المرحلة توجب طرح السؤال: ما معنى الماركسية؟ -الجزء الثاني-

◆ محمد بوجنال

قلنا‭ ‬في‭ ‬ورقة‭ ‬سابقة‭ -‬الجزء‭ ‬الأول‭- ‬أن‭ ‬الماركسية‭ ‬مفهوم‭ ‬يتضمن‭ ‬منطقيا‭ ‬مكونات‭ ‬يحدد‭ ‬دلالتها‭ ‬مستوى‭ ‬وعي‭ ‬البروليتاريا‭ ‬في‭ ‬التاريخ؛فما‭ ‬طبيعة‭ ‬الارتباط‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬المكونات‭ ‬تلك‭ ‬علما‭ ‬بأنها‭ ‬ترفض‭ ‬نظريا‭ ‬وممارسة‭ ‬الخشبية‭ ‬والدوغمائية‭. ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استدعاء‭ ‬أحد‭ ‬مكوناتها‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬‭ ‬الطبقة‭ ‬‮«‬‭ ‬التي‭ ‬تخترق‭ ‬المكونات‭ ‬تلك‭ ‬وتربطها‭ ‬وتوحدها‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض‭ ‬جدليا‭.                                          

فالبروليتاريا‭ ‬فلسفيا‭ ‬هي‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاملة‭ ‬لقوى‭ ‬التناقض‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬كونيته‭ ‬وتميزه‭. ‬فهي،‭ ‬في‭ ‬التحديد‭ ‬ذاك،‭ ‬لا‭ ‬تعتبر‭ ‬فقط‭ ‬أهم‭ ‬قوى‭ ‬التناقض‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الحاضر،‭ ‬بل‭ ‬وكذلك‭ ‬انطولوجيا‭  ‬ومنطقيا‭ ‬وتاريخيا‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاملة‭ ‬للمستقبل‭. ‬لذا،‭ ‬فالمنطق‭ ‬يحددها‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ ‬النفي‭(‬الهيجلي‭) ‬أو‭ ‬قل‭ ‬أنها‭ ‬طبقة‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬المجتمع‭ ‬البورجوازي‭ ‬الجديد‭ ‬معتبرا‭ ‬إياها‭ ‬كهامش‭ ‬بداخل‭ ‬المجتمع‭ ‬البورجوازي؛‭ ‬وبلغة‭ ‬الدقة‭ ‬الرياضية‭ ‬والمنطقية‭ ‬نقول‭ ‬أنه‭ ‬حددها‭ ‬ك»فراغ‭ ‬‮«‬‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الجديد؛‭ ‬ونظرا‭ ‬لشعورها‭ ‬وإحساسها‭ ‬بالإهانة،‭ ‬أحست‭ ‬أنها‭ ‬تتقاطع‭ ‬ومثيلاتها‭ ‬في‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭ ‬نفس‭ ‬الإهانة‭ ‬و‭ ‬الاحتقار‭ ‬والسلب،‭ ‬فكان‭ ‬ذلك‭ ‬حافزا‭ ‬لبناء‭ ‬والتأسيس‭ ‬لأساليب‭ ‬التغيير‭ ‬الكفيلة‭ ‬بتغيير‭ ‬وتحرير‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬مصلحتها‭ ‬هي‭ ‬مصلحة‭ ‬الإنسانية‭ ‬برمتها‭. ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تبنت‭ ‬الأممية‭ ‬الشعار‭ ‬البروليتاري‭ ‬التالي‭: ‬‮«‬‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬شئ،بالوحدة‭ ‬نكون‭ ‬‮«‬‭. ‬وعليه،‭ ‬فإمكانية‭ ‬ربك‮»‬‭ ‬اللاشئ‮»‬‭ ‬الحاضر‭ ‬بالمعنى‭ ‬الكوني‭ ‬للمستقبل‭ ‬هو‭ ‬التعريف‭ ‬الملائم‭ ‬والسليم‭ ‬لمفهوم‭ ‬الطبقة‭ ‬البروليتارية‭ ‬كما‭ ‬تراه‭ ‬ماركسية‭ ‬ماركس‭ ‬الوارد‭ ‬في‭ ‬مخطوطة‭ ‬1884‭ ‬وهو‭ ‬المعنى‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتخل‭ ‬عنه‭.‬إنه‭ ‬التعريف‭ ‬الذي‭ ‬يمكننا‭ ‬من‭ ‬إبراز‭ ‬أهمية‭ ‬التناقض‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يتحدد‭ ‬في‭ ‬استدعاء‭ ‬السلب‭ ‬كإثبات‭: ‬‮«‬‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬شئ‭ ‬،بالوحدة‭ ‬نكون‭ ‬‮«‬‭.‬إنه‭ ‬الشعار‭ ‬الذي‭ ‬أوجب‭ ‬تنظيم‭ ‬الطبقة‭ ‬البروليتارية‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬وهو،كما‭ ‬قلنا‭ ‬المقصي‭ ‬منها؛‭ ‬فتحديدها‭ ‬السلبي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المجتمع‭ ‬البورجوازي‭ ‬حفزها‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬مصلحتها‭ ‬مصلحة‭ ‬كونية.                  

لقد‭ ‬أعطينا‭ ‬تحديدا‭ ‬فلسفيا‭ ‬لمفهوم‭ ‬البروليتاريا،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬معناها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السياسي‭ ‬الانجليزي؟‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المجتمعي‭ ‬البورجوازي‭ ‬الجديد‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬نظرية‭ ‬الرأسمال‭ ‬حيث‭ ‬فيه‭ ‬تم‭ ‬بناء‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬‭ ‬الصراع‭ ‬الطبقي‭ ‬‮«‬‭. ‬ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬هدف‭ ‬مؤلف‭ ‬‮«‬‭ ‬الرأسمال‭ ‬‮«‬‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬مفهوم‮»‬‭ ‬الصراع‭ ‬الطبقي‭ ‬‮«‬‭ ‬وبالتالي‭ ‬مفهوم‭ ‬طبقة‭ ‬البروليتاريا‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ماركس‭ ‬الذي‭ ‬كثف‭ ‬من‭ ‬جهوده‭ ‬لإنجاز‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬لأن‭ ‬مؤلف‭ ‬‮«‬‭ ‬الرأسمال‭ ‬‮«‬‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكتاب‭ ‬الثاني‭ ‬عرف‭ ‬موت‭ ‬ماركس‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬انجلز‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬مؤلف‭ ‬‮«‬‭ ‬الرأسمال‭ ‬‮«‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التناول‭ ‬المقنع‭ ‬لمفاهيم‭ ‬لمفهوم‭ ‬‮«‬‭ ‬الطبقة‭ ‬‮«‬و‭ ‬‮«‬‭ ‬الصراع‭ ‬الطبقي‭ ‬‮«‬‭ ‬وبالتالي‭ ‬ل‮»‬‭ ‬طبقة‭ ‬البروليتاريا‭ ‬‮«‬‭ ‬بقي‭ ‬مفتوحا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬ماركس‭ ‬يتمحور‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬تصور‭ ‬علمي‭ ‬لهذه‭ ‬المفاهيم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مكونات‭ ‬هذا‭ ‬المؤلف‭ ‬الضخم‭: ‬‮”‬‭ ‬الرأسمال”‬‭                                        

إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬‮«‬‭ ‬الطبقة‭ ‬‮«‬‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفلسفي‭ ‬والمستوى‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬فكيف‭ ‬يحددها‭ ‬المكون‭ ‬السياسي؟‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬ما‭ ‬المفهوم‭ ‬من‭ ‬صيغة‭:‬‮»‬‭ ‬السياسة‭ ‬الطبقية‭ ‬‮«‬؟‭ ‬إنه‭ ‬الموجود‭ ‬الذي‭ ‬يخترق‭ ‬مختلف‭ ‬مكونات‭ ‬‮«‬‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬‭ ‬وفق‭ ‬قاعدة‭ ‬الربط‭ ‬الجدلي‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬المكونات‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬الفكر‭ ‬الماركسي‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬أن‭ ‬‮«‬‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬‮«‬‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬الموجود‭ ‬الذي‭ ‬به‭ ‬وفيه‭ ‬توجد‭ ‬الوحدة‭ ‬الفعلية‭ ‬وكذا‭ ‬الممكنة‭ ‬لل‮»‬‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬؛‭ ‬لذا،‭ ‬فمركز‭ ‬اهتمام‭ ‬الماركسية‭ ‬منصب‭ ‬على‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬‮«‬‭ ‬الطبقة‭ ‬‮«‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬‭ ‬السياسة‭ ‬‮«‬؛‭ ‬فالعلاقة‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭  ‬‮«‬‭ ‬السيطرة‭ ‬‮«‬‭. ‬فهذا‭ ‬التحديد‭ ‬النظري‭ ‬‮«‬‭  ‬للطبقة‭ ‬‮«‬،‭ ‬واستثماره‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للإنتاج‭ ‬تقتضي‭ ‬الضرورة‭ ‬استحضاره‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬التحليلات‭ ‬والمناقشات‭ ‬بهدف‭ ‬وفي‭ ‬اتجاه‭ ‬إلغاء‭ ‬الطبقة‭ ‬المسيطرة‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬تغيير‭ ‬العالم‭ ‬عوض‭ ‬الاكتفاء‭  ‬بتفسيره‭  ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أهمية‭ ‬استحضار‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬‮«‬‭ ‬الطبقة‭  ‬‮«‬‭  ‬و‮»‬‭ ‬السياسة‭ ‬‮«‬‭ ‬باعتبارها‭ ‬علاقة‭ ‬السيطرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬علاقة‭ ‬التحديد‭(‬الاقتصاد‭).   

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الماركسيين‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الإلغاء‭ ‬والتحضير‭ ‬لهذا‭ ‬التغيير‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬فوضويا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يتطلب‭ ‬إبداع‭ ‬الأساليب‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬القوى‭ ‬المهضومة‭ ‬الحقوق‭ (‬البروليتاريا‭) ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحيطة‭ ‬بنا‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬تربيتها‭ ‬وتنظيمها‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬طبقي‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬امتلاكها‭ ‬ذاتيا‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إلغاء‭ ‬النقيض‭ ‬وتحقيق‭ ‬التغيير‭. ‬بناء‭ ‬على‭ ‬السابق،‭ ‬فالسياسة‭ ‬تعرف‭ ‬في‭ ‬الماركسية‭ ‬باعتبارها‭ ‬العلاقة‭ ‬الجدلية‭ ‬بين‭ ‬النظرية‭ ‬والممارسة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬‮«‬‭ ‬التنظيم‭ ‬‮«‬‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬المفهوم‭ ‬المرادف‭ ‬لمفهوم‭ ‬‮«‬‭  ‬التربية‭ ‬‮«‬‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الضبط‭ ‬الذاتي‭ ‬للتمييز‭ ‬الطبقي‭ ‬لا‭ ‬يحصل‭ ‬إلا‭ ‬بالتنظيم‭ ‬والتربية؛‭ ‬وبلغة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإحلال‭ ‬الطبقة‭ ‬البروليتارية‭ ‬محل‭ ‬نقيضها‭ ‬البورجوازية‭ ‬يقتضي‭ ‬حتما‭ ‬حصول‭ ‬واستحضار‭ ‬مفهومي‭ ‬‮«‬‭ ‬التنظيم‭ ‬‮«‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬‭ ‬التربية‭ ‬‮«‬‭ ‬وهما‭ ‬العمليىة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬طابع‭ ‬الخشبية‭ ‬والدوغمائية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أنها‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬يبقى‭ ‬شكلها‭ ‬مفتوحا‭ ‬بفعل‭ ‬متغيرات‭ ‬وحاجيات‭ ‬المجتمع‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬اقترح‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الماركسيين‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬لينين،‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬الأشكال‭ ‬التي‭ ‬سماها‭ ‬ب‭ ‬‮«‬‭ ‬الحزب‭ ‬‮«‬‭. ‬وقد‭ ‬برر‭ ‬لينين‭ ‬مقترحه‭ ‬هذا‭ ‬باعتباره‭ ‬أنجع‭ ‬الأشكال‭ ‬لتنظيم‭ ‬وتكوين‭ ‬وتوسيع‭ ‬قوة‭ ‬وقدرات‭ ‬البروليتاريا‭ ‬وحمايتها‭ ‬من‭ ‬الإخفاقات‭ ‬والانكسارات‭: ‬فالماركسية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬منخرطة‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬وقلب‭ ‬الواقع‭ ‬؛‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كذلك‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬اعتمدت‭ ‬‮«‬‭ ‬التنظيم‭ ‬‮«‬‭ ‬و‮»‬‭ ‬التربية‭ ‬‮«‬‭ ‬الحزبية؛ف‭ ‬‮«‬‭ ‬التنظيم‭ ‬‮«‬‭ ‬و‮»‬‭ ‬التكوين‭ ‬‮«‬‭ ‬هما‭ ‬أساس‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭. ‬فمقترح‭ ‬‮«‬‭ ‬الحزب‭ ‬‮«‬‭ ‬هو‭ ‬الشكل‭ ‬‮«‬‭ ‬التنظيمي‭ ‬‮«‬‭ ‬الذي‭ ‬رآه‭ ‬لينين‭ ‬الكفيل‭ ‬بتمكين‭ ‬البروليتاريا‭ ‬وإحلالها‭ ‬محل‭ ‬الطبقة‭ ‬البورجوازية‭. ‬هذا‭ ‬شكل‭ ‬تنظيمي‭ ‬تم‭ ‬اقتراحه‭ ‬واختباره‭ ‬في‭ ‬التاريخ؛‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الماركسية‭ ‬ترى‭ ‬بتعدد‭ ‬الاقتراحات‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬أحد‭ ‬الأجوبة‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ : ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية‭ ‬الذي‭ ‬يمكننا‭ ‬الزيادة‭ ‬من‭ ‬توضيحه‭ ‬بالتدريج‭ ‬كلما‭ ‬تقدمنا‭ ‬في‭ ‬الطرح‭.                             ‬‭                                   

نستحضر‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬السؤال‭: ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية؟‭ ‬سبق‭ ‬القول‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬الاقتصاد‭ ‬حصريا،‭ ‬ولا‭ ‬الفلسفة‭ ‬حصريا‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬العلم‭ ‬حصريا،‭ ‬ولا‭ ‬السياسة‭ ‬حصريا‭  ‬ولا‭ ‬التاريخ‭ ‬حصريا،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬الفكر‭ ‬الذي‭ ‬يخترق،‭ ‬نظريا‭ ‬وممارسة،‭ ‬فكر‭ ‬مختلف‭ ‬هذه‭ ‬المجالات‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الآن‭ ‬ضامن‭ ‬وحدتها‭. ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النقاشات‭ ‬الماركسية،‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬القول،‭ ‬تستدعي‭ ‬وجوبا‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬‭ ‬التنظيم‭ ‬‮«‬‭ ‬الذي،‭ ‬وفق‭ ‬البديهية‭ ‬الماركسية،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬كأداة‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬محددة‭ ‬قبليا‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬ذات‭ ‬مرجعية‭ ‬خارجية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أنه‭ ‬أحد‭ ‬مكونات‭ ‬الأهداف‭ ‬نفسها‭ ‬باعتباره‭ ‬قوة‭ ‬ذات‭ ‬وجود‭ ‬مجسد‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬كغيره‭.‬‭ ‬فالماركسية‭ ‬في‭ ‬اختراقها‭ ‬للفلسفة،‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الفكر‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬وجود‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬اتخذ‭ ‬شكل‭ ‬التنظيم‭ ‬الذي‭ ‬يستحيل‭ ‬فصله‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬لاعتباره‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬منه‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬يسمى‭ ‬فكرا‭ ‬إذا‭ ‬اتخذ‭ ‬شكلا‭ ‬تنظيميا‭ ‬يستحيل‭ ‬تصوره‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬الممارستين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬‭ ‬الطبقة‭ ‬‮«‬‭. ‬إنها‭ ‬مكونات‭ ‬الوجود‭ ‬لا‭ ‬أدوات‭ ‬التوظيف؛‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬كونه،‮»‬‭ ‬الوجود‭ ‬‮«‬‭ ‬و‮»‬‭ ‬المنطق‭ ‬‮«‬،‭ ‬فكرا‭ ‬جدليا‭ ‬حاملا،‭ ‬وباللزوم،‭ ‬مفهوم‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الممارسة‭ ‬وقد‭ ‬تحولت،بفعل‭ ‬التراكم،إلى‭ ‬الثورة‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬السلبية‭ ‬في‭ ‬العالم؛‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬وفق‭ ‬قاعدة‭ ‬جدلية‭ ‬النهائي‭ ‬واللانهائي‭. ‬وهنا‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬الماركسية،‭ ‬في‭ ‬اختراقها‭ ‬الفلسفة،‭ ‬قد‭ ‬ركزت‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬عامل‭ ‬ومفهوم‭ ‬‮«‬‭ ‬التنظيم‭ ‬‮«‬‭ ‬كأحد‭ ‬مكونات‭ ‬معناها‭.                                                      ‬‭                         

أما‭ ‬بصدد‭ ‬اختراق‭ ‬الماركسية‭ ‬للعلم،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية‭ ‬بإهماله‭. ‬فالمنطق‭ ‬يؤكد‭ ‬سلامة‭ ‬ذلك‭ ‬حي‭ ‬لا‭ ‬ضبط‭ ‬ولا‭ ‬تمييز‭ ‬للمصالح‭ ‬ولا‭ ‬للحقيقة‭ ‬ولا‭ ‬للاكتشاف‭ ‬بدون‭ ‬اختراقه‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬ممارسة‭ ‬الثورية‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬اكتشاف‭ ‬المصالح‭ ‬المختفية‭ ‬وراء‭ ‬ما‭ ‬يذاع‭ ‬وينشر‭ ‬ويلقن‭.    ‬‭                                       

أما‭ ‬اختراق‭ ‬الماركسية‭ ‬مجال‭ ‬السياسة،‭ ‬فهو‭ ‬العملية‭ ‬المتممة‭ ‬لنشاط‭ ‬المجالين‭ ‬السابقين‭ ‬ليحصل‭ ‬التحديد‭ ‬الفعلي‭ ‬والجدلي‭ ‬ل‮»‬‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬أن‭ ‬بناء‭ ‬وفهم‭ ‬الماركسية‭ ‬يقتضي‭ ‬حضور‭ ‬تفعيل‭ ‬الانتقال‭ ‬في‭ ‬جدليته‭ ‬مع‭ ‬مرافقيه،‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬التمييز‭ ‬الطبقي‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الممارسة‭ ‬الجماعية‭ ‬الفعلية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬به‭ ‬ودافع‭ ‬عنه‭ ‬ماركس‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬البيان‭ ‬الشيوعي‭ ‬؛‭ ‬لذلك،وفي‭ ‬نفس‭ ‬سياق‭ ‬متابعة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬المعنى‭ ‬طرح‭ ‬ماركس‭ ‬السؤال‭: ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬الممارسة‭ ‬الجماعية‭ ‬؟‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬الشيوعية‭ ‬؟‭ ‬وبالتالي‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬الممارس‭ ‬الجماعي‭ ‬أو‭ ‬الشيوعي‭ ‬؟‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬جواب‭ ‬ماركس‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يميز‭ ‬أنشطته‭ ‬ونضاله‭ ‬نظريا‭ ‬وممارسة‭ ‬عن‭ ‬أنشطة‭ ‬ونضال‭ ‬الطبقة‭ ‬البروليتارية‭. ‬بهذا‭ ‬المعنى،فالشيوعي‭ ‬يتقاطع‭ ‬ويتقاسم‭ ‬مع‭ ‬البروليتايا‭ ‬وضعيتها‭. ‬وهذا‭ ‬التقاطع،‭ ‬وهذا‭ ‬التقاسم‭ ‬يبرز‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬الشيوعي‭ ‬يتميز‭ ‬بثلاث‭ ‬خصائص؛‭ ‬أولها‭ ‬أن‭ ‬للشيوعي‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التنبؤ‭ ‬بالمرحلة‭ ‬المقبلة‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬الصراع‭ ‬وخلق‭ ‬شروط‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الوضعية‭ ‬الحاضرة‭ ‬إلى‭ ‬النتائج‭ ‬المنتظرة‭ ‬والمقبلة‭ ‬؛‭ ‬وثانيها‭ ‬أن‭ ‬الشيوعي‭ ‬يغلب‭ ‬دوما‭ ‬الكوني‭ ‬على‭ ‬المحلي‭ ‬والشخصي‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬صعوبات‭ ‬تطرحها‭ ‬عملية‭ ‬الانتقال؛‭ ‬وأخيرا‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الشيوعي‭ ‬هم‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬تصريف‭ ‬المواقف‭ ‬دون‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬المصالح‭ ‬الكونية‭ ‬والطوارئ‭ ‬أو‭ ‬الحوادث‭ ‬المفاجئة؛‭ ‬وقد‭ ‬استحضر‭ ‬ماركس‭ ‬إيقاع‭ ‬هذه‭ ‬الخاصية،‭ ‬إيقاع‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬الهزائم‭ ‬المتتالية‭ ‬للثورات‭ ‬وندرة‭ ‬النجاحات‭ ‬التي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تنقلب‭ ‬إلى‭ ‬هزائم؛‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يلح‭ ‬على‭ ‬الإصرار‭ ‬والمثابرة‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬حصول‭ ‬النجاح‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬نظره‭ ‬سوى‭ ‬إحدى‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬هي،‭ ‬وبالكاد،لحظة‭ ‬الإبداع‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنهزم‭. ‬وبهذا‭ ‬المعنى‭ ‬فهم‭ ‬ماركس‭ ‬دلالة‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬‭ ‬التنظيم‮»‬‭.                   ‬‭                                           

ف‭ ‬‮«‬‭ ‬التنظيم‭ ‬‮«‬‭ ‬بالمعنى‭ ‬المشار‭ ‬إليه‭ ‬أعلاه،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يقوي‭ ‬ويحدد‭ ‬ويوجه‭ ‬وضعية‭ ‬وحركة‭ ‬الشعب‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬سماه‭ ‬ماركس‭ ‬ب‭ ‬‮«‬الحركة‭ ‬العمالية‭ ‬الشمولية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬امتلكت‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تصفية‭ ‬الحساب‭ ‬مع‭ ‬الهزيمة‭. ‬وعليه،‭ ‬ف‭ ‬‮«‬‭ ‬التنظيم‮»‬‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬يعني‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬تدبير‭ ‬النتائج،‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬وأعمق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬حيث‭ ‬يصبح‭ ‬الواقع‭ ‬المجتمعي‭ ‬يتضمن‭ ‬شيئا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يهزم‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتراجع‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭(‬الهزيمة‭)‬؛‭ ‬إنه‭ ‬الانتصار‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬ربحنا‭ ‬المعركة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أنه‭ ‬التتالي‭ ‬وفق‭ ‬قوانين‭ ‬الوجود‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬جدل‭ ‬المتناهي‭ ‬واللامتناهي‭.‬فالانتصار‭ ‬ذاك‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬كوننا‭ ‬قد‭ ‬تمكنا‭ ‬من‭ ‬التسجيل‭ ‬الفعلي‭ ‬في‭ ‬التاريخ،لإحدى‭ ‬نقط‭ ‬اللاعودة؛‭ ‬وهذا‭ ‬يخرج‭ ‬الماركسية‭ ‬من‭ ‬معناها‭ ‬الخشبي‭  ‬لتصبح‭ ‬الفكر‭ ‬الذي‭ ‬يعين‭ ‬الحركة‭ ‬العامة،‭ ‬حيث‭ ‬الفرز،في‭ ‬التاريخ،‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬خاضعا‭ ‬لقوانين‭ ‬اللاعودة‭(‬النجاح‭) ‬وبين‭ ‬من‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬شروط‭ ‬نضجه‭ ‬لحدوث‭ ‬اللاعودة‭ ‬لم‭ ‬تتوفر‭ ‬بعد‭.‬وعليه،ف‭ ‬‮«‬‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬هزم‭ ‬العدو‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إلغائه،‭ ‬بل‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬‮«‬‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬‭ ‬عملية‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬التمييز‭ ‬الطبقي‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الممارسة‭ ‬الجماعية‭ ‬والتي‭ ‬تقتضي‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تذليل‭ ‬تناقضات‭ ‬مرحلة‭ ‬التمييز‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬هي،‭ ‬وبالكاد،التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعكف‭ ‬على‭ ‬تنظيمها‭ ‬لحصول‭ ‬الانتقال‭.‬وبلغة‭ ‬أخرى،فالسياسة‭ ‬هي‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬التناقضات‭ ‬الطبقية‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬التوجهات‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬التغيير‭ ‬الفعلي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬اللاعودة‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬الانتصار‭ ‬كحسم‭ ‬مرحلي‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬القول‭.‬ومعلوم‭ ‬أنه‭ ‬لحصول‭ ‬ذلك،فالسياسة‭ ‬مطالبة‭ ‬بالانخراط‭ ‬الفعلي‭ ‬في‭ ‬تشخيص‭ ‬الواقع‭ ‬كصراع‭ ‬بين‭ ‬الطبقات‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬متباينة‭. ‬هذا‭ ‬الانخراط‭ ‬الفعلي‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬‮«‬‭ ‬التنظيم‭ ‬السياسي‭ ‬‮«‬‭ ‬الذي‭ ‬فيه‭ ‬ومنه‭ ‬الشراكة‭ ‬والمسئولية‭ ‬وبناء‭ ‬الأفق‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حصوله‭ ‬خارج‭ ‬مكونات‭ ‬المعنى‭ ‬كجدلية‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭.     

بناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬يمكننا‭ ‬تحديد‭ ‬‮«‬‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬الفكر‭ ‬الذي‭ ‬تفرزه‭ ‬جدلية‭ ‬النهائي‭ ‬واللانهائي‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬أنه‭ ‬الاختراق‭ ‬الجدلي،‭ ‬وباللزوم،‭ ‬لمكونات‭ ‬وحدته‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬تناقضه‭ ‬ومفهوم‭ ‬الخشبية‭ ‬والدوغمائية‭ ‬في‭ ‬أشكالها‭ ‬الشعورية‭ ‬واللاشعورية‭. ‬فالمكونات‭ ‬فواعل،‭ ‬شكل‭ ‬ومستوى‭ ‬علاقات‭ ‬صراعها‭ ‬الطبقي‭ ‬هو‭ ‬شكل‭ ‬وجودها‭ ‬الاجتماعي‭. ‬ف‭ ‬‮«‬‭ ‬المعنى‭ ‬‮«‬‭ ‬هو‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المكونات،‭ ‬وهذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬هي‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أشكاله‭ ‬التي‭ ‬تتوخى‭ ‬المناعة‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سميناه‭ ‬ب‭ ‬‮«‬‭ ‬منجزات‭ ‬اللاعودة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬‮«‬‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬انهزام‭ ‬بدرجة‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬الدرجات،‭ ‬لجزء‭ ‬من‭ ‬مستويات‭ ‬المجتمع‭ ‬البورجوازي‭. ‬لذلك،‭ ‬فعندما‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬‮«‬‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬،‭ ‬لا‭ ‬نقصد‭ ‬كونها‭ ‬فكرا‭ ‬مطلقا،‭ ‬ولا‭ ‬فكرا‭ ‬مغلقا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬من‭ ‬الخانات‭ ‬كالقول‭ ‬بخانة‭ ‬الفلسفة‭ ‬أو‭ ‬العلم‭ ‬أو‭ ‬السياسة،‭ ‬بل‭ ‬الماركسية‭ ‬معنى‭ ‬يحدده‭ ‬دوما‭ ‬جدل‭ ‬تركيب‭ ‬تلك‭ ‬المكونات،‭ ‬عبر‭ ‬العملية‭ ‬‮«‬‭ ‬التنظيمية‭ ‬‮«‬‭ ‬التي،‭ ‬بفعلها،‭ ‬تتشكل‭ ‬دوما‭ ‬العملية‭ ‬الفعالة‭ ‬لا‭ ‬الساكنة‭ ‬والخشبية‭ (‬التكرار‭ ‬القاتل‭). ‬فبدون‭ ‬تفعيل‭ ‬هذا‭ ‬المكون‭ ‬‮«‬‭ ‬التنظيمي‭ ‬‮«‬،‭ ‬ومن‭ ‬داخله‭ ‬المكون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والعلمي‭ ‬والفلسفي‭ ‬والسياسي،‭ ‬تحصل‭ ‬الخشبية‭ ‬والدوغمائية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬الإلغاء‭ ‬الفعلي‭ ‬ل‭ ‬‮«‬‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬‭. ‬إن‭ ‬‮«‬‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬‭ ‬بهذه‭ ‬الدلالة،‭ ‬والنابع‭ ‬نظريا‭ ‬وممارسة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الراهن،‭ ‬يعمل‭ ‬نظريا‭ ‬وممارسة‭ ‬محددا‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬التاريخ،على‭ ‬إبداع‭ ‬،من‭ ‬داخل‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي،‭ ‬نظام‭ ‬آخر‭ ‬بخلق‭ ‬شروط‭ ‬حصوله‭.‬مما‭ ‬يؤسف‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدلالة‭ ‬للماركسية‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬النجاح‭ ‬لحد‭ ‬الساحة‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬عندما‭ ‬نستحضر‭ ‬منطق‭ ‬التاريخ،‭ ‬نقول‭ ‬أنها‭ ‬انهزامات‭ ‬مؤقتة‭ ‬ستتلوها‭ ‬النجاحات‭ ‬كلما‭ ‬حررناها‭ ‬من‭ ‬الخشبية‭ ‬والخانات‭ ‬المغلقة‭.  

إن‭ ‬بناء‭ ‬‮«‬‭ ‬المعنى‭ ‬الإبداعي‭ ‬للماركسية‭ ‬‮«‬‭ ‬يقتضي‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬شروط‭ ‬انفتاح‭ ‬قواه‭ ‬لإخراجه‭ ‬من‭ ‬الخانات‭ ‬المنغلقة‭ ‬والمخشبة‭ ‬والخشبية؛‭ ‬إبداع‭ ‬يتبنى‭ ‬في‭ ‬بنائه‭ ‬ومكوناته‭ ‬ومجالسه‭ ‬وورشاته‭ ‬وقراراته‭ ‬وأنماط‭ ‬ربط‭ ‬مكوناته،‭ ‬قاعدة‭ ‬إعطاء‭ ‬العقل‭ ‬والنقد‭ ‬والمختبر‭ ‬ومراكز‭ ‬البحث‭  ‬معانيها‭ ‬الجدلية‭ ‬السليمة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الانغلاق‭ ‬وشعار‭ ‬‮«‬‭ ‬معزة‭ ‬ولو‭ ‬طارت‮»‬‭. ‬لذا،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬البناء‭ ‬الحي‭ ‬والجدلي‭ ‬ل‮»‬‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬‭ ‬وتخليصها‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬البريكولاج‭ ‬التافه؛‭ ‬إنها‭ ‬،‭ ‬مرحلة‭ ‬حصول‭ ‬تحرير‭ ‬‮«‬‭ ‬معناها‭ ‬‮«‬،‭ ‬هي‭ ‬الفكر‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬القدرة‭  ‬والإمكانات‭ ‬الفعلية‭ ‬التي‭ ‬تؤهله‭ ‬لتقديم‭ ‬نظام‭  ‬بديل‭ ‬للنظام‭ ‬الرأسمالي‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى