الحماية الاجتماعية مشروع مجتمعي
◆ محمد رقي
الحاجة الى تكافئ إجتماعي
إن الوضع العالمي اللامتكافئ قد أعاد الاعتبار لمفهوم الدولة وللمؤسسات الوطنية، ودورها الحاسم في إعادة ” توزيع المداخيل والثروات”على افراد المجتمع، بالرغم من أن مفهوم توزيع المداخيل في النمط الرأسمالي للإنتاج، هو مفهوم ملتبِس، وفي الدول التابعة يزيد ضبابية وتعقيداً، فهو يهدف إلى طمس ما هو أساس وحاسم في عملية التوزيع هذه، أي عملية توزيع الرأسمال نفسه بين مالكي الرأسمال ومالكي قوة العمل.
وفي هذه الضبابية المقصودة ، يتساوى الريع والربح والفائض.. مع الأجر باعتبارهم جميعا أشكالاً من أشكال التوزيع، وهنا يبرز الفرق الكبير بين الربح أو الريع (العقار) وبين الفائدة بالنسبة للمهن الحرة، مثلا المهندسين المعماريين والموثقين.. وبين الأجر بالنسبة للأجراء، وكلها تسمى “مصادر للدخل”، وبالتالي فهي تعتبر القاعدة الأساسية للاستفادة من الحماية الاجتماعية.
وبناءا عليه فعنصر التمييز بين الريع، الربح والفائدة… مع الأجر بصفته تعبيرا عن نمط محدد، هو العمل المأجور المنتج لكل أشكال التراكم: الربح والريع والفائدة.. ومن تم فإن الحاجة إلى القضاء على كل أشكال التمييز الاجتماعية، يعتبر تحديا رئيسيا وهامّاً، لا يمكن أن يستقيم إلا بمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية عامة، ككُلّ لا يتجزأ.
حول مفهوم الضمان الاجتماعي
الضمان الاجتماعي تَعرض الى تشويه في مفهومه ولانحراف في وظيفته من قبل أرباب العمل والدولة، بوصفه “تكافلا اجتماعيا” يجب أن يسود بين العمال ومشغِليهم، بمبرر أن نظام تمويله، يرتكز على ما يقدمه أرباب العمل من اشتراكات. والأكيد أن هذه الاشتراكات سواء التي يقدمها العامل أو المشغل، ليست سوى الأجر الكامل عن قوة العمل التي يبيعها الأجير ويساوم على ثمنها مع رب العمل، فالجزء الأكبر يتقاضاه كأجر، والجزء الآخر المتبقي سيذهب إلى صندوق الضمان الاجتماعي.
فالمشغّل يجمع الجزئيين معاً، في تحديد كلفة اليد العاملة بالإضافة للمواد الأولية والمصاريف العامة، وستشكل هذه العناصر كلها سعر الكلفة الذي سيتم بناءاّ عليه احتساب هامش أرباح المُشغِل. وبالتالي يلعب هذا الأخير، دور الجابي، فهو يقوم بجمع هذه الاشتراكات التي تعتبر جزءاً من الأجر. والمقتطعة على أساسِه، ومن تم يحولها لصندوق الضمان الاجتماعي على أساس أنها “اشتراكات رب العمل” ويتضح جلياً أن الوعاء المادي بأكملِه لصندوق الضمان الاجتماعي، مُكوّن فقط من أجور العمال، وبالتالي فهو ليس “تكافلاً اجتماعيا” بل الضمان الاجتماعي من صنع العمال أنفسهم، وإنه لا يخفي الصراع حول الأجور سواء سمي أجرا نقديا أو تقديمات (اقتطاعات ) اجتماعية أو صحية. إن الصراعات الاجتماعية التي يشهدها مجتمعنا هي بالأساس، صراعات طبقية، وقد تتخذ هذه الصراعات مظاهر غير طبقية تخفي طبيعتها المصلحية / الطبقية، وهنا أيضا لا يمكن إلغاء دور الدولة التي هي غير مستقلة في عملية الصراع، وقد تتدخل في كل مراحله وتوجهه، بَيدَ أن هذا الصراع لا يلغي دور الطبقة العاملة ايضاً، بل سيجعلها في قلب الصراع، أي الدفاع عنه واحتضانه، بصفتها معنية بالدرجة الأولى والمستفيد المباشر من هذه الحماية الاجتماعية.
لابُدّ من الإشارة كذلك، في هذا الصراع الدائر، إلى دور البنيات الأُسرية والقبلية (الريف، جرادة، فكيك…) والبنيات الفئوية (تنسيقيات التعليم، الممرضين، معطلين،.. والباعة المتجولين …)، بالرغم من أن هذه الحركية الإجتماعية المتفرقة والغير المنظمة، قد تشكل عائقاً في لحمِ (soudage) وتقوية العلاقات الطبقية في مجالات الصراع الاجتماعية. وقد تساهم في تبديد كل النضالات المنظمة، بإفراغها من محتواها ومن استمراريتها، ما دام سبب وجود هذه الحركات الفئوية محصور في الزمن وفي الأهداف، وقد تشكل كذلك تهديداً للاستقرار أو شرارة لِفَتيل انتفاضات غير موجهة، بحيث لا يكفي الكمّ العفوي، بل تظهر الحاجة إلى الوَعي بالتنظيم والانضباط له حتى يؤدي أهدافه الاجتماعية والسياسية كاملة.
أهم ما جاء به مشروع تعميم الحماية الاجتماعية
قدمت الدولة المغربية مشروعاً عميقا على المستوى الاجتماعي، في حجمِ طفرة نوعية تنموية، قد يشكل تحولاً في البنيات الاجتماعية، إذا ما تحققت أهدافه على مدى الخمس سنوات القادمة، كما حددها المشروع، وإذا ما قيست برزمانة القرارات والإجراءات التي شملت فئات واسعة من المواطنين، وخصوصا الفئات الهشة وكل الفئات المحرومة من تعميم الحماية الاجتماعية، ندرج مجملها كالتالي :
استفادة 22 مليون مغربي من الحماية الاجتماعية، مقسمة إلى:
- 11 مليون منخرط في نظام المساعدة الطبية “راميد”.
- 11 مليون من المهنيين والتجار والفلاحين والصناع والصناع التقليديين وأصحاب المهن الحرة.
هذا المشروع، في أفق سنة 2025 سيتطلب مبلغاً إجماليا سنويا يقدر ب 51 مليار درهم، منها 23 مليار درهم سيتمّ تمويلها من الميزانية العامة. أما على المستوى القانوني، فالمشروع تطلب تعديل مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية، وإضافة وإعداد نصوص أخرى جديدة ، وتشمل هذه الإجراءات والقرارات، لمشروع الحماية الاجتماعية، أربعة فروع رئيسية :
1- التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنتي 2021 و 2022 ليشمل الفئات المعوزة المستفيدة من المساعدة الطبية “راميد” وفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصاّ، حيث سيتمكن 22 مليون مستفيد إضافي من هذا التأمين الذي يغطي تكاليف : العلاج – الأدوية – والاستشفاء، وبنفس التعويضات التي يستفيد منها القطاع الخاص.
2- تعميم التعويضات العائلية خلال سنتي 2023-2024، بتمكين الأسر التي لا تستفيد من هذه التعويضات، حسب الحالة، من تعويضات للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة، أو من تعويضات جزافية.
3- توسيع قاعدة المنخرطين في أنظمة التقاعد سنة 2025 لتشمل الأشخاص الذين يمارسون عملاً ولا يستفيدون من أيّ معاش، بتنزيل نظام المعاشات، الخاص بفئة المهنيين والعمال المستقلين، والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصاً.
4- الاستفادة من التعويض عن الشغل خلال سنة 2025، لتشمل كل شخص فقدَ شغلاً قاراً، مع تبسيط الاستفادة من التعويض، وتوسيع مجاله.
كما شملت مبادرة الحماية الاجتماعية ثلاث اتفاقيات إطار لتعميم التأميم الاجباري الأساسي عن المرض :
- الاتفاقية الأولى تهم 800 ألف منخرط لفائدة التجار، الحرفيين، المهنيين، مقدمي الخدمات المستقلين الخاضعين لنظام المساهمة المهنية الموحدة أو نظام المقاول الذاتي أو لنظام المحاسبة.
- الاتفاقية الثانية تهم 500 الف منخرط لفائدة الحرفيين ومهنيي الصناعة التقليدية.
- الاتفاقية الثالثة تهم 1.6 مليون منخرط لفائدة الفلاحين .
وكانت من بين الإجراءات الهيكلية التدبيرية المصاحبة فتح قطاع الصحة أمام الكفاءات الاجنبية والاستثمار الأجنبي، وتأهيل المنظومة الصحية، وإصلاح نظام المقاصة (تفعيل السجل الاجتماعي الموحد). والعمل على تطوير الجوانب التدبيرية بحكامة هيئات الضمان الاجتماعي، في أفق إحداث هيئة موحدة للتنسيق والاشراف على أنظمة الحماية الاجتماعية فيما بين كل المتدخلين.
فما مدى قدرة ثقل منظومة الدولة في إنجاح هذا الرهان، خصوصا مع ما عايشناه من فشل في التطبيق والتنفيذ لمشاريع سابقة، آخرها ما أسال مدادا كثيرا حول انزلاقات تنزيل الدستور، لهذا فالرقابة الشعبية وتتبع القوى الحية والديمقراطية لتنفيذ هذا المشروع هو ضمانة إنجاح تنفيذه تشكل سليم.