العمل الجماعي واجهة لنضال القرب من المواطنين
◆ حسين لحدودي، مستشار جماعي سابق
تعتبر الجماعات الترابية حسب الدستور المغربي وحدة ترابية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي وتتوفر على موارد مالية ذاتية وأخرى مرصودة من طرف الدولة، لها قانون تنظيمي تستمد منه الإطار العام للتسيير والتدبير بواسطة أجهزة، منها المجلس الجماعي، المكتب المسير واللجان الدائمة وكاتب للمجلس ونائبه ويتيح العمل الجماعي هامشا للمساهمة في تنمية محلية اقتصادية واجتماعية وثقافية في إطار برنامج تنموي واضح مبلور في إطار مقاربة تشاركية شمولية، كما يتيح إمكانيات للتواصل مع المواطنين والدفاع عن مصالحهم واحتياجاتهم اليومية في إطار الاختصاص والمهام الموكولة للمجلس، وفتح جسر التواصل مع مختلف الشرائح الاجتماعية وجمعيات المجتمع المدني ثم العمل على ممارسة اختصاصات المجلس المتمثلة في تقديم خدمات القرب للمواطنين سواء الذاتية منها كتدبير المرافق والتجهيزات العمومية الجماعية (الماء ـ الكهرباء ـ تطهير السائل ـ النقل العمومي ـ السير والجولان ـ التشوير ـ نقل المرضى والجرحى ـ الذبح ونقل اللحوم ، تدبير المقابر، الوقاية الصحية والنظافة… )، التعمير وإعداد التراب (احترام تصاميم التهيئة والتهيئة العمرانية ـ ضوابط البناء ـ إعادة الهيكلة العمرانية ـ الخصوصيات الهندسية المحلية)، كما يمكن للجماعة عقد شراكات مع المؤسسات والمنظمات الغير الحكومية في إطار التعاون والشراكة بالإضافة إلى صلاحية التقرير في طريقة تدبير المرافق العامة للجماعة سواء عن طريق الوكالة المباشرة، الوكالة المستقلة أو عقد الامتياز… أو الاختصاصات المنقولة من طرف الدولة المقترنة بتحويل الموارد المطابقة لها كحماية وترميم المآثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية… ثم اختصاصات مشتركة مع قطاعات حكومية كتنمية الاقتصاد المحلي وإنعاش الشغل، المحافظة على التراث الثقافي المحلي وتنميته …
وقد نص القانون التنظيمي 14 ـ 113 المتعلقة بالجماعات على بعض المستجدات فيها ما هو إيجابي كالتصويت العلني لانتخاب رئيس المجلس ونوابه وأجهزة المجلس، مقاربة النوع في المكتب المسير للمجلس (ثلث نواب الرئيس من النساء) ، منح رئاسة إحدى اللجان الدائمة للمعارضة، توجيه أسئلة كتابية إلى رئيس المجلس من طرف الأعضاء، مبادئ التفريع والتدبير الحر، منع الترحال السياسي خلال مدة الانتداب، تفعيل دور القضاء في عزل أعضاء المجلس، بطلان مداولات المجلس ووقف تنفيذ المقررات التي تشوبها عيوب قانونية، تقديم عرائض للمجلس من طرف المواطنين والجمعيات من اجل إدراج نقط تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله، مقابل هذا سجل القانون بعض التراجعات من قبيل تداخل الاختصاصات بين الجماعات المحلية والمجالس الإقليمية والجهوية، غياب الجزاءات بالنسبة للعمال الذين قد يستعملون الشطط في استعمال السلطة ويتجاوزون مهامهم ويعطلون أوراش الجماعة، إلغاء الحساب الإداري والذي يعتبر آلية لتقييم أداء وحصيلة المجلس خلال سنة مالية ومحاسبة المكتب المسير حول طريقة صرف الميزانية الجماعية ووضع برنامج لصرف ميزانية التجهيز (توزيع الفائض)، عدم إجبارية اجتماعات اللجان مما يغيب مبدأ إشراك أعضاء المجلس في التدبير والتسيير، استمرار سلطة الوصاية، رغم تغيير مصطلح الوصاية بمصطلح المراقبة والمواكبة، التي تمارس بشكل يؤدي إلى تعطيل البث في بعض الملفات خاصة وأن بعض مقرارات المجلس لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد مصادقة سلطة الوصاية، مما يتناقض مع التدبير الحر واستقلالية الجماعة ، محدودية مهام المجلس في بعض الملفات، رأي استشاري، (تصميم التهيئة ، التصميم المديري)، غياب إمكانية الطعن من طرف المجالس في قرارات السلطات أمام القضاء بالإضافة إلى ربط تنزيل بعض المقتضبات بمراسيم وقوانين مما يعطل تفعيل بعض النصوص القانونية رغم أهميتها كالعرائض مثلا ..
ورغم أهمية بعض نصوص القانون التنظيمي للجماعات ورغم وجود مجموعة من القوانين ذات الصلة والارتباط بتدبير الشأن المحلي إلا أن واقع الحال في الجماعات المحلية يكرس استمرار الجانب السلبي في ممارسة المجالس سواء تعلق الامر بتنزيل القوانين الذي يتم في بعض الأحيان بالتجاهل أو التحايل خاصة عندما يتعلق الامر بإبرام بعض الصفقات ( تهييئ دفاتر التحملات وفق شروط من تريده الجماعة الفوز بالصفقة) ، طلب السندات (طريق إسناد طلب السندات التي تخضع لمنطق الزبونية والتحايل على القانون)، التدبير المفوض لبعض المرافق والذي قد يتم وفق من تريده الجماعة الفوز بحق الامتياز في تدبير المرفق المراد تفويض تدبيره، تحديد أولويات المجلس لا يخضع لمنطق علمي أو للبرامج الملتزم بها في الحملات الانتخابية … إضافة إلى غياب التخطيط والبرمجة مع حضور الهاجس الانتخابي الذي غالبا ما يضيع المصلحة العامة وينساق مع تصريف اليومي إضافة إلى غياب التجانس والتناغم بين مكونات المجلس الذي يؤدي في أغلب الأحيان إلى صراعات وتطاحنات تضيع فيها مصلحة المواطن، ثم قلة الموارد المالية وضعف الوعاء العقاري للجماعات وغياب الإرادة السياسية من أجل تقوية الموارد المالية وفي اقتناء الأراضي التابعة للملك الخاص للدولة التي لا تكلف إمكانيات مادية كبيرة والتنازل عليها في أغلب الأحيان للوبيات العقار من اجل ضمها والقيام باستثمارات خاصة قد تتناقض في أغلبها مع تصميم تهيئة الجماعة.
في ظل هذا الوضع و إضافة إلى استمرار دعم السلطات لأحزاب إدارية من أجل الحصول على تشكيلات حزبية متحكم فيها من طرف سلطات الوصايا ضاربة عرض الحائط إرادة الشعب واختياراته… يفترض على القوى اليسارية والتقدمية النضال من أجل انتخابات حرة ونزيهة وفرض احترام الإرادة الشعبية وإرساء دعائم النضال الديمقراطي من خلال استغلال جميع الواجهات المتاحة بما في ذلك النضال داخل المؤسسات المنتخبة باعتبارها واجهة من واجهة النضال إلى جانب النضال الجماهيري واستثمار الحملات الانتخابية في فضح الاختيارات اللاشعبية واللاديمقراطية السائدة وإعادة الثقة للمواطنين وإعطاء المصداقية للمؤسسات المنتخبة وتعبئة المواطنين بأهمية مشاركتهم واقناعهم بمسؤوليتهم في اختيار ممثلين قادرين على تجسيد ارادتهم وطموحاتهم والنضال من داخل التجربة للمساهمة في التنمية المحلية وفتح جسر التواصل مع المواطنين ومواجهة الفساد المستشري داخل المؤسسات والاغتناء الغير المشروع والحد من سلطة الوصايا وتسلط بعض رجال السلطة وفضح شططهم..