إصلاح التعليم بين الخطاب و الواقع
المصطفى زوبدي
منذ الاستقلال الشكلي ووعود إصلاح التعليم تتكرر ، ويقال إنه ضمن أولويات الدولة و اهتماماتها، غير أن هذه الوعود سرعان ما تتبخر دون أن تترك وراءها سوى مزيد من الأعطاب والاختلالات ومزيد من مظاهر تعميق أزمة النظام التربوي ببلادنا، وهو الأمر الذي جعل المغاربة يملون من تكرار أسطوانة الإصلاح المشروخة، حيث اصبح الكثير منهم يبحث عن حلول أخرى على حساب قوته وقوت أسرته من خلال اللجوء الى تعليم بديل، و ها نحن اليوم نعيد الكرة مع ما سمي بالرؤية الاستراتيجية 2030/2015 والتي مر على إعلانها ما يقارب ثلث المدة… فما الجديد الذي تحقق؟
- قانون الإطار ولغة التدريس
تحضيرا لتمرير القانون الاطار للتربية والتكوين كتر اللغط وشد الحبل بين مكونات الأغلبية الحكومية، التيلايجمع بينها الا المصالح وخدمة الفساد والاستبداد، حول لغة تدريس المواد العلمية، بين داع الى اعتماد اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للدولة، ولكونها الضامنة للهوية الوطنية وداع الى اعتماد اللغة الفرنسية بحكم قدرتها على مسايرة ركب التطور العلمي في شتى المناحي، وبغض النظر عن صحة أي طرح منهما، فإن السؤال المطروح: هل تعتبر المسألة اللغوية اليوم أولوية حقيقية ضمن متطلبات الإصلاح أم أنها مجرد ” ذريعة ” للتغطية على اختيارات أخرى أكثر خطورة من شأنها أن تضرب خدمة التعليم كحق لجميع أبناء وبنات المغاربة بدون تمييز.
– أزمة التعليم و تمظهراتها
-دون الخوض في التجارب السابقة سنكتفي بأهم المحطات التي انطلقت مع ما سمي بالعهد الجديد (الميثاق الوطني للتربية والتكوين- المخطط الاستعجالي ـ الرؤية الاستراتيجية 2030/2015)، وإذا كان من الواضح أن التجربتين السابقتين باءَتا بالفشل، فإن الثالثة قد تنحو منحاهما في ما يبدو، خصوصا وأن النقاش المفتعل بشأن تنزيلها ما هو في العمق سوى مسرحية تتوخى التغطية على الاختلالات البنيوية العميقة التييعرفها النظام التعليمي والتي يمكن الإشارة إلى أهم تمظهراتها في ما يلي:
1ـ الأفق المسدود والذي أدى إلى وضع كارثي طال كل المجالات، لكونه لم يمكن خريجي المدرسة بكل مستوياتها من مهارات ومؤهلات تدفعهم إلى الانخراط في مشاريع وأوراش تنموية تعود عليهم بالنفع وتجعل الوطن يشق مساره نحو الرقي، فلو تم التأهيل والتتبع والتحفيز، لما بلغ عدد العاطلين مليون ومائة ألف، ولما ارتفعت نسبة البطالة من 46% بالنسبة لأشخاص بدون شواهد إلى 77.7% من حاملي الشواهد العليا حسب الإحصاءات الرسمية.
2 ـ الخصاص المريع في الموارد البشرية وخاصة هيئة التدريس التي أصبحت عرفت وتعرف نزيفا جماعيا منذ مهزلة المغادرة الطوعية وكذلك عبر ” آلية ” التقاعد النسبي، علما أن التعويض عن الخصاص عبر التعاقد المفروض لم يزد الأمر إلا هشاشة، لكونه ارتجاليا ولا يستند إلى تكوين وتأهيل علميين حقيقيين للموارد البشرية المستهدفة.
3 ـ الهدر المدرسي الذي بلغ خلال الموسم الدراسي 2018/2017 حسب إحصائيات وزارة التربية حوالي 38740 تلميذ وتلميذة بالابتدائي، وبلغ في الثانوي الإعدادي نسبة 12% بما مجموعه 183218 تلميذا و تلميذة إضافة إلى الهدر في الثانوي التأهيلي و بالجامعات.
4 ـ ضعف بنيات الاستقبال، من قبيل الفضاءات والقاعات والمرافق الصحية الملائمة ، وهو ما يحول دون الاشتغال الجيد، خاصة و أن الاكتظاظ بمعظم المؤسسات يفاقم الوضع مع ما يصاحب ذلك من صعوبات في في التدبير اليومي للمؤسسات، وتفشي مظاهر العنف والعنف المضاد سواء داخل المؤسسات أو في محيطها الخارجي.
- الإصلاح الشمولي و مخرجاته
إن الخروج من الأزمة يقتضي أن ينظر إلى الإصلاح في شموليته، ومن المؤكد أن هذا لن يتم إلى بتوفر الإرادة السياسية المرهونة بتحقق الديمقراطية واستقلال القرار الوطني، إذ بتوفير الشرط الديموقراطي يتم الاشتغال على مشروع يستفيد من كل تراكم إيجابي ويعملعلى:
ـ تحديد الأفق الواضح للإصلاح، أفق يخرجنا من التبعية والضبابية بالتخلي النهائي عن الاختيارات التوفيقية المضطربة، فالجمع بين التكنولوجيا و الخرافة لن ينتج إلا الخراب، و عليه فإن تعليمنا ينبغي أن يكون تعليما حداثيا جيدا وله بصمة وطنية ديموقراطية متحررة من كل الأوهام، جامعا بين العلوم الإنسانية المبلورة للفكر النقدي والعلوم الحقة والتكنولوجيا.
ـ إن هذا الأفق يقتضي اعتماد نظام تربوي يكون أساس منهاجه رؤية تربوية علمية منقحة خالية من كل ما يحول دون النهوض العلمي والتربوي المنتصر للرقي والقيم النبيلة، و هذا لن يتأتى إلا إذا كان هناك احترام تام للمنهاج و مقررات موحدة، إذ لا نجاح لمشروع مشتت بين التعليم العمومي و العتيق والأصيل و الخاص ثم الأجنبي.
ـ جعل المدرسة العمومية أكثر تنافسية وجذبا، بتوفير كل شروط النهوض بمهامها التربوية والتثقفية، والاشتغال بتوفير فضاءات في المستوى وموارد بشرية مؤهلة متواصلة ومتعاونة، إدارة وهيئة تدريس، وهذا يتطلب التأهيل وإعادة التأهيل والتحفيز انطلاقا من مبدأ الحق والواجب، إضافة إلى القيام بالأنشطة الموازية التي تحبب للناشئة الدراسة و التحصيل.
ـ الانفتاح عن المحيط انفتاحا يقوي أواصر التواصل خدمة للمتعلمين، انطلاقا من جمعيات الآباء وجمعيات المجتمع المدني التي تشتغل في مجال التنشيط و التربية.
ـ الاهتمام بالهوامش سواء تعلق الأمر بالمدن أو القرى بخلق مركبات تربوية تضمن للمحتاجين أو القاطنين بعيدا الاستئناس بالمدرسة من خلال الإطعام والاستقرار، إضافة إلى توفير المسالك ووسائل النقل بالنسبة للمناطق النائية والوعرة.
ـ اعتماد تعليم اولي بمواصفات جيدة، تضمن تكافؤ الفرص لكل الأطفال، مع اعتماد التتبع والتوجيه المبكر الذي يراعي الميولات و المؤهلات.
ـ العمل على ادماج ذوي الاحتياجات الخاصة في المنظومة التربوية باعتماد مشاريع تأهيل الولوجيات.
ـ تمكين التلاميذ المعوزين من دعم حقيقي يمكنهم من ولوج الدراسة والاستمرار فيها.
ـ تمكين تلاميذ الثانوي التأهيلي من مهارات ومؤهلات تيسر إندماجهم بسلاسة بمؤسسات التعليم العالي بمختلف تخصصاتها.
ـ إعادة هيكلة الجامعة وفق هندسة تجعل منها مؤسسة علمية عالية تضاهي الجامعات الدولية، قادرة على تأهيل و تأطير كفاءات عالية تساهم في خدمة الوطن وتقدمه، وهذا لن يتأتى إلى بجعل التخصصات المطلوبة قادرة على استيعاب كل الراغبين في ولوجها، كما يقتضي الأمر استقطاب كفاءات علمية ومفكرين من خلال حوافز مغرية و فتح المجال للبحث العلمي وتوفير كل الإمكانات لإنجاحه.
ـ أما في ما يتعلق باللغة فينبغي التفريق بين لغة التدريس و دراسة لغة، و بالتأكيد فإن اعتماد أي لغة في التدريس يقتضي التمكن منها، وهو ما يتطلب صقل اللغة الأم، وتمكين الناشئة منها مع الانفتاح على اللغات الحية الأخرى لتوسيع المدارك وفتح الآفاق بعيدا عن التبعية لأية جهة كانت.
ـ توفير تمويل التعليم مسؤولية الدولة ويمكن أن تغني الموارد باعتماد ضريبة على الثروة ومساهمة الشركات الكبرى و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية، و قد تؤدي الجامعات خدمات لجهات ما بالمقابل.
–جبهة للنضال من أجل الإصلاح:
من خلال ما تم طرحه و تماشيا مع النقاش الدائر في الموضوع يبدو أن الإصلاح ضرورة وطنية، ومطلب شعبي ملح، وأن تحقيق هذا المطلب لن يتأتى إلا بالنضال، و هو ما يقتضي تشكيل جبهة وطنية مكونة من الإطارات التقدمية والوطنية، سياسية ونقابية وحقوقية ومجتمع مدني ومثقفين، تتوحد من خلال فتح حوار ووضع برنامج نضالي لفرض نظام تعليمي حقيقي يستجيب لمتطلبات العصر ويسهم في تحقيق الشروط العلمية والثقافية الضرورية للتقدم والتنمية التي يكون الإنسان فيها والعقل هو بؤرة الفعل والحركة والبناء.