الدوليةالسياسة

منعطف جديد في الجزائر

الشعب يرد على المقترحات برفض الحلول الجزئية وحدها

عزلة الرئاسة
مع موقف رئيس أركان الجيش الجزائري، الذي اقترح كمخرج للأزمة السياسية والدستورية اللتين تمر بهما البلاد، القاضي بانتهاج المادة 102 من الدستور التي تخص إجراءات  إعلان شغور مقعد الرآسة، ومع انقلاب عدد من أحزاب الموالاة، والمنظمات الموازية، ونقابة الباطرونا، وشخصيات سياسة على بوتفليقة ومجموعته، التي هي النواة الصلبة في السلطة؛ أصبح الرئيس في عزلة خانقة وأصبح هامش تصرف مؤيديه ضيقا جدا، خصوصا مه ظهور علامات الاختلافات الكثيرة في صفوف النظام. جزء منها يفضل مقترح قائد صالح، لأنه يرى فيه طريقا يجعل زمام المبادرة في كل الأحوال بيد نفس المجموعة الأصلية السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، ويسمح باقتسام منصف للسلطة بين الأجنحة مع تقديم بعض الفتات للشارع، لكن جزءا آخر يختفي وراء بوتفليقة، والذي كان يعـد انقلابا سياسيا واقتصاديا يسعى من خلاله إلى زيادة قبضة عائلة بوتفليقة ومن يواليها على البلاد، يرى أن المادة 102 مهينة للرئيس وستؤدي إلى إبعاد كل أفراد العائلة ومن معه، ويرى أن كل ما يمكن أن يقدمه من تنازل قد قدمه الرئيس، ويمكن أن يزيد تنازلا آخر، ولكن من خلال موقف للرئيس يتخذه بنفسه قبل 28 أبريل قبل نهاية ولايته، وهذا الجزء ينتظر ردود فعل الشارع وموقف الأحزاب السياسية من مقترح رئيس الأركان وما يعتمل داخل الجيش نفسه من ارهاصات على المقترح حتى يقدم الرئيس على موقف ما يصب بالأساس على صون مصالح مجموعة قصر المرادية.
موقفان لأحزاب المعارضة
برز موقفان سياسيان: الأول موقف جمع عددا من الأحزاب الديمقراطية الليبرالية، مع عدد من الأحزاب الإسلامية، تطالب بمرحلة انتقالية مدتها 6 أشهر وتكوين هيئة سمتها رئاسية، وحكومة توافق، وهيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، وأن يرافق الجيش هذه المرحلة. ويظهر من المؤشرات أن هذا الموقف هو الذي شجع قايد صالح على طرح مقترحه. الثاني موقف الأحزاب اليسارية ويتمحور في الذهاب إلى مجلس تأسيسي أو هيئة تأسيسية ورفضت أي شكل من أشكال التدخل أو حتى مرافقة الجيش، والذي عليه أن يحترم دوره الذي ينص عليه الدستور ويمنع عليه التدخل في السياسة، ومن المعلوم أن الدستور ينص فعلا على أن يحمي الجيش حدود البلاد ويخضع لما ينص عليه الدستور، إلا أن الواقع منذ 1962 غير هذا، إذ أن الجيش،  مدعوما بالاستخبارات، هو الذي يأتي بالرؤساء وهو الذي يطيح بهم وهو الذي يرسم السياسة الوطنية والدولية. وترى أحزاب اليسار أن الفرصة حانت مع اصطفاف الشعب في صف واحد لوضع حد لهذا الواقع.
موقف الشارع
لا جدال أن ثورة الشعب الجزائري، له قيادة ميدانية، ليست هي بالضرورة قيادة الأحزاب السياسية، وكل الصحافيين والمتتبعين الذين يريدون الوصول إلى المعلومة الدقيقة عما يجري في الجزائر اليوم، ينتظر يوم الجمعة ويتتبع الشعارات والبانكارات بيد الفتيات والشبان والأطفال والرجال والنساء ليجمع الخطوط العامة للرسائل التي تريد القيادة الميدانية إيصالها.
لقد برهنت هذه القيادة عن دراية سياسية وفهم كبير للخصم، على عكس كل ما كان يقال بأن الشباب في الشارع الجزائري  ليس مسيسا ولا تجربة له. الجميع من كل وسائل الاعلام  في العالم انتظرت يوم الجمعة بعد مقترح الجيش الجزائري ليعرف رأي الشارع، فكان الجواب ذكيا وهادفا وبقدر ما تشبث بما هو استراتيجي لم ينس ما هو تكتيكي، ويتلخص موقف الشارع في عدم رفض 102 الخاصة بالشغور بالكامل، وقبولها في حالة إذا كانت تعني فقط تنحي بوتفليقة مع اعتماد المادة 7 معها كجوهر لها والتي تنص أن الشعب مصدر كل سلطة والسيادة ملك للشعب. وبهذا الربط تم الجمع بين كل المقترحات المطروحة: مقترح الجيش ليتنحى بوتفليقة فقط، وليس تولي رئيس المجلس الدستوري للرآسة، بل بمقترح آخر تسمح به المادة 7 توضح مرجعية ما جاء من أحزاب المعارضة سواء من يطلب هيئة رآسية أو مجلس تأسيسي دون أن يدخل الشارع في تفضيل طرح اليسار أو طرح الأحزاب الليبرالية والإسلامية، بل وقد رفعت شعارات مكتوبة لا تختلف عن هذا التصور التكتيكي في التعامل مع مقترح الجيش هو استيعاب مقترح بعد تنحي بوتفليقة، بناء على ما طرحه الجيش، تحمل مطلبا ذكيا بجعل لامين زروال رئيسا للجمهورية في المرحلة الانتقالية، في جمع خلاق مع كل ما تطرحه أحزاب المعارضة، ومعلوم أن لامين زروال كان رئيسا للجمهورية وذهب لمنزله بعد نهاية ولايته وأرجع سيارته الفخمة واكتفى بمعاشه فقط.
تطورات جديدة
مساء يوم السبت الأخير، أعلن رئيس الأركان باسم الجيش موقفا جديدا، أخذ فيه ما عبر عنه الشارع وشجعته الشعارات المرفوعة والقائلة : « الشعب والجيش خاوة خاوة»، حيث قال إن الحل يكون بالمادة 7 ، والمادة 8 والتي تحدد آليات المادة السابقة، والمادة 102 من الدستور، ولكنه في الوقت نفسه حذر مجموعة لم يسمها قائلا إنها اجتمعت يوم السبت 30 مارس سريا لتشويه سمعة الجيش وأن هذا الأخير خط أحمر، والملاحظة الخطيرة التي ظهرت من التصريحين الأخيرين لرئيس الأركان أن المجلس الأعلى للأمن الذي كان يمكن أن ينعقد ويعالج الوضع لم يجتمع لأنه برآسة بوتفليقة واضطر لذلك قايد صالح أن يلتجئ  إلى المؤسسة العسكرية فقط دون أجهزة الأمن والمخابرات التي تمثل في المجلس الأعلى للأمن. وقد أشارت بعض الأخبار التي تسربت عبر وسائل الإعلام الالكترونية إلى أن رئيس المخابرات طقطاق من بين المجموعة التي اجتمعت سريا. وهو  ما يطرح أكثر من سؤال حول المنحى الجديد الذي يمكن أن  تتخذه التطورات والمستجدات بالجزائر في سياق التجاذبات الصامتة حينا والصريحة حينا آخر في مربع السلطة، وبالخصوص منها في أعلى هرم القيادة  العسكرية؟ .
وقد سارت الرئاسة في تنفيذ خطتها بعد إعلان تشكيل الحكومة برآسة البدوي والاستغناء عن العمامرة واحتفاظ قايد صالح بموقعه، مساء يوم السبت الماضي. ورغم بقائه في التشكيلة لم يستطع اخفاء الخلافات مع قيادة الجيش، وقد تم التصريح من الرآسة على أن الحكومة لتصريف الأعمال حتى يتم التوافق، ويعني ذلك الاستعداد للتفاوض مع الأطراف المختلفة، لكن حجر الزاوية هي أن الرآسة لا تفكر في التخلي عن مقعد الرئيس حتى 28 أبريل على الأقل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى