في الرحيل القاسي
الذكرى الرابعة على رحيل القائد الفذ أحمد بنجلون
حلت الذكرى الرابعةعلى رحيل القائد الفذ أحمد بنجلون..مرتأربع سنوات على رحيل سيد الحلم وعاشق الحرية التي خباها بين ضلوعه حتى لا تسقط بين يد جلاد فقد آدميته، كان أحمد الإنسان هو أحمد القائد السياسي،صادق في مشاعره كما في مواقفه.
أحمد صاحب القامة الشامخة، النظرة المتقدة والثقافة الواسعة والموسوعية والذكاء اللامع والشخصية القوية التي نسجتها ظروف وتجارب ومعاناة، لكن أبرز شيء فيها هو تلك الشجاعة النادرة، شجاعة انسان وشجاعة سياسية، يقول موقفه المؤمن به وينصرف، له قدرة على الإبداع في صياغته اللغوية المتجددة دائما، وأعطائه معاني تاريخية، فالتاريخ وخصوصا تاريخ كفاح الشعوب،كان بالنسبة إليه منبعا وموجها، كما التاريخ هو تاريخ مشترك ومصير الإنسانية هو مصير واحد،ولذلك كان امميته بارزة في كتابته وتحليلاته ومواقفه..مؤمن ان الاشتراكية هي أفق ومستقبل كخيار بديل لنظام الاستغلال والظلم.
ولذلك كان دائما يربط الفعل السياسي بالخيار الاستراتيجي بعمقه الفكري والثقافي، وكان حازما في مواجهة وخوض الصراع الفكري والأيديولوجي مع الفكر البورجوازي بكل تلاوينه اللبيرالية والمحافظة حاسما في فضح مختلف أوجه النزعة الاستبدادية والرجعية في الحياة السياسية والثقافية،خصوصا انه عاش مأساة اغتيال شقيقه عمر بنجلون وهو الاغتيال الذي كشف تحالف الاستبداد والظلامية وهو التحالف الذي تواصل وتقاسم الأدوار في مواجهة تطلعات الشعب التحررية التي هي في عمقها منافية لكل ماهو رجعي وتسلطي وظلامي.
ولأنه كان واعيا ان تاريخ البلاد لم يكن حافلا بالنضالات والتجارب والتضحيات فقط، بل عاش الانتكاسات التي لم يكن سببها الأخطاء فقط، بل تسرب الأفكار الانهزامية والوصولية والانتهازية وأضرارها الفادحة على مجمل الحركة التقدمية.
ولذلك كان حاسما في نقدها،وفضحها فكريا وسياسيا وعدم التسامح معها ومع رموزها، وهو في كل ذلك وفي مبادئه ومنطلقاته الثورية، ورغم أن ذلك كان يجلب له دائما خصومات،الا انه كان يدرك أن العمل السياسي الحقيقي يستلزم الوضوح، وأنه لا مصلحة له خارج مصلحة الانتصار لكفاح الشعب، وهو ما جعله يعيش مبادئه يوميا وفي كل لحظة في مسار حياته ومهنته وعلاقاته..ومع ذلك كان منحازا لكل ما هو إنساني، كيف لا وهو الانسان المرهف والعاطفي الذي تفضحه دموعه في لحظات انسانية وخصوصا أثناء توديع ورثاء رفاقه الذين يختطفهم الموت،حيث تكشف أن قوة شخصيته تخفي وراءها انسانا مرهف الإحساس والمشاعر النابعة من عمق إنساني متميز، والذي يقترب منه يدرك ذلك ويدرك وفاءه لرفاقه ،الذين شكلوا له حضنه وسنده وبيته العائلي الكبير ،ولذلك كان يحب أن ينادي رفاقه بالإخوان لما تحمل هذه الكلمة من دلالات ومعاني انسانية،معاني المحبة والتضامن والتضحية…
كان أحمد وحدويا يعتبر وحدة اليسار المناضل هي أفق مستقبلي، وان العمل من أجل ذلك يتطلب المتابرة والحوار والعمل المشترك وتجاوز أخطاء الماضي الذي لم يكن في مصلحة نضال الشعب الكادح، ولذلك كان يشعر بالسعادة الداخلية أمام كل تقدم،أو إنجاز، رغم الصعوبات إلا أنه كان صادقا في التزاماته وتعهداته، وانضباطه الذي كان حريصا عليه، كأي ثوري ملتزم مسؤول.
كانت لأحمد قدرة هائلة في كشف شعارات وأضاليل النظام وجوقته، ولم ينخدع يوما بالكثير من الخدع التي كان ينظر لها أنها مثل الافخاختسقط باستمرار الضحايا في شباكها، حيث كانت له قدرة خارقة على كشف تلك الوجوه الانتهازية ولو كانت لا زالت في بدايتها، وحتى ولو أخفت وجهها برداء الشعارات واللغة الثورية المزيفة، والحماسية المبالغ فيه…
كان قائدا سياسيا وفكريا وتنظيميا، صهرته التجارب والمعارك، ومع ذلك يقف الإنسان مشدودا لغنى مساره وتنوعه، ولكن اهم شيء هو روح التجديد والقدرة على مواكبة حركية المجتمع والفكر والمعرفة وبخصوص أنه كان قارئا كبيرا باللغتين العربية والفرنسية لجديد الفكر والثقافة مهتما بالفن والإبداع بكل أشكاله.
لقد كان رحيله قاسيا ومؤلما وخسارة لا تعوض،لكن ذكراه وما يرمز إليه من قيم ومبادئ وخصال سيظل نبراسا يضيء مسيرة النضال من أجل الحرية والديمقراطية.