الحقوقية

آلية الوقاية من التعذيب بين الحقوقي والأمني

تاريخيا ، عانى المناضلون والمواطنون من التعذيب ،في السجون ومراكز الاعتقال العلنية والسرية بالمغرب ، وخلف ذلك مآسي كبيرة و آثار بارزة في الأجساد والنفوس والذاكرة، وكان قد استخدم كوسيلة لقمع المعارضين وتحطيم المناضلين، و السعي إلى ردعهم وإخضاعهم بالقوة والعنف،  وتخويف وترهيب من بقي خارج الاعتقال، وكما قال الروائي  الأردني غالب هلسا أن ممارسة التعذيب واستباحة جسد المعتقل  وإخضاعه لكل أشكال التعذيب في غياب أي رادع، هو في الجوهر تعبير عمايجري في المجتمع من تسلط واستبداد وقهروحكم مطلق، ولذلك يمثل القضاء على التعذيب قضية حيوية وأساسية في النضال من أجل إرساء دولة الحق والقانون والديمقراطية الحقة، و تمثل الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب أداة أساسية  في سبيل منع التعذيب والوقاية منه وحماية الأشخاص في مراكز الاعتقال من مختلف أشكال التعذيب، فهل سينجح المغرب أمام هذا الاختبار؟ وهل ستكون الآلية الوطنية  للوقاية من التعذيب منسجمة مع المعايير الدوليةوتطلعات الحقوقيين والديمقراطيين ؟ أم  سيظل التردد والنكوص والالتفاف  هو السائد. واضح أن الآلية المقترحة تحت عباءة المجلس الوكني لحقوق الانسان آلية معيبة من عدة وجوه وليس في مقدورها الاضطلاع بهذه المهمة الثقيلة في هذا المقال استعراض لمختلف جوانب الموضوع

المغرب والآلية الوطنية المستقلة للوقاية من التعذيب

صادق المغرب على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية منع التعذيب في نونبر 2014، كما نص دستور 2011 على الحماية من التعذيب في الفصل 22، بالإضافة إلى ما أصبح يتضمنه القانون الجنائي من نصوص قانونية تجرم وتعاقب مرتكبي التعذيب، كما أن بعض التقارير الرسمية تتحدث عن إجراءات تأديبية وعقوبات ضد  كل شخص متهم بأعمال تعذيب وعنف، رغم أن المهتمين بحقوق الإنسان، يؤكدون استمرار ظاهرة الإفلات من العقاب وبطء وتعقد مساطر المتابعات وعدم شفافيتها، واستمرار ممارسات التعذيب كمثال ما تعرض له المعتقلون بالريف وفي مقدمتهم ناصر الزفزافي.

ومند سنوات والمنظمات الحقوقية تناضل من أجل التصديق على البروتوكول، وقد تشكلت المجموعة الوطنية للترافع على التصديق وتنفيذ الالتزامات المترتبة على ذلك، خصوصا وأن موضوع التعذيب ظل من القضايا الأساسية في مجال حقوق الإنسان، واستحضاراً لتجربة ماضي الانتهاكات ببلادنا، والذي يؤكد أن التعذيب كان فعلاً ممنهجاً وشاملا، وهذا ما أكدته العديد من التقارير والشهادات، ظل طموح كل المهتمين بحقوق الإنسان، أن تختفي هذه الآفة وأن يوضع حد للتعذيب، لذلك استقبل الجميع حدث مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري بترحاب وبحذر في نفس الوقت، لأن هناك وعياً بالتحديات والرهانات المرتبطة دائما بالتنفيذ والأجرأة وكيفية إخراج الأمور إلى ارض الواقع.

لقد مرت أكثر من أربع سنوات على تصديق المغرب على البروتوكول الاختياري  الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، وطيلة هذه المدة عاش الحقل الحقوقي نقاشات وحوارات حول سبل جعل هده المصادقة، خطوة أساسية من اجل إحداث  قطيعة نهائية مع ممارسات التعذيب، أخذاً بعين الاعتبار أن المغرب ملزم في غضون سنة بأن يشكل آلية مستقلة للوقاية من التعذيب كآلية وطنية تنهض بمهام الوقاية، وزيارة أماكن الاعتقال والاحتجاز، وتتلقى الشكايات وتنجز التقارير وتقديم التوصيات، وسجلنا التأخر في إحداث آلية الوقاية،وفي خضم هذا النقاش يطرح التساؤل حول استقلالية هذه الهيئة وفعاليتها وصلاحياتها والموارد والإمكانيات المادية والمالية الضرورية لعملها، أم هل ستكون إطاراً بدون محتوى حقيقي، يكرس نزعة طالما عانينا منها، نزعة الواجهة البراقة والواقع المتردي والسطحي الذي لا ينفذ لعمق معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

المعايير والشروط الأساسية لتشكيل الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب

شكل اعتماد البروتوكول الاختياري  الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الإنسانية أو المهينة، من طرف الأمم المتحدة في 18 دجنبر 2002  ، خطوة هامة  في إطار الجهود الرامية لاستئصال آفة التعذيب والتركيز أساسا على الوقاية، ودعا البروتوكول إلى إنشاء نظام وقائي يقوم على الزيارات المنتظمة،لأماكن الاحتجاز والاعتقالبهدف حماية الأشخاص المحتجزين من التعذيب ومنعه، كما جاء في ديباجة البروتوكول، كما أقر مجلس حقوق الإنسان آلية أخرى وهي المقرر الخاص بالتعذيب، الذي توكل إليه دراسة كل المسائل المتعلقة بالتعذيب وتلقي شكايات أو معلومات  من الأفراد أو المنظمات والقيام بزيارات  للدول، ولقد قدم المقرر عدد من التقارير الهامة والخلاصات والتوصيات ومن أهمها  أن إلغاء التعذيب هي مسالة إرادة سياسية ، وان استمرار ممارسته دليل على فشل هده الإرادة السياسية. وبموجب البروتوكول تقرر إنشاء آلية دولية للقيام بمهام البروتوكول تسمى اللجنة الفرعية لمنع التعذيب، تقوم بزيارة أماكن الاحتجاز والاعتقال وتقدم توصيات للدول الأطراف في البروتوكول، ونص كذلك على إنشاء آلية وطنية للوقاية من التعذيب، من طرف الدول التي قامت بالتصديق على البروتوكول في غضون سنة واحدة من التصديق، وأن تضمن استقلالها الوظيفي واستقلال العاملين فيها، وأن توفر لها الموارد اللازمة لأداء مهامها، وأن تمنحها الصلاحيات والسلطات، التي تخول لها القيام بشكل منتظم بزيارة أماكن الاعتقال والاحتجاز، ودراسة أوضاع الأشخاص المحرومين من حريتهم، وتعزيز حمايتهم من التعذيب، وتقديم التوصيات بالإضافة إلى المحافظة على المصداقية والشرعية، أي أن تكون ذات المصداقية في أعين المجتمع والجمهور والمعتقلين، وان يكون أعضاؤها مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة، كما تحتاج الآلية إلي بناء الثقة المتبادلة مع السلطات، لكن من الضروري أن يكون ثمة فعل متوازن بين إشاعة التعاون والقدرة على انتقاد المواقف من جهة أخرى، وتجنب خطر أن تكون قريبة جدا أو تابعة أو خاضعة للسلطات، كما تحتاج الآلية إلى الوعي العام المجتمعي المواكب والمحتضن والشفافية كنهج عام.

الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب  مستقلة ام جزء من مؤسسة وطنية

لم يحدد البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، أي صيغة لإنشاء الإلية الوطنية، لقد ركز أساسا على المعايير الأساسية الضرورية، لكي تنهض الآلية الوطنية بأدوارها في الوقاية والحماية، وتنوعت اختيارات الدول الأطراف بين تشكيل هيئات مستقلة عن أي مؤسسة والبعض الأخر أنشاها باعتبارها جزء من المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، فمثلا تونس أسست هيئة مستقلة بنص قانوني صادر عن المؤسسة التشريعية وأُشرِك في عملية واسعة ومفتوحة المجتمع ومنظماته المدنية، أما بعض الدول الإفريقية أدمجتها في مؤسساتها الوطنية لحقوق الإنسان، في المغرب تحرك المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مند التصديق على البروتوكول، واستبق أي نقاش عمومي ليبادر إلى طرح مفاده أنه يقترح أن تكون الآلية جزء من آلياته الداخلية، بمبرر أن من شأن إنشائها خارج المجلس، أن يؤدي إلى تضخم في المؤسسات، وأنه يملك الكفاءات والخبرة وانه يتمتع بالاستقلالية، مع العلم أن  التضخم  قد ينطبق عليه بالدرجة الأولى، كما أنه قد دافعت وترافعت بعض المنظمات الحقوقية على تشكيل آلية الوقاية من التعذيب كهيئة مستقلة عن أي مؤسسة، وهناك من طرحها مختلطة، والجدير بالذكر،أن ما سجلناه طيلة المرحلة السابقة، ضعف موجه للنقاش العمومي حول الموضوع، وتهميش إشراك المنظمات الحقوقية الفاعلة في مجال حقوق الإنسان، ناهيك على أن السياق الوطني لم يكن مشجعا، فلقد تعرضت الحركة الحقوقية لحملة ممنهجة من التضييق والقمع و المنع والتشكيك في أدوارها، وذلك من أجل إبعادها عن الموضوع وإضعافها، كما لم تستطع الحركة الحقوقية أن تبلور تصوراً جماعياً لكيفية التعاطي مع الموضوع لأسباب متعددة، مع الإشارة إلى أن بعض المنظمات الحقوقية مقتنعة  مند البداية بتصور المجلس الوطني  لحقوق الإنسان، مكرسةً نوعاً من التبعية السلبية، مع العلم أن هناك تخوفات كبيرة، خصوصا أن تجربة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تعاطيه مع قضايا التعذيب، لم تكن في المستوى المطلوب، وقد اعتبر المجلس الوطني أنه ربح الرهان وآلَ إليه تشكيل الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، سنتوقف على القانون المؤطر للآلية  حيث ستتوضح طبيعة هذا الرهان وأي مصلحة يخدم، وهل يندرج في  إطار تطوير وإقرار حقوق الإنسان أم يكرس سياسيةً محافظةً  متوجسةً من الالتزامات الدولية   في مجال حقوق الإنسان.

الآلية في القانون الجديد للمجلس الوطني لحقوق الانسان

صادق البرلمان المغربي في فبراير 2018 بعد أن أحالت عليه الحكومة القانون الجديد للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وصدر في الجريدة الرسمية عدد 6652  بتاريخ 1 مارس 2018، والذي تضمن ضمن اختصاصاته إحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، إلى جانب الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال، والآلية الوطنية الخاصة بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة.

– الاختصاصات والصلاحيات ولعبة التوازنات :

وبالاطلاع على المواد 13-14-15-16-17 و21 من قانون المجلس، وهي المواد التي تحدد اختصاصات وصلاحيات الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، نجد أن المادة   13 تحدد مهام الآلية وهي القيام بزيارات منتظمة، للاماكن التي يوجد فيها أشخاص محرومون من حريتهم، بهدف تعزيز حمايتهم من التعذيب، وتقديم توصيات بشأن حالات، وطرح مقترحات حول القوانين والتشريعات ذات الصلة، ورغم أن القانون أكد على ضرورة أن تمكن السلطات العمومية المكلفة بإدارة أماكن الاعتقال والاحتجاز المختلفة أعضاء الآلية من جمع المعلومات والولوج إلى جميع الأماكن وحرية اختيارها إلى غير ذلك إلا أن القانون تحدث على أن السلطات يمكن أن ترفض السماح لأعضاء الآلية ولوج أماكن معينة كما جاء في نصه 🙁 أن تتمسك بالسر المهني عندما يتعلق الأمر بالدفاع الوطني أو الآمن العام أو لدواعي خطيرة وأن تعترض على إجراء التحقيقات)، والتخوف المطروح هو أن يتم استغلال هده المادة وتخضع للتأويل  حول دلالات الأمن العام أو الدواعي الخطيرة، وما يعزز هذا التخوف عدد من التجارب السابقة، ونشير هنا لتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة التي أقرت في تقريرها  الختامي، عدم تعاون عدد من المؤسسات ورفض بعضها تزويد الهيئة بمعلومات أو السماح بولوج أماكن متصلة بماضي الانتهاكات…  تحت مبررات متعددة وهذا الأمر لازال مستمراً بخصوص عدد من الحالات الاختفاء القسري لعدد من ضحايا انتهاكات الماضي، والتي لازالت عالقة مثال قضية الشهيد المهدي بنبركة و الحسين المنوزي… خصوصا في غياب حكامة أمنية تجعل كافة الأجهزة الأمنية تحت مسؤولية الحكومة وخاضعة للرقابة البرلمانية.

  – التقارير والتوصيات والمقترحات تحت الرقابة :

وبخصوص التقارير التي تنجزها الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب أو التوصيات والمقترحات التي سيتم إعدادها والتي قد تتصل ببعض الحالات أو مقترحات تشريعية وقانونية، فإنه ليس  لها الحق  في تقديمها أو طرحها بشكل مباشر على السلطات المختصة، أو نشرها دون المرور على مؤسسات المجلس قصد التداول وخصوصا الجمعية العامة، التي تنعقد بصفة دورية والتي تضم في عضويتها رؤساء اللجان الجهوية للمجلس وعدهم13 و27 عضو حسب القانون الجديد للمجلس بالإضافة للرئيس والأمين العام للمجلس، حيث جاء في المادة 21: (تقوم الآليات الوطنية بإحالة توصياتها واقتراحاتها وخلاصتها إلى رئيس المجلس الوطني الذي يقوم بإحالتها إلى المجلس  قصد التداول)، حيث تنص المادة 48 من قانون المجلس التي تتحدث عن اختصاصات الجمعية العامة: (كما تقوم الجمعية العامة بدراسة التوصيات والاقتراحات ونتائج الآليات الوطنية واللجان الجهوية للمجلس والمصادقة عليها)، بمعنى أن القانون يسمح لجميع أعضاء المجلس بالحق في إبداء الرأي والتعديل والتصويب والرفض لأي توصية أو تقرير صادر  عن الآلية، هذا يعني أن أعضاء آلية الوقاية من التعذيب فقدوا آلية صنع القرار والتحكم في مساره، كما أن توصياتهم ومقترحاتهم التي قد تحتاج إلى التفعيل والسرعة، ونورد هنا تلك التي  تتعلق بحماية أشخاص من التعذيب، يجب أن تنتظر حتى انعقاد الجمعية العامة، وهذا يناقض روح ومضمون البروتوكول وفلسفته، كما أن قانون المجلس يتحدث عن التوافق  في اتخاذ القرار أو التصويت بالأغلبية داخل الجمعية العامة، ولنتصور كيف سيكون الأمر علما أن تركيبة المجلس قد تتضمن قناعات وتقديرات متباينة حول أوضاع حقوق الإنسان، هكذا ستبقى توصيات ومقترحات وتقارير الآلية معلقة متحكَّماً فيها وتنتظر البث فيها.

إن هذه المواد مكبلة ومقيدة لدور الآلية وتشكل تقييدا يخل بالاستقلال الوظيفي لها، والذي تحدث عنه البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية التعذيب حيث جاء في المادة 18 :(تتعهد الدول الأطراف بضمان الاستقلال الوظيفي للآليات الوقائية من التعذيب، فضلا عن العاملين فيها).

– الاستقلال المالي : العنصر الغائب :

نص البروتوكول على شرط أساسي، وهو أن تتمتع  الآلية بالاستقلال المالي، وهو أمر أساسي  في اشتغال الآلية الوطنية  للقيام بمهامها، لكن وفق هذا القانونليس لها استقلال مالي، فقط يرصد لها المجلس اعتمادات مالية، بكل ما يعني ذلك من ارتهان كلي بإرادة المجلس الوطني لحقوق الإنسان وميزانيته وتدابيره في هذا الشأن، مما سينعكس سلبا على قدراتها وإمكانياتها في الحركة وتنفيذ البرامج، لأنه بدون إمكانيات مالية كافية لا يمكن أن تحقق أي شيء، كما أن المنسق ليس أمرا بالصرف،  وهو ما سيجعلها تواجه عددا من الصعوبات والعراقيل، وذلك كاف لتكبيلها وجعلها عاجزة على تنفيذ برامجها.

– تركيبة الآلية والنزعة الإقصائية :

أما العضوية في اللجنة، فلقد حسم القانون، أن لجنة الوقاية من التعذيب ستتشكل من أعضاء يتم اختيارهم من داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ينتخبون من بينهم منسق للجنة، بمعنى أن اختيار أعضاء من خارج المجلس مسألة غير ممكنة، وهذا يعتبر نوعاً من الإقصاء لعدد من الكفاءات التي تشتغل خارج المجلس، وهذا معاكس كمثال للتجربة التونسية التي اتخذ تشكيلها منهجية ديمقراطية ومفتوحة على جميع الكفاءات، وهذا يدفعنا للقول أن تركيبة اللجنة يضفي عليها صفة لجنة وظيفية تابعة للمجلس لا اقل ولا أكثر.

– العلاقة مع المؤسسات الدولية والوصاية الواضحة :

حسب القانون ليس من حق الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب بان تتواصل بشكل مباشر مع اللجنة الفرعية لمنع التعذيب، وهي اللجنة المنصوص عليها في البروتوكول واتفاقية مناهضة التعذيب، والتي هي آلية دولية أساسية في البروتوكول  الاختياري بدون وصاية رئيس المجلس، فالقانون يتحدث عن تدبير تلك العلاقات تحت سلطة رئيس المجلس حيث جاء في المادة 50 من القانون الجديد للمجلس الوطني 🙁 يتولي الرئيس تدبير علاقة التعاون والشراكة التي تكون الآليات الوطنية طرفا فيها مع السلطات والهيئات…)، وكذلك الشأن بخصوص التقارير والتوصيات والاقتراحات، ونذكر في هذا السياق أنه في السنوات الأخيرة لاحظنا حساسية مفرطة لعدد من المسؤولين ومؤسسات الدولة للتقارير الدولية الصادرة حول أوضاع حقوق الإنسان ببلادنا، بل وتتبعنا بيانات الحقيقة والردود المتشنجة التي تكذب بسرعة وانفعال محتوى تلك التقارير، وهذاما يفسر عملية مَركَزَةِ تدبير تلك العلاقات، إلا أن هذا الأمر يناقض البروتوكول الاختياري الذي جاء في مادته 22 ( الحق في إجراء اتصالات مع اللجنة الفرعية لمنع التعذيب وموافاتها بمعلومات والاجتماع بها)، كما سجلنا الموقع التراتبي الضعيف لمنسق الآلية، فهو موقع ضعيف، بحكم أنه منسق لا غير، وسلطاته محدودة جداً، وهذا سيكون له تأثير سلبي على أداء وعمل الآلية.

يضاف إلى كل ذلك أن القانون تضمن إمكانية متابعة أي شخص قام بتقديم معلومات غير صحيحة ، ورغم أنه ربط ذلك بنشر تلك المعلومات إلا أن عدداً من الحقوقيين عبروا عن رفضهم لذلك، لأنه ينطوي على نوع من التخويف  المبطن، وهذا ما يتناقض مع روح البروتوكول  الذي يشجع الضحايا على التعبير عن ما تعرضوا له، و يمنع متابعتهم سواء كانت اعترافاتهم صحيحة أم لا،كما أن القانون لم يشر إلى حق الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب في تلقي الشكايات من طرف الأفراد أو الجماعات بشكل مباشر وبحثها والتحري بشأنها، وهذا أمر أساسي أكد عليه البروتوكول الذي صادق عليه المغرب.

– تقييم المنتظم الدولي الحقوقي :

لقد خصصت اللجنة الفرعية لمنع التعذيب في اجتماعها السنوي الذي عقد سنة   2016 محطةً لتقييم ودراسة تجارب تأسيس الآليات الوطنية للوقاية من التعذيب، وخصوصا تلك التي تأسست من داخل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، حيث توصلت إلى قناعة راسخة أن عدداً من الدول أخلت بعدد من الالتزامات ومست باستقلالية ومكانة وفعالية الآليات الوطنية للوقاية من التعذيب، مما دفع اللجنة الفرعية لمنع التعذيب لإصدار  تقرير وتوصيات توجيهية  منشورة في الموقع الالكتروني لمجلس حقوق الإنسان، مما جاء فيه ( ينبغي أن يعكس المخطط التنظيمي متطلبات البروتوكول الاختياري، والتي تشمل ضرورة أن تتمتع الآلية الوقائية الوطنية باستقلالية وظيفية من حيث مواردها وعملها واستنتاجاتها واتصالها المباشر، والسري عند الاقتضاء مع اللجنة الفرعية)، وأضاف التقرير: (وجوب أن تتمكن الآليات الوطنية من العمل باستقلالية ، ليس عن الدولة فقط ولكن عن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أيضا، ولهذا الغرض ينبغي للدولة الطرف أن تكفل تخصيص أموال محددة للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب)،وبخصوص المركز التراتبي لرئيس الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب جاء في توصياتها : (توصي اللجنة الفرعية بجعل الآية  في مستوى رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والامتناع عن إيجاد حالات تلحق فيها الآلية بعدة إدارات، لأن من شأن ذلك أن يقلل من بروز دورها).

هكذا يتضح أن القانون رغم أنه يتضمن عدداً من الايجابيات إلا انه لا يستجيب لعدد من المعايير الدولية  وللبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية التعذيب ولا يأخذ بعدد من توصيات اللجنة الفرعية لمنع التعذيب، وأن الآلية تم تقييدها بعدد من المقتضيات  أفقدتها الاستقلال الوظيفي، وآلية اتخاذ القرارليست في يدها ولا حق لها في الاتصال المباشر مع السلطات و الأطراف الخارجية ولا استقلال مالي ولا صلاحيات حقيقية لها، إنها في الحقيقة   لجنة وظيفية مساعدة لا أقل ولا أكثر، وهذا ما يشير إليه القانون الجديد للمجلس الوطني بصريح العبارة في مادته 3  ( تحدث لدى المجلس آليات وطنية ولجان جهوية لحقوق الإنسان تساعده في ممارسة صلاحياته).

لقد زكى هذا القانون تلك المخاوف من أن يتم الالتفاف على هذه المصادقة على البروتوكول وأن تفرغ من محتواها الحقيقي من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي أظهرت التجربة ليس فقط دوره المحدود في حماية حقوق الإنسان في البلاد، بل أنه وقف عاجزاً في عدد من القضايا والأحداث التي سجلت فيها انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، كمثال ما حصل في الريف وجرادة وعدد من الحالات الأخرى، عاجز أمام عدد من السُلط والمؤسسات الرسمية التي تعتبر أن المجلس الوطني هو امتداد لمؤسسات الدولة، ويتوجب أن تكون سياسته منسجمة مع الاختيارات الرسمية في مجال حقوق الإنسان، مما يعطي المشروعية والمصداقية للرأي المدافع على استقلالية الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب عن أي مؤسسة.

والمثير أن مناقشة القانون في البرلمان، لم تسهم في إصلاح تلك الاختلالات ولم يكن المنطلق هو تثبيت المعايير الحقوقية الدولية  بل كان المنطلق هو التحكم الأمني والسياسي فيها ، مما يطرح  أكثر من علامة استفهام حول دور المؤسسة التشريعية  في علاقتها بقضايا حقوق الإنسان، كما يؤسفنا أن بعض المنظمات والشخصيات الحقوقية التي تحمست وتعبأت وراء المجلس في مرافعاته، ولم تتخذ المسافة الضرورية عنه، وتخلت على مسؤوليتها ودورها في المواكبة النقدية والحرص على بلورة رأي مستقل نابع من أهدافها ومنطلقاتها المبدئية في حقوق الإنسان، مما يعني  أنها أسهمت في إخراج آلية ضعيفة ومتحكم في بنيتها ومخرجاتها، لا صلة لها بالمعايير الدولية في الحماية من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بل إن من صاغ النص القانوني اتخذ جميع الاحترازات والاحتياطات لإفراغ المصادقة على البروتوكول الاختياري  من مدلولها الحقوقي والواقعي، وهذا لا يخدم قضية حقوق الإنسان، والتي تحتاج لإرادة سياسية واضحة وحقيقية تقطع مع أوضاع وسياسات معاكسة لطموحات الشعب المغربي في إقامة دولة الحق والقانون وحقوق الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى