قرويون (بدون)!

◆ حميد هيمة

◆ حميد هيمة

في‭ ‬تحايل‭ ‬إداري،‭ ‬أو‭ ‬لعله‭ ‬تزوير‭ ‬للواقع،‭ ‬يحمل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القرويين‭ ‬في‭ ‬الوثائق‭ ‬الرسمية‭ ‬مهنة‭ (‬فلاح‭)‬،‭ ‬لكنهم‭ ‬يحرثون‭ ‬الريح،‭ ‬و‭(‬يسرحون‭) ‬النجوم،‭ ‬ويتطلعون،‭ ‬في‭ ‬أحلام‭ ‬اليقظة،‭ ‬إلى‭ ‬حيازة‭ ‬فلاحية‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬الله‭ ‬الواسعة،‭ ‬بعدما‭ ‬انهارت‭ ‬كل‭ ‬انتظاراتهم‭ ‬المادية‭. ‬فلاحون‭ ‬بدون‭ ‬أرض،‭ ‬وبدون‭ ‬سكن‭ ‬أو‭ ‬للتدقيق‭ ‬بدون‭ (‬خيمة‭ ‬وكانون‭)‬،‭ ‬وبالتالي‭ ‬بدون‭ ‬هوية‭.‬

فعندما‭ ‬تفشل‭ ‬تدخلات‭ ‬الدولة،‭ ‬بكل‭ ‬صخبها‭ ‬السياسي‭ ‬وضجيجها‭ ‬الإعلامي،‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬مأوى‭ ‬للسكن،‭ ‬يحمي‭ ‬الأجساد‭ ‬قسوة‭ ‬الطقس‭.‬وعندما‭ ‬تعجز‭ (‬الدولة‭)‬،‭ ‬بكل‭ ‬مؤسساتهاومشاريعها‭ ‬التنموية،‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬حق،‭ ‬مضمون‭ ‬بموجب‭ ‬المادة‭ ‬31‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬سنة‭ ‬2011،‭ ‬والتي‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭: (‬تعمل‭ ‬الدولة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬والجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬على‭ ‬تعبئة‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬المتاحة،‭ ‬لتيسير‭ ‬أسباب‭ ‬استفادة‭ ‬المواطنات‭ ‬والمواطنين،‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة،‭ ‬من‭ ‬الحق‭ ‬في‭… ‬السكن‭ ‬اللائق‭..)‬،‭ ‬فإن‭ ‬الإنسان‭ (‬ينحدر‭) ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬لاجئ‭ ‬في‭ ‬وطنه‭.‬

لا‭ ‬يقتصر‭ ‬هذا‭ ‬العجز‭ ‬على‭ ‬الدولة،‭ ‬بل‭ ‬يشمل‭ ‬أيضا‭ ‬الهيئات‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬المجتمع‭. ‬فما‭ ‬تزال‭ (‬البرامج‭) ‬الحزبية،‭ ‬بكل‭ ‬ألوانها‭ ‬ومرجعياتها،‭ ‬تبشر‭ (‬البدون‭)‬بتوفير‭ ‬السكن‭ ‬الكريم،‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مشكلات‭ ‬العقار‭ ‬وتعقيداته‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬غير‭ ‬البعيد‭.. ‬بعدما‭ ‬تحررت‭/ ‬تخلصت‭ ‬من‭ ‬شعارات‭ (‬الأرض‭ ‬لمن‭ ‬يحرثها‭) ‬وبرامج‭ (‬الإصلاح‭ ‬الزراعي‭) ‬لتحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭… ‬وتحول‭ ‬العالم‭ ‬القروي،‭ ‬وفق‭ ‬منظور‭ ‬المسؤولية‭ ‬الحكومية،‭ ‬إلى‭ ‬عبء‭ ‬يُعيق‭ ‬التنمية‭ ‬الوطنية‭.‬

ومن‭ ‬نتائج‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬طُرد‭ (‬البدون‭) ‬من‭ ‬عالمهم‭ ‬القروي،‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬سنوات‭ ‬الجفاف‭ ‬القاسية‭ ‬وتنكر‭ ‬الدولة‭ ‬بكل‭ ‬أجهزتها،‭(‬طرد‭ ‬البدون‭) ‬إلى‭ ‬أحزمة‭ ‬الفقر‭ ‬والهشاشة‭ ‬في‭ ‬ضواحي‭ ‬المدن‭.. ‬في‭ ‬دواوير‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬ما‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬الإقصاء‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ (‬البدون‭) ‬يُحيل،‭ ‬في‭ ‬الأصل،‭ ‬على‭ (‬مواطني‭) ‬الدرجة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬إمارات‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬للإشارة‭ ‬إلى‭ ‬رعايا‭ ‬بدون‭ ‬جنسية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬بدون‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنة،‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬عدوانية،وقاحلة‭ ‬سياسيا‭ ‬وحقوقيا،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬الاجتماعيةبالمغرب،‭ ‬موطن‭ ‬سردية‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والنموذج‭ ‬التنموي‭ ‬الجديد،‭ ‬بدون‭ ‬لائحة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬تبدأ‭ ‬بفلاح‭ ‬بدون‭ ‬أرض‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي‭ ‬بقروي‭ ‬دونمسكن‭. ‬

ولأن‭ ‬ضوء‭ ‬الكاميرات‭ ‬موجه‭ ‬بعناية‭ ‬في‭ ‬تجاه‭ (‬المنجزات‭)‬،‭ ‬كمناورة‭ ‬لإنكار‭ ‬واقع‭ ‬الفشل‭ ‬التنموي،‭ ‬فإن‭ ‬العالم‭ ‬القروي،‭ ‬موطن‭ (‬البدون‭)‬،‭ ‬يستحوذ‭ ‬على‭ ‬حصة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الفشل،‭ ‬ويراكم،‭ ‬في‭ ‬صمت‭ ‬و‭(‬هدوء‭)‬،‭ ‬الأعطاب‭ ‬البنيوية‭ ‬للتأخر‭ ‬في‭ ‬التنمية‭. ‬لسوء‭ ‬الحظ،‭ ‬أن‭ ‬النخب‭ (‬الأكاديمية‭)‬،‭ ‬المنشغلة‭ ‬بإشكالية‭ ‬التنمية‭ ‬والتقدم،‭ ‬تنحدر،‭ ‬كما‭ ‬نبه‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الراحل‭ ‬بول‭ ‬باسكون،‭ ‬فقيد‭ ‬العالم‭ ‬القروي،‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬حضرية،‭ ‬أو‭ ‬ذات‭ ‬جذور‭ ‬قروية،‭ ‬لكنها‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬آفاقها‭ ‬المستقبلية‭ ‬ورهاناتها‭ ‬الشخصية‭. ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬للعالم‭ ‬القروي‭ ‬غير‭ ‬انتهازية‭ ‬الأحزاب‭(‬الصفراء‭)‬،‭ ‬واستحواذ‭ ‬الأعيان،‭ ‬الموكول‭ ‬لهم‭ ‬رعاية‭ ‬هدوء‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭ ‬وعزله‭ ‬عن‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭- ‬التقدمية‭ ‬المدينية،‭ ‬على‭ ‬الوظائف‭ ‬التمثيلية‭ ‬في‭ ‬المنابر‭ ‬السياسية‭ ‬للحديث،‭ ‬بلسان‭ ‬أمي‭ ‬ومتعفن،‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭!‬

اليوم،‭ ‬تعترف‭ ‬التقارير‭ ‬الرسمية‭ ‬للدولة،‭ ‬وكأنها‭ ‬تفند‭ ‬شهادات‭ ‬الزور‭ ‬لأدعياء‭ (‬العام‭ ‬زين‭)‬،‭ ‬وهم‭ ‬أعيان‭ ‬الأحزاب‭ ‬والجمعيات‭ ‬ونخب‭ ‬الإعلام،‭ ‬أن‭ (‬ساكنة‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭ ‬تسجل‭ ‬معدلات‭ ‬مرتفعة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الهشاشة‭ ‬والفقر‭: ‬79‭.‬4‭% ‬من‭ ‬الفقراء‭ ‬و64‭%‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬هشاشة‭)‬،‭ ‬وبالنتيجة،‭ ‬فإن‭ ‬فئات‭ ‬واسعة‭ ‬بدون‭ ‬أرض،‭ ‬وبدون‭ ‬ماء،‭ ‬وبدون‭ ‬كهرباء،‭ ‬وبدون‭ ‬طرق،‭ ‬وبدون‭ ‬مستشفيات،‭ ‬وبدون‭ ‬لائحة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

لكن‭ (‬البدون‭) ‬الأكثر‭ ‬ثقلا‭ ‬هم‭ ‬قرويون‭ ‬بدون‭ ‬سكن،‭ ‬في‭ ‬أراضي‭ ‬سهلية‭ ‬لا‭ ‬يحدها‭ ‬البصر،‭ ‬ولا‭ ‬تنتصب‭ ‬فيها‭ ‬الموانع‭ ‬الطبيعية؛‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬دواوير‭ ‬منطقة‭ ‬الغرب‭. ‬في‭ ‬تحايل،‭ ‬أو‭ ‬لعله‭ ‬تزوير‭ ‬للواقع،‭ ‬يحمل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القرويين‭ ‬في‭ ‬الوثائق‭ ‬الرسمية‭ ‬مهنة‭ (‬فلاح‭)‬،‭ ‬لكنهم‭ ‬يحرثون‭ ‬الريح،‭ ‬و‭(‬يسرحون‭) ‬النجوم،‭ ‬ويتطلعون،‭ ‬في‭ ‬أحلام‭ ‬اليقظة،‭ ‬إلى‭ ‬حيازة‭ ‬فلاحية‭ ‬في‭ ‬السماء،‭ ‬بعدما‭ ‬انهارت‭ ‬كل‭ ‬انتظاراتهم‭ ‬المادية‭ ‬في‭ ‬الأرض‭. ‬فلاح‭ ‬بدون‭ ‬أرض،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فلاح‭ ‬بدون‭ ‬سكن‭ ‬أو‭ ‬للتدقيق‭ ‬بدون‭ (‬خيمة‭ ‬وكانون‭).‬

في‭ ‬اعتراف‭ ‬صادق،‭ ‬أقرالمجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئي،‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬بعنوان‭ (‬السكن‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬القروي‭: ‬نحو‭ ‬سكن‭ ‬مستدام‭ ‬ومندمج‭ ‬في‭ ‬محيطه‭ (‬إحالة‭ ‬ذاتية‭ ‬رقم‭ ‬2018‭/‬33‭))‬،‭ ‬أن‭ (‬الدولة‭ ‬لم‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬تدخل‭ ‬حقيقية‭ ‬تخص‭ ‬قطاع‭ ‬السكن‭ ‬القروي‭… ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التنمية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الهندسة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬يضيف‭ ‬التقرير‭ ‬المذكور،‭ ‬لا‭ ‬ينتبه‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬المحليين‭ ‬والجهويين‭ ‬والوطنيين‭ ‬عند‭ ‬إعداد‭ ‬برامج‭ ‬ومخططات‭ ‬التنمية‭). ‬

ولإعطاء‭ ‬معنى‭ ‬لهذا‭ ‬الخطاب‭ ‬التعميمي،‭ ‬الذي‭ ‬ضمه‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬إحالته‭ ‬المشار‭ ‬إليها،‭ ‬ولتأكيد‭ ‬فرضية‭ (‬عدم‭ ‬انتباه‭) ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬لمعضلة‭ ‬العالم‭ ‬القروي،‭ ‬نقترح‭ ‬عليكم‭ ‬السفر‭ ‬الذهني‭ ‬في‭ ‬الجماعة‭ ‬الترابية‭ ‬للمكرن‭- ‬دائرة‭ ‬بنمنصور،‭ ‬إقليم‭ ‬القنيطرة،‭ ‬لالتقاط‭ (‬صورة‭ ‬شاملة،‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬الجماعة‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العشر‭ ‬سنوات‭ ‬الأخيرة‭)‬،‭ ‬وفق‭ ‬توطئة‭ ‬السيد‭ ‬رئيس‭ ‬الجماعة‭ ‬لمونوغرافية‭ ‬الجماعة‭ ‬برسم‭ ‬سنة‭ ‬2018‭. ‬وهو‭ ‬عمل‭ ‬مشكور،‭ ‬يكرس‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعلومة،‭ ‬بوضع‭ ‬المراجع‭ ‬الإحصائية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالجماعة‭ ‬أمام‭ ‬نظر‭ ‬العموم‭ ‬للبحث‭ ‬والتدقيق‭.‬

سنتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬الرسمية،‭ ‬علاقة‭ ‬بموضوع‭ ‬التدوينة،‭ ‬بشكل‭ (‬انتقائي‭). ‬سنحاول‭ ‬التركيز،‭ ‬فقط،‭ ‬على‭ ‬المعطيات‭ ‬والإحصائيات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالسكن‭ ‬والأرض،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سنحرم‭ ‬أنفسنا‭ ‬من‭ ‬سرد‭ (‬المنجزات‭) ‬التنموية‭ ‬التي‭ ‬صنعتها‭ ‬المجالس‭ ‬المتعاقبة‭ ‬على‭ ‬تسيير‭ ‬الجماعة‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها‭! ‬يكفينا‭ ‬دليلا‭ ‬أن‭ ‬الجماعة،‭ ‬التي‭ ‬تغطي‭ ‬مساحتها213000‭ ‬كلم‭ ‬مربع،‭ ‬وبوزن‭ ‬ديموغرافي‭ ‬يتعدى‭ ‬31292‭ ‬نسمة‭ (‬2014‭)‬،‭ ‬تتجاوز‭ ‬فيها‭ ‬معدلات‭ ‬الهشاشة‭ ‬عتبة‭ ‬32%،‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬إلا‭ ‬علىإعداديتين‭ ‬وصيدليتين‭ ‬وثلاث‭ ‬مؤسسات‭ ‬طبية،‭ ‬لاستهداف‭ ‬ساكنة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬37‭ ‬دوار‭ ‬وتعاونية‭ ‬فلاحية‭. ‬هذه‭ ‬المنجزات‭ ‬ستبقى‭ ‬خالدة‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬العارلكل‭ ‬أعضاء‭ ‬المجالس‭ ‬التي‭ ‬تسلطت‭ ‬على‭ ‬التسيير‭ ‬الجماعي‭.‬

في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬البيئات،‭ ‬نهضت‭ ‬حركة‭ (‬بدون‭ ‬أرض‭) ‬البرازيلية‭ ‬للنضال‭ ‬المنظم،‭ ‬بتأثير‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬لاهوت‭ ‬التحرير‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬وفي‭ ‬غياب‭ ‬الوعي‭ ‬السياسي،‭ ‬نتيجة‭ ‬تسلط‭ ‬الدولة‭ ‬وشبكة‭ ‬الأعيان‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬القروي،‭ ‬كانت‭ ‬تنفجر‭ ‬احتجاجات‭ ‬عفوية‭ ‬لمواجهة‭ ‬عمليات‭ ‬تجريد‭ ‬صغار‭ ‬الفلاحيين‭ ‬من‭ ‬الأرض؛‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬نونبر‭ ‬1970‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الغرب،‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬ولاد‭ ‬خليفة،‭ ‬والتي‭ ‬انتهتبتدخل‭ ‬الجيش،‭ ‬وسقوط‭ ‬دماء‭ ‬زكية‭ ‬لشهداء‭ ‬الأرض،‭ ‬وبقيت،‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،الجراح‭ ‬طرية‭ ‬في‭ ‬المرويات‭ ‬الشفوية،‭ ‬تقاوم‭ ‬سياسة‭ ‬النسيان‭ ‬وتصفية‭ ‬الذاكرة‭.‬

في‭ ‬سياق‭ ‬مشابه،‭ ‬تحضرني‭ ‬كطفل‭ ‬صغير‭ ‬وقائعالصراع‭ ‬والظلم‭ ‬والسجن‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬الرأس،‭ ‬تداعت‭ (‬نخبة‭) ‬الدوار‭ ‬لاستعادة‭ ‬الأرض‭ (‬المسروقة‭) ‬من‭ ‬إقطاعي،‭ ‬كان‭ ‬يملك‭ ‬الأرض‭ ‬والنفوذ‭.. ‬انتهت‭ ‬المحاولة،‭ ‬في‭ ‬مغرب‭ ‬سنوات‭ ‬الجمر‭ ‬والرصاص،‭ ‬بنتائج‭ ‬عكسية‭: ‬تكريس‭ (‬ملكية‭ ‬الاقطاعي‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬اسمه‭ ‬يجمع‭ ‬بشكل‭ ‬غريب‭ ‬ومتناقض‭ ‬ما‭ ‬يحيل‭ ‬على‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬وموسكو‭ ‬الشيوعية،‭ ‬وجر‭ (‬النخبة‭) ‬إلى‭ ‬سجن‭ ‬العواد‭ ‬بالقنيطرة،‭ ‬كرسالة‭ ‬لإرهاب‭ ‬من‭ ‬سولت‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬عقاري‭ ‬ضائع‭!‬

ونتيجة‭ ‬لاستحواذ‭ ‬الأعيان‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الشاسعة‭ ‬والخصبة،‭ ‬هي‭ ‬دواوير‭ ‬بدون‭ ‬أرض‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الوعاء‭ ‬العقاري‭ ‬الجماعي‭ ‬عاجزا‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬قطعة‭ ‬أرضية‭ ‬لشباب‭ ‬اليوم‭ ‬لممارسة‭ ‬الأنشطة‭ ‬الفلاحية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الضحايا‭ (‬بقعة‭) ‬لبناء‭ ‬الخيمة‭ ‬ذات‭ ‬الكانون‭ ‬المستقل‭. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬استجاب‭ ‬مضطرا‭ ‬لغواية‭ ‬المدينة،‭ ‬فاستوطن‭ ‬الهوامش‭ ‬الحضرية،‭ ‬والبقية‭ ‬تقاسمت‭ ‬بيوت‭ (‬الخيمة‭) ‬الأم‭ ‬في‭ (‬محالات‭) ‬مستقلة‭. ‬وهي‭ ‬أنماط‭ ‬طارئة‭ ‬على‭ ‬السكن‭ ‬القروي،‭ ‬ووليدة‭ ‬أزمة‭ ‬عدم‭ ‬حل‭ (‬المسألة‭ ‬القروية‭).‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬جهود‭ ‬الدولة‭ ‬وقطاعاتها‭ ‬في‭ (‬تنمية‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭)‬؛‭ ‬مثل‭ ‬المخطط‭ ‬الأخضر‭ ‬أو‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬التنموية،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬موجهة،‭ ‬في‭ ‬الغالب،‭ ‬لكبار‭ ‬الفلاحيين‭. ‬أما‭ ‬طبقة‭ (‬البدون‭)‬،‭ ‬فتكتفي‭ ‬بمتابعة‭ ‬المنجز‭ ‬التنموي‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬الإعلامية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تقطف‭ ‬ثماره‭. ‬ليس‭ ‬للبدون‭ ‬غير‭ ‬استئناف‭ ‬روتينهم‭ ‬اليومي‭ ‬في‭ ‬معاركة‭ ‬مصاعب‭ ‬الحياة،‭ ‬على‭ ‬إيقاع‭ ‬أغنية‭ ‬نجمة‭ ‬الغرب‭ (‬مُليكة‭): ‬خليوني‭ ‬نبكي‭ ‬على‭ ‬الهالكني‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى