الشأن المحلي من التدبير القبلي إلى التدبير الجماعي

◆ البدالي صافي الدين

◆ البدالي صافي الدين

عرف‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬منذ‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬المحلي‭ ‬وفق‭ ‬متطلبات‭ ‬كل‭ ‬تجمع‭ ‬سكاني‭ ‬عشائري‭ ‬أو‭ ‬قبائلي‭ ‬أو‭ ‬حصري‭ ‬تتحكم‭ ‬فيه‭ ‬طقوس‭ ‬وعادات‭ ‬حسب‭ ‬المناطق‭ ‬والجهات،‭ ‬وكان‭ ‬يوكل‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬المحلي‭ ‬اجتماعيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬وثقافيا‭ ‬لمجلس‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬ب‭ “‬اجماعة‭” ‬وهو‭ ‬مجلس‭ ‬يتولى‭ ‬تقسيم‭ ‬العمل‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬القبيلة‭ ‬أو‭ ‬الدوار‭ ‬أو‭ ‬القرية‭ ‬أو‭ ‬الحومة‭ ‬أو‭ ‬الحطة‭. ‬يشرف‭ ‬هذا‭ ‬المجلس‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬وتنظيم‭ ‬العمل‭ ‬التشاركي،‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الحديث‭ ‬للأعمال،‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ “‬بالتويزة‭ ” ‬وتدبير‭ ‬عملية‭ ‬الرعي‭ ‬والري‭ ‬والعمل‭ ‬التطوعي‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المرافق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والصحية‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬ميزانية‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭. ‬وتقوم‭ “‬اجماعة‭” ‬بتنظيم‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬عقود‭ ‬القران‭ ‬أو‭ ‬البيع‭ ‬أو‭ ‬الشراء‭ ‬أو‭ ‬الرهن،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تشرف‭ ‬على‭ ‬الشؤون‭ ‬الدينية‭ ‬بتعيين‭ ‬الفقيه‭ ‬الذي‭ ‬سيتكلف‭ ‬بالإمامة‭ ‬وبتدريس‭ ‬الأطفال،‭ ‬ويعتبر‭ “‬الجامع‭” ‬أو‭ “‬المسيد‭” ‬مدرسة‭ ‬وملاذا‭ ‬لعابري‭ ‬السبيل‭ ‬وأحيانا‭ ‬لاجتماع‭ “‬اجماعة‭”‬،‭ ‬وتستعين‭ ‬برجال‭ ‬يسمونهم‭ ‬ب‭ “‬أصحاب‭ ‬الطرقة‭” ‬لهم‭ ‬خبرة‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتجارة‭ ‬أو‭ ‬ب‭ “‬الكسيبة‭” ‬يفصلون‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الشراكة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬الناس‭. ‬ويوكل‭ ‬ل‭ “‬اجماعة‭” ‬تدبير‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الجيران‭ ‬من‭ ‬قبائل‭ ‬وتجمعات‭ ‬سكانية‭ ‬مجاورة‭ ‬ومع‭ ‬المخزن‭.‬‭ ‬وكل‭ ‬القضايا‭ ‬كانت‭ ‬تحسم‭ ‬عبر‭ ‬مجلس‭ “‬أجماعة‭” ‬حتى‭ ‬القضايا‭ ‬الخلافية‭. ‬يرأس‭ “‬اجماعة‭” ‬رجل‭ ‬يقع‭ ‬عليه‭ ‬الإجماع‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الجميع‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬هناك‭ ‬تنظيم‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الدواوير‭ ‬المكونة‭ ‬للدائرة‭ ‬الترابية‭ ‬أو‭ ‬للقبيلة،‭ ‬ويتشكل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أرباب‭ ‬البيوت‭ ‬وشيوخ‭ ‬القبيلة‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬ترابها‭.  ‬كل‭ ‬دوار‭ ‬ينتخب‭ ‬أو‭ ‬ينتدب‭ ‬4‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬أعضاء‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المجلس‭ ‬وذلك‭ ‬حسب‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬كل‭ ‬دوار‭ ‬ويسمى‭ ‬هذا‭ ‬المجلس‭ ‬ب‭ “‬مجلس‭ ‬الأربعين‭”. ‬ولا‭ ‬يحق‭ ‬لشخص‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬تلك‭ ‬القبيلة‭ ‬أن‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المجلس‭.  ‬ويشكل‭ ‬وحدة‭ ‬مستقلة‭ ‬وينتخب‭ ‬بشكل‭ ‬ديمقراطي‭ ‬ويكون‭ ‬أغلب‭ ‬أعضائه‭ ‬من‭ ‬أعيان‭ ‬الدواوير‭ ‬الذين‭ ‬ينتسبون‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬القبيلة‭. ‬وقد‭ ‬استمر‭ ‬هذا‭ ‬التنظيم‭ ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬1920‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الأطلس‭ ‬المتوسط‭ ‬والكبير‭ ‬والريف‭ ‬واستمر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬الأربعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬هذا‭ ‬التنظيم‭ ‬كان‭ ‬يتسم‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬التشاور‭ ‬وعلى‭ ‬المشاركة‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬أو‭ ‬إقصاء‭ ‬وبالتضامن‭ ‬والتكافل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتوازنات‭ ‬الاجتماعية‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬التنظيمي‭ ‬سيتم‭ ‬استهدافه‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬والاسباني،‭ ‬وذلك‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬التقسيم‭ ‬العرقي‭ ‬للسكان‭ ‬وعلى‭ ‬التقاليد‭ ‬والعادات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬وحدة‭ ‬“أجماعة‭” ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬لأنها‭ ‬الوسيلة‭ ‬التنظيمية‭ ‬الصلبة‭ ‬للمغاربة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭. ‬فالتقسيم‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬الاستعمار‭ ‬كان‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭ ‬الكلي‭ ‬للبنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬أساسها‭ “‬أجماعة‭” ‬واستبدالها‭ ‬بالجماعة‭ ‬الترابية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬التحكم‭ ‬الكلي‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الساكنة‭ ‬وجعلها‭ ‬تخضع‭ ‬لسياسة‭ ‬المركز‭ ‬وأيضا‭ ‬كان‭ ‬الغرض‭ ‬منها‭ ‬هو‭ ‬طمس‭ ‬معالم‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتكافل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬كمقدمة‭ ‬للسيطرة‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬المواطن‭. ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬مدخل‭ ‬لهذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬هو‭ ‬المدخل‭ ‬المالي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ترسيخ‭ ‬وتوسيع‭ ‬قواعد‭ ‬إدارة‭ ‬الحماية‭ ‬1912‭ ‬ـ‭ ‬1917،‭ ‬وذلك‭ ‬بفرض‭ ‬نظام‭ ‬جبائي‭ ‬على‭ ‬الساكنة‭ ‬لتغطية‭ ‬مصاريف‭ ‬الإدارة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والإسبانية،‭ ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬أصبحت‭ ‬الجماعة‭ ‬الترابية‭ ‬تؤدي‭ ‬وظيفة‭ ‬الإدارة‭ ‬المركزية‭ ‬من‭ ‬تحصيل‭ ‬الضرائب‭ ‬عن‭ ‬الأملاك‭ ‬واستغلال‭ ‬الملك‭ ‬العمومي‭ ‬والولوج‭ ‬للأسواق‭ (‬الظهير‭ ‬الشريف‭ ‬المؤرخ‭ ‬ب‭ ‬27‭ ‬مارس‭ ‬1916،‭ ‬الظهير‭ ‬الشريف‭ ‬المؤرخ‭ ‬بتاريخ‭ ‬1917،‭ ‬والظهيران‭ ‬الشريفان‭ ‬بتاريخ‭ ‬20‭ ‬ابريل‭ ‬1917‭.).‬

الشأن‭ ‬المحلي‭ ‬والتدبير‭ ‬الجماعي‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الاستقلال‭:‬

غداة‭ ‬الاستقلال‭ ‬اتجه‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالجماعة‭ ‬ليجعلها‭ ‬الخلية‭ ‬الأساسية‭ ‬للبناء‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬لكنه‭ ‬ظل‭ ‬معتمدا‭ ‬على‭   ‬نفس‭ ‬التقسيم‭ ‬الجماعي‭ ‬الذي‭ ‬خلفه‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وكذلك‭ ‬نفس‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الجماعة‭ ‬والسلطة‭ ‬المركزية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬المحلي‭. ‬وهو‭ ‬تقسيم‭ ‬غير‭ ‬منسجم‭ ‬اجتماعيا‭ ‬وثقافيا‭ ‬واقتصاديا،‭ ‬مما‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬القواعد‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وبذلك‭ ‬لم‭ ‬يشكل‭ ‬ظهير‭ ‬1960‭ ‬المتعلق‭ ‬بالتنظيم‭ ‬الجماعي‭ ‬اية‭ ‬لبنة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭   ‬بناء‭ ‬نظام‭ ‬اللامركزية‭. ‬فكانت‭ ‬سنة‭ ‬1960‭ ‬الانطلاقة‭ ‬القانونية‭ ‬الأولى‭ ‬للنظام‭ ‬الجماعي‭ ‬بالمغرب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صدور‭ ‬أول‭ ‬قانون‭ ‬ينظم‭ ‬الجماعات‭ ‬الحضرية‭ ‬والقروية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬هدا‭ ‬القانون‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬تمتيعه‭ ‬للجماعة‭ ‬بصلاحيات‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬المحلي،‭ ‬تقول‭ ‬الأستاذة‭ ‬مزروع‭ ‬فاطمة‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬الإدارة‭ ‬المحلية‭ ‬اللامركزية‭ ‬بالمغرب‭ “‬‮…‬فالاختصاصات‭ ‬الممنوحة‭ ‬للمجالس‭ ‬المنتخبة‭ ‬هي‭ ‬اختصاصات‭ ‬جد‭ ‬محدودة،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬تمت‭ ‬تقوية‭ ‬صلاحيات‭ ‬السلطات‭ ‬المركزية‭ ‬وممثليها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المحلي‭”. ‬إن‭ ‬القصور‭ ‬الكبير‭ ‬لهذا‭ ‬الميثاق‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الجماعة‭ ‬مجرد‭ ‬وحدة‭ ‬إدارية‭. ‬لأنه‭ ‬خول‭ ‬للسلطات‭ ‬المحلية‭ ‬كل‭ ‬الصلاحيات‭ ‬ويبقى‭ ‬دور‭ ‬المجلس‭ ‬الجماعي‭ ‬المصادقة‭ ‬فقط،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬سيكرس‭ ‬التبعية‭ ‬المطلقة‭ ‬للمركز‭. ‬ويحول‭ ‬دور‭ “‬أجماعة‭” ‬من‭ ‬الدور‭ ‬التشاركي‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬وفي‭ ‬البناء‭ ‬الديمقراطي‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬أعيان‭ ‬تنتخبه‭ ‬السلطة‭ ‬مكان‭ ‬المواطن،‭ ‬مما‭ ‬خلق‭ ‬مسافة‭ ‬بين‭ ‬المجلس‭ ‬والمواطن‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تداركها‭ ‬بفعل‭ ‬سرعة‭ ‬التحول‭ ‬الذي‭ ‬يعرفه‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬واستراتيجيا‭.‬

ويأتي‭ ‬ظهير‭ ‬30‭ ‬شتنبر‭ ‬1976‭ ‬كميثاق‭ ‬جماعي‭ ‬بديل‭ ‬عن‭ ‬ظهير‭ ‬1960‭ ‬ليخول‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الصلاحيات‭ ‬للمجالس‭ ‬الجماعية،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬بعد‭ ‬الأزمة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬أفرزت‭ ‬حالة‭ ‬الاستثناء،‭ ‬والتي‭ ‬امتدت‭ ‬من‭ ‬1965‭ ‬إلى‭ ‬1970‭ .‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الميثاق‭ ‬الجماعي‭ ‬شكل‭ ‬منعطفا‭ ‬تاريخيا‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬الجماعات‭ ‬شريكا‭ ‬وفاعلا‭ ‬مركزيا‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ .‬إلا‭ ‬أن‭ ‬شرط‭ ‬السلطة‭ ‬الوصية‭ ‬ظــــل‭ ‬قائما‭ ‬و‭ ‬بامتياز‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬المحلي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ظهير‭ ‬فبراير‭ ‬1977‭ ‬الذي‭ ‬يعطـي‭ ‬للعمال‭ ‬صلاحيات‭ ‬واسعة‭ ‬تجعلهم‭ ‬يتحكمون‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬وفي‭ ‬المشاريع،‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬ميزانية‭ ‬الجماعات‭ ‬القروية‭ ‬والحضرية‭ ‬والمجالس‭ ‬الإقليمية‭.‬

لقد‭   ‬خص‭ ‬ظهير‭ ‬30‭ ‬شتنبر‭ ‬1976‭ ‬المجلس‭ ‬الجماعي‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الاختصاصات‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬التنموي‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفصل‭ ‬30‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الظهير،‭ ‬إذ‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬“المجلس‭ ‬الجماعي‭ ‬يعد‭ ‬مخطط‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للجماعة‭ ‬طبقا‭ ‬للاتجاهات‭ ‬والأهداف‭ ‬المقررة‭ ‬في‭ ‬المخطط‭ ‬الوطني‭.” ‬ويحدد‭ ‬برنامج‭ ‬تجهيز‭ ‬الجماعة‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الوسائل‭ ‬الخاصة‭ ‬بالجماعة‭ ‬والوسائل‭ ‬والإمكانيات‭ ‬الموجودة‭ ‬رهن‭ ‬إشارتها‭. ‬ويقترح‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬الأعمال‭ ‬اللازمة‭ ‬للنهوض‭ ‬بتنمية‭ ‬الجماعة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الاختصاص‭ ‬الجماعي‭ ‬أو‭ ‬تتجاوز‭ ‬نطاق‭ ‬وسائل‭ ‬الجماعة‭ ‬والوسائل‭ ‬الموضوعة‭ ‬رهن‭ ‬إشارتها‭. ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬ظل‭ ‬الدور‭ ‬التنموي‭ ‬للمجلس‭ ‬الجماعي‭ ‬محددا‭ ‬بالحدود‭ ‬المكانية‭ ‬للجماعة‭ ‬وبالقضايا‭ ‬المحلية‭ ‬فقط،‭ ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬نصيب‭ ‬المجلس‭ ‬الجماعي‭ ‬في‭ ‬التنمية،‭ ‬فالملاحظ‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬المجلس‭ ‬مهم‭ ‬ومنصوص‭ ‬عليه‭ ‬بصريح‭ ‬النص،‭ ‬بل‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬المجلس‭ ‬عبء‭ ‬التنمية‭ ‬المحلية‭. ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬التنموي‭ ‬تقوى‭ ‬بإصلاحات‭ ‬أساسية‭ ‬تدعمه‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬مستويات‭:‬

‭ ‬•تخصيص‭ ‬30‭% ‬من‭ ‬الضريبة‭ ‬على‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬لميزانية‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭.‬

‭ ‬•إقرار‭ ‬نظام‭ ‬جديد‭ ‬للجبايات‭ ‬المحلية‭.‬

‭ ‬•إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬صندوق‭ ‬التجهيز‭ ‬الجامعي‭.‬

‭ ‬•تطوير‭ ‬الوظيفة‭ ‬العمومية‭ ‬المحلية‭.‬

‭ ‬•إقرار‭ ‬تقسيم‭ ‬جماعي‭ ‬جديد‭.‬

‭ ‬•دعم‭ ‬النظام‭ ‬الجماعي‭ ‬بالجهوية‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬تظل‭ ‬ضعيفة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حاجيات‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬اجتماعية‭ ‬وثقافية‭ ‬واقتصادية‭ ‬ومن‭  ‬بنيات‭  ‬تحتية‭.‬

الجماعة‭ ‬المحلية‭ ‬والتنمية

إن‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة‭ ‬للدولة‭ ‬ترتبط‭ ‬بتنمية‭ ‬الجماعة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬مواردها‭ ‬المالية‭ ‬والبشرية،‭ ‬لأن‭ ‬موضوع‭ ‬التنمية‭ ‬المحلية‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬عن‭ ‬موضوع‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة،‭ ‬و‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الاختيارات‭ ‬المخزنية‭ ‬تتعارض‭ ‬ومفهوم‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة‭ ‬وتكرس‭ ‬سياسة‭ ‬الارتجـــال‭ ‬في‭ ‬التخطيط‭ ‬وسياسة‭ ‬التدبير‭ ‬المالي‭ ‬وعشوائية‭ ‬التسيير‭ ‬وتداخل‭ ‬السلط،‭ ‬فإن‭ ‬دور‭ ‬الجماعة‭ ‬المحليــة‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬لن‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬المفهوم‭ ‬المخزني‭ ‬للتنمية‭ ‬والتسيير‭ ‬وتدبير‭ ‬الشأن‭ ‬المحلـى‭. ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬الوصاية‭ ‬المخزنية‭ ‬ومن‭ ‬مخلفات‭ ‬التقسيم‭ ‬الإداري‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الجماعة‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬موارد‭ ‬تساعدها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬فائض‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تنمية‭ ‬ميزانية‭ ‬الاستثمار‭.‬

 

الإشكاليات‭ ‬المطروحة‭ ‬بعد‭ ‬ظهير‭ ‬76

كانت‭ ‬تجربة‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية،‭ ‬التي‭ ‬أطر‭ ‬عملها‭ ‬وكيفية‭ ‬انتخابها‭ ‬وانتخاب‭ ‬رؤسائها‭ ‬ونوابهم‭ ‬ومقرري‭ ‬الميزانية‭ ‬والكتاب‭ ‬ظهير‭ ‬30‭ ‬شتنبر‭ ‬1976،‭ ‬والذي‭ ‬اقر‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الاختصاصات‭ ‬منها‭ ‬الشرطة‭ ‬الإدارية‭ ‬واستقلالية‭ ‬ماليتها‭ ‬والتوظيفات‭ ‬وعقد‭ ‬الصفقات‭ ‬وتدبير‭ ‬النفقات،‭ ‬وتعتبر‭ ‬تجربة‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬بعض‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التسيير‭ ‬والتنمية‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الامتداد‭ ‬عرف‭ ‬إجهاضا‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬1983‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬مزورة‭ ‬بامتياز‭ ‬ليعود‭ ‬الأعيان‭ ‬والموالون‭ ‬للسلطة‭ ‬إلى‭ ‬رئاسة‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬والقبول‭ ‬بالتراجعات‭ ‬التي‭ ‬شابت‭ ‬ظهير‭ ‬1976‭.‬

  ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬التنمية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬كمحور‭ ‬رئيسي‭ ‬لها‭ ‬فإن‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬القرارات‭ ‬والاختيارات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انتخابات‭ ‬نزيهة‭ ‬وحرة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ديمقراطية‭ ‬حقيقية‭ ‬لازال‭ ‬محدودا‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬منعدما،‭ ‬وبالمقابل‭ ‬فإن‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬الجماعة‭ ‬لازال‭ ‬يعتبر‭ ‬رقما‭ ‬إحصائيا‭ ‬فقط‭. ‬ومكونا‭ ‬انتخابيا‭ ‬ليس‭ ‬إلا،‭ ‬مما‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فشل‭ ‬التدبير‭ ‬المحلي‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬منها‭: ‬

ـ‭ ‬التقطيع‭ ‬الجماعي‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬وضعه‭ ‬بمقتضى‭ ‬مرسوم‭ ‬من‭ ‬اختصاص‭ ‬السلطة‭ ‬التنظيمية‭. ‬ويظل‭ ‬خاضعا‭ ‬لاعتبارات‭ ‬سياسية‭ ‬وانتخابية‭ ‬وأمنية‭ ‬وليس‭ ‬لاعتبارات‭ ‬موضوعية‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وتنموية‭ ‬وتشاركية‭.‬

ـ‭ ‬كل‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إجرائها‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬ديمقراطية‭ ‬حقيقية،‭ ‬بل‭ ‬كلها‭ ‬كانت‭ ‬مبينة‭ ‬على‭ ‬التزوير‭ ‬ضدا‭ ‬على‭ ‬إرادة‭ ‬الموطنين‭ ‬والمواطنات‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الجماعة‭ ‬تنهج‭ ‬سياسة‭ ‬مخزنية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التدبير‭ ‬والتسيير‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬التنمية‭ ‬المحلية‭.‬

ـ‭ ‬الاختلالات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬للجماعة‭ ‬وهدر‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬المساءلة‭.‬

ـ‭ ‬انعدام‭ ‬التوازن‭ ‬وضعف‭ ‬الأداء‭ ‬مما‭ ‬سيفضي‭ ‬إلى‭ ‬ظاهرة‭ ‬التزوير‭ ‬الانتخابي‭ ‬وذبح‭ ‬الديمقراطية‭ ‬المحلية‭ ‬مما‭ ‬حول‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬إلى‭ ‬ضيعات‭ ‬خاصة‭ ‬للاغتناء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬وضياع‭ ‬مصالح‭ ‬المواطنين‭ ‬والمواطنات‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى