عندما نتحدث عن المرأة المغربية يتبين أنها قطعت أشواطا على المستوى الاجتماعي، الاقتصادي والثقافي. لقد ولجت سوق الشغل، حيث احتلت مكانة هامة في القطاعات الغير المهيكلة وأجرتها لا تصل في غالب الاحيان الى الحد الأدنى للأجور، دون نسيان أنها تبوأت مكانة مهمة في قطاعات أخرى كالصحة والتعليم وغيرها من القطاعات، لكن السؤال المطروح ماذا اكتسبت على مستوى الوعي أي المستوى الفكري وانخراطها في العمل السياسي الجاد من أجل العمل على تغيير وضعها الحقوقي الانساني بشكل عام ؟
إن هاته الصورة التي يظهرها الواقع لامرأة تتحرك وتعمل، ولها وجود في سوق الشغل لم ينتج وعيا يؤهلها للمشاركة السياسية الفعلية لانتزاع حقوقها وتغيير صورتها النمطية داخل المجتمع .
لابد إذن من البحث عن الأسباب والإكراهات التي جعلتها لم تتطور بالشكل الكافي الذي يؤهلها للوصول لمراكز القرار وتبوء مكانة هامة داخل الأحزاب والتي تنادي من أجل تحررها وانعتاقها، ومن أجل تحقيق مجتمع ديمقراطي تسوده العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة والكرامة، وعكس ذلك يتم توظيفها، في كثير من الأحيان، فقط كورقة انتخابية للحفاظ على الأوضاع كما هي .
سنحاول إبراز بعض المعيقات التي جعلت المرأة في معزل عما هو سياسي جاد وحاضرة بصورة تلقائية فيه بدون وعي .
ما تزال المرأة في المغرب، كغيره من المجتمعات العربية، تعيش وفق النمط التقليدي،حيث تقسيم العمل لازال يطرح نفسه بإلحاح. فالمرأة هي الام والزوجة وربة البيت، وهذا العمل بكل ما يكلفها من جهد غير مُؤَمَّن، بل ويتم تبخيسه في كثير من الحالات والأوضاع،رغم ضرورته الحيوية.فالمرأة التي لا تعمل خارج البيت في المغرب يسجل لها في بطاقتها الوطنية “بدون” أي بدون عمل . ويمكن اعتبار الامر نوعا من الاكراه نظرا لضيق المحيط الذي تعيش فيه، وغالبا ما تقضي وقتها في أعباء البيت ، وتستريح في أحضان مسلسلات وبرامج لا تزيد سوى تزكية لوضعها .أما المرأة العاملة فقد امتلأ وقتها بالكامل، فمن العمل خارج البيت الى مهام أخرى داخله لأنه لا هي ولازوجها يعتبر ان عمل المنزل خاص بالنساء، وأحيانا تريد أن تقنع زوجها أنها قادرة على تحمل كل الاعباء. والمرأة الغير عاملة ليست أحسن منها سواء في رعاية الزوج وتوفير كل ما يريد وكذا في تربية الأبناء ، بالطبع هنا تلتقي مع الصنف الاول في العزوف عن العمل السياسي بل هناك نساء تعتبرنه مجالا خاصا بالذكور .
_خوف المرأة من الطلاق ، فهي تعمل ما أمكن للحفاظ على الأسرة مهما كانت الظروف ،ولا يمكن أن تمارس السياسة بدون قبول الزوج .
_أما بالنسبة للفتيات الغير متزوجات فبالإضافة للدراسة من أجل الحصول على عمل، والزواج كهدف وليس كوسيلة وبالتالي فالعمل السياسي والذي يتطلب التكوين هو أخر ما تفكر فيه، ناهيك عن اهتمامها بشؤون البيت منذ مرحلة مبكرة.
_ وفي الحالة الأفضل وعندما تكون البنت من وسط يتعاطى فيه الأب للعمل السياسي قد تتحفز لفترة محددة في انتظار استقرارها.
_ هناك نساء انخرطن في العمل السياسي ولكن واجهن العديد من الصعوبات منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي، وبالتالي يجدن أنفسهن إضافة كمية وليست نوعية.
_تعدد المهام مما يجعل المرأة منهكة وآخر ما يمكن التفكير فيه هو الانخراط في العمل السياسي المبني عن القناعة والتطوع .
_ استغلال الدين من أجل الحفاظ على أوضاع المرأة كما هي، اي كائنا مهمته الإنجاب وتوفير سبل الراحة للاسرة .
-الإعلام كواجهة حيث يكرس الصورة النمطية للمرأة .
_ضعف التكوين وانعدام المحفزات من أجل المعرفة واكتساب الوعي
_ استغلال المرأة كورقة انتخابية، فهي تابعة للزوج والأب والعشيرة ولاشأن ولا دراية لها بالبرامج الانتخابية.
إذن يمكن إجمال أسباب عزوف المرأة عن العمل السياسي لأسباب يلعب فيها الموروث الثقافي الجانب الأوفر الذي ما يزال يبعدها عن هذا المجال ويعتبره حكرا للذكور.
مجمل القول هناك شروط موضوعية وذاتية تحول دون انخراط النساء في العمل السياسي الجاد، والشرط الذاتي له أهمية كبرى فالمرأة بجب أن تعي أن التحرير يأتي من الذات عبر الوعي، وهذا لا يعني بمعزل عن الجماعة والاحزاب التي تتبنى قضية التحرر يشكل عام والنضال من أجل تحرر المرأة في ضل مجتمع تسوده العدالة والحرية والكرامة والمساواة .
_هذا مع الاهتمام بتغيير العقلية الذكورية والموروث الثقافي، والثقافة السائدة بشكل عام التي تشرعن للإقصاء والدونية .
لقد اعتبر ماركس أن موقف الرجل من المرأة يحدد درجة تحول سلوك الإنسان الطبيعي إلى سلوك إنساني .
إذن ما العمل من اجل إشراك النساء في العمل السياسي ؟
_اعتبارقضية تحرر المرأة قضية مجتمعية وليست قضيتها وحدها .
_ تبني المناضلين السياسيين قضية تحرر المرأة كقضية مصيرية والنضال الجاد من اجل التغيير، ليس على المستوى النظري فقط بل عبر السلوك العملي اليومي انطلاقا من الممارسات المؤمنة بالتحرر.
_ التركيز على إكساب الجنسين منذ مرحلة مبكرة أن الذي يميز الإنسان هو فكره و أن الذكر والانثى بشر قبل كل شيء، وأن الاختلاف البيولوجي لا يعني تفوق جنس على اخر ، والذي يميزنا هو الكفاءة.
_الكوطا وحدها لا تحقق الهدف من أجل إدماج النساء في العمل السياسي، حيث يجب مرحليا ربطها بالتكوين من أجل أن تكون المرأة قيمة مضافة وليس من أجل ملء الفراغ .
التركيز على كل الممارسات التي تحط من قيمة المرأة ومحاربتها، ولتكن المرأة نفسها مقتنعة ومحاربة لكل دونية.
_إعادة النظر في تقسيم العمل داخل البيت لتصبح أعباء المنزل عملا مشتركا داخل الاسرة يتقاسمه الزوجان كل حسب قدرته وبكل عفوية ومسؤولية .
_التركيز على الإعلام من أجل توعية النساء والقضاء على الدونية وكل الممارسات المسيئة والحاطة من الكرامة .
_النضال اليومي وفتح نقاشات داخل الأسر وفضح كل الممارسات المسيئة للمرأة، من أجل تشجيعها على الانخراط في العمل السياسي.
- التركيز على كل ما هو اجتماعي من أجل تكريس ثقافة بديلة، انطلاقا من الواقع والانخراط فيه من أجل تغيير كل الممارسات والمواقف المسيئة للإنسان بشكل عام.
-فسح المجال لتكوين النساء وتحملهن المسؤولية وتبوؤ مواقع القرار والقيادة داخل الأحزاب.