حراك جرادة..وسؤال المحاكمة العادلة..
جواد اتلمساني
يعتبر حراك جرادة من أهم الحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب، بعد حركة 20 فبراير وحراك الريف، وقد تتبع الكل مسيرة الحراك التي انطلقت منذ نهاية دجنبر من السنة الماضية، بعد وفاة شهيدي الرغيف الاسود “حسين وجدوان”.
الكل تتبع سلسلة التظاهرات والمسيرات السلمية التي عرفتها المدينة، بمشاركة أبنائها بمختلف شرائحهم الاجتماعية (شباب، نساء، طلبة، عمال منجميين…)، إلى غاية صدور قرار وزارة الداخلية (في شخص باشوية المدينة) القاضي بمنع التظاهر بالطرق العمومية؛ هذا القرار الذي غير مسار حراك ومسار مدينة بأكملها.
كان قرار الداخلية ذاك بداية مأساة لمدينة بأكملها، حيث أعقبه يوم أسود (الأربعاء 14 مارس 2019)، يوم سيظل موشوما في الذاكرة الجمعية للمدينة، كما في ذاكرة كل المغاربة، لما تخلله من أحداث عنف تعددت مسبباتها، وما تلا هذا اليوم من اعتقالات عشوائية همت النشطاء وغير النشطاء، الشباب، الرجال، القاصرين وحتى المختلين عقليا (وصلت لأزيد من 150اعتقالا) وبطرق مختلفة (مداهمة البيوت، إشهار السلاح، اعتقالات من وسط الأشكال الاحتجاجية… )
اكتملت الاعتقالات، وجهزت الملفات بجاهزية تكييفها القانوني، وانطلق سيناريو المحاكمات، ليطرح السؤال : هل توفرت فيها شروط وضمانات المحاكمة العادلة؟
إن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، المنصوص على سموها على التشريعات المحلية بمقتضى دستور 2011، تنص على شروط وضمانات المحاكمة العادلة وتؤكد على وجوب احترامها (المادة 10 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية…)، كما أن دستور 2011 ينص على هاته الضمانات (الفصل 22 و 23).
وبالرجوع إلى طبيعة وسير المحاكمات التي طالت معتقلي حراك جرادة (أكثر من 90 معتقلا تمت متابعتهم قضائيا )، وعند وضعها في ميزان المحاكمة العادلة، سنخلص الى عدم تمكينهم من شروطها وضماناتها وذلك من خلال الملاحظات الأساسية التالية :
- مس مبدأ حيادية المحكمة، من خلال القناعة المسبقة لقضاة الحكم بعدم براءة المتهمين.
- التسليم بوثوقية المحاضر المنجزة من طرف الشرطة القضائية، وهي محاضر شابتها مجموعة من الخروقات، أكدها المتهمون خلال المحاكمة، من قبيل نزع الاعترافات بالقوة، والارغام على التوقيع وغيرها…
- المس بحقوق الدفاع، من خلال تدخل قضاة الحكم في مرافعات الدفاع؛
- طرد المتهمين من القاعة وحرمانهم من التكلم بأريحية خلال أطوار المحاكمات…
إنها ملاحظات حول محاكمات معتقلي حراك جرادة، بعد وضعها في ميزان المحاكمة العادلة، من حيث شروطها وضماناتها، أكدتها مجموع الأحكام القاسية الصادرة في حق هؤلاء المعتقلين، وصلت لأكثر من 90 سنة سجنا، موزعة على 70 معتقلا. قساوة هاته الأحكام تؤكدها أيضا أحكام الدرجة الاستئنافية الصادرة مؤخرا، والتي اتجهت قناعتها إلى تخفيض مدد محكوميتها.
إن الرهان الأساسي في هذا الملف، هو طي هاته الصفحة بالإفراج الفوري عن معتقلي حراك الريف وجرادة، وتعزيز الترافع من أجل تقويم الممارسة الاتفاقية للدولة المغربية، بشكل يضمن احترامها لالتزاماتها الدولية، وتعزيز النضال والترافع لقيام دولة الحق والقانون.