أي تصور لدعم الكتاب المغربي؟
◆ عبد الغني عارف
من المعلوم أن وزارة الثقافة دأبت في السنوات الأخيرة على دعم الكتاب المغربي من خلال صيغة تستهدف التخفيف من عبء مقاولات النشر، حيث يتم سنويا دعم ما لا يقل عن 500 عنوان جديد، فضلا عن دعم المجلات الثقافية والمواقع الإلكترونية ذات الطابع الثقافي، بالإضافة إلى تحمل الجزء الأوفر من تكاليف مشاركة بعض دور النشر في المعارض الدولية بالخارج.
غير أنه مع التعيين الأخير لوزير جديد للثقافة ارتأت الوزارة تغيير استراتيجيتها في مجال الدعم، حيث أصدرت دفتر تحملات يتحدث عن صيغة الاقتناء المباشر للكتب المطبوعة من الناشرين والكتبيين بدل صيغة التمويل المباشر لدور النشر.
وإذا كانت الوزارة قد أعلنت عن المعايير التي ستعتمدها في اقتناء الكتب، وفي مقدمتها إعطاء الأولوية للكتاب المغربي وملاءمة الكتب المرشحة لمعايير الجودة، مع توفرها على ما أسمته شروط الجدة والقيمة الإبداعية، فضلا عن إيلاء عناية خاصة لكتب الأطفال واليافعين وللكتب المؤلفة بالأمازيغية و الحسانية؛ إذا كان الأمر كذلك فإنها في المقابل لم تصرح بالأسباب الداعية إلى هذا التحول المفاجئ في صيغة الدعم ولا الخلفيات الكامنة وراء تغييرها.
واعتبارا لكون العملية ليست مرتبطة بوزارة الثقافة كطرف وحيد، بل فيها مؤسسات وشركاء معنيون بتفاصيل كل القرارات التي تتخذ، خصوصا وأن لها أوجها اقتصادية وتدبيرية خاصة بمقاولات النشر التي كانت تستفيد من الدعم، وبالتالي كان المنطق يستدعي التهييء النفسي والمادي لتحول من هذا النوع، وذلك عبر الاستشارة القبلية مع كل الجهات المعنية ووضعها في أجواء التصور الجديد لصيغة الدعم، بل وحتى إمكانية إعطاء فرصة زمنية لإنضاج هذا التصور من خلال مختلف آليات التواصل والحوار والنقاش. وهذا بالطبع هو ما لم يحصل، مما جعل قرار الوزارة بهذا الشأن يثير دود فعل، فيها كثير من الامتعاض والإدانة، من قبل مؤسسات النشر المعنية، وكذا بعض الجمعيات والتنظيمات المهنية والثقافية التي تنشط في مجال النشر الفن والإبداع عموما وفي هذا الإطار اعتبر ” نادي القلم المغربي ” التراجع عن دعم الكتاب المغربي ” جريمة لا يمكن أن يتم الإقدام عليها إلا بقرار سياسي واستراتيجي يسعى إلى المزيد من إقصاء الثقافة المغربية.”
كما عبرت جمعية الكتبيين المغاربة عن رفضها لهذا القرار الأحادي مؤكدة أن ” لجوء وزارة الثقافة إلى اقتناء المؤلفات من الناشرين والجمعيات الثقافية المهتمة بنشر الكتاب المغربي، ليس حلا أو بديلا ولا يمكن أن يكون ..” خصوصا إذا استحضرنا ما ورد في دفتر التحملات بشأن عملية اقتناء الكتب حيث استثنيت من عملية الاقتناء الكتب التي سبق نشرها بدعم من الوزارة.
لا شك أن إشكالية دعم الكتاب المغربي، بأي صيغة من الصيغ القائمة أو البديلة، تطرح نفسها اليوم بإلحاح لاعتبارين اثنين على الأقل: يتمثل أولهما في الغياب الكلي لأي أرقام تعطينا فكرة عن نتائج سياسة دعم الكتاب، باستثناء ما يتعلق بعدد الكتب التي تم دعمها وبدور ومقاولات النشر التي استفادت من الدعم، أما الاعتبار الثاني فيتمثل في أنه لحد الأن لم يتم القيام بأي دراسة تقويمية لنتائج دعم الكتاب وانعكاساتها الفعلية على رواج الكتاب المغربي وتوسع دائرة مقروئيته. ولذلك فوزارة الثقافة مطالبة اليوم بتقديم ما يكفي من المعطيات بكل شفافية لنتمكن جميعا من إمكانية الجواب عن سؤال يتعلق بمدى استفادة الكتاب المغربي فعلا من عملية الدعم المالي لدور النشر؟.. وعندما نتساءل في هذا الاتجاه فإننا لا ننظر إلى الكتاب كمنتوج في علاقته مع دار النشر أو الناشر فقط، بل أيضا في علاقته بالمؤلفين وبالقراء وبأثمنة الكتب وفي الرواج الفعلي للكتاب المغربي. ولعل فتح حوار واسع وصريح حول هذه الجوانب كلها من شأنه أن يوحد الرؤى حول أنجع التصورات الممكنة الكفيلة بجعل دعم الكتاب يندرج حقيقة في خانة تتحقق فيها، بصورة متفاعلة ومتكاملة، مصالح كل الأطراف ذات الصلة بصناعة الكتاب وإنتاجه، ونقصد بذلك: الناشرين والمؤلفين والقراء وأثمنة الكتب، وبما يسمح برواجه على أوسع نطاق ممكن، مع تقوية توفره في المكتبات المدرسية والجامعية، وكذلك في مكتبات دور الشباب ومختلف مؤسسات الرعاية التربوية والاجتماعية للأطفال والشباب..