الصفقات العمومية وتحدي بناء اقتصاد وطني قوي
◆ ذ. عبد الله أسبيري (محام بهيئة الرباط)
تهم الصفقات العمومية شريحة هامة من الشركات المغربية وخاصة منها الصغيرة والمتوسطة، والتي تعتبر أن حظوظها من الصفقات ضعيف بسبب عدم الحكامة الجيدة والانحرافات والتجاوزات الإدارية. وقد أفرد الدستور 17 بندا حول الحكامة ومنها المادة 154 لإخضاع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، والمادة 36 التي تحث على تجنب الانحرافات الإدارية في ابرام الصفقات العمومية، إلا أنه مع ذلك يبين الواقع أن الدورة الاقتصادية في هذا المجال معطوبة ويشوبها الخلل بالإضافة إلى أن هناك عدة آليات إدارية لا تساعد على نجاعة الإدارة وعلى الحكامة والشفافية.
أعطى المشرع المغربي للإدارة آليات ووسائل ممارسة وظيفتها الإدارية من أجل تدبير المرفق العمومي.
وتتخذ صور وآليات الوظيفة الإدارية شكلين من التصرف الإداري، وهما آلية القرارات الإدارية الصادرة عن إرادتها المنفردة والمتسمة بطابع الإلزام، وآلية العقود الإدارية التي تبرمها الإدارة مع الأفراد أو الشركات.
وإن صور ممارسة النشاط الإداري أخضعها المشرع للرقابة القضائية على ضوء القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية، ورتب عدة جزاءات على مبدأ الحياد عن المشروعية.
إن العقود الإدارية، باعتبارها اتفاقا قانونيا يبرم بين الإدارة والإفراد أو الشركات من أجل إنجاز عمل يحقق المنفعة العامة بشكل مباشر، تساهم في دمقرطة التصرف الإداري من خلال تدبير مجالها وجعلها أرضية لبروز وتنمية المقاولة المغربية وتطرح العديد من التحديات وفق الآتي:
- المشرع المغربي لما حدد المجال القانوني لهذه العقود وأخضعها لمجموعة من القيود القواعد القانونية غير المألوفة في العقود المدنية العادية، أفرد لها نصا تنظيميا لا يرقى إلى مرتبة القانون وظل هذا التنظيم مغيبا عن البرلمان.
- اعتماد مقاربة مبنية على مجموعة من القيود تجعل الإدارة تتحكم في مجريات تدبير هذه العقود، لتتحول إلى عقود إذعان تلزم المقاول نائل الصفقة بمجموعة من الشروط الإدارية لا تستجيب وطبيعة المقاولة المغربية ما يجعل الإدارة تستعين بالشركات الأجنبية لإنجاز مشاريع استراتيجية وبتكلفة مرهقة لمالية الدولة من جهة ووفق شروط محددة سابقا من بينها شرط التحكيم الدولي، إيمانا من هذه المقاولات بمحدودية القضاء المغربي في حماية مصالحها.
- إن اللجوء لخدمات المقاولات الأجنبية ينتج عنه إضعاف للمقاولات المغربية والمساس باحتياط العملة الصعبة.
- ضعف التأهيل الاقتصادي والتدبيري للمقاولات المغربية يجعلها تظل تحت رحمة الشروط الإدارية التي يفرضها المشرع الحكومي من خلال المرسوم المنظم للصفقات العمومية لا تتلاءم مع طبيعة المقاولات المغربية.
- انعدام التكافؤ بين طرفي العقد يتحول معه مجال تدبير الصفقات العمومية إلى مجال الإثراء غير المشروع لممثل الإدارة على حساب المقاولة المغربية، وأحيانا يتم إعداد عقود صفقات على المقاس لفائدة هذه الشركة أو لفائدة شركة أخرى.
- الإدارة المغربية لا تحترم التزاماتها القانونية بتمكين المقاولات نائلة الصفقة من مستحقاتها داخل الآجال القانونية حتى تتمكن من المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة.
إن الاختلالات التي تعاني منها المقاولات المغربية في علاقتها بالإدارة في مجال تدبير الصفقات العمومية يقتضي الارتقاء بهذا المجال وتنظيمه وفق مقاربة شمولية تستحضر احتياجات الدولة من جهة والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة ثانية، إلى جانب تنمية مداخيل الدولة من خلال توسيع للوعاء ضريبي مبني على العدالة الجبائية والتقليص من هامش البطالة والهشاشة من جهة ثالثة.
إذ أن هذه المقاربة تقتضي:
1. الارتقاء بالمجال القانوني للصفقات العمومية إلى مرتبة القانون بدل آلية المراسيم.
2. الارتقاء بنظام المقاولة المغربية من خلال التأطير القانوني والاقتصادي والتكوين وتوفير أطر مؤهلة تأهيلا علميا وعمليا وذات كفاءة عالية، مع ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لها بما يحقق شروط التنمية الحقيقية.
3. جعل قيمة الصفقات العمومية مبنية على الموضوعية وإقصاء طلبات العروض غير الجدية وإن كانت تكلفتها لفائدة الإدارة.
4. جعل الصفقات العمومية قاطرة لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وبوابة بناء اقتصاد وطني قوي قائم على إرساء أسس صلبة لمجتمع الحقوق والحريات في جميع مناحيها.
5. محاربة جميع مظاهر الفساد سواء من جهة الإدارة أو من جهة المقاولات بما يضمن شفافية إسناد الصفقات.
6. تعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة وضمان حق الولوج للعقود الإدارية أمام جميع المقاولات.
7. خلق مشاريع تناسب جميع أصناف المقاولات ووضع قيود على البعض من أجل محاربة احتكار هذه المشاريع، وفتح المجال أمام المقاولات الصغرى والمتوسطة مع المصاحبة قصد إنجاحها.