الجائحة وإيديولوجية المحافظة والتضبيع
افتتاحية العدد 333
زعم أحد منظري الإسلام السياسي في مقال بجريدة وطنية، أن إغلاق المساجد الصغيرة بالأحياء واستمرار منع صلاة الجمعة بسبب انتشار وباء كرونا، ستكون له تداعيات سلبية على تدين المغاربة وعلى أخلاقهم وقيمهم. بل سيؤدي ذلك إلى التأثير على المشروعية الدينية والسياسية للنظام، ويساهم في نشر الفكر العلماني في المجتمع المغربي. وهكذا فان هذا المنظر – الداعية يؤكد أن جماعات الإسلام السياسي تتعامل مع الدين الإسلامي كأصل تجاري، تستثمره في نشر إيديولوجيتها المحافظة، واستقطاب المغاربة والنصب عليهم بادعاء الدعوة إلى الله وإلى الإصلاح ومحاربة الفساد الأخلاقي والرذيلة في المجتمع.
نتذكر أنه في بداية الجائحة حاول بعض غلاة التطرف الديني تفسيرها بشكل خرافي واعتبار فيروس كورونا “من جنود الله” وادعى أحد “علمائهم” أن رمضان سيقضي عليه !، وحاولت بعض المجموعات التمرد على قرار الدولة الاحترازي بإغلاق المساجد ومنع صلاة الجماعة بالاحتجاج في الشارع، وتنظيم صلاة التراويح فوق أسطح المنازل. وفي النهاية بعد فشل الرهان على التحريض والتهويل ركنوا إلى الصمت على مضض، خضوعا لحالة الطوارئ الصحية كباقي المواطنين والمواطنات.
لقد سبق لعدة خبراء في السوسيولوجيا وعلم النفس أن كشفوا وأوضحوا الأسباب الموضوعية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لانتشار ظاهرة التدين الشكلي في المجتمعات العربية والإسلامية في العقود الأخيرة، وفي المغرب لعبت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في عهد الوزير العلوي المدغري دورا أساسيا في تأسيس وتوجيه جماعات الإسلام السياسي، وتوظيفها في محاربة المعارضة الديمقراطية، واليسار على الخصوص في المؤسسات التعليمية والجامعات. في هذا السياق تم أيضا الاهتمام والعناية بالزوايا والأضرحة والتعليم العتيق، ويكفي أن نذكر بالأرقام المهولة التي أعلنها وزير الأوقاف الحالي، حيث صرح أن هناك 5038 ضريح، و1496 زاوية، أنفقت عليها الوزارة تقريبا 16مليار درهم! ويصل عدد مؤسسات التعليم العتيق 292 مؤسسة، وعدد الكتاتيب إلى 10496 كتابا، إضافة لهذه المؤسسات والكتاتيب، انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة محلات الرقية الشرعية والتداوي بالأعشاب في جميع المدن المغربية تحت أنظار السلطات المحلية التي تكتفي بالإحصاء والمتابعة.
إن الأمر يتعلق بحرب إيديولوجية وسياسة تضبيع وتجهيل واسعة النطاق تتعرض لها الأغلبية الساحقة من الشعب لتزييف وعيها وإبعادها عن النضال من أجل حقوقها المشروعة. طبيعي والحالة هذه أن نعاين يوميا الاستخفاف والاستهتار بتوجيهات وزارة الصحة الخاصة بالوقاية من فيروس كورونا.
نحن نعرف أن منظري المحافظة والتقليد، يعتبرون أن مشروعية النظام مرتبطة بالحفاظ على الزوايا وباقي بنيات التركيبة التقليدية التي تعيد إنتاج الهيمنة الإيديولوجية للطبقة الحاكمة، لكن هذه “الإستراتيجية ” وإن ساهمت في إطالة عمر الفساد والاستبداد فإنها بالتأكيد تسير في الأفق المسدود بالنظر لطبيعة العصر.