بصوت مرتفع: المسألة الاجتماعية في صلب المعركة من أجل الديمقراطية

لقد‭ ‬ظلت‭ ‬الحركات‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬وحين‭ ‬تعيد‭ ‬المسألة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الى‭ ‬الواجهة‭ ‬والى‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬النضال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬كأولوية‭ ‬الأولويات‭ ‬وكجزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬معركة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬شموليتها‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستقيم‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬عملية‭ ‬الربط‭ ‬العضوي‭ ‬بين‭ ‬مضمونها‭ ‬السياسي‭ ‬وأبعادها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬لهذا‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬استراتيجية‭ ‬التوافقات‭ ‬السياسية‭ ‬ومنطق‭ ‬التسويات‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬الإجابة‭ ‬الكافية‭ ‬عن‭ ‬الانتظارات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لأوسع‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المقهورة‭ ‬والمحرومة‭ ‬من‭ ‬ولوج‭ ‬الخدمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الحيوية‭ ‬من‭ ‬تعليم‭ ‬وصحة‭ ‬وتشغيل‭ ‬ونقل‭…‬والتي‭ ‬تضمن‭ ‬لها‭ ‬حدودا‭ ‬دنيا‭ ‬من‭ ‬كرامة‭ ‬العيش،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ظلت‭ ‬المسالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬حقلا‭ ‬خصبا‭ ‬للرفض‭ ‬والتمرد‭ ‬والصراع‭ ‬ومحاكمة‭ ‬التوجهات‭ ‬والاختيارات‭ ‬السياسية‭ ‬للنظام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬البناء‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والتنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭… ‬

إن‭ ‬تحولات‭ ‬الحركة‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المجال،‭ ‬المطالب،‭ ‬الشعارات‭ ‬والفاعلين،‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬إعلان‭ ‬صريح‭ ‬لاحتدام‭ ‬الأزمة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬اتساع‭ ‬وإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الفوارق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمجالية‭ ‬والتوزيع‭ ‬غير‭ ‬العادل‭ ‬لثروات‭ ‬البلاد‭ ‬رغم‭ ‬كثرة‭ ‬البرامج‭ ‬و‭ ‬المبادرات‭ ‬الرسمية‭ ‬ذات‭ ‬الأهداف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم،‭ ‬محاربة‭ ‬البطالة‭ ‬والهشاشة‭ ‬والإقصاء‭ ‬الاجتماعي‭ ) ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتنمية‭ ‬البشرية،‭ ‬راميد،‭ ‬تيسير،‭ ‬إصلاح‭ ‬صندوق‭ ‬المقاصة،‭ ‬إصلاح‭ ‬التقاعد‭ …( ‬لكن‭ ‬بقي‭ ‬الخصاص‭ ‬والعجز‭ ‬الاجتماعيان‭ ‬لصيقين‭ ‬بحياة‭ ‬الفئات‭ ‬المسحوقة‭ ‬والمبعدة‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬الإنتاج،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬عرضة‭ ‬لتفقير‭ ‬ممنهج‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬للمسألة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬تجلياتها‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمجالية‭ ‬والضريبية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬دوام‭ ‬الحاجة‭ ‬لهذه‭ ‬العدالة‭ ‬كحاجة‭ ‬تاريخية‭ ‬وهيكلية‭ ‬،‭ ‬هو‭ ‬عنوان‭ ‬لفقدان‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬الثروات‭ ‬الوطنية‭ ‬واستقلالية‭ ‬القرار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الارتهان‭ ‬الى‭ ‬توجيهات‭ ‬وإملاءات‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬منذ‭ ‬سياسة‭ ‬التقويم‭ ‬الهيكلي‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬سنوات‭ ‬الثمانينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬حيث‭ ‬تمت‭ ‬التضحية‭ ‬بالنفقات‭ ‬العمومية‭ ‬ذات‭ ‬البعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والتشغيل‭ ‬لصالح‭ ‬التوازنات‭ ‬المالية‭ ‬وخوصصة‭ ‬القطاعات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الحيوية،‭ ‬وذلك‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬المديونية‭ ‬التي‭ ‬تفوق‭ ‬حاليا‭ %‬80‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام‭  ‬والتي‭ ‬ظلت‭ ‬تخضع‭ ‬للجدولة‭ ‬وإعادة‭ ‬الجدولة‭ ‬بشكل‭ ‬عمق‭ ‬من‭ ‬وضعية‭ ‬التبعية‭ ‬للدوائر‭ ‬الرأسمالية‭ ‬العالمية‭ ‬وأنتج‭ ‬إعاقة‭ ‬بنيوية‭ ‬للتغيير‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحالف‭ ‬طبقي‭ ‬مركب‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬السلطتين‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية،‭ ‬تحالف‭ ‬تتوافق‭ ‬مكوناته‭ ‬على‭ ‬تدبير‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬حسب‭ ‬متطلبات‭ ‬وإكراهات‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ) ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬التوافق‭ ‬1998‭ ‬لتدبير‭ ‬السكتة‭ ‬القلبية‭ ‬1995‭ ‬الى‭ ‬‮«‬‭ ‬الربيع‭ ‬المغربي‮»‬‭ ‬2011‭ ‬وحكومة‭ ‬‮«‬‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‮»‬‭( ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يطرأ‭ ‬أي‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬بنيات‭ ‬السلطة‭ ‬والاستبداد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فالواقع‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬تمحورت‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬والمبادرات‭ ‬التنموية‭ ‬حول‭ ‬المسألة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬إنعاش‭ ‬الخدمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتقريبها‭ ‬من‭ ‬ضحايا‭ ‬الاقصاء‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والقهر‭ ‬الطبقي‭ ‬وتنمية‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭ ‬ومحاربة‭ ‬الهشاشة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬كلما‭ ‬اقتربنا‭ ‬من‭ ‬مغرب‭ ‬الهشاشة‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتساع‭ ‬خريطة‭ ‬الإقصاء‭ ‬والفقر‭ ‬والفساد‭ ‬والهجرة‭ ‬باعتبارها‭ ‬من‭ ‬تجليات‭ ‬عنف‭ ‬طبقي‭ ‬تمارسه‭ ‬أجهزة‭ ‬ومؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬بشعارات‭ ‬اجتماعية‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬للتقييم‭ ‬والمحاسبة‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تدبير‭ ‬المسألة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بمنطق‭ ‬أمني‭ ‬يتصدى‭ ‬لكل‭ ‬عملية‭  ‬تستهدف‭ ‬تفكيك‭ ‬الأسس‭ ‬العميقة‭ ‬والبنيوية‭  ‬للاستبداد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والفساد‭ ‬السياسي‭ ‬والقهر‭ ‬الاجتماعي‭. ‬ومن‭ ‬ثمة،‭ ‬فالطبيعة‭ ‬السلطوية‭ ‬والباتريمونيالية‭ ‬للنظام‭ ‬السياسي‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تفسر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬طغيان‭ ‬المعالجة‭ ‬الأمنية‭ ‬لمتطلبات‭ ‬الحقل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وديناميته‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ ‬قراءة‭ ‬شروط‭ ‬الانتكاسة‭ ‬الحقوقية‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬قمع‭ ‬الحركات‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬والتضييق‭ ‬على‭ ‬الجمعيات‭ ‬الحقوقية‭ ‬والمدافعين‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وإسكات‭ ‬الصحفيين،‭ ‬بعد‭ ‬لحظة‭ ‬انفراج‭ ‬لم‭ ‬تدم‭ ‬طويلا‭ ‬تلتها‭ ‬مباشرة‭ ‬إرساء‭ ‬مقاربة‭ ‬أمنية‭ ‬وقائية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بالفعل‭ ‬الاحتجاجي‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬محليا‭ ‬أو‭ ‬وطنيا،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قد‭ ‬يسمح‭ ‬فيه‭ ‬ببعض‭ ‬المسيرات‭ ‬التضامنية‭ ‬الممركزة‭ ‬كطريقة‭ ‬لتسويق‭ ‬بعض‭ ‬القطرات‭ ‬من‭ ‬الديمقراطية‭ ‬المحروسة‭ ‬بعناية‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنيا‭ ‬ودوليا‭.‬

إن‭ ‬تناقضات‭ ‬المسألة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬يعكسها‭ ‬الصراع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬أبعاده‭ ‬السياسية‭ ‬المباشرة‭ ‬وغيرالمباشرة‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬التعبير‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شعارات‭ ‬ومطالب‭ ‬اجتماعية‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الروافد‭ ‬المختلفة‭ ‬للحركة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاحتجاج‭ ‬الشعبي‭ ‬منذ‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الجماهيرية‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬المغرب‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬الى‭ ‬الآن‭ ‬وصولا‭ ‬الى‭ ‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬2011‭ ‬التي‭ ‬أعادت‭ ‬طرح‭ ‬المسألة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬طرحا‭ ‬سياسيا‭ ‬واضحا‭ ‬وقويا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدعوة‭ ‬الى‭ ‬إعادة‭ ‬توزيع‭ ‬السلطة‭ ‬والثروة‭ ‬والفصل‭ ‬بينهما‭ ‬وكذلك‭ ‬إعمال‭ ‬مبدأ‭ ‬ربط‭ ‬المسؤولية‭ ‬بالمحاسبة‭ ‬ورفع‭ ‬القداسة‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬ثم‭ ‬الحراكات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬وجرادة‭ ‬وزاكورة‭ ‬ووطاط‭ ‬الحاج‭…‬،‭ ‬و‭ ‬هي‭ ‬كلها‭ ‬حركات‭ ‬احتجاجية‭  ‬حملت‭ ‬رسالة‭ ‬قوية‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬تسوية‭ ‬سياسية‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬والنخب‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬الأثر‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬عدالة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ملموسة‭ ‬ومجتمع‭ ‬المواطنة‭ ‬والحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬هي‭ ‬تسويات‭ ‬مرفوضة‭ ‬وستظل‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬خلق‭ ‬سلم‭ ‬اجتماعي‭ ‬حقيقي،‭ ‬وهذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬حملها‭ ‬أيضا‭ ‬تنامي‭ ‬واقع‭ ‬الاحتقان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتدفق‭ ‬منسوب‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬واتساع‭ ‬خريطتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصاعد‭ ‬النضالات‭ ‬النقابية‭ ‬والفئوية‭ ‬المشتتة‭ ‬ضد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬المباشرة‭ ‬بالمسألة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بل‭ ‬تشكل‭ ‬جوهرها‭ ‬خاصة‭ ‬تفكيك‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬ضحية‭ ‬كبرى‭ ‬لمخطط‭ ‬محكم‭ ‬ابتدأت‭ ‬حلقاته‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬اتهام‭ ‬منظومة‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين‭ ‬باعتبارها‭ ‬مصنعا‭ ‬لإنتاج‭ ‬العطالة‭ ‬والاحتجاج‭ ‬وعاجزة‭ ‬عن‭ ‬مواكبة‭ ‬متطلبات‭ ‬سوق‭ ‬الشغل‭ ‬ومستجدات‭ ‬المقاولة‭ ‬المغربية،‭ ‬ثم‭ ‬استهداف‭ ‬المجانية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قانون‭ ‬الإطار‭ ‬17‭-‬51‭  ‬وتشجيع‭  ‬منطق‭ ‬الخوصصة‭ ‬ومنطق‭ ‬التسليع‭ ‬عبر‭ ‬نظام‭ ‬التعاقد‭…‬،‭ ‬و‭ ‬بالتالي‭ ‬إضعاف‭ ‬المدرسة‭ ‬المغربية‭ ‬و‭ ‬تفقيرها‭ ‬أكثر‭ ‬لصالح‭ ‬تعليم‭ ‬طبقي‭ ‬ونخبوي‭  ‬يكرس‭ ‬لاتكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬التربوية‭ ‬كقاعدة‭ ‬لإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬التمايزات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ولا‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عبر‭ ‬آلية‭ ‬الانتقاء‭ ‬والإقصاء،‭ ‬والتقسيم‭ ‬المبكر‭ ‬للعمل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬عبر‭ ‬مسطرة‭ ‬التوجيه‭ ‬المعتمدة‭ ‬والربط‭ ‬غير‭ ‬الواضح‭ ‬بين‭ ‬المسارات‭ ‬التعليمية‭ ‬والمهنية،‭ ‬والرهان‭ ‬الأساسي‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬التكوين‭ ‬المهني‭ ‬للتصدي‭ ‬للبطالة‭ ‬وخاصة‭ ‬لظاهرة‭ ‬الهدر‭ ‬المدرسي‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬مستويات‭ ‬قياسية‭ ‬بين‭ ‬سنتي‭ ‬2002‭ ‬و‭ ‬2003‭  ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬ظل‭ ‬يتخبط‭ ‬في‭ ‬اختلالات‭ ‬بنيوية‭ ‬نتيجة‭ ‬هيمنة‭ ‬منطق‭ ‬الكم‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الكيف‭ ‬وتجويد‭ ‬الخدمات‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬رغم‭ ‬توسع‭ ‬شبكة‭ ‬المؤسسات‭ ‬والتخصصات‭ ‬وعدد‭ ‬الخريجين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬معظمهم‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬عرضة‭ ‬للبطالة‭. 

ولاشك‭ ‬أن‭ ‬فشل‭ ‬المعالجة‭ ‬الرسمية‭ ‬للمسألة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المخططات،‭ ‬البرامج‭ ‬والإجراءات‭ ‬والمحكومة‭ ‬بمنطق‭ ‬ضبط‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬لا‭ ‬تعكسه‭ ‬فقط‭ ‬المعطيات‭ ‬الملموسة‭ ‬الخاصة‭ ‬بمؤشرات‭ ‬غياب‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬حول‭ ‬المغرب‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬معظمها‭ ‬يصنفه‭ ‬في‭ ‬مراتب‭ ‬ضعيفة‭ ‬أو‭ ‬متوسطة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬بعض‭ ‬حقول‭ ‬المسألة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬كالتنمية‭ ‬البشرية،‭ ‬التعليم،‭ ‬الصحة،‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال‭ ‬والتنافسية،‭ ‬الشفافية‭. ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬احتل‭ ‬فيها‭ ‬المغرب‭ ‬الرتبة‭ ‬81‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬180‭ ‬دولة‭ ‬حسب‭ ‬تقرير‭ ‬لمنظمة‭ ‬الشفافية‭ ‬العالمية‭ ‬سنة‭ ‬2018‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬الفساد‭ ‬وسجل‭ ‬التقرير‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬القطاعات‭ ‬تضررا‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬هي‭ ‬القضاء،‭ ‬العقار،‭ ‬الإدارة‭ ‬و‭ ‬الصحة،‭ ‬وجميع‭ ‬هذه‭ ‬القطاعات‭ ‬لها‭ ‬صلة‭ ‬مباشرة‭ ‬بالمسألة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬و‭ ‬ضمان‭ ‬وحماية‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬للفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المقهورة‭ ‬كالحق‭ ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬والسكن‭ ‬والخدمات‭ ‬الإدارية‭ ‬المتنوعة‭ ‬وحماية‭ ‬المؤسسة‭ ‬القضائية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬النظرية‭ ‬والمبدئية‭ ‬آلية‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

إن‭ ‬استعادة‭ ‬القوى‭ ‬اليسارية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬لحقيقتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬المعركة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لن‭ ‬تتحقق‭ ‬دون‭ ‬إعادة‭ ‬قراءة‭ ‬المسألة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬تحولاتها‭ ‬المتسارعة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المجال‭ ‬والمطالب‭ ‬والفاعلين‭ ‬وتراكماتها‭ ‬النضالية‭ ‬والتنظيمية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التقاط‭ ‬نبض‭ ‬المجتمع‭ ‬ودينامياته‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬وخدمة‭ ‬هذه‭ ‬الدينامية‭ ‬استراتيجيا‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الانخراط‭ ‬والتأطير‭ ‬وتنويع‭ ‬أساليب‭ ‬التضامن‭ ‬وتوحيد‭ ‬المعارك‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لحمايتها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مناورة‭ ‬للعزل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياسي‭ ‬تهدف‭ ‬الى‭ ‬ربطها‭ ‬بالمنطق‭ ‬المخزني‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الحقل‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬بطريقة‭ ‬تؤدي‭ ‬مباشرة‭ ‬الى‭ ‬خلق‭ ‬اصطفافات‭ ‬وترتيبات‭ ‬لمشهد‭ ‬سياسي‭ ‬مقبل‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬سابقيه‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬استقطاب‭ ‬لاعبين‭ ‬جدد‭ ‬لإدارة‭ ‬الأزمة‭ ‬المركبة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى