النقل أمام منزلها لتقل أبناءها، وأبناء الجيران يتجهون مشيا إلى المدرسة العمومية، وبعد حين يعود بعضهم بسبب الإضراب أو رخصة مرضية أو غياب أستاذ(ة) بدون مبرر ما دام المستقبل المهني مضمون. وتحس أيضا الأسر بالنشوة عندما يتحدث أبناؤها باللغة الفرنسية في المحلات التجارية والمطاعم، بل تدفعهم للتحدث باللغة الأجنبية للتباهي. فلغة التحدث في الشارع تحدد نوع التعليم الذي يستفيد منه المتحدث.
9 - صحيح أن بعض الأسر مرغمة على تسجيل أبنائها في المدارس الخصوصية لتوقيتها المناسب ولحماية الأبناء من مخاطر الطريق ومحيط المؤسسات العمومية غير الآمن، لكنه يدل على انتهازية مفرطة وبحث عن حلول فردية لمشكل جماعي فعوض التكتل والنضال الجماعي من أجل فرض إصلاح حقيقي للمنظومة التربوية يتم اللجوء إلى مدارس تكرس الطبقية.
خلاصة القول أن مدارس خصوصية جشعة تبني مجدها المزيف بدعم الدولة التي ترفع يدها تدريجيا عن الصحة والتعليم، وزبناء انتهازيون يبحثون عن مستقبل أبنائهم، متوهمين النجاة بأنفسهم وغير مدركين أن ضرب المدرسة العمومية خطر على الجميع.
ملحوظتان لهما علاقة بما سبق:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ – في إحدى الاجتماعات الرسمية في الوزارة بداية الموسم الدراسي 2010 – 2011 وقع خلاف بين وجهتي حول نقطة معينة، فاقترح أحد الزملاء للحسم في الموضوع مازحا أن تميل الكفة لمن يدرس أبناءه في القطاع العمومي، فتفاجأت عندما رفعنا أيدنا نحن الثلاثة من مجموع الحاضرين 15.
ب - في يوم من أيام الموسم الدراسي 2006، كان أحد النقابين يوزع نداء للمشاركة في إضراب محلي مشكوك في مشروعيته، أمدني النقابي بالنداء بأحد المقاهي فسألته: هل سيعود ابنك يوم الإضراب إلى المنزل كما سيعود ابني؟ فتلعثم لأنني أعرف أن ابنه يدرس في مؤسسة خصوصية. فقلت له : للأسف أنت غير مؤهل للدعاية للإضراب.