الحوار الاجتماعي.. كيف يمكن إسماع من به صمم ؟!
◆ الكونفدرالية الديمقراطية للشغل - المكتب التنفيذي
إن الأزمات المتتالية التي يعرفها عالم اليوم والمتمثلة في:
- أزمة جائحة كورونا التي لا زالت مخلفاتها وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية ممتدة إلى غاية اليوم ولا شك أنها ستستمر.
- أزمة الحرب الدائرة بين روسيا والغرب على الأراضي الأوكرانية، والتي ستؤدي فاتورتها الشعوب وفي قلبها الطبقة العاملة، وخصوصا في الدول التي لم تستطع ضمان أمنها السياسي والاقتصادي والطاقي والغذائي. وما سينتج عنها من استقطابات وحروب قد تصل إلى مستوى الحرب الشاملة.
- أزمة التغيرات المناخية وما يصاحبها من كوارث طبيعية وتقلبات مناخية ربما ستؤثر على كل مناحي حياة الإنسان، وهي أزمة ناتجة عن إفراط النظام الرأسمالي المتوحش في استنزاف الطبيعة بهدف مراكمة الثروات.
إنها أزمات تضع مستقبل الإنسانية في نفق مظلم، لا أحد اليوم يستطيع التنبؤ بنتائجها على الإنسان وبيئته الطبيعية والاجتماعية، إنه عالم من اللايقين مفتوح على كل الاحتمالات. ونحن متأكدون من شيء واحد فقط هو أن الطبقة العاملة ستكون في قلب هذه الأحداث، ومطلوب منها، على إثر ذلك، أن تستفيد من الدروس وترفع من مستوى تعبئتها ووحدتها وتضامنها، إن هي أرادت أن تكون مؤثرة في صناعة مستقبل الإنسان ومستقبلها في عالم تسوده العدالة والمساواة والتضامن.
إن مغرب اليوم في قلب هذه التحولات، ولا شك أن تأثير هذه الأزمات سيكون كبيرا بحكم تبعيته اقتصاديا وسياسيا للدوائر الرأسمالية السياسية والمالية، وبحكم توجهاته الاستراتيجية المفروضة من المؤسسات المالية الدولية، والمتمثلة في رهن مستقبل البلد بالديون، تفكيك الوظيفة العمومية والتخلص من الخدمات الاجتماعية وسلعنتها وجعلها تحت رحمة قوانين السوق الحرة دون آليات للرقابة والمحاسبة، تفكيك منظومة قوانين الشغل، و غيرها من الإجراءات و السياسات اللاإجتماعية.
إنها توجهات نيوليبرالية، لا زالت الدولة مصرة عليها رغم ما أوصلت إليه البلاد من تفقير وبطالة وتوترات اجتماعية قد تجر البلاد نحو المجهول. وقد كشفت المعطيات الرسمية التي أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط أن حوالي 3 ملايين و200 ألف شخص إضافي تدهورت أوضاعهم المعيشية، تحت التأثير المزدوج للأزمة الصحية المرتبطة بفيروس كورونا، والتضخم الذي وصل مستويات غير مسبوقة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، و هو ما أثر بشكل كبير عاى القدرة الشرائية لفئات واسعة من الشعب المغربي.
وهو ما يحتم علينا جميعا تحمل مسؤوليتنا التاريخية إلى جانب القوى الديمقراطية الحليفة للطبقة العاملة في النضال من أجل الدولة الوطنية الديمقراطية، دولة الحق والقانون، دولة العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.
إن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، تخوض الصراع في هذا السياق، مصرة على الدفاع المستميت عن مصالح الطبقة العاملة وعموم المأجورين والكادحين، مسترشدة بمبادئ التأسيس، وبالقرارات المستقلة لأجهزتها النقابية، متسلحة بمنهج الربط الجدلي بين النضال الاجتماعي والنضال السياسي.
وآخر فصول هذا الصراع، هو معركة الحوار الاجتماعي التي عرفت جولات تفاوضية عسيرة، استطاعت من خلالها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فرض المطالب الأساسية للطبقة العاملة في اتفاق 30 أبريل 2022، كما استطاعت فرض المأسسة عبر وثيقة الميثاق الاجتماعي، وكذا إعادة تثبيت الالتزامات السابقة في هذا الاتفاق.
لقد تم تفعيل بعض الإجراءات المرتبطة بالقطاع الخاص وتم إصدار المراسيم والنصوص التنفيذية الخاصة بذلك، والتي تبقى غير كافية في ظل الوضع الاجتماعي الحالي، لكن لحد الساعة لم يتم تنزيل آليات المأسسة وحل النزاعات الاجتماعية في عدة مواقع.
وقد كان من المفروض أن تشكل جولة شتنبر من الحوار محطة لتنفيذ التزامات الحكومة المرتبطة بتحسين الدخل في القطاع العام كما هو مثبت في نص الاتفاق، من خلال الزيادة العامة في الأجور ومراجعة أشطر الضريبة على الدخل وإحداث الدرجة الجديدة. لكن الحكومة للأسف أبدت تعنتها وتنصلها من التزاماتها، عبر مشروع قانون المالية لسنة 2023 والذي أكد مرة أخرى إصرارها على التوجهات النيوليبرالية السالفة الذكر، بحجة أن الوضع الاقتصادي للبلد، ووضعية المالية العمومية لا تسمح بذلك، وهي حجة مردودة عليها لاعتبارين:
- الأول هو أن ارتفاع معدل التضخم، والارتفاع المهول في أسعار المواد والخدمات الأساسية يحتم على الحكومة اتخاذ إجراءات مستعجلة لحماية القدرة الشرائية للأجراء وعموم المواطنات والمواطنين، ومن بينها الزيادة العامة في أجور الموظفين.
- الثاني هو أن مجموعة من المؤشرات الاقتصادية عرفت تحسنا خلال هذه السنة (المداخيل الضريبية والجمركية، تحويلات العمال المهاجرين، عائدات المكتب الشريف للفوسفاط، مداخيل القطاع السياحي…) وهو ما يعني أن المالية العمومية ليست بالسوء الذي تقدمه الحكومة.
وبالتالي فمرد هذا التعنت إلى طبيعة الحكومة التي برهنت بما لا يدع مجالا للشك أنها المعبر السياسي عن الرأسمال، ولا يهمها من المجال الاجتماعي إلا ضبطه أمنيا، وهذا ما يعطي مشروعية أكبر لمطلب الفصل بين المال والسلطة كمطلب شعبي ما فتئ الشعب المغربي عبر قواه الحية ينادي به في كل مناسبة وفي كل حراك اجتماعي أو مجالي.
إن القادم أصعب، و الوحدة العمالية و التعبئة النضالية أصبحت ضرورة ملحة لمواجهة التضييق الممنهج على الحريات و الهجمة المتصاعدة على المكتسبات. و لعل ملف التقاعد أو ما يسمى بإصلاح أنظمة التقاعد سيشكل تمظهرا واضحا للتراجعات، حيث طلبت الحكومة السابقة خلال سنة 2018 من أحد مكاتب الدراسات القيام بدراسة حول طرق إصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب ، وقام المكتب بإخراج تلك الدراسة سنة 2019 .هذه الدراسة تقترح عدة توصيات للإصلاح كلها مجحفة في حق الشغيلة المغربية بالقطاعين العام و الخاص وتتلخص أهم هذه التوصيات في:
- تملص الدولة من المساهمة المالية في إصلاح أنظمة التقاعد.
- اعتماد إجراءات مقياسية كما في ما سمي سابقا بإصلاح سنة 2017 .
- ضرب المكتسبات بتخفيض قيمة المعاشات عوض الرفع منها .
- الرفع من سن الإحالة على التقاعد إلى 65 سنة في كل القطاعات.
- الزيادة في نسبة مساهمة الأجراء .
- توحيد نسبة المساهمة بالنسبة لكل الأجراء بكل القطاعات في 50% للأجير أو الموظف و 50% للمشغل أو الدولة .
- تخفيض النسبة السنوية Le Taux d’annuité من 2% إلى أقل في القطاع العام ، وبالتالي تخفيض قيمة المعاش .
- السعي إلى مراجعة وعاء احتساب المعاش .
- تجميد عملية تقييم المعاشات والتي ستؤثر سلبيا على القدرة الشرائية للمتقاعدين بالموازاة مع الارتفاع المستمر والمهول للأسعار.
وعدة إجراءات أخرى كلها مجحفة في حق الطبقة العاملة.
إننا في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، نقولها ومن الآن بأننا، نرفض ضرب المكتسبات، ونرفض أي تخفيض للمعاشات، ونرفض الإصلاحات الترقيعية المقياسية الموجعة والمجحفة في حق الشغيلة، ونطالب بأن تتحمل الدولة مسؤوليتها في دعم أنظمة التقاعد وأن تقوم بإرجاع ما أخذته من أموال وأرصدة مالية لتلك الأنظمة والصناديق ومند عشرات السنين.
كما نؤكد كذلك رفضنا لأي تجزيء لاتفاق 30 أبريل 2022 وأننا سنواجه أي محاولة للمس بالحق في الإضراب، وكل محاولات مأسسة الهشاشة في العلاقات الشغلية بمبرر تشجيع الاستثمار. لقد أكدت الدراسات والتقارير الدولية أن العائق الأكبر للاستثمار في بلادنا هو الفساد الذي يكلف اقتصادنا أكثر من 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. لذا نجدد التأكيد على أن أي نموذج تنموي و كل السياسات العمومية غايته يجب أن تنطلق من إحداث القطائع الضرورية مع الريع و الاحتكارات و الامتيازات، و أن ترتكز على البناء الديمقراطي الحقيقي وربط المسؤولية بالمحاسبة و العدالة الاجتماعية بكل مضامينها و مرتكزاتها.
أمام هذا الوضع الاجتماعي الذي تعيشه بلادنا، و أمام إصرار الحكومة على التنصل من التزاماتها و دورها في حماية القدرة الشرائية للمواطنات و المواطنين و ضمان الحقوق و الحريات و توفير فرص الشغل اللائق، و أمام استمرار الهجوم على مكتسباتنا وحقوقنا، لم يعد لنا من خيار إلا النضال بكل سبله وأنواعه، الفكري والمؤسساتي والميداني. ولهذا الغرض فقط أطلقت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل دينامية تجمع بين الندوات والأيام الدراسية لفضح هذه التوجهات اللاشعبية واللاجتماعية سواء مشروع قانون المالية أو القضايا المطروحة على مائدة الحوار كإصلاح أنظمة التقاعد والقانون التنظيمي للإضراب وإصلاح مدونة الشغل وقانون الوظيفة العمومية، و إشكالية غلاء أسعار المحروقات و المواد الأساسية، وبين المعارك المؤسساتية التي تخوضها المجموعة الكونفدرالية بمجلس المستشارين، ثم المعارك الميدانية التي افتحناها بالتجمعات العامة الاحتجاجية بكل الاتحادات المحلية الكونفدرالية، في أفق عقد المجلس الوطني لتسطير برنامج نضالي يغطي بقية الموسم الاجتماعي.
إن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تأسست لتناضل، وقدرها النضال من أجل القضايا العادلة سواء منها العمالية أو الوطنية أو القومية أو الإنسانية. لكن خوض النضال له مقتضيات، أهما التنظيم والتأطير، فمن لا تنظيم له لا حقوق له، لأنه لا قيمة لحق غير مسنود بقوة تدعمه، وقوتنا تنظيمنا ووحدتنا.
المكتب التنفيذي