سيدي بنور: ثروات فلاحية غنية وتدبير غير منصف للفلاحين الصغار

◆ يونس الخرازي

يعتبر‭ ‬إقليم‭ ‬سيدي‭ ‬بنور‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬لمنطقة‭ ‬دكالة‭ ‬الخصبة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المراكز‭ ‬الفلاحية‭ ‬بالمغرب‭ ‬لتوفره‭ ‬على‭ ‬إمكانات‭ ‬طبيعية‭ ‬وبشرية‭ ‬مهمة،‭ ‬حيت‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬300‭ ‬ألف‭ ‬هكتار‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية‭ ‬الخصبة،‭ ‬25‭% ‬منها‭ ‬مسقية،‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأراضي‭ ‬المسقية‭ ‬يخصص‭ ‬لإنتاج‭ ‬الشمندر‭ ‬السكري‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬تحويله‭ ‬بمعمل‭ ‬كوزيمار‭. ‬ويمثل‭ ‬نصف‭ ‬الإنتاج‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬مادة‭ ‬السكر،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬حصة‭ ‬وافرة‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬والخضراوات،‭ ‬كما‭ ‬يحتل‭ ‬الإقليم‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬وطنيا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تربية‭ ‬المواشي‭ ‬ويساهم‭ ‬بنسبة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬اللحوم‭ ‬والحليب،‭ ‬ويضم‭ ‬أيضا‭ ‬سوقا‭ ‬أسبوعيا‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الأسواق‭ ‬بالمغرب‭.‬

غير‭ ‬أن‭  ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬بحدة‭ ‬هو‭: ‬ماذا‭ ‬يستفيد‭ ‬الفلاح‭ ‬الصغير‭ ‬من‭ ‬كل‭  ‬هذه‭ ‬الخيرات؟‭.  ‬الملاحظ‭ ‬إن‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي‭ ‬بسيدي‭ ‬بنور‭ ‬لا‭ ‬ينعكس‭ ‬إيجابا‭ ‬على‭ ‬الوضعية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لصغار‭ ‬الفلاحين،‭ ‬فهذه‭ ‬الفئة‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬تضررا‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬مشاكل‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالأساس‭ ‬بالاستغلال‭ ‬الذي‭ ‬تتحكم‭ ‬فيه‭ ‬برجوازية‭ ‬زراعية‭ ‬مكونة‭ ‬أساسا‭ ‬من‭ ‬الأعيان‭ ‬بالمنطقة‭. ‬

إن‭ ‬الفلاح‭ ‬الصغير‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬الغنية‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬مشاكل‭  ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬وضعيته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬مما‭ ‬يحعله‭ ‬ضحية‭ ‬لمافيات‭ ‬متحكمة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬بالإقليم‭. ‬وللوقوف‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬سنحاول‭ ‬تبيان‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬تمظهرات‭ ‬هذا‭ ‬التحكم‭.‬

‭-‬ ‭ ‬الانقطاع‭ ‬المتكرر‭ ‬لمياه‭ ‬الري‭ ‬وندرتها‭ ‬وارتفاع‭ ‬تكلفتها،‭ ‬وعدم‭ ‬توزيعها‭ ‬بشكل‭ ‬عادل‭ ‬بين‭ ‬الفلاحين،‭ ‬بل‭ ‬يتعدى‭ ‬الأمر‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬زراعة‭ ‬الشمندر‭ ‬على‭ ‬الفلاحين‭  ‬كشرط‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المياه،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الزراعة‭ ‬يعرف‭ ‬احتكارا‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أصحاب‭ ‬الضيعات‭ ‬الكبرى،‭ ‬باعتبارهم‭ ‬المستفيدين‭ ‬الكبار‭  ‬من‭ ‬عدة‭ ‬امتيازات‭ ‬منها‭ ‬جودة‭ ‬البذور‭ ‬وتفويت‭ ‬الأراضي‭ ‬ومن‭ ‬صبيب‭ ‬مرتفع‭ ‬للمياه،‭ ‬

‭-‬ غلاء‭ ‬الأسمدة‭ ‬والمبيدات‭ ‬التي‭ ‬تثقل‭ ‬كاهل‭ ‬الفلاح‭ ‬الصغير،‭ ‬مما‭ ‬يفاقم‭ ‬من‭  ‬صعوبات‭ ‬الإنتاج‭ ‬ويؤدي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬ضياع‭ ‬كميات‭ ‬وافرة‭ ‬من‭ ‬المنتوج‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتلقى‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬أي‭ ‬تعويضات‭. ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬السياق‭ ‬فان‭ ‬المعمل‭ ‬و‭ ‬جمعية‭ ‬منتجي‭ ‬الشمندر‭ ‬التي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الأعيان‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬هما‭ ‬من‭ ‬يتحكمان‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬الأسعار‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬لمجهودات‭ ‬الفلاحين‭ ‬خاصة‭ ‬الصغار‭ ‬منهم‭. ‬

‭-‬ غياب‭ ‬وحدات‭ ‬لتثمين‭ ‬وتسويق‭ ‬المنتجات‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الفلاح‭ ‬الصغير‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬ومحدود‭ ‬في‭ ‬فلاحة‭ ‬معيشية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬رسوم‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬الأسبوعي‭. ‬

‭-‬ مشكل‭ ‬التمويل،‭ ‬والذي‭ ‬يجعل‭ ‬الفلاحين‭ ‬الصغار‭ ‬مضطرين‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬للاقتراض‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬متابعة‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬المسؤولة،‭ ‬ما‭ ‬يجعلهم‭ ‬رهينة‭ ‬للأبناك‭ ‬ومؤسسات‭ ‬القروض‭ ‬الصغرى‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬الكثيرون‭ ‬منهم،‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحيان،‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬تسديد‭ ‬الأقساط‭ ‬المرتفعة،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تعقيد‭ ‬مسا‭ ‬طر‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الإعانات‭ ‬ودعم‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬تخضع‭ ‬بدورها‭ ‬للحسابات‭ ‬الانتخابوية‭ ‬والولاءات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يكرس‭ ‬رهن‭ ‬الفلاح‭ ‬الصغير‭ ‬للوبي‭ ‬المهيمن‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬بالمنطقة‭. ‬

‭-‬ غياب‭ ‬سياسة‭ ‬حمائية‭ ‬للمنتوجات‭ ‬الفلاحية‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬والفيروسات‭ ‬التي‭ ‬تهددها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬خطرا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الفلاح‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬ونذكر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬انتشار‭ ‬مرض‭ ‬التيلك‭ ‬الذي‭ ‬صاحب‭ ‬انتشار‭ ‬الذبابة‭ ‬البيضاء‭ ‬والذي‭ ‬أجهز‭ ‬على‭ ‬زراعة‭ ‬الطماطم‭ ‬بالولجة‭ (‬الوليدية‭) ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬الثمانينات‭ ‬وبداية‭ ‬التسعينات،‭ ‬لتتحول‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬مصدرة‭ ‬لكميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المادة،‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬للفقر‭ ‬والهشاشة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسجيله‭ ‬أيضا‭ ‬مع‭ ‬المرض‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬نبتة‭ ‬الصبار‭ (‬الهندية‭)‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحمى‭ ‬القلاعية‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬أخيرا‭ ‬قطعانا‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الماشية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬علامة‭ ‬استفهام‭ ‬حول‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الفلاحة‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬ودور‭ ‬الجهات‭ ‬المتدخلة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬المكتب‭ ‬الجهوي‭ ‬للاستثمار‭ ‬الفلاحي‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى