سلوك أُطرنا تجاه القضية الفلسطينية

بقلم : الشهيد عمر بنجلون - إعداد : يوسف بوستة

ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬الذكرى‭ ‬46‭ ‬لاغتيال‭ ‬الشهيد‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون،‭ ‬ننشر‭ ‬هاته‭ ‬الوثيقة‭ ‬التاريخية‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬الفقيد‭ ‬احمد‭ ‬بنجلون‭ ‬في‭ ‬ركن‭ “‬على‭ ‬الهامش‭” ‬بتوقيع‭ “‬حمدون‭ ‬القراص‭” ‬نشرت‭ ‬على‭ ‬أعمدة‭ ‬جريدة‭ ‬المسار‭ ‬عدد‭ ‬52‭ ‬الصادر‭ ‬بتاريخ‭ ‬1986‭/‬12‭/‬17،‭ ‬حيث‭ ‬تمت‭ ‬إعادة‭ ‬ترجمة‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭ ‬لمقال‭ ‬الشهيد‭ ‬عمر‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬بالفرنسية،‭ “‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬موجها‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭ ‬الى‭ ‬الأطر‭ ‬المفرنسين‭… “‬وارتاينا‭ ‬ان‭ ‬نعيد‭ ‬ترجمة‭ ‬المقال‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الدقة‭ ‬والأمانة‭ ‬والإخلاص‭ ‬للنص‭”‬،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الفقيد‭ ‬أحمد،‭ ‬كما‭ ‬وضع‭ ‬له‭ ‬عدة‭ ‬هوامش‭ ‬للتذكير‭ ‬بالسياق‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬فيه‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭. ‬ونظرا‭ ‬لراهنية‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬وأهمتها‭ ‬التاريخية‭ ‬نقدمها‭ ‬للقراء،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬نفس‭ ‬السلوك‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الديمقراطية‭ ‬واليسارية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتزايد‭ ‬وثيرة‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭.‬

مدخل‭ : ‬تعدد‭ ‬عناصر‭ ‬الالتباس

إن‭ ‬الغموض‭ ‬الإيديولوجي‭ ‬لم‭ ‬يكتس‭ ‬أهمية‭ ‬قصوى،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬له‭ ‬مضاعفات‭ ‬دراماتيكية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أ‮٢‬ّ‭ ‬بلد‭ ‬مستعَِر‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭. ‬وخلافا‭ ‬لجميع‭ ‬البلدان‭ ‬المستعَِرة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬فإن‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬قد‭ ‬َِف‮٩‬َ‭ ‬بمرحلة‭ ‬إضافية‭ ‬من‭ ‬النضال‭ ‬والتضحيات‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬حركات‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭.‬

ومن‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬َّىُغّ‭ ‬كفاحات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬1948‭ ‬وضمن‭ ‬العشرين‭ ‬سنة،‭ ‬المنظمة‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬نفسه،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬ما‭ ‬فتئ‭ ‬منذ‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬يخوض‭ ‬معركة‭ ‬مسلحة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يقنع‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬الأوساط‭ ‬المدعوة‭ ‬بالمعادية‭ ‬للاستعمار‭ ‬بأن‭ ‬فلسطين‭ ‬هي‭ ‬وطن‭ ‬شعب،‭ ‬وبأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬احتلال‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الاستعماري‭.‬

ولمعرفة‭ ‬بعض‭ ‬الالتباس‭ ‬الإيديولوجي‭ ‬ونتائجه‭ ‬على‭ ‬المشكل‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬نأخذ‭ ‬جان‭ ‬بول‭ ‬سارتر‭ (‬1‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬برهن‭ ‬عمليا‭ ‬عن‭ ‬عدائه‭ ‬للاستعمار‭ ‬وانحاز‭ ‬بصفة‭ ‬مطلقة‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬خلال‭ ‬حربه‭ ‬التحررية،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭ ‬ضد‭ ‬الجرائم‭ ‬الإمبريالية‭ ‬في‭ ‬فيتنام،‭ ‬كما‭ ‬يدافع‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭ ‬وعن‭ ‬سياسة‭ ‬موشي‭ ‬ديان‭(‬2‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬من‭ ‬سايغون‭ ‬حيث‭ ‬جند‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الطيارين‭ ‬المجرمين‭ ‬المكلفين‭ ‬بٍَنبلة‭ ‬شمال‭ ‬الفيتنام‭. ‬هذا‭ ‬المثال‭ ‬يوضح‭ ‬الى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬أصبحت‭ ‬الأوساط‭ ‬المعروفة‭ ‬بمناهضتها‭ ‬للاستعمار‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬الشمالية،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬المفكرون‭ ‬الذين‭ ‬زعموا‭ ‬أنهم‭ ‬أعادوا‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مسلمات‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬البورجوازية،‭ ‬وكيف‭ ‬أصبح‭ ‬هؤلاء‭ ‬جميعا‭ ‬وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬سجناء‭ ‬البديهيات‭ ‬الكاذبة‭ ‬والمتراكمة‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬19،‭ ‬وكأنها‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬فكر‭ “‬اليسار‭”.‬

وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بسلسلة‭ ‬من‭ ‬الوقائع‭ ‬التي‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬دريفوس‭(‬3‭)‬،‭ ‬إلى‭ ‬إبادة‭ ‬ملايين‭ ‬اليهود‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬النازية،‭ ‬وقائع‭ ‬خاصة‭ ‬بمجتمع‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬الرأسمالية‭ ‬التي‭ ‬أفرزت‭ ‬النازية‭ ‬ذاتها‭. ‬فمساندة‭ ‬إنشاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬ثم‭ ‬تصرفاتها،‭ ‬تشكل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للعالم‭ ‬الغربي،‭ ‬بيمينه‭ ‬و‭”‬يساره‭” ‬شكلا‭ ‬من‭ ‬إرضاء‭ ‬الضمير،‭ ‬وكلما‭ ‬توضحت‭ ‬حقيقة‭ ‬الصهيونية‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحا،‭ ‬إلا‭ ‬وصعب‭ ‬تبرير‭ ‬المصير‭ ‬الذي‭ ‬لقيه‭ ‬الوطن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وشعبه‭ ‬بمجرد‭ ‬الحقد‭ ‬على‭ ‬النازية‭ ‬المنقرضة،‭ ‬فاضطر‭ ‬المجتمع‭ ‬الغربي‭ ‬ومنظرو‭ ‬الإمبريالية‭ ‬والصهيونية،‭ ‬إلى‭ ‬ابتكار‭ ‬نظريات‭ ‬متغيرة‭ ‬تبدو‭ ‬متناقضة‭ ‬بل‭ ‬متعاكسة،‭ ‬ولكنها‭ ‬ترمي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭  ‬الهدف‭ : ‬تبرير‭ ‬وجود‭ ‬إسرائيل‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها‭.‬

ويمتد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ “‬رأس‭ ‬الجسر‭ ‬الغربي‭” ‬إلى‭ ‬النزعة‭ ‬السلمية‭” ‬المناضلة‭ ‬لرودينسون‭(‬4‭)‬،‭ ‬مرورا‭ ‬بفكرة‭ “‬الواقعية‭” ‬والأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬و‭”‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الجهوية‭”. ‬ويتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ “‬بالملاءمة‭ ‬المستمرة‭”‬،‭ ‬لمناهج‭ ‬التضليل‭ ‬وتزييف‭ ‬الحقائق‭.‬

وترتبط‭ ‬فعالية‭ ‬تلك‭ ‬الأساليب‭ ‬بالسيطرة‭ ‬المتصاعدة‭ ‬للشبكات‭ ‬الصهيونية‭ ‬على‭ ‬النشر‭ ‬والصحافة‭ ‬الغربيين،‭ ‬وخاصة‭ ‬منها‭ ‬المنعوتة‭ ‬باليسارية‭.‬

ومن‭ ‬ضمن‭ ‬ضحايا‭ ‬التكييف‭ ‬الإيديولوجي‭ ‬والثقافي‭ ‬يوجد‭ ‬أطر‭ ‬إفريقيا‭ ‬الشمالية،‭ ‬الذين‭ ‬تلقوا‭ ‬التعليم‭ ‬الكولونيالي‭ ‬البرجوازي‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وتمكنت‭ ‬الأوساط‭ ‬الفرنسية‭ ‬المنعوتة‭ ‬بـ‭”‬اليسارية‭” ‬من‭ ‬توجيه‭ ‬ذهنيتهم‭ ‬بسهولة‭ ‬أكثر‭  ‬نظرا‭ ‬للدعم‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬تلك‭ ‬الأوساط،‭ ‬للحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬الشمال‭ – ‬افريقية،‭ ‬ونتذكر‭ ‬صرخة‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬بلة‭(‬5‭) “‬نحن‭ ‬عرب،‭ ‬نحن‭ ‬عرب،‭ ‬نحن‭ ‬عرب‭”.‬

ونتذكر‭ ‬مدى‭ ‬استغراب‭ ‬واستهجان‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬الشمال‭ – ‬افريقيين‭ ‬لهذه‭ ‬الصرخة،‭ ‬إذ‭ ‬تبنى‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬إحدى‭ ‬التفسيرات‭ ‬المغرضة‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الفرنسية‭.‬

وكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬صدمة‭ ‬يونيو‭ ‬1967‭(‬6‭)‬،‭ ‬واندلاع‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ليبدأ‭ ‬اطرنا‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬البديهيات‭ ‬الكاذبة‭ ‬الخاصة‭ ‬بالثقافة‭ ‬الغربية،‭ ‬والتي‭ ‬تولدت‭ ‬عن‭ ‬وقائع‭ ‬تاريخية‭ ‬خاصة‭ ‬بالمجتمع‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وقائع‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لنا‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المراجعة‭ ‬لا‭ ‬تنصب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أساسي،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬التحليل‭ ‬والسلوك‭ ‬لدى‭ ‬أولئك‭ ‬الأطر،‭ ‬يقومان‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬المفاهيم‭ ‬الغربية،‭ ‬و‭”‬الواقعية‭” ‬التي‭ ‬تتجاهل‭ ‬الواقع‭ ‬الملموس،‭ ‬وعلى‭ ‬الموضوعية‭ ‬المزعومة‭ ‬التي‭ ‬تطرح‭ ‬جانبا‭ ‬الموضوع‭ ‬نفسه‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬وبدون‭ ‬تمييز،‭ ‬بالصراع‭ ‬العربي‭ / ‬الإسرائيلي،‭ ‬وأزمة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والمشكلة‭ ‬الفلسطينية‭..‬الخ‭. ‬إنها‭ ‬إعادة‭ ‬نظر‭ ‬تحصر‭ ‬في‭ ‬اعتبار‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كحدث‭ ‬جديد،‭ ‬‮٢‬ُغ‮٢‬ّر‭ ‬المعطيات‭ ‬القديمة‭ ‬ويطرح‭ ‬المشكل‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وهو‭ ‬وجود‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ويتعلق‭ ‬بالتطور‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬منظرو‭ ‬الصهيونية‭ ‬واليسار‭ ‬الأوروبي‭.‬

إذ‭ ‬أنهم‭ ‬يتكيفون‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬الجديد،‭ ‬وينددون‭ ‬بنسف‭ ‬المنازل،‭ ‬ويأخذون‭ ‬على‭ ‬ضحايا‭ ‬النازية‭ ‬استعمال‭ ‬أساليب‭ ‬النازية‭ ‬نفسها‭ ‬لحسابهم‭ ‬الخاص،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬لاقتراح‭ ‬اللقاءات‭ ‬وخلق‭ ‬لجان‭ ‬السلام‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الحلول‭ “‬الفيدرالية‭ ‬والكونفيدرالية‭”(‬7‭) ‬الخ‭. ‬وهؤلاء‭ ‬التقدميون‭ ‬والثوار،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬رودينسون‭ ‬ويوري‭ ‬أفنيري‭ (‬ذلك‭ ‬النائب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الشهير،‭ ‬والوطني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬يدعي‭ “‬مناهضة‭ ‬الصهيونية‭”(‬8‭)‬،‭ ‬هم‭ ‬الأداة‭ ‬الأكثر‭ ‬دهاء‭ ‬وفعالية‭ ‬لدى‭ ‬الصهيونية‭ ‬على‭ ‬جبهة‭ ‬الدعاية‭ ‬والتضليل‭.‬

لا‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬يجادل‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬إسرائيل‭ ‬ككيان،‭ ‬أو‭ ‬يطرح‭ ‬مشكل‭ ‬اغتصاب‭ ‬الوطن‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ويكتفون‭ ‬بمناقشة‭ ‬البنيات‭ ‬الحالية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وبالتنديد‭ ‬بالسياسة‭ ‬التوسعيةلقادتها‭ ‬الخ‭..‬،‭ ‬وينتظرون‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬ينسلخوا‭ ‬عن‭ ‬الصهيونية‭ ‬لإقامة‭ ‬الدولة‭ “‬المزدوجة‭ ‬القومية‭”‬،‭ ‬ومختلف‭ ‬أشكال‭ ‬التعاون‭ ‬والكونفدراليات‭…‬إلخ‭.‬

إنهم‭ – ‬أي‭ ‬اولئك‭ ‬التقدميون‭ ‬والثوار‭- ‬بالنسبة‭ ‬للصهيونية‭ ‬وسياسة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬أعضاء‭ “‬الوعي‭ ‬الفرنسي‭” ‬يمثلون‭ ‬بالنسية‭ ‬للحماية‭ ‬أثناء‭ ‬معركتنا‭ ‬وكفاحنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستقلال‭ ‬الوطني،‭ “‬وعي‭ ‬فرنسي‭”‬،و‭”‬وجود‭ ‬فرنسي‭”: ‬ظاهرتان‭ ‬تنشآن‭ ‬وتتعارضان‭ ‬حينما‭ ‬تزعزع‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبية‭ ‬المسلحة،‭ ‬وبشكل‭ ‬جدي‭ ‬الهرم‭ ‬الكولونيالي،‭ ‬جنين‭ ‬الفكرة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الجديدة،‭ ‬يتولد‭ ‬بلباس‭ ‬أبوية‭ ‬إنسانية‭ ‬ويفكر‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬ويعد‭ ‬وسائل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أهم،‭ ‬ويعارض‭ ‬المصالح‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬وحشيتها‭ ‬عن‭ ‬اليأس‭ ‬وعن‭ ‬الشعور‭ ‬بقرب‭ ‬النهاية‭. ‬

وجود‭ ‬صهيوني‭ ‬وضمير‭ ‬صهيوني،‭ ‬يشكلان‭ ‬القرار‭ ‬الموضوعي‭ ‬لعمل‭ ‬يرمي‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مهم،‭”‬انني‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬شعبا‭ ‬ليبراليا‭ ‬ومناهضا‭ ‬للاستعمار‭ ‬ومسالما،‭ ‬لأنه‭ ‬سيكون‭ ‬شعبا‭ ‬ميتا‭”‬،‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬جواب‭ ‬غولدا‭ ‬مايير‭ ‬لأحد‭ ‬الصحفيين‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتساءل‭ ‬بقلق‭ ‬عن‭ ‬اختفاء‭ “‬قيم‭ ‬الشعب‭”‬،‭ ‬اليهودي‭ ‬بسبب‭ ‬الأساليب‭ ‬النازية‭ ‬الواضحة‭ ‬التي‭ ‬تستعمل‭ ‬ضد‭ ‬العرب،‭ ‬إننا‭ ‬نتساءل‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬القيم‭ ‬المزعومة‭ ‬لذلك‭ ‬الشعب‭ ‬المزعوم،‭ ‬الذي‭ ‬يرجع‭ ‬أساس‭ ‬وأصل‭ ‬وجوده‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬سرقة‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬وهي‭ ‬سرقة‭ ‬وطن‭ ‬بأكمله،‭ ‬واللص‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬دستور‭ ‬ولا‭ ‬يريد‭ ‬الإفصاح‭ ‬عن‭ ‬حدود‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬يريد‭ ‬السطو‭ ‬عليها،‭ ‬ويعلن‭ ‬القادة‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬سترسم‭ ‬حدودها‭ ‬بنفسها‭.‬

من‭ ‬هو‭ ‬اليهودي‭ ‬الذي‭ ‬يدعي‭ ‬أنه‭ ‬مناهض‭ ‬للصهيونية،‭ ‬ويندد‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬وبدون‭ ‬أي‭ ‬تحفظ‭ ‬بالسرقة،‭ ‬ويعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬إسرائيل،‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يخصص‭ ‬الحيز‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬خطابه‭ ‬أولا‭ ‬لتذكير‭ ‬تاريخي‭ ‬مطول‭ ‬حول‭ ‬المظالم‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬اليهود،‭ ‬ثم‭ ‬مصير‭ ‬المليونين‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬المهاجرين‭(‬9‭).‬

وبهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬وبفضل‭ ‬هذا‭ ‬المنهج‭ ‬الملتوي‭ ‬ينقلب‭ ‬المشكل‭ ‬ليصبح‭ ‬مطروحا‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬وعلى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وضحايا‭ ‬السرقة،‭ ‬نعم،‭ ‬لكن،‭ ‬نعم‭ ‬لكن‭… ‬‭!‬،‭ ‬إنني‭ ‬اعترف‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بشرعية‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الخ،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الحل؟‭.‬

إنكم‭ ‬لن‭ ‬تذهبوا‭ ‬الى‭ ‬القول‭ ‬مثل‭ ‬الشقيري‭(‬10‭)‬،‭ ‬إنه‭ ‬يجب‭ “‬إلقائهم‭ ‬في‭ ‬البحر‭” !‬؟،‭ ‬وهكذا‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬الحفاظ‭ ‬عل‭ ‬المبادئ‭ ‬باستثناء‭ ‬المبدأ‭ ‬الأول‭ ‬منها‭ ‬كلها،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬ضحية‭ ‬السرقة‭ ‬المستمرة‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭ ‬تقديم‭ ‬الحل‭ ‬الملائم‭. ‬

ووجهة‭ ‬نظر‭ ‬كهذه‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬نغمة‭ ‬الصدق‭ ‬ومظهر‭ ‬التماسك‭ ‬وحرارة‭ ‬الماركسية‭ – ‬اللينينية‭! ‬ويبلغ‭ ‬ذلك‭ ‬درجة‭ ‬الروعة‭ ‬حينما‭ ‬يتدخل‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬والسوسيولوجيا،‭ ‬وحينما‭ ‬يحاول‭ ‬التقدمي‭ ‬المنعوت‭ ‬بمناهضة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬أن‭ ‬يبرهن‭ ‬على‭ ‬أن‭ “‬إسرائيل‭ ‬ليست‭ ‬امة‭” ‬وهذا‭ ‬التقدمي‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬المشكل‭ ‬الأساسي،‭ ‬ومن‭ ‬تقديم‭ ‬البدائل‭ ‬للضحية‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬المحال،‭ ‬يقدم‭ ‬خدمة‭ ‬لهذا‭ ‬الاخير‭ ‬بتحويل‭ ‬المناقشة‭ ‬وتغدية‭ ‬مناقشة‭ ‬مزيفة‭.‬

فكفاح‭ ‬دموي‭ ‬لشعب‭ ‬سلب‭ ‬منه‭ ‬وطنه‭ ‬ليستخدم‭ ‬كقاعدة‭ ‬للامبريالية‭ ‬وكنقطة‭ ‬تجمع‭ ‬للصهيونية،‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬للتاريخ‭ ‬القديم،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬اليهود،‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬لدينا‭ ‬فكرة‭ ‬ولو‭ ‬أولية‭ ‬عن‭ ‬أساليب‭ ‬الضغط‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬الشبكات‭ ‬الصهيونية‭ ‬وبشتى‭ ‬الوسائل‭ ‬وفي‭ ‬كافة‭ ‬المجالات‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بأولئك‭ ‬ولا‭ ‬بذاتيتهم‭ ‬ولا‭ ‬بصدقهم‭ ‬كأفراد،‭ ‬فالهدف‭ ‬من‭ ‬الملاحظات‭ ‬السابقة‭ ‬هو‭ ‬إعطاء‭ ‬فكرة‭ ‬أولية‭ ‬عن‭ ‬تعدد‭ ‬عناصر‭ ‬الخلط‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬بالمشكل‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وتحدد‭ ‬نظرة‭ ‬وسلوك‭ ‬المثقفين‭ ‬الشمال‭ – ‬افريقيين‭ ‬الذين‭ ‬تلقوا‭ ‬تكوينهم‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬الراسمالية‭ – ‬الكولونيالية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ويتطلب‭ ‬منا‭ ‬ذلك‭ ‬معرفة‭ :‬

‭ ‬1‭ – ‬كيف‭ ‬أصبحت‭ ‬الصهيونية‭ ‬المستفيد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬بديهيات‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬البورجوازية‭ ‬السائدة،‭ ‬وخاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بالأدب‭ ‬الكولونيالي‭ ‬الخاص‭ ‬‭”‬بالتخلف‭”‬،‭ ‬وسيكون‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬الجوانب‭ ‬التي‭ ‬ليست‭ ‬خاصة‭ ‬بالمشكل‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نكشف‭ ‬عن‭ ‬زيف‭ ‬تلك‭ ‬البديهيات‭.‬

‭ ‬

2‭ – ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬البديهيات‭ ‬مكنت‭ ‬الصهيونية‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬المباشر‭ ‬على‭ ‬بلداننا‭ ‬وأطرنا،‭ ‬مستغلة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سواء‭ ‬الظروف‭ ‬الثقافية‭ ‬والتقنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالقوة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬السابقة‭ ‬وبـ‭”‬يسارها‭”‬،‭ ‬أو‭ ‬الظروف‭ ‬الجغرافية‭ ‬والتاريخية‭ (‬البعد‭ ‬والابتعاد‭ ‬بالنسبة‭ ‬لواقع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬منه‭ ‬سوى‭ ‬المظاهر‭ ‬الخارجية‭ ‬والسلبية‭).‬

3‭ – ‬وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬سيكون‭ ‬بالإمكان‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬التطور‭ ‬اللاحق‭ ‬لسنة‭ ‬1967،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬ترجم‭ ‬بإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الأفكار‭ ‬السائدة،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬ينصب‭ ‬على‭ ‬الجوهر،‭ ‬فالغموض‭ ‬والخلط‭ ‬لا‭ ‬زالا‭ ‬يكتنفان‭ ‬المشكل‭ ‬الأساسي‭. ‬فالانهزامية‭ ‬المسماة‭ “‬واقعية‭” ‬أو‭ “‬موضوعية‭”‬،‭ ‬لازالت‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬التشبت‭ ‬بالمظاهر،‭ ‬نظرا‭ ‬لكون‭ ‬الالتزام‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬درجة‭  ‬الالتزام‭ ‬داخل‭ ‬حركة‭ ‬التحرر‭.‬

ا‭ – ‬الصهيونية‭ ‬هي‭ ‬المستفيد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬البديهيات‭ ‬الكاذبة‭ ‬للفكر‭ ‬الكولونيالي‭ ‬والنيوكولونيالي‭ ‬قبل‭ ‬يونيو‭ ‬1967‭ ‬وبعده

لنذكر‭ ‬بأننا‭ ‬بصدد‭ ‬إبراز‭ ‬مظاهر‭ ‬الايديولوجية‭ ‬الرأسمالية‭ – ‬البورجوازية‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬التصورات،‭ ‬وطريقة‭ ‬التفكير‭ ‬والسلوك‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لدى‭ ‬أغلبية‭ ‬أطر‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬ذوي‭ ‬الثقافة‭ ‬الفرنسية‭.‬

سنهتم‭ ‬أولا‭ ‬بكون‭ ‬تلك‭ ‬الثقافة‭ ‬قد‭ ‬لقنت‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأدب‭ ‬الكلونيالي‭ ‬والنيوكولونيالي‭ ‬الخاص‭ ‬ب‭”‬التقدم‭” ‬ثم‭ ‬ب‭”‬التخلف‭”‬،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬التصورات‭ ‬وطريقة‭ ‬التفكير‭ ‬التي‭ ‬تمارس‭ ‬على‭ ‬المشكل‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬سوى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬الفكري‭ ‬والعملي‭ ‬لكل‭ ‬مثقف‭ ‬شمال‭ – ‬افريقي‭ ‬تجاه‭ ‬قضايا‭ ‬التحرر‭ ‬والاستعمار‭ ‬الجديد‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭.‬

وهذا‭ ‬الارتباط‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬ينجلي‭ ‬بوضوح،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬عززنا‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭ ‬بأمثلة‭ ‬ملموسة،‭ ‬تبرز‭ ‬مدى‭ ‬استمرارية‭ ‬البديهيات‭ ‬الكاذبة،‭ ‬التي‭ ‬يتكون‭ ‬منهة‭ ‬الفكر‭ ‬الاستعماري‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬الظرف‭ ‬الراهن‭.‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬الايديولوجية‭ ‬الغربية‭ ‬ككل‭”‬العلوم‭ ‬الانسانية‭” ‬المرتبطة‭ ‬بها،‭ ‬هي‭ ‬وليدة‭ ‬نمط‭ ‬الاإتاج‭ ‬الرأسمالي‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬بنية‭ ‬فوقية‭ ‬له،‭ ‬وتقوم‭ ‬بوظيفة‭ ‬تبرير‭ ‬هذا‭ ‬النمط،‭ ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬تحليل‭ ‬مظاهره‭ ‬الخارجية،‭ ‬أو‭ ‬دراسته‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬كل‭ ‬قطاع‭ ‬على‭ ‬انفراد،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬تتلافى‭ ‬تفسير‭ ‬المبدأ‭ ‬الذي‭ ‬يحركه،‭ ‬والعلاقات‭ ‬الاستغلالية‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬عليها‭ ‬كنظام‭ ‬شمولي‭.‬

والفضل‭ ‬الكبير‭ ‬لماركس،‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬جعل‭ ‬تلك‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬محط‭ ‬نقاش‭ ‬مجددا،‭ ‬وكشف‭ ‬عن‭ ‬طابعها‭ ‬الوصفي‭ ‬الصرف‭ ‬والخادع،‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬الاساسي‭ : “‬إن‭ ‬كل‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الظهور‭ ‬هو‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التستر‭”.‬

وعلى‭ ‬أطرنا‭ ‬أن‭ ‬يفكروا‭ ‬جيدا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬الفكر‭ ‬البورجوازي،‭ ‬يركز‭ ‬الانتباه‭ ‬على‭ ‬الشجرة‭ ‬لاخفاء‭ ‬الغابة،‭ ‬وقانون‭ ‬الغاب‭ ‬الرأسمالي،‭ ‬ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬ونمط‭ ‬الإنتاج‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الذي‭ ‬أفرزه،‭ ‬هو‭ ‬نظام‭ ‬متماسك‭ ‬له‭ ‬منطقه‭ ‬الخاص،‭ ‬ويتكيف‭ ‬باستمرار‭ ‬مع‭ ‬المعطيات‭ ‬الجديدة‭ ‬مع‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بتماسكه‭ ‬ومنطقه‭ ‬الخاص‭ ‬به‭.‬

بل‭ ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬الايديولوجية‭ ‬الوصفية‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬لقنت‭ ‬لنا،‭ ‬وإنما‭ ‬نفاياتها‭ ‬وإفرازاتها‭ ‬الوضعية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعليم‭ ‬الكولونيالي‭ ‬وبعده‭ ‬كل‭ ‬الأدبيات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الجديدة‭ ‬حول‭ “‬التخلف‭”‬،‭ ‬وللمزيد‭ ‬من‭ ‬الوضوح‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬نبتعد‭ ‬عن‭ ‬موضوعنا،‭ ‬لننطلق‭ ‬من‭ ‬حدث‭ ‬دون‭ ‬أهمية‭ ‬تذكر،‭ ‬ولكنه‭ ‬يصور‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬لازالت‭ ‬بعض‭ ‬الألاعيب‭ ‬والأكاذيب‭ ‬الاستعمارية‭ – ‬التي‭ ‬مضى‭ ‬عليها‭ ‬خمسون‭ ‬عاما‭ – ‬تعتبر‭ ‬حقائق‭ ‬وبديهيات‭ ‬وسط‭ ‬المثقفين‭ ‬المغاربة‭. “‬قدماء‭ ‬تلاميذ‭ ‬معهد‭ ‬أزرو‭” ‬المجتمعون‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬هذا‭ ‬الصيف،‭ ‬لم‭ ‬يوافقوا‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬حول‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬إلا‭ ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬تثار‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬ضمن‭ ‬قضايا‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬أنغولا‭ ‬وموزمبيق‭ (‬11‭) ‬الخ‭..‬،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬للتأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬هي‭ ‬مشكل‭ ‬استعماري،‭ ‬بل‭ ‬لتاكيد‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬المشكل‭ ‬مشكل‭ “‬عربي‭”‬،‭ ‬لا‭ ‬يهمهم‭ ‬مباشرة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تهمهم‭ ‬غينيا‭ ‬المسماة‭ ‬بالبرتغالية‭ (‬12‭). ‬

وهذا‭ ‬المثال‭ ‬الأقصى‭ ‬الذي‭ ‬يجسد‭ ‬الانتهازية‭ ‬بشكلها‭ ‬البدائي،‭ ‬يبين‭ ‬أيضا‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬أصبحت‭ ‬الصهيونية‭ ‬أول‭ ‬مستفيد‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬من‭ ‬أنماط‭ ‬التفكير‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬استراتيجيو‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬كسب‭ ‬حياد‭ ‬أطر‭ ‬بلداننا‭ ‬بل‭ ‬وتحالفها‭ ‬الموضوعي‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬عواقب‭ ‬الفكر‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الكولونيالي‭ ‬الأكثر‭ ‬خطورة‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬احتقار‭ ‬أنفسنا‭ ‬بأنفسنا‭ ‬كأمة‭ ‬عربية‭ ‬ونعت‭ ‬الانسان‭ ‬العربي‭ ‬بأشياء‭ ‬ناتجة‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬عن‭ ‬وضعية‭ ‬اختلقتها‭ ‬الامبريالية‭ ‬وتغذيها‭ ‬بواسطة‭ ‬أدواتها‭ ‬المحلية‭. ‬فمن‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ ‬التعاليق‭ ‬المتشككة‭ ‬والمتحفظة‭ ‬التي‭ ‬يعلق‭ ‬بها‭ ‬المثقفون‭ ‬المغاربة‭ ‬على‭ ‬البلاغات‭  ‬العربية‭ ‬حول‭ ‬الخسائر‭ ‬الصهيونية؟،‭ ‬وحينما‭ ‬يلاحظ‭ ‬عليهم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يثقوا‭ ‬بصفة‭ ‬منهجية‭ ‬بالأخبار‭ ‬الصهيونية،‭ ‬وأن‭ ‬يطعنوا‭ ‬في‭ ‬أنباء‭ ‬البلدان‭ ‬أو‭ ‬المقاومة‭ ‬العربية،‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬يشكل‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الفكرية‭ ‬موقفا‭ ‬مؤيدا‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬فالجواب‭ ‬يكون‭ ‬دائما‭ ‬هو‭ : ‬منذ‭ ‬1967‭ ‬لن‭ ‬أثق‭ ‬بهم‭ (‬أي‭ ‬العرب‭). ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬عملت‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬لوموند‭ ‬‮»‬‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬رأي‭ ‬أولئك‭ ‬الأطر‭ ‬والتأثير‭ ‬عليه‭ ‬وتلقينهم‭ ‬‮«‬‭ ‬الواقعية‭ ‬والاعتدال‭” ‬وتغذي‭ ‬فيهم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬المشكل‭ ‬وفي‭ “‬السلام‭”‬،‭ ‬وتثير‭ ‬المناقشات‭ ‬وتغديها‭ ‬حول‭ “‬الحل‭ ‬أو‭ ‬حظوظ‭ ‬الحل‭” ‬لما‭ ‬تسميه‭ ‬بالنزاع‭ ‬الاسرائيلي‭ – ‬العربي‭”.‬

وهذا‭ ‬المثال‭ ‬الثاني‭ ‬يوضح‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الصهيونية‭ ‬لا‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التفكير‭ ‬التي‭ ‬أقامها‭ ‬الاستعمار‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬الروابط‭ ‬الثقافية‭ ‬والتقنية‭ ‬واللغوية‭ ‬للبلاد‭ ‬مع‭ ‬القوة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬السابقة،‭ ‬روابط‭ ‬تسهل‭ ‬نشر‭ ‬رسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التي‭ ‬تتغلغل‭ ‬الصهيونية‭ ‬وسطها‭ ‬أو‭ ‬تراقبها‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة‭ (‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬علاقات‭ ‬الهيمنة‭ ‬والاستغلال‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬نفسها‭ ‬قطاعا‭ ‬حيويا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للصهيونية‭ ‬لتحويل‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬نحو‭ ‬إسرائيل‭). ‬فالحديث‭ ‬عن‭ ‬تأثير‭ ‬البديهيات‭ ‬الكاذبة‭ ‬للفكر‭ ‬الرأسمالي‭ – ‬الكولونيالي‭ ‬على‭ ‬أطرنا‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬المشكل‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬يعني‭ ‬إذن‭ ‬طرح‭ ‬مشكل‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجديد‭ ‬والامبريالية‭. ‬هذا‭ ‬لأنه‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحكومات‭ ‬أو‭ ‬الأفراد،‭ ‬فإن‭ ‬درجة‭ ‬الالتزام‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬تعكس‭ ‬مباشرة‭ ‬درجة‭ ‬العداء‭ ‬للامبريالية،‭ ‬لأن‭ ‬الأحداث‭ ‬أرغمت‭ ‬الصهيونية‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬على‭ ‬حقيقتها‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬كمحمية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الامبريالية‭ ‬أو‭ ‬كأداة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬كطابور‭ ‬خامس‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬دوائر‭ ‬أخرى‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭. ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬حركات‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬بلدان‭ ‬إفريقيا‭ ‬الاستوائية‭ ‬تخوض‭ ‬معاركها‭ ‬اليوم‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬‭ ‬ضد‭ ‬الامبريالية‭ ‬والصهيونية‭ ‬،‭ ‬لأنها‭ ‬تأكدت‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المساعدين‭ ‬التقنيين‭ ‬‮»‬‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬استراتجية‭ ‬امبريالية‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬أداتها‭ .‬

ويؤدي‭ ‬بنا‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬إلى‭ ‬التطرق‭ ‬للمغالطات‭ ‬الأكثر‭ ‬خبثا‭ ‬وفعالية‭ ‬التي‭ ‬تتضمنها‭ ‬الأدبيات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الجديدة،‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬تبررها‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ “‬التخلف‭”‬،‭ ‬وبفضلها‭ ‬تمكنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬انتزاع‭ ‬الاعتراف‭ ‬بها‭ ‬ومن‭ ‬إقامة‭ ‬مساعديها‭ ‬التقنيين،‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأقطار‭ ‬وأطر‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ( ‬وكذلك‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأطرنا‭)‬،‭ ‬الذين‭ ‬تلقوا‭ ‬تكوينهم‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬والاقتصاد‭ ‬السياسي‭ ‬البورجوازيين‭ ‬والوصفيين‭ ‬بصفة‭ ‬مطلقة،‭ ‬قد‭ ‬انخدعوا‭ ‬واقتنعوا‭ ‬بواسطة‭ ‬المظاهر‭ ‬ومنجزات‭ ‬إسرائيل‭ ‬واعتبروها‭ ‬مثالا‭ ‬للحل‭ ‬لمعضلات‭ ‬التخلف‭ ‬و‭ ‬‮«‬‭ ‬حلقاته‭ ‬المفرغة‭ ‬الشهيرة‭ (‬13‭)‬،‭ ‬واهتموا‭ ‬بالشجرة‭ ‬التي‭ ‬تخفي‭ ‬الغابة‭ ‬وتجاهلوا‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تستهلك‭ ‬خمسة‭ ‬أضعاف‭ ‬مما‭ ‬تنتج‭ ‬بفضل‭ ‬الموارد‭ ‬التي‭ ‬سلب‭ ‬جزء‭ ‬هام‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬بلدانهم‭ ‬ذاتها‭.‬

فالصهيونية‭ ‬إذن‭ ‬هي‭ ‬المستفيد‭ ‬الأول‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬البديهيات‭ ‬الآنية‭ ‬حول‭ ‬التخلف‭ ‬والتي‭ ‬نشرتها‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬الأكثر‭ ‬دهاء‭ ‬وفعالية‭ ‬للاستعمار‭ ‬الجديد‭ (‬وضمن‭ ‬إدارتها‭ ‬بالفعل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصهاينة‭ ‬المعروفين‭)‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الأداة‭ ‬أوضح‭ ‬مثال‭ ‬لقدرة‭ ‬منظري‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬تطور‭ ‬القوى‭ ‬التقدمية‭ ‬والتكيف‭ ‬معها،‭ ‬ولإقناع‭ ‬أطرنا‭ “‬وتقنيينا‭” ‬أكثر،‭ ‬فإنها‭ ‬تعلمهم‭ ‬الواقعية‭ ‬والمراحل‭ ‬التي‭ ‬يتطلبها‭ ‬تكسير‭ ‬الحلقات‭ ‬المفرغة‭ ‬للتخلف‭ ‬‮»‬‭ ‬وتؤکد‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التكسير‭ ‬يقتضي‭ ‬الإصلاح‭ ‬الزراعي‭ ‬وبعض‭ ‬التأميمات‭ ‬الخ‭.‬

ويتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬هنا‭ ‬بأساليب‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬المبدأ‭ ‬والجوهر‭ ‬في‭ ‬التكييف‭ ‬المستمر،‭ ‬لمنظري‭ ‬الصهيونية‭ ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬حركة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬المعادية‭ ‬لإسرائيل‭. ‬إذ‭ ‬أنهم‭ ‬يقترحون‭ ‬تأسیس‭ ‬لجان‭ ‬للسلام‭ ‬وينددون‭ ‬بالسياسة‭ ‬التوسعية‭ ‬لموشي‭ ‬ديان‭ ‬الخ‭ .. ‬وذلك‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أساسي‭ : ‬وجود‭ ‬إسرائيل‭ ‬كدولة‭. ‬ويتم‭ ‬تقديم‭ ‬المشكل‭ ‬طبعا‭ ‬وكأنه‭ ‬أزمة‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسطه‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬متجاورة‭ ‬وليس‭ ‬كقضية‭ ‬تحرير‭ ‬بلاد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭. ‬

ويتم‭ ‬تقديم‭ ‬التداخل‭ ‬بين‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬والمقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وعلاقات‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالدول‭ ‬المجاورة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬كأنه‭ ‬حلقة‭ ‬مفرغة‭ ‬‮»‬‭ ‬أو‭ ‬دوامة‭ ‬مثلما‭ ‬يتم‭ ‬تقديم‭ ‬الترابط‭ ‬بين‭ ‬الزراعة‭ ‬والتعليم‭ ‬وميزان‭ ‬الأداءات‭ ‬لبلاد‭ ‬متخلفة،‭ ‬وكأنه‭ ‬حلقة‭ ‬مفرغة‭” ‬أو‭ ‬دوامة‭.‬

فانقسام‭ ‬العرب‭ ‬وخطابهم‭ ‬يمثلان‭ ‬بالنسبة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ما‭ ‬تمثله‭ ‬الديموغرافية‭ ‬الراكضة،‭ ‬أو‭ ‬المتصاعدة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للتخلف،‭ ‬أي‭ ‬المبرر‭ ‬والجواب‭ ‬المستخدم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬آن‭ ‬وحين‭. ‬فالمبدأ‭ ‬یبقی‭ ‬هو‭ ‬هو‭ : ‬فلا‭ ‬نلومن‭ ‬سوی‭ ‬أنفسنا‭ ‬وعلينا‭ ‬أولا‭ ‬أن‭ ‬نصفي‭ ‬مشاكلنا‭ ‬نحن‭.‬

فهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬تتطابق‭ ‬بالضبط‭ ‬مع‭ ‬عملية‭ ‬التقني‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬بعمق‭ ‬عن‭ ‬التقنم،‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نشك‭ ‬في‭ ‬حسن‭ ‬نية‭ ‬من‭ ‬يقترح‭ ‬تأميم‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬والاصلاح‭ ‬الزراعي‭.‬

إذا‭ ‬لم‭ ‬تطرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬حول‭ ‬الدور‭ ‬الحقيقي‭ ‬لتلك‭ ‬القطاعات‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬نطرح‭ ‬بصفة‭ ‬شمولية‭ ‬مشكل‭ ‬استغلال‭ ‬البلاد‭ !‬؟‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬تأميم‭ ‬السكك‭ ‬الحديدية‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الرأسمال‭ ‬الاستعماري،‭ ‬لأنه‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬جرف‭ ‬المواد‭ ‬الأولية‭ ‬وإدخال‭ ‬المنتوجات‭ ‬المصنعة‭ ‬للبلاد‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الضحايا‭ ‬أنفسهم‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يسددون‭ ‬العجز‭ ‬المالي‭ ‬أي‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬النفقات‭ ‬المخصصة‭ ‬لاستغلال‭ ‬البلاد‭ .‬

كما‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬الإصلاح‭ ‬الزراعي‭ ‬أي‭ ‬توزيع‭ ‬أراضي‭ ‬المعمرين‭ ‬لا‭ ‬يضايق‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬الرأسمال‭ ‬الاستعماري،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المنتوجات‭ ‬بأسعار‭ ‬جد‭ ‬منخفضة،‭ ‬ويضمن‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭. ‬وتنطبق‭ ‬نفس‭ ‬الحالة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الإصلاحات‭ ‬والحلول‭ ‬التي‭ ‬تتمظهر‭ ‬بالوطنية‭ ‬والتنمية،‭ ‬لأن‭ ‬المشكل‭ ‬الأساسي‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬طرحه‭ ‬وهو‭ ‬مشكل‭ ‬طبيعة‭ ‬الكولونيالية‭ ‬ومسؤوليتها‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬المعروف‭ ‬ب‭ ‬‮«‬التخلف‭ ‬‮»‬،‭ ‬وكل‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬يبدلها‭ ‬منظرو‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجديد‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬وعكس‭ ‬المشكل‭ ‬بإقناع‭ ‬ضحايا‭ ‬الاستغلال‭ ‬الامبريالي‭ ‬بحجج‭ “‬تقنية‭”‬،‭ ‬وبعض‭ ‬الأرقام‭ ‬المختارة،‭ ‬أن‭ ‬المسؤولية‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتقهم‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭.‬

وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬شعارات‭ ‬الواقعية‭ ‬والموضوعية‭ ‬المزعوم‭ ‬أنها‭ ‬علمية،‭ ‬والعقلانية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأدبيات،‭ ‬تصبح‭ ‬بالنسبة‭ ‬لإطرنا‭ ‬المعروفين‭ ‬ب‭ “‬التقنيين‭”‬،‭ ‬مقاييس‭ ‬للتحليل‭ ‬والحكم‭ ‬والاستنتاج‭. ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬مثقفا‭ ‬عراقيا‭ ‬يكتب‭ ‬دراسة‭ ‬مرقمة‭ ‬تدعي‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬قبل‭ ‬محاربتهم‭ ‬أو‭ ‬قضائهم‭ ‬على‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أن‭ ‬يحلوا‭ ‬مشكل‭ “‬التخلف‭” (‬دراسة‭ ‬منشورة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬بارز‭ ‬طبعا‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬جريدة‭ ‬لوموند‭).‬

ووجهة‭ ‬نظر‭ ‬كهذه‭ ‬بعيدة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬معزولة،‭ ‬لأن‭ ‬وضع‭ ‬المشكل‭ ‬بصفة‭ “‬تقنية‭”‬،‭ ‬وبالأرقام‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬للدعم‭ ‬اللامشررط‭ ‬الذي‭ ‬تقدمه‭ ‬الإمبريالية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وكذا‭ ‬لقوة‭ ‬الشبكات‭ ‬الصهيونية‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ ‬طريقة‭ ‬‮«‬‭ ‬واقعية‭ ‬‮»‬‭ ‬لطرح‭ ‬المشكل،‭ ‬طريقة‭ ‬الانهزامية‭ ‬التي‭ ‬تمتاز‭ ‬بميزة‭ ‬المنطق‭. ‬ولكنها‭ ‬الطريقة‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬التحليل‭ ‬التي‭ ‬يستعملها‭ ‬من‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬الكفاح‭ ‬ضد‭ ‬الإمبريالية‭ ‬غير‭ ‬مطروح،‭ ‬وأصبح‭ ‬تلميذ‭ ‬مجتهد‭ ‬للايديولوجية‭ ‬البرجوازية‭ ‬الوصفية،‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬كقاعدة‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬الامبريالية‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬الحضور‭ ‬الثقافي‭ ‬الإيديولوجي‭ ‬للاستعمار‭ ‬الجديد‭ ‬والصهيونية‭ ‬ببلداننا‭ ‬حضور‭ ‬واحد،‭ ‬ويؤثر‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬مثقفينا،‭ ‬فموقف‭ ‬أولئك‭ ‬المثقفين‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فصله‭ ‬عن‭ ‬موقفهم‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الداخلية‭ ‬للتحرر‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والكفاح‭ ‬ضد‭ ‬الامبريالية‭ ‬وعملائها‭. ‬ويجب‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬التأثير‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية‭ ‬لأنه‭ ‬مورس‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬ساهمت‭ ‬ظروفه‭ ‬التاريخية‭ ‬والجغرافية‭ ‬وأصداء‭ ‬الأحداث‭ ‬الخاصة‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬تغذية‭ ‬الخلط‭ ‬والالتباس‭ ‬واللامبالاة‭ .‬

اا‭ – ‬اللامبالاة‭ ‬المستخفة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬1967‭ ‬نتيجة‭ ‬لعمل‭ ‬الصهيونية‭ ‬المباشر‭ ‬منذ‭ ‬عشرين‭ ‬سنة،‭ ‬مقرونة‭ ‬بعدم‭ ‬إدراك‭ ‬ظواهر‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الداخلية

لم‭ ‬تكتف‭ ‬الصهيونية‭ ‬بالاستفادة‭ ‬من‭ ‬الوجود‭ ‬الاستعماري‭ ‬الجديد‭ ‬ومن‭ ‬نتائجه‭ ‬المباشرة‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬وسلوك‭ ‬أطرنا،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬قامت‭ ‬ولا‭ ‬زالت‭ ‬تقوم‭ ‬بعملية‭ ‬تسميم‭ ‬مباشرة‭ ‬اكثر،‭ ‬وعرفت‭ ‬كيف‭ ‬تستغل‭ ‬الظروف‭ ‬الخاصة‭ ‬بشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬لتغذية‭ ‬اللامبالاة‭ ‬بجميع‭ ‬أشكالها،‭ ‬إزاء‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وكيف‭ ‬تغذي‭ ‬الخلط‭ ‬والالتباس‭ ‬بعد‭ ‬1967‭. ‬ولقد‭ ‬ساعدها‭ ‬عاملان‭ ‬أساسيان‭ ‬في‭ ‬عمليتها‭ ‬المباشرة‭ ‬هذه‭ : ‬

‭- ‬من‭ ‬جهة‭ ‬لكون‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭ ‬كانت‭ ‬تتم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الأوساط‭ ‬الفرنسية‭ ‬المسماة‭ ‬باليسار‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تؤيد‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستقلال‭.‬

‭- ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬انعزال‭ ‬شمال‭ ‬افريقيا‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬التحول‭ ‬الايديولوجي‭ ‬والسياسي‭ ‬الذي‭ ‬فجره‭ ‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭.‬

وردود‭ ‬الفعل‭ ‬التي‭ ‬خلفتها‭ ‬صيحة‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬بلا‭ (‬نحن‭ ‬عرب،‭ ‬نحن‭ ‬عرب،‭ ‬نحن‭ ‬عرب‭)‬،‭ ‬تعبر‭ ‬الى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬استطاع‭ ‬هذان‭ ‬العاملان‭ ‬تحذير‭ ‬أطرنا‭ ‬لمدة‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬وتغذية‭ ‬احتقارنا‭ ‬لأنفسنا‭.‬

‭ ‬أ‭ – ‬عمل‭ ‬الصهيونية‭ ‬المباشر‭ ‬بواسطة‭ ‬اليسار‭ ‬الفرنسي‭:‬

لنقتصر‭ ‬على‭ ‬عرض‭ ‬تطور‭ ‬أساليب‭ ‬التضليل‭ ‬منذ‭ ‬إنشاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬1967،‭ ‬فالمرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬سمحت‭ ‬بتقديم‭ ‬إسرائيل‭ ‬كعنصر‭ ‬تقدم‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬الإمارات‭ ‬والأنظمة‭ ‬الإقطاعية‭ ‬والقروسطية،‭ ‬والبلدان‭ ‬الاشتراكية‭ ‬نفسها‭ ‬تظاهرت‭ ‬بالاقتناع‭ ‬بهذا‭ ‬المنظور‭ ‬لاعتبارات‭ ‬استراتيجية‭ ‬ودبلوماسية‭ ‬جد‭ ‬معروفة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يمنع‭ ‬الأدبيات‭ ‬والصحافة‭ ‬المسماة‭ ‬باليسارية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تتغني‭ ‬بفضائل‭ ‬‮«‬الاشتراكية‭ ‬المتميزة،‭ ‬والصافية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬المستوطنات‭ (‬كييوتزيم‭)‬‮»‬،‭ ‬وطلاب‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬كانوا‭ ‬ينخدعون‭ ‬لذلك،‭ ‬لأن‭ ‬الفرصة‭ ‬لم‭ ‬تتح‭ ‬لهم‭ ‬قط‭ ‬للاطلاع‭ ‬على‭ ‬أصول‭ ‬نشأة‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومستوطناتها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬‮«‬اشتراکیتها‮»‬‭ ‬سوی‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬المادية‭ ‬التي‭ ‬تتطلبها‭ ‬الوظيفة‭ ‬الموكولة‭ ‬للمستوطنات‭ ‬منذ‭ ‬إقامتها‭ ‬كقاعدة،‭ ‬لزرع‭ ‬الصهيونية‭ ‬بالقوة‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬أساليب‭ ‬تنظيمها‭ ‬غلى‭ ‬‮«‬الاشتراكية‮»‬‭ ‬بأية‭ ‬صلة،‭ ‬غذ‭ ‬إنها‭ ‬أساليب‭ ‬إنتاج‭ ‬واستهلاك‭ ‬خاضعة‭ ‬للمتطلبات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لتلك‭ ‬القواعد‭ ‬أن‭ ‬تضمن‭ ‬استمراريتها‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬تكاثرها‭ ‬وفي‭ ‬انتظار‭ ‬فرصة‭ ‬تأسيس‭ ‬دولة‭ ‬اسرائيل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تطبيق‭ ‬الأساليب‭ ‬التنظيمية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالثكنات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الخضوع‭ ‬للاحتلال‭ ‬الاستعماري،‭ ‬وبمجرد‭ ‬إنجاز‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬واحتلال‭ ‬فلسطين‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الضروري،‭ ‬أولا‭ ‬طمس‭ ‬مبدأ‭ ‬الاستعمار‭ ‬نفسه‭. ‬فتم‭ ‬صنع‭ ‬تبرير‭ “‬الاشتراكية‭ ‬المتميزة‭” ‬المستمدة‭ ‬من‭ ‬مبادىء‭ ‬داوورد‭ ‬وعدالة‭ ‬سليمان،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬سمح‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬باستمرار‭ ‬وتغذية‭ ‬أسطورة‭ ‬التفاني‭ ‬وروح‭ ‬الرواد‭ ‬لدى‭ ‬المستوطنين‭ ‬الصهاينة‭).‬

ولقد‭ ‬كشف‭ ‬تأميم‭ ‬قناة‭ ‬سويس‭ ‬وعمل‭ ‬أولئك‭ ‬الرواد‭ ‬لصالح‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ – ‬الإنجليزي‭ ‬المنهار‭ ‬في‭ ‬اعتداء‭ ‬1956‭ ‬ضد‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬تلك‭ ‬الاشتراكية‭ ‬المزعومة‭ ‬ووظيفتها‭ ‬الحقيقية‭. ‬فكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬الشعار‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تحويل‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬الهدف‭ ‬الحقيقي‭ ‬للعملية‭ (‬العدوانية‭) ‬فهي‭ ‬عملية‭ ‬كانت‭ ‬تستهدف‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الوطني‭ ‬الأوحد‭ ‬الذي‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬تسمية‭ ‬الحكم‭ ‬القروسطي‭ ‬للاقطاع‭ ‬وافتتاح‭ ‬سياسة‭ ‬تقدم‭. ‬وهنا‭ ‬بدأت‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية،‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬قدرة‭ ‬اليهود‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الصحراء‭ ‬غلى‭ ‬جنة‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬الجبناء‭ ‬والعاجزين،‭ ‬وتزامنت‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬مع‭ ‬الحملة‭ ‬حول‭ ‬الأقليات‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭.‬

وقد‭ ‬وضع‭ ‬دانييل‭ ‬مايير‭ (‬14‭) ‬رئيس‭ ‬الرابطة‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬على‭ ‬المهدي‭ ‬بن‭ ‬بركة‭ ‬حينما‭ ‬عرض‭ ‬عليه‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬مشروع‭ ‬تأسيس‭ ‬فرع‭ ‬لرابطة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بالمغرب،‭ ‬شرطا‭ ‬مسبقا‭ ‬وهو‭ : ‬أن‭ ‬يندد‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ (‬15‭) ‬أولا‭ “‬بالحد‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬اليهود‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬مغادرة‭ ‬البلاد،‭ ‬وأن‭ ‬يطالب‭ ‬بأن‭ ‬تسلم‭ ‬لهم‭ ‬جوازات‭ ‬سفر‭ ‬بدون‭ ‬تمييز‭ ‬ولا‭ ‬أية‭ ‬إشارة‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬ديني‭”‬

ويجب‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬أغلب‭ ‬المثقفين‭ ‬اليهود‭ ‬المغاربة‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يدعون‭ ‬مناهضة‭ ‬الصهيونية‭ ‬كانوا‭ ‬يقومون‭ ‬بحملة‭ ‬مستمرة‭ ‬لتسهيل‭ ‬الهجرة‭ ‬المكثفة‭ ‬لليهود‭ ‬وذلك‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬‭ ‬المبادىء‭ ‬‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬خنق‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ببلادنا‭ ‬خنقا‭ ‬تاما‭ ‬وأعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جوانب‭ ‬سياسة‭ ‬التحرر،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬مكن‭ ‬من‭ ‬تصدير‭ ‬اليهود‭ ‬المغاربة‭ ‬تصديرا‭ ‬ديمقراطيا‭ ‬ومكثفا‭ ‬نحو‭ ‬إسرائيل‭ (‬المراهقون‭ ‬أولا،‭ ‬ثم‭ ‬الشبان‭ ‬وبعدهم‭ ‬الآباء‭ ‬وذلك‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬للتجميع‭)‬،‭ ‬أما‭ ‬المسؤولون‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬فلم‭ ‬يكونوا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬تدخلات‭ ‬المؤتمر‭ ‬اليهودي‭ ‬العالمي‭ ‬والمساومات‭ ‬الأمريكية‭ ‬للسماح‭ ‬بهذا‭ ‬التصدير‭ ‬وتشجيعه‭ ‬وذلك‭ ‬بدون‭ ‬شك‭ ‬لإزعاج‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ! ).‬

‭ ‬أما‭ ‬المرحلة‭ ‬الثالثة‭ ‬لتكييف‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونية‭ ‬الموجهة‭ ‬إلى‭ ‬بلداننا،‭ ‬فهي‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬عدد‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬المعتدلون‮»‬‭ ‬التصريحات‭ ‬‮«‬الواقعية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬توحي‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بالواقع‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬بعدما‭ ‬ساعدوا‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭ ‬على‭ ‬تقوية‭ ‬هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬بسلبيتهم‭ ‬المتواطؤة‭ ‬أو‭ ‬بسياستهم‭ ‬النشيطة‭ ‬الموالية‭ ‬للامبريالية‭. ‬وخلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الشعار‭ ‬هو‭ ‬اشتراكية‭ ‬المستوطنات‭ ‬أو‭ ‬عبقرية‭ ‬اليهود‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬الصحراء‭ ‬إلى‭ ‬جنة،‭ ‬بل‭ ‬نحيب‭ ‬مزدوج‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيصه‭ ‬كالتالي‭. ‬نحيب‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تنهك‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬النفقات‭ ‬العسكرية‭ ‬بدل‭ ‬مواجهة‭ ‬مشاكل‭ ‬‮«‬التخلف‮»‬،‭ ‬نحيب‭ ‬على‭ ‬إسرائيل،‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬الصغيرة‭ ‬لرواد‭ ‬شجعان،‭ ‬يحيط‭ ‬بها‭ ‬أعداء‭ ‬تسلحهم‭ ‬موسكو،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنه‭ ‬منذ‭ ‬عدوان‭ ‬1956،‭ ‬بدأت‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاقطاعية‭ ‬تسقط‭ ‬الواحد‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ .‬

فالامبريالية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تملي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حكومات‭ ‬المنطقة‭ ‬سیاستها،‭ ‬والقادة‭ ‬الصهاينة‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬بسهولة،‭ ‬وبدون‭ ‬حسيب‭ ‬أو‭ ‬رقيب‭ ‬من‭ ‬تحويل‭ ‬مجرى‭ ‬مياه‭ ‬نهر‭ ‬الأردن،‭ ‬وحملة‭ ‬الإعداد‭ ‬النفسي‭ ‬لعدوان‭ ‬1956‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬سنتين‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬تكاثر‭ ‬الأنظمة‭ ‬التقدمية‭ ‬في‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬وسوريا‭ ‬والعراق‭ ‬والجزائر‭ ‬الذين‭ ‬طرحوا‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬المشكل‭ ‬الحقيقي‭ ‬وهو‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أنفسهم‭ . ‬والفلسطينيون‭ ‬من‭ ‬جهتهم‭ ‬لم‭ ‬ينتظروا‭ ‬أن‭ ‬يطرح‭ ‬هذا‭ ‬المشكل،‭ ‬فمنذ‭ ‬فاتح‭ ‬يناير‭ ‬1965‭ ‬بادروا‭ ‬الى‭ ‬تفجير‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬بنسف‭ ‬المنشآت‭ ‬المعدة‭ ‬لتحويل‭ ‬مياه‭ ‬الأردن،‭  ‬ولكن‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬كان‭ ‬الأطر‭ ‬الشمال‭ – ‬افريقيون‭ ‬يتقبلون‭ ‬الشعارات‭ ‬الصهيونية‭ ‬الآنفة‭ ‬الذكر‭ ‬بسهولة،‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يجدون‭ ‬فيها‭ ‬تأكيدا‭ ‬لحكمهم‭ ‬الشامل‭ ‬والتحقيري‭ ‬لبلدان‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشعبها‭ ‬وقادتها‭.‬

‭ ‬ب‭ –  ‬عدم‭ ‬ادراك‭ ‬الظواهر‭ ‬الداخلية‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬

إن‭ ‬شمال‭ – ‬إفريقيا‭ ‬بحكم‭ ‬بعدها‭ ‬عن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬ظواهر‭ ‬التحول‭ ‬التي‭ ‬هزت‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬منذ‭ ‬صدمة‭ ‬1948‭ (‬16‭). ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الظواهر‭ ‬سوی‭ ‬جوانبها‭ ‬الخارجية‭ ‬والسلبية،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تنقلها‭ ‬الصحافة‭ ‬الغربية‭ ‬الموالية‭ ‬للصهيونية‭.‬

‭ ‬وتتلخص‭ ‬تلك‭ ‬الظواهر‭ ‬باختصار‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬تيارات‭ : ‬

‭- ‬الظاهرة‭ ‬الأولى‭ :‬‭ ‬

الضباط‭ ‬الشبان‭ ‬الذين‭ ‬أدركوا‭ ‬وهم‭ ‬على‭ ‬جبهة‭ ‬فلسطين‭ ‬أن‭ ‬المسؤولين‭ ‬الحقيقيين‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬إسرائيل‭ ‬هم‭ ‬اقطاعيات‭ ‬الخونة‭ ‬الحاكمين،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬وبحق‭ ‬بعبارة‭ “‬اسرائیل‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭”‬،‭ ‬وبعد‭ ‬استلام‭ ‬السلطة‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬انقلابات‭ ‬عسكرية‭ ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬تكوينهم‭ ‬السياسي‭ ‬والإيديولوجي‭ ‬أوليا،‭ ‬فقد‭ ‬أراد‭ ‬الضباط‭ ‬المصريون‭ ‬الشباب،‭ ‬وبعدهم‭ ‬العراقيون‭ ‬والسوريون،‭ ‬أن‭ ‬يجعلوا‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قضية‭ ‬دولة‭ ‬وجيشا‭ ‬رسميا‭. ‬وقد‭ ‬سقطوا‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬العدو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يكرس‭ ‬كل‭ ‬جهوده‭ ‬لطرح‭ ‬المشكل‭ ‬كنزاع‭ ‬بين‭ ‬بلدان‭ ‬متجاورة،‭ ‬ولطمس‭ ‬حتى‭ ‬وجود‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

وبذلك‭ ‬كان‭ ‬منظور‭ ‬الطغمات‭ ‬العسكرية‭ ‬هذا‭ ‬يدفعها‭ ‬إلى‭ ‬القبول‭ ‬بحركة‭ ‬فلسطينية‭ ‬وتشجيعها‭ ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬تخضع‭ ‬لوصايتها،‭ ‬وأن‭ ‬تحتفظ‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ (‬أي‭ ‬الطغمات‭ ‬العسكرية‭ ‬بالمبادرة‭ ‬واختيار‭ ‬التوقيت‭ ( ‬توقيت‭ ‬المعركة‭ ‬مع‭ ‬العدو‭). ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬رهينا‭ ‬طبعا‭ ‬باقامة‭ ‬جيوش‭ ‬مدربة‭ ‬الخ‭ …‬

‭ ‬‭- ‬الظاهرة‭ ‬الثانية‭ :‬

هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬حاليا‭ ‬من‭ ‬أهميتها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬تمثل‭ ‬تیارا‭ ‬قويا‭ ‬وجد‭ ‬نشيط‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬1948‭ ‬و‭ ‬1960،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬يطرح‭ ‬المشكل‭ ‬بصيغة‭ ‬دينية‭ ‬وكواجب‭ ‬ديني‭ ‬يقتضي‭ ‬معركة‭ ‬مستمرة‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬التنظيم‭ ‬وميؤوسا‭ ‬منها‭. ‬والمبادرات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتخذها‭ ‬أدت‭ ‬به‭ ‬تدريجيا‭ ‬إلى‭ ‬التصرف‭ ‬كعدو‭ ‬للحكومات‭ ‬الحديثة‭ ‬العهد‭ ‬بالسلطة‭ ‬وإلى‭ ‬إهمال‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬للقيام‭ ‬بأعمال‭ ‬العنف‭ ‬ضدها‭ (‬أي‭ ‬الحكومات‭)‬،‭ ‬والامبريالية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتتبع‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬بكل‭ ‬اهتمام،‭ ‬لم‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬التدخل‭ ‬لتشجيع‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬وبث‭ “‬مساعديها‭ ‬التقنيين‭” ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬قادة‭ ‬الحركة‭ (‬الاخوان‭ ‬المسلمين‭)‬،‭ ‬الذين‭ ‬أصبحوا‭ ‬عملاء‭ ‬وأعينا‭ ‬للامبريالية‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬الى‭ ‬اندونيسيا‭.‬

‭- ‬الظاهرة‭ ‬الثالثة‭:‬

‭ ‬ظاهرة‭ “‬حزب‭ ‬البعث‭ ‬الاشتراكي‭”‬،‭ ‬وقد‭ ‬حاول‭ ‬مؤسسه‭ ‬ميشيل‭ ‬عفلق‭ ‬طرح‭ ‬المشكل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬معركة‭ ‬شاملة‭ ‬إيديولوجية‭ ‬وسياسية،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬سيؤدي‭ ‬تحوله‭ ‬الاشتراكي‭ ‬إلى‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬الاقطاع‭ ‬والصهيونية‭ ‬والاستعمار‭ .‬

غير‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الاشتراكية‭ ‬البعثية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الاستشهادات‭ ‬بالأمجاد‭ ‬السابقة‭ ‬والرافضة‭ ‬مسبقا‭ ‬لحقائق‭ ‬الاشتراكية‭ ‬العلمية،‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تتنظم‭ ‬حتميا‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬طوائف‭ ‬الكاربوناري‭ (‬17‭) ‬والخلايا،‭ ‬وأن‭ ‬تعمل‭ ‬وسط‭ ‬فئات‭ ‬اجتماعية‭ ‬محدودة‭ ‬وخاصة‭ ‬الانتلجنسيا‭ ‬والضباط‭ ‬العسكربون‭.‬

ولكن‭ ‬حزب‭ ‬البعث‭ ‬وضع‭ ‬نفسه‭ ‬كحركة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬مجموع‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬بمؤسسيه‭ ‬السوريين‭ ‬الى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬فروع‭ ‬بعثية‭ ‬في‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التيارات‭ ‬الثلاثة‭ ‬يعارض‭ ‬التيارين‭ ‬الآخرين،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الشيوعيون‭ ‬العرب‭ ‬يكتفون‭ ‬من‭ ‬جانبهم‭ ‬بالتنديد‭ ‬بالبورجوازية‭ ‬الصغيرة‭ ‬الانتهازية‭ ‬اليمينية‭ ‬منها‭ ‬واليسارية‭. ‬باستثناء‭ ‬العراق‭ ‬المجاور‭ ‬للاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬فيه‭ ‬الشيوعيون‭ ‬يشكلون‭ ‬ظاهرة‭ ‬ثانوية،‭ ‬لأن‭ ‬أمميتهم‭ ‬البروليتارية‭ ‬منذ‭ ‬1948،‭ ‬ظلت‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬تبرير‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬السوفياتيتين‭.‬

ولكن‭ ‬رغم‭ ‬البوليميك‭ ‬والصراعات‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬فان‭ ‬تلك‭ ‬التيارات‭ ‬الثلاثة‭ ‬كانت‭ ‬تكافح‭ ‬الاقطاع‭ ‬وكان‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬نصيبه‭ ‬في‭ ‬تصفية‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاقطاعية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬يقظة‭ ‬وتضامن‭ ‬الحكومات‭ ‬الاقطاعية‭ ‬التي‭ ‬بقيت‭ ‬متواجدة‭ ‬وكذا‭ ‬تحالفها‭ ‬مع‭ ‬الامبريالية‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬اهتمامنا‭ ‬سوى‭ ‬على‭ ‬المظاهر‭ ‬الخارجية‭ ‬وعلى‭ ‬البوليميك‭ ‬والانقسامات‭. ‬ولقد‭ ‬تم‭ ‬عرض‭ ‬تلك‭ ‬الانقسامات‭ ‬دائما،‭ ‬وأبدا‭ ‬وكأنها‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬العقلية‭ ‬العربية‭ ‬وكأن‭ ‬اقطاعيا‭ ‬عميلا‭ ‬للامبريالية‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يتوحد‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬تحررية‭. ‬والأطر‭ ‬الشمال‭ – ‬افریقيون‭ ‬وهم‭ ‬يركزون‭ ‬على‭ ‬المظاهر‭ ‬الخارجية،‭ ‬فقد‭ ‬تعودوا‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬برمته‭ ‬وعلى‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬والحكوماته‭ ‬وعلى‭ ‬إقناع‭ ‬وتهنئة‭ ‬أنفسهم‭ ‬بكونهم‭ ‬‮«‬‭ ‬متفوقين‭ ‬و‭ ‬مختلفين‮»‬‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬العقلية‭ ‬عن‭ ‬عرب‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬العاجزين‭ ‬عن‭ ‬العقلانية‭ ‬والديكارتية،‭ ‬وفي‭ ‬الواقع‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬أولئك‭ ‬العرب‭ ‬اليسار‭ ‬الفرسي‭ ‬والثقافة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الجديدة‭ ‬الموحدين‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬التضامن‭ ‬الفعال‭ ‬مع‭ ‬الصهيونية‭ ‬يؤثران‭ ‬عليهم،‭ ‬فموضوعية‭ ‬أولئك‭ ‬العرب‭ ‬هي‭ ‬أنهم‭ ‬عايشوا‭ ‬المشكل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مباشرة،‭ ‬ولم‭ ‬يتجردوا‭ ‬قط‭ ‬من‭ ‬ذاتيته‭ ‬الوطنية،‭ ‬التي‭ ‬بدونها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بوسعهم‭ ‬التفكير‭ ‬كوطنيين‭ .‬

وكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬1967‭ ‬كي‭ ‬تتم‭ ‬إعادة‭ ‬النظر،‭ ‬وهي‭ ‬إعادة‭ ‬نظر‭ ‬جزئية‭ ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬سابقا،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنا‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬نظرا‭ ‬لأشكال‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬ولعمل‭ ‬الإثارة‭ ‬الدائم‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الصهيونية‭ ‬سواء‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬بواسطة‭ ‬اليسار‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وأخيرا‭ ‬لواقع‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أطرنا‭ ‬يهتمون‭ ‬إلا‭ ‬بمظاهره‭ ‬الخارجية‭ ‬والسلبية‭. ‬

وقد‭ ‬أثار‭ ‬اندلاع‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتطورها‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الأفكار‭ ‬الملقنة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الخلط‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬قائما‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أساسي‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬عواقب‭ ‬وخيمة،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مجرد‭ ‬تضامن‭ ‬فكري‭ ‬وعاطفي‭ ‬بل‭ ‬معركة‭ ‬دموية‭ ‬ويومية‭ ‬

ااا‭ – ‬عناصر‭ ‬الخلط‭ ‬الجديد‭ ‬ونتائجها‭ ‬العملية‭ ‬الحالية

‭ ‬لقد‭ ‬ألححنا‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬العناصر‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬والثقافية‭ ‬الدائمة‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬طريقة‭ ‬التفكير‭ ‬لدى‭ ‬أطرنا،‭ ‬وتبين‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستفيد‭ ‬منها‭ ‬الصهيونية‭ ‬لحد‭ ‬الان‭. ‬وقد‭ ‬عملنا‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬على‭ ‬توضيح‭ ‬المفاهيم‭ ‬التي‭ ‬تروجها‭ ‬الصهيونية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اليسار‭ ‬الفرنسي‭ ‬قبل‭ ‬1967،‭ ‬وكذا‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬أطر‭ ‬شمال‭ ‬افريقيا‭ ‬لا‭ ‬يستوعبون‭ ‬إلا‭ ‬المظاهر‭ ‬الخارجية‭ ‬والسلبية‭ ‬للظاهرة‭ ‬العميقة‭ ‬والتحررية‭ ‬التي‭ ‬هزت‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬منذ‭ ‬هزيمة‭ ‬1947‭ ‬‭- ‬1948‭.‬

والآن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نحلل‭ ‬النتائح‭ ‬الآنية‭ ‬والملموسة‭ ‬لهذا‭ ‬التكييف‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬المستمر‭ ‬منذ‭ ‬20‭ ‬سنة،‭ ‬ونتساءل‭ : ‬لماذا‭ ‬بقيت‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬أطرنا‭ ‬ذوي‭ ‬الثقافة‭ ‬الفرنسية‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬المعركة‭ ‬ضد‭ ‬الصهيونية‭ ‬واسرائيل،‭ ‬وهي‭ ‬تغذي‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬مناقشات‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها‭ ‬حول‭ ‬أـخطاء‭ ‬الماضي‭ ‬القريب‭ ‬أو‭ ‬البعيد،‭ ‬وحول‭ ‬التكتيك‭ ‬وموازين‭ ‬القوى‭ ‬و‭ ‬‮«‬‭ ‬الحل‭ ‬‮»‬‭ ‬وحظوظ‭ ‬الحل،‭ … ‬الخ‭.‬

أ‭ –  ‬أولا‭: ‬المبدأ‭ ‬المحرك‭ ‬للتحرر‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬الحل‭ ‬ووسائل‭ ‬هذا‭ ‬الحل‭ ‬

سبق‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬حرب‭ ‬1967،‭ ‬ثم‭ ‬التطور‭ ‬السريع‭ (‬والمدهش‭) ‬للمقاربة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قد‭ ‬اثار‭ ‬إعادة‭ ‬النظر،‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬تلك‭ ‬لم‭ ‬تصب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أساسي‭. ‬ويتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬بنفس‭ ‬التطور‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الدولي‭ ‬والغربي،‭ ‬وقد‭ ‬عجل‭ ‬بهذا‭ ‬التطور‭ ‬السلوك‭ ‬المتعجرف‭ ‬لإسرائيل‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وللصهاينة‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬وما‭ ‬نسميه‭ ‬بالأساسي‭ ‬هو‭ ‬الخلط‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬قائما‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‭ ‬نفسه‭ ‬لما‭ ‬يسمی‭ ‬وبدون‭ ‬تمييز‭ ‬بالمشكل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أو‭ ‬أزمة‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬أو‭ ‬الصراع‭ ‬الإسرائيلي‭ – ‬العربي،‭ ‬وطالما‭ ‬بقي‭ ‬هذا‭ ‬الخلط‭ ‬قائما‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬الفرد‭ ‬العربي،‭ ‬فلن‭ ‬يكون‭ ‬سلوكه‭ ‬إلا‭ ‬مضرا‭ ‬للثورة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يدركه‭ ‬جيدا‭ ‬الصهاينة‭ ‬والإقطاع‭ ‬العربي،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬جهودهما‭ ‬المتضافرة‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ “‬أزمة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭” ‬كنزاع‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬متجاورة‭.‬

وحتى‭ ‬نعطي‭ ‬فكرة‭ ‬ملموسة‭ ‬عن‭ ‬النتائج‭ ‬الآتية‭ ‬والبعيدة‭ ‬لهذا‭ ‬الخلط‭ ‬الذي‭ ‬تتم‭ ‬تغذيته‭ ‬بعناية،‭ ‬لننطلق‭ ‬من‭ ‬المثال‭ ‬الفيتنامي،‭ ‬فكل‭ ‬الذين‭ ‬يساندون‭ ‬أو‭ ‬يدعون‭ ‬مساندة‭ ‬الشعب‭ ‬الفيتنامي‭ ‬في‭ ‬كفاحه‭ ‬لم‭ ‬يسمحوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬قط‭ ‬بمناقشة‭ ‬‮«‬‭ ‬واقعية‭ ‬‮»‬‭ ‬ذلك‭ ‬الشعب‭ ‬أو‭ ‬أحقية‭ ‬قراراته‭ ‬وأعماله‭. ‬فالكل‭ ‬يكتفي‭ ‬بالإعجاب‭ ‬أمام‭ ‬قرارات‭ ‬وتضحيات‭ ‬بطل‭ ‬الشعوب‭ ‬وبالملاحظة‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحفزها‭ ‬هو‭ ‬التشبث‭ ‬بالمبدأ‭ ‬الأساسي‭ : ‬الفيتنام‭ ‬ملك‭ ‬للفيتناميين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬ولو‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬إبادتهم‭ ‬جميعا‭.‬

والمبدأ‭ ‬يتضمن‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ “‬الحل‭” ‬والرسائل‭ ‬والتضحيات‭ ‬التي‭ ‬يقتضيها‭ ‬ذلك‭ ‬الحل،‭ ‬فالمناقشة‭ ‬تصب‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الحلول‮»‬‭ ‬العملية‭ ‬والتاكتيكية‭ ‬التي‭ ‬يتطلبها‭ ‬تنظيم‭ ‬وتصاعد‭ ‬الكفاح‭ ‬ضد‭ ‬المعتدي،‭ ‬وهي‭ ‬حلول‭ ‬مستلهمة‭ ‬من‭ ‬التجربة‭ ‬المكتسبة‭ ‬نتيجة‭ ‬لمعرفة‭ ‬دقيقة‭ ‬لوسائل‭ ‬العدو‭ ‬وأساليبه،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬عدالة‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬إرادة‭ ‬النصر‭ ‬وتعززها‭.‬

‭ ‬فالمبدأ‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬‮«‬الحل‮»‬‭ ‬ورسائل‭ ‬بلوغه‭. ‬وحينما‭ ‬يبلغ‭ ‬الكفاح‭ ‬مستوى‭ ‬معينا‭ ‬من‭ ‬التطور،‭ ‬فإن‭ ‬صفوف‭ ‬المعتدي‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتولد‭ ‬فيها‭ ‬وتتكاثر‭ ‬المناقشات‭ ‬حول‭ ‬‮«‬‭ ‬الحل‭ ‬‮»‬‭ ‬وحول‭ ‬طريقة‭ ‬الاعتراف‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬المكافح،‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬ماء‭ ‬الوجه،‭ ‬وآنداك‭ ‬تتعمق‭ ‬النزاعات‭ ‬الداخلية‭ ‬وسط‭ ‬الغزاة‭ ‬وتبرز‭ ‬الخطوط‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ “‬الحمائم‭ ‬و‭ ‬الصقور‭”‬،‭ ‬وبین‭ “‬ضمیر‭ ‬فرنسي،‭ ‬ووجود‭ ‬فرنسي‭” ‬وبين‭ “‬ضمير‭ ‬صهيوني‭ ‬ووجود‭ ‬صهیوني‭” ‬غير‭ ‬أن‭ “‬الحمائم‭”‬هي‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬المعتدي،‭ ‬وتفكر‭ ‬في‭ ‬مصالحه‭ ‬العليا‭ ‬والبعيدة‭ ‬الأمد‭ ‬،‭ ‬وذلك‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬للحركة‭ ‬التقدمية‭ ‬المزعوم‭ ‬أنها‭ ‬مناهضة‭ ‬للصهيونية،‭ ‬والتي‭ ‬يمثلها‭ ‬رودنسون‭ ‬والآخرون‭ ‬،‭ ‬فدورهم‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬ينقلوا‭ ‬نقاشا‭ ‬داخليا‭ ‬من‭ ‬صفوف‭ ‬المعتدي‭ ‬إلى‭ ‬صفوف‭ ‬الضحية‭ ‬أي‭ ‬الى‭ ‬الصفوف‭ ‬العربية‭ ‬وإنهم‭ ‬يتفوقون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬جيدا‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬أسميناه‭ ‬بعكس‭ ‬المشكل،‭ ‬وهو‭ ‬وضع‭ ‬مشكل‭ “‬الحل‭” ‬ليس‭ ‬على‭ ‬اللص‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬ضحيته،‭ ‬فالشعب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬رودنسون‭ ‬ولا‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬‭ ‬عناصر‮»‬‭ ‬لا‭ ‬ينخدع‭ ‬لذلك‭ ‬ويسجل‭ ‬نفسه‭ ‬بالآلاف‭ (‬14‭ ‬الف‭ ‬مغربي‭) ‬للتطوع‭ ‬للكفاح،‭ ‬وكذلك‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لذلك‭ ‬الطبيب‭ ‬المصري‭ : ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬عمره‭ ‬27‭ ‬سنة‭ ‬والذي‭ ‬سقط‭ ‬شهيدا‭ ‬في‭ ‬ضواحي‭ ‬حيفا،‭ ‬أو‭ ‬ذلك‭ ‬الأمير‭ ‬الكويتي‭ ‬الذي‭ ‬بلغ‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الاقتناع‭ ‬أدى‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬ترك‭ ‬أطفاله،‭ ‬وثرواته‭ ‬وحريمه،‭ ‬ليتلقى‭ ‬تدريبا‭ ‬عسكريا،‭ ‬ويتسلل‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭ ‬ويؤدي‭ ‬القسم‭ ‬أنه‭ ‬سیموت‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬وهو‭ ‬حامل‭ ‬لجواز‭ ‬سفر‭ ‬فلسطيني‭. ‬

إنها‭ ‬قضية‭ ‬اقتناع‭ ‬أولا‭ : ‬فلسطين‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬والمبدأ‭ ‬المحرك‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬‮«‬الحل‮»‬‭ ‬ورسائل‭ ‬بلوغه‭. ‬قضية‭ ‬تشبت‭ ‬بالمبدأ،‭ ‬وذاتية‭ ‬وطنية،‭ ‬وحقد‭ ‬تجاه‭ ‬الغازي‭ ‬وجريمته‭. ‬ودون‭ ‬ذلك‭ ‬يبقى‭ ‬المنطق‭ ‬والتحليلات‭ ‬التاكتيكية‭ ‬مجرد‭ ‬وسيلة‭ ‬لتغذية‭ ‬خطب‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬الغزاة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الضحية‭. ‬وتوجد‭ ‬تلك‭ ‬الخطب‭ ‬وسط‭ ‬الأطر‭ ‬المغاربة‭ ‬الذين‭ ‬يلزمون‭ ‬موقف‭ ‬المتفرج‭ ‬ولكنه‭ ‬متفرج‭ ‬مترقب‭ ‬وقلق‭ ‬لأنه‭ ‬واع‭ ‬بأنه‭ ‬عربي‭ ‬وأصبح‭ ‬خجولا‭ ‬أقل‭ ‬فأقل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عربيا‭.‬

‭”‬نحن‭ ‬عرب،‭ ‬نحن‭ ‬عرب،‭ ‬نحن‭ ‬عرب‭”‬،‭ ‬لسنا‭ ‬نحن‭ ‬الذين‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ننافس‭ ‬أو‭ ‬نضع‭ ‬علی‭ ‬أنفسنا‭ ‬المشكل‭ ‬المطروح‭ ‬على‭ ‬الصهيونية‭ ‬حول‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬وجود‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬نناقش‭ “‬حل‭” ‬المشكل‭ ‬المطروح‭ ‬على‭ ‬الغزاة،‭ ‬ومطالبة‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بتحديد‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ “‬الحل‭”‬،‭ ‬ففلسطين‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬لتحرير‭ ‬بلاد‭ ‬مستعمرة‭ ‬من‭ ‬نتائج،‭ ‬ويبقي‭ ‬على‭ ‬المستعمر‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬هل‭ ‬سيبقى‭ ‬أو‭ ‬يغادر،‭ ‬وأن‭ ‬يحدد‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬مستعد‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬الجديد‭ ‬وما‭ ‬يقتضيه‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭. ‬لماذا‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬المعمر‭ ‬اليهودي،‭ ‬المقيم‭ ‬بفلسطين‭ ‬مغايرا‭ ‬للمعمرين‭ ‬الذين‭ ‬استوطنوا‭ ‬قبل‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬وغيرها‭ ‬؟‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعی‭ ‬أن‭ ‬تحاول‭ ‬الأوساط‭ ‬الليبيرالية‭ ‬بأوربا‭ ‬الغربية،‭ ‬ورجال‭ ‬أمثال‭ ‬جان‭ ‬بول‭ ‬سارتر‭ ‬إدخال‭ ‬بعض‭ ‬المتغيرات‭ ‬بحجة‭ ‬الواقعية‭ ‬واختلاف‭ ‬‮«‬السياق‭ ‬‮»‬‭.‬

ولقد‭ ‬بدأنا‭ ‬بالتعرض‭ ‬للأسباب‭ ‬الفكرية‭ ‬والتاريخية‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬هؤلاء‭ ‬جميعا‭ ‬يرفضون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تناقض‭ ‬بين‭ ‬مساندة‭ ‬هوشي‭ ‬مينه‭ (‬18‭) ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬مساندة‭ ‬موشي‭ ‬ديان‭ ‬اللذين‭ ‬يشخصان‭ ‬على‭ ‬التوالي‭ ‬التحرير‭ ‬والاحتلال‭ ‬الاستعماري‭. ‬وعندما‭ ‬وضعت‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وعلى‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬المشكل‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وحينما‭ ‬برز‭ ‬ذلك‭ ‬التناقض‭ ‬ومغزاه‭ ‬الحقيقي‭ ‬بشكل‭ ‬مفضوح،‭ ‬بدأت‭ ‬تلك‭ ‬الأوساط‭ ‬اللبيرالية‭ ‬وأولئك‭ ‬الرجال‭ ‬يلعبون‭ ‬على‭ ‬الكلمات‭ ‬ويتحدثون‭ ‬عن‭ ‬المشكل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬كجزء‭ ‬وكنعنصر‭ ‬ملحق‭ ‬بأزمة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬و‭ ‬‮«‬‭ ‬النزاع‭ ‬الإسرائيلي‭ – ‬العربي‮»‬‭ .‬

وقد‭ ‬تمكنوا‭ ‬بفضل‭ ‬تأثيرهم‭ ‬الفكري‭ ‬من‭ ‬بث‭ ‬مناقشات‭ ‬لانهاية‭ ‬لها‭ ‬حول‭ “‬الحل‭” ‬في‭ ‬وسط‭ ‬أطرنا،‭ ‬ويقولون‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬ببساطة‭ ‬الفيتنام‭ (‬19‭) ‬ففلسطين‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬الفيتنام،‭ ‬و‮«‬‭ ‬العرب‭ ‬‮»‬‭ ‬ليسوا‭ ‬هم‭ ‬الفيتناميون‭ ‬وليست‭ ‬لهم‭ ‬تجربتهم‭ ‬ولا‭ ‬أدغالهم‭ … ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ .. ‬فالأولاد‭ ‬الأمريكيون‮»‬‭ ‬لا‭ ‬ينتظرون‭ ‬إلا‭ ‬يوم‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬ديارهم‭ ‬وليسوا‭ ‬كيهود‭ ‬فلسطين‭ ‬الذين‭ “‬ظهرهم‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭” . ‬وأخيرا‭ ‬الفيتناميون‭ ‬لا‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬التدخلات‭ ‬والانقسامات‭ ‬بين‭ ‬حكومات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يتم‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬‭ ‬الحل‭ ‬‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاكل‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ .. ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬عنصرا‭ ‬جديدا‭ ‬‮»‬‭ ‬برز‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬1967‭ ‬وغير‭ ‬المعطيات‭ ‬ومنع‭ ‬حسين‭ ‬من‭ ‬التفاوض‭… ‬فتولدت‭ ‬الحلقات‭ ‬المفرغة‭ ‬وتجسمت،‭ ‬أمام‭ ‬اليأس‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬أية‭ ‬نتيجة‭ ‬ويتم‭ ‬الرجوع‭ ‬وبلا‭ ‬وعي‭ ‬إلى‭ ‬المقاييس‭ ‬التي‭ ‬شكلتها‭ ‬عشرون‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬التكييف‭ ‬الفكري،‭ ‬ولإرضاء‭ ‬الضمير‭ ‬يتم‭ ‬الانزواء‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬المتفرج‭ ‬المترقب‭ ‬والقلق‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭. ‬لهذا‭ ‬ألححنا‭ ‬على‭ ‬كون‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬التي‭ ‬أثارتها‭ ‬67،‭ ‬وعجل‭ ‬بها‭ ‬تصاعد‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬جزئية‭ ‬ولا‭ ‬تنصب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أساسي،‭ ‬وطالما‭ ‬أن‭ ‬المبدأ‭ ‬المحرك‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬مسلمات‭ ‬الانطلاق،‭ ‬وطالما‭ ‬يتم‭ ‬البحث‭ ‬ومناقشة‭ ‬حلول‭ ‬غير‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬ذلك‭ ‬المبدأ‭ ‬نفسه،‭ ‬سنبقى‭ ‬عربا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تقدميي‭ ‬أوربا‭ ‬وتقدميين‭ ‬أوربيين‭ ‬مبثوثين‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬العربية‭ ‬لتغدية‭ ‬النقاش‭ ‬الدائر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬أن‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الغزاة،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬إلا‭ ‬بالجانب‭ ‬الفكري‭ ‬للمشكل‭.‬

ب‭ – ‬نتائج‭ ‬عملية‭ ‬

‭ ‬لنؤكد‭ ‬أولا‭ ‬أن‭ ‬الالتزام‭ ‬الفكري‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬معنى‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يترجم‭ ‬بحد‭ ‬أنني‭ ‬من‭ ‬المساهمة‭ ‬على‭ ‬جبهة‭ ‬الدعاية‭ ‬وتجميع‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬وفي‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬ضروريا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬والرامي‭ ‬إلى‭ ‬رصد‭ ‬المصالح‭ ‬والأنشطة‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬وفضحها‭ ‬ومحاربتها‭. ‬ويطرح‭ ‬ذلك‭ ‬وبصفة‭ ‬أتوماتيكية‭ “‬مشاكل‭ ‬حساسة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالسياسة‭ ‬الداخلية‭” !‬

‭ ‬ولنؤكد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬درجة‭ ‬الالتزام‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مرتبطة‭ ‬مباشرة‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬درجة‭ ‬الالتزام‭ ‬الفكري‭ ‬والعملي‭ ‬داخل‭ ‬حركة‭ ‬التحرر‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ (‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بمصالح‭ ‬تخشى‭ ‬الهيمنة‭ ‬الصهيونية‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭).‬

هذا،‭ ‬ويبقى‭ ‬أن‭ ‬التشبت‭ ‬بالمبدأ‭ ‬المحرك‭ ‬لكل‭ ‬عمل‭ ‬وطني‭ ‬تحرري‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬الحل‭ ‬ووسائل‭ ‬التحرير‭ ‬يقتضي‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بفلسطين‭ ‬نظرة‭ ‬شمولية‭ ‬واتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬شمولی‭ ‬تجاه‭ ‬الاقطاع‭ ‬العربي‭ ‬التابع‭ ‬للامبريالية‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬موقفه‭ ‬السلبي‭ ‬المتواطىء‭ ‬السبب‭ ‬الحاسم‭ ‬لإنشاء‭ ‬إسرائيل‭. ‬وكون‭ ‬حسین‭ (‬20‭) ‬يحاول‭ ‬خلال‭ ‬القمة‭ ‬الإسلامية‭ (‬21‭)‬،‭ ‬تجنب‭ ‬ذكر‭ ‬وتأييد‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أو‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬مندوب‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يتحدث‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬المقاعد‭ ‬المخصصة‭ ‬للأردن،‭ ‬فذلك‭ ‬معناه‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬معسكرین،‭ ‬بین‭ ‬منظورين،‭ ‬بين‭ ‬مجموعتي‭ ‬مصالح‭ ‬متناقضتين‭ ‬أي‭ ‬اختيار‭ ‬معسكر‭ ‬كل‭ ‬الإقطاعيين‭ ‬والرجعيين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الذين‭ ‬جعلوا‭ ‬من‭ ‬حسين‭ ‬بطلا،‭ ‬غداة‭ ‬1967،‭ ‬وأظهروا‭ ‬كل‭ ‬حقدهم‭ ‬تجاه‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬وعملوا‭ ‬جاهدين‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬‮«‬أزمة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬،‭ ‬كأنها‭ ‬نزاع‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬متجاورة‭. ‬وجهود‭ ‬أسرائيل‭ ‬كلها‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬تغذية‭ ‬هذا‭ ‬الانطباع‭ ‬وهذا‭ ‬الخلط‭ ‬نفسه‭ ‬بتكثيف‭ ‬العمليات‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬والمطالبة‭ ‬بمبدأ‭ ‬التفاوض،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬‭:‬

‭ – ‬بتجنب‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬وجود‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتقديم‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كظاهرة‭ ‬ثانوية‭ ‬تابعة‭ ‬وكعمل‭ ‬تكميلي‭ ‬لحرب‭ ‬المواقع‭ ‬او‭ ‬الاستنزاف‭ ‬التي‭ ‬تخوضها‭ ‬الجيوش‭ ‬العربيه‭ ‬الرسمية‭ (‬22‭)..‬

‭- ‬بتبرير‭ ‬الادعاءات‭ ‬الاسرائيلية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالمرتفعات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والحدود‭ ‬الآمنة‭ ‬والمضمونة‭ (‬23‭) ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬مطالبة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المجاورة‭ ‬بأن‭ ‬تلعب‭ ‬دور‭ ‬شرطة‭ ‬الصهيونية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ (‬24‭)‬،‭ ‬وبدون‭ ‬تلبية‭ ‬هذه‭ ‬المطالب‭ ‬فلا‭ ‬حاجة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬اعتراف‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.‬

‭- ‬بتكثيف‭ ‬العمليات‭ ‬الخاطفة‭ ‬على‭ ‬خطوط‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬طمس‭ ‬الكفاح‭ ‬التحرري‭ ‬الذي‭ ‬يخوضه‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وتطغى‭ ‬عليه‭ “‬الاعتداءات‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭”.‬

ولا‭ ‬زالت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ذات‭ ‬الحكومات‭ ‬الإقطاعية‭ ‬تلعب‭ ‬اللعبة‭ ‬وتحصر‭ ‬‮«‬‭ ‬طموحاتها‭ ‬‮»‬‭ ‬في‭ ‬تصفية‭ ‬آثار‭ ‬العدوان‮»‬‭ (‬25‭)‬،‭ ‬رغم‭ ‬استمرار‭ ‬العدوان‭ ‬نفسه،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬توصف‭ ‬بالاعتدال‭ ‬والواقعية‭.‬

وإذا‭ ‬أضيف‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬إلى‭ ‬الاعتبارات‭ ‬السياسية‭ ‬الدولية‭ ‬والتشاور‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمی‭ ‬واستراتيجية‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬المعروفة‭ ‬جيدا،‭ ‬فإنه‭ ‬سيعزز‭ ‬الوقائع‭ ‬التي‭ ‬تصبغ‭ ‬على‭ ‬الاشتباكات‭ (‬العربية‭ ‬والاسرائيلية‭) ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬النزاع‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬مجاورة‭. ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬لها‭ ‬وجود‭ ‬وأنها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المجاورة‭ ‬ولا‭ ‬زالت‭ ‬تتلقى‭ ‬من‭ ‬الإمبريالية‭ ‬والشبكة‭ ‬الصهيونية‭ ‬العالمية‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬السلاح‭ ‬والمال‭ ‬لمواجهة‭ ‬جيرانها‭. ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬اعتبار‭ ‬كون‭ ‬الوضعية‭ ‬الحالية‭ ‬تخالف‭ ‬جذريا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬18‭ ‬شهرا‭ (‬أي‭ ‬قبل‭ ‬يونيو‭ ‬1967‭) ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬اقتصرنا‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬وموازين‭ ‬القوى‭ ‬بين‭ ‬الدول‭.‬

فميزان‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬يتغير‭ ‬بسرعة‭ ‬كميا‭ ‬وكيفيا‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬أن‭ ‬جيش‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬وجود‭ ‬قبل‭ ‬عامين،‭ ‬قد‭ ‬نهج‭ ‬تدريجيا‭ ‬وبفعالية‭ ‬استراتيجية‭ ‬هجومية‭ (‬26‭).‬

‭ ‬غیر‭ ‬أنه‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بحرب‭ ‬مواقع‭ ‬أو‭ ‬حرب‭ ‬استنزاف،‭ ‬فإن‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬ليس‭ ‬قضية‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تدعيه‭ ‬لا‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬ولا‭ ‬سوريا‭ ‬ولا‭ ‬العراق‭ ‬ولا‭ ‬الجزائر‭ ‬ولا‭ ‬السودان‭ ‬ولا‭ ‬ليبيا،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬لا‭ ‬تزعم‭ ‬لا‭ ‬حكومات‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬ولا‭ ‬أية‭ ‬حركة‭ ‬تقدمية‭ ‬عربية‭ ‬بأن‭ ‬القضية‭ ‬قضية‭ ‬محو‭ ‬آثار‭ ‬العدوان‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬وترك‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يواجه‭ ‬مصيره‭ ‬بنفسه‭. ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تندد‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬بمن‭ ‬يزعم‭ ‬ذلك،‭ ‬وتتحدث‭ ‬عن‭ ‬تحرير‭ ‬الأماكن‭ ‬المقدسة،‭ ‬لتقول‭ ‬بالضبط‭ ‬نفس‭ ‬الشيء‭ ‬ولتقوم‭ ‬بنفس‭ ‬المناسبة‭ ‬بطمس‭ ‬طابع‭ ‬الكفاح‭ ‬المناهض‭ ‬للامبريالية‭.‬

‭ ‬فعلى‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬يحرر‭ ‬وطنه‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الأماكن‭ ‬المقدسة،‭ ‬والإقرار‭ ‬بذلك‭ ‬هو‭ ‬أولا‭ ‬الاعتراف‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بحق‭ ‬تحديد‭ ‬وسائل‭ ‬وأساليب‭ ‬تحريره،‭ ‬هذا‭ ‬طبعا‭ ‬مع‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬هو‭ ‬مشكل‭ ‬مطروح‭ ‬كواجب‭ ‬قومي‭ ‬ووطني‭. ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الاعتراف‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المطرود‭ ‬من‭ ‬أرضه‭ ‬بحقه‭ ‬واعتبار‭ ‬كل‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬العربية‭ ‬كقاعدة‭ ‬للإعداد‭ ‬والتنظيم‭ ‬المادي‭ ‬والعسكري‭ ‬للمعركة‭. ‬ويقتضي‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يطرح‭ ‬مشكل‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والمواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬المجاورة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬كالتالي‭ : ‬

‭- ‬الوجود‭ ‬نفسه‭ ‬لدولة‭ ‬اسرائيل‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬العدوان‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وهو‭ ‬العدوان‭ ‬الأصلي‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬النزاع‭ ‬الحالي‭ (‬كيفما‭ ‬كانت‭ ‬التسمية‭ ‬التي‭ ‬نسميه‭ ‬بها‭).‬

‭-  ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يشكل‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الإمبريالية‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لخلق‭ ‬وتأبيد‭ ‬وضع‭ ‬ملائم‭ ‬لاستغلال‭ ‬الخيرات‭ ‬البترولية‭.‬

‭-  ‬نتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬يقتضي‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬زوال‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أي‭ ‬الكفاح‭ ‬ضد‭ ‬الإمبريالية‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭.‬

فوضع‭ ‬المشكل‭ ‬بهذا‭ ‬المنظور‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬تطرفا‭ ‬أو‭ ‬اعتدالا‭ ‬أو‭ ‬واقعية‭ ‬أو‭ ‬مثالية‭. ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬الموضوعية‭ ‬الأولية‭ ‬التي‭ ‬تعاين‭ ‬وقانع‭ ‬لا‭ ‬جدال‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬يجادل‭ ‬فيها‭ ‬أحد،‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬بعض‭ ‬البديهيات‭ ‬ولكنها‭ ‬بديهيات‭ ‬غير‭ ‬كاذبة‭. ‬

ويجب‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬البديهات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالفكر‭ ‬الاستعماري‭ ‬الجديد،‭ ‬والنظر‭ ‬إلى‭ ‬الظواهر‭ ‬الداخلية‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬دون‭ ‬الوقوف‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الجوانب‭ ‬الخارجية‭ ‬والسلبية،‭ ‬ولقد‭ ‬ألححنا‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬لنبين‭ ‬أن‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين،‭ ‬والتحرير‭ ‬فحسب،‭ ‬يقتضي‭ ‬أولا‭ ‬تحرير‭ ‬الفكر‭ : ‬أي‭ ‬المراجعة‭ ‬الشاملة‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬للمفاهيم‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الإيديولرجية‭ ‬البورجوازية‭ ‬الوصفية،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬أن‭ ‬مسؤولية‭ ‬الأطر‭ ‬وسلبيتهم‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬الشمولي،‭ ‬الفكري‭ ‬والعملي‭ ‬إزاء‭ ‬حركة‭ ‬التحرر‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭.‬

الهوامش‭ :‬

‭ (‬1‭) ‬الفيلسوف‭ ‬والكاتب‭ ‬الفرنسي‭ ‬الوجودي‭ ‬المشهور‭ ‬والمعروف‭ ‬بميولاته‭ ‬اليسارية‭ ‬وبعدائه‭ ‬الفعال‭ ‬للاستعمار‭ ‬والامبريالية،‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ “‬تعاطفه‭” ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬تأكد‭ ‬بعد‭ ‬نكسة‭ ‬1967‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدد‭ ‬خاص‭ ‬لمجلة‭  “‬الأزمنة‭ ‬الحديثة‭” ‬التابعة‭ ‬لتيار‭ ‬جان‭ ‬بول‭ ‬سارتر‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬يشرف‭ ‬عليها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصهاينة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬كلود‭ ‬لازمان‭.‬

‭ (‬2‭) ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬الأسبق‭ ‬الذي‭ ‬قاد‭ ‬حملات‭ ‬الغزو‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬العربية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬1956‭ ‬أو‭ ‬1967،‭ ‬ساهم‭ ‬فعلا‭ ‬في‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفيتنامي‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬الطيارين‭ ‬والجنود‭ ‬الصهاينة‭ .‬

‭ (‬3‭) ‬الضابط‭ ‬الفرنسي‭ ‬ذو‭ ‬الأصل‭ ‬اليهودي‭ ‬الذي‭ ‬اتهم‭ ‬بالخيانة‭ ‬لأسباب‭ ‬عنصرية‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ . ‬فانقسم‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الفرنسي‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬القضية؛‭ ‬قسم‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬دریفوس‭ ‬وعلى‭ ‬رأسه‭ ‬الكاتب‭ ‬الروائي‭ ‬الشهير‭ ‬إميل‭ ‬زولا‭ ‬،‭ ‬والقسم‭ ‬الثاني‭ ‬يطالب‭ ‬بإدانته‭.‬

‭ (‬4‭) ‬ماكسيم‭ ‬رودنسون‭ : ‬المستشرق‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬يهودي‭ ‬معروف‭ ‬بتعاطفه‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬والفلسطينيين،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬بتعاطفه‭ ‬مع‭ “‬الشعب‭ ‬اليهودي‭” ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ومن‭ ‬دعاة‭ ‬حلول‭ ‬الإخاء‭ ‬والوئام‭ ‬بين‭ ‬اليهود‭ ‬والمسلمين‭ ‬والمسيحيين‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬دولة‭ ‬اسرائيل‭.‬

‭ (‬5‭) ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬للجزائر‭ ‬المستقلة‭ ‬أطيح‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬انقلاب‭ ‬19‭ ‬يونير‭ ‬1965‭ ‬بقيادة‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬هواري‭ ‬بومدين‭. ‬ومن‭ ‬الطريف‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬صيحة‭ ‬بن‭ ‬ہلا‭ ‬كانت‭ ‬باللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬تشبث‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬بهويته‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬حاول‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬محوها‭ ‬طيلة‭ ‬130‭ ‬سنة‭.‬

‭ (‬6‭) ‬حرب‭ ‬الأيام‭ ‬الستة‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬يوم‭ ‬5‭ ‬برنیر‭ ‬1967‭ ‬انهزمت‭ ‬فيها‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬المصرية‭ ‬والسورية‭ ‬والأردنية‭ ‬أمام‭ ‬القوات‭ ‬الصهيونية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬احتلال‭ ‬سيناء‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭ ‬والجولان‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬إسرائيل‭.‬

‭ (‬7‭) ‬اتفاق‭ ‬عمان‭ ‬لفبراير‭ ‬1985‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الوحيد‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬فقد‭ ‬سبقته‭ ‬عدة‭ ‬مشاريع‭ ‬‮«‬سلام‭ ‬‮»‬‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬مشروع‭ ‬روجرز‭ ‬الذي‭ ‬تلى‭ ‬نكسة‭ ‬1967‭ ‬بالاضافة‭ ‬إلى‭ ‬القرارات‭ ‬الأممية‭ ‬242‭ ‬و‭ ‬338‭ ‬وما‭ ‬شاكلها‭ . ‬

‭ (‬8‭) ‬نفس‭ ‬الشخص‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬عدة‭ ‬اجتماعات‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬مع‭ ‬القادة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لتلك‭ ‬اللقاءات‭ ‬أي‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬الموقف‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬بل‭ ‬بالعكس‭ ‬مواقف‭ ‬العرب‭ ‬إزاء‭ ‬العدو‭ ‬الصهيرني‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تغيرت‭. ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬ملاحظة‭ ‬الشهيد‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬في‭ ‬محلها‭ ‬حول‭ ‬افنيري‭ ‬وأمثاله،‭ ‬والأحداث‭ ‬بعد‭ ‬16‭ ‬سنة‭ ‬أكتت‭ ‬صحة‭ ‬تحليله‭.‬

‭ (‬9‭) ‬المهاجرين‭ ‬اليهود‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭.‬

‭ (‬10‭) ‬أحمد‭ ‬الشقيري‭ : ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬صرح‭ ‬لأجهزة‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬سنة‭ ‬1967،‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬سيلقون‭ ‬باليهود‭ ‬المتواجدين‭ ‬بفلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ . ‬وكان‭ ‬معروفا‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬بمزايداته‭ ‬الكلامية‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬يسقط‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الإعلام‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬الصهيونية‭ ‬تسيطر‭ ‬عليه‭ ‬سيطرة‭ ‬شبه‭ ‬مطلقة‭ ‬وتستغل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التصريحات‭ ‬لفائدة‭ ‬إسرائيل‭.‬

‭ (‬11‭) ‬من‭ ‬المستعمرات‭ ‬البرتغالية‭ ‬آنذاك‭ ‬والتي‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬استقلالها‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬بعد‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭.‬

‭ (‬12‭) ‬نالت‭ ‬استقلالها‭ ‬ايضأ‭ ‬سنة‭ ‬1975‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬ثورة‭ ‬القرنفل‭ ‬بالبرتغال‭.‬

‭ (‬13‭) ‬سبق‭ ‬للشهيد‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬أن‭ ‬حرر‭ ‬وثيقة‭ ‬حزبية‭ ‬وألقى‭ ‬عدة‭ ‬عروض‭ ‬حول‭ ‬مشاكل‭ “‬التخلف‭” ‬والهيمنة‭ ‬الامبريالية‭ ‬وسبل‭ ‬التحرر‭ ‬منها‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬جاء‭ ‬مفهوم‭ ‬الحلقات‭ ‬المفرغة‭ ‬‮»‬‭ ( ‬Cercles vicieux‭ ) ‬أو‭ ‬دوامة‭ ‬التخلف‭ ‬والتصوير‭ ‬الذي‭ ‬صور‭ ‬به‭ ‬الشهيد‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬بلاد‭ ‬المركز‭ ‬وبلاد‭ ‬الهامش‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬البناية‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬علوا‭ ‬كلما‭ ‬ازدادت‭ ‬المحجرة،‭ ( ‬منجم‭ ‬استخراج‭ ‬حجر‭ ‬البناء‭) ‬حفرا‭. ‬

‭ (‬14‭) ‬دانيل‭ ‬مايير‭ : ‬من‭ ‬اليسار‭ ‬الفرنسي‭ (‬الحزب‭ ‬الاشتراكي‭)‬،‭ ‬رئيس‭ ‬سابق‭ ‬للرابطة‭ ‬الفرنسية‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬معروف‭ ‬بدعمه‭ ‬وموالاته‭ ‬اللامشروطة‭ ‬لاسرائيل‭. ‬اشتهر‭ ‬بصيحته‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المهرجانات‭ ‬التضامنية‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بباريس‭ ‬أثناء‭ ‬حرب‭ ‬1967‭ ‬حينما‭ ‬صرح‭ ‬قائلا‭ : “‬إنني‭ ‬أخجل‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬فرنسيا‭ ‬لكنني‭ ‬لا‭ ‬أخجل‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬يهوديا‭!..” ‬

‭ (‬15‭) ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬حاليا،‭ ‬وكان‭ ‬الشهيد‭ ‬المهدي‭ ‬بن‭ ‬بركة‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬غني‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬تعريف،‭ ‬قائده‭ ‬الفذ‭ ‬وبدون‭ ‬منازع‭.‬

‭ (‬16‭) ‬سنة‭ ‬استيلاب‭ ‬فلسطين‭ ‬والاعلان‭ ‬عن‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭. ‬

‭ (‬17‭) ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬غاربالدي،‭ ‬زعيم‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الثورية‭ ‬الإيطالية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬

‭ (‬18‭) ‬هوشي‭ ‬منه‭ ‬مؤسس‭ ‬حزب‭ ‬العمل‭ ‬الفيتنامي،‭ ‬وكاتبه‭ ‬العالم،‭ ‬ورئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬فيتام‭ ‬الديمقراطية‭ (‬الشمال‭ ‬آنذلك‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬قاد‭ ‬مقاومة‭ ‬الشعب‭ ‬الفيتنامي‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الياباني‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬ثم‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي،‭ ‬ثم‭ ‬الاحتلال‭ ‬الامبريالي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬اذ‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬التحرريين‭ ‬الأسطوريين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الثالث،‭ ‬توفي‭ ‬في‭ ‬خريف‭ ‬1969‭. ‬

‭ (‬19‭) ‬العدوان‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬الفيتنام‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬ذروته‭ ‬سنة‭ ‬1969‭ (‬أي‭ ‬تاريخ‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬عرف‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الغربي‭ ‬موجة‭ ‬عارمة‭ ‬للتضامن‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفيتنامي‭ ‬وللتنديد‭ ‬بالاعتداءات‭ ‬الامبريالية‭ ‬الأمريكية‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬شمال‭ ‬أو‭ ‬جنوب‭ ‬الفيتنام‭. ‬وكانت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬الفيتنام‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬اهتمامات‭ ‬الحركات‭ ‬التحررية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬والأوساط‭ ‬اللبيرالية‭ ‬والبسارية‭ (‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬المقال‭) ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭.‬

‭ (‬20‭) – ‬العاهل‭ ‬الأردني‭.‬

‭ (‬21‭) – ‬أول‭ ‬مؤتمر‭ ‬قمة‭ ‬اسلامي‭ ‬انعقد‭ ‬بالمغرب‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬سنة‭ ‬1969‭.‬

‭ (‬22‭) – ‬على‭ ‬إثر‭ ‬هزيمة‭ ‬يونيو‭ ‬1967‭ ‬،‭ ‬استمرت‭ ‬مصر‭ ‬بقيادة‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬في‭ ‬المعركة،‭ ‬وقد‭ ‬عرفت‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الجيش‭ ‬والطيران‭ ‬المصريين‭ ‬على‭ ‬ضفة‭ ‬القناة‭ ‬وفي‭ ‬سيناء،‭ ‬بحرب‭ ‬الاستنزاف‭.‬

‭ (‬23‭) – ‬الحدود‭ ‬الآمنة‭ ‬والمضمونة‭ ‬دوليا‭ : ‬من‭ ‬الشعارات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لمواجهة‭ ‬الحق‭ ‬العربي‭ .‬

‭(‬24‭) – ‬منع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بعمليات‭ ‬فدائية‭ ‬ضد‭ ‬العدو‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬المجاورة‭ ‬لفلسطين‭ ‬المحتلة‭.‬

‭ (‬25‭) – ‬من‭ ‬الشعارات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مرفوعة‭ ‬بعد‭ ‬نكسة‭ ‬1967‭.‬

‭ (‬26‭) – ‬تمكنت‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬قواتها‭ ‬المسلحة‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬1967،‭ ‬بفضل‭ ‬المساعدات‭ ‬المكثفة‭ ‬للاتحاد‭ ‬ا‭ ‬السوفياتي‭ . ‬وبعدها‭ ‬دخلت‭ ‬فيما‭ ‬سمي‭ ‬بحرب‭ ‬الاستنزاف‭ ‬ضد‭ ‬العدو‭ ( ‬انظر‭ ‬الهامش‭ ‬22‭ ).‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى