منتخبات شعريّة لناظم حكمت
ترجمة وتقديم: رشيد وَحتِي
مقدمة لا بد منها:
لا نشيدَ بدون لغةٍ للنشيد
اختزلت غالبية الترجمات التي صدرت لناظم حكمت في الصحافة الثقافية العربية ودور النشر العربية، نصوصه في صورة مناضل تقدمي في الدفاع عن قيم الحرية والتنوير، لكن ناظم حكمت، حتى من وجهة نظرية جمالية ماركسية، هو أكثر من هذا، هو اشتعال لغوي ثوري على تراث شعري وملحمي وأسطوري تركي، بتخليصه من ارتكاسيته وتثويره عبر ابتكار لغة جديدة، عبر إيقاعات وصور تتوافق مع روح العصر. بهذه الروح ترجمنا، ها هُنَا، مجموعة من قصائده التي تتراوح بين النشيد العام [إصغاءً للمحرومين] ونشيد الجسد [إصغاءً للذات]. وسنعمل على نشرها تباعا في هده الصفحات الثقافية ر.و.
1- سِيرَةٌ ذَاتِيَّةٌ
وُلِدْتُ فِي 1902. لَمْ أَعُدْ قَطُّ لِمَسْقِطِ رَأْسِي. لَا أُحِبُّ الْعَوْدَاتِ. فِي سِنِّ الثَّالِثَةِ امْتَهَنْتُ، بِحَلَبَ، أَنْ أَكُونَ حَفِيدًا لِبَاشًا؛ فِي التَّاسِعَةِ عَشْرَةَ، طَالِبًا فِي الْجَامِعَةِ الشُّيُوعِيَّةِ لِمُوسْكُو؛ فِي التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ، بِمُوسْكُو، ضَيْفًا عَلَى اللَّجْنَةِ الْمَرْكَزِيَّةِ؛ وُمْنْذُ سَنَتِي الرَّابِعَةِ عَشْرَةَ، أُمَارِسُ مِهْنَةَ الشَّاعِرِ.. ثَمَّةَ أُنَاسٌ يَعْرِفُونَ كُلَّ أَنْوَاعِ النَّبَاتَاتِ؛ آخَرُونَ، أَنْوَاعَ الْأَسْمَاكِ؛ أَمَّا أَنَا، فَأَنْوَاعَ الْفِرَاقَاتِ. ثَمَّةَ أُنَاسٌيَسْتَطِيعُونَعَدَّ أَسْمَاءِ الْأَنْجُمِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ؛ أَمَّا أَنَا، فَأَسْمَاءَ الْحَنِينِ. نِمْتُ فِي مُعْتَقَلَاتٍ، وَفِي فَنَادِقَ فَخْمَةٍ أَيْضًا. عَرِفْتُ الْجُوعَ، وَالْإِضْرَابَ عَنِ الطَّعَامِ أَيْضًا؛ وَلَيْسَ ثَمَّةَ مَأْكَلٌ لَمْ أَذُقْهُ. فِي سِنِّ الثَّلَاثِينَ، أَرَادُوا شَنْقِي. وَفِي الثَّامِنَةِ وَالْأَرْبَعِينَ، أَرَادُوا مَنْحِي الْجَائِزَةَ الْعَالَمِيَّةَ لِلسَّلَامِ، وَمَنَحُونِي إِيَّاهَا. سَنَةَ بُلُوغِي السَّادِسَةَ وَالثَّلَاثِينَ، قَطَعْتُ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَرْبَعَةَ أَمْتَارِ مُرَبَّعَةٍ مِنَ الْخَرَسَانَةِ. فِي سَنَتِي التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ، حُمْتُ مِنْ پْرَاغْ إِلَى هَاڤَانا خِلَالَ ثَماَنِيَ عَشْرَةَ سَاعَةً. لَمْ أُصَبْ، لِحَدِّ السَّاعَةِ، بِأَيِّ سَرَطَانٍ، وَلَسْتُ مُجْبَرَا عَلَى أَنْ أُصَابَ بِهِ. لَنْ أَكُونَ رَئِيسَ وُزَرَاءٍ، أَلخ. لَا أُطِيقُ بَتَاتًا مِثْلَ هَذَا الْعَمَلِ. لَمْ أَخُضْ حَرْبًا، وَلَمْ أَنْزِلْ أَيْضًا، فِي عِزِّ اللَّيْلِ، إِلَى مَلْجَأٍ، وَلَا وَجَدْتُ نَفْسِي عَلَى الطُّرُقَاتِ تَحْتَ حَوْمِ طَائِرَاتٍ تَنْزِلُ شَاقُولِيًّا. لَكِنْ، مَعَ دُنُوِّ سِنِّ السِّتِّينَ، وَقَعْتُ فِي الْحُبِّ.