الجهل المقدس

خرج‭ ‬علينا‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ذاك‭ ‬المقرئ‭ “‬المغوار‭”‬،‭ ‬يناظر‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الحقة،‭ ‬ويدعي‭ ‬علماً‭ ‬ليس‭ ‬فيه،‭ ‬يجادل‭ ‬علماء‭ ‬الفيزياء‭ ‬والذرة‭ ‬والفلك‭ ‬عن‭ ‬جهل،‭ ‬كأني‭ ‬به‭ ‬خرج‭ ‬للتو‭ ‬من‭ ‬المختبرات‭ ‬العلمية‭ ‬لبويا‭ ‬عمر،‭ ‬متأبطاً‭ ‬مبخرة‭ ‬الدَّجل،‭ ‬والأدهى‭ ‬والأَمَرّ‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬به‭ ‬انحطاط‭ ‬توصيف‭ ‬العالم‭ ‬الفيزيائي‭ ‬ستيفن‭ ‬هوكينغ‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يفقه‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬شيئا،‭ ‬وبأنه‭ “‬أغبى‭ ‬من‭ ‬حمار‭”‬،‭ ‬وتزداد‭ ‬بشاعة‭ ‬الواقعة‭ ‬حين‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السب‭ ‬والقدح‭ ‬تم‭ ‬بمدرجات‭ ‬الجامعة،‭ ‬وتكتمل‭ ‬كل‭ ‬معالم‭ ‬السواد‭ ‬حين‭ ‬نكتشف‭ ‬أن‭ ‬الفضاء‭ ‬بكلية‭ ‬بنمسيك‭ ‬والذي‭ ‬شهد‭ ‬نازلة‭ ‬التجريح‭ ‬التخريفي،‭ ‬ليس‭ ‬إلاّ‭ ‬قاعة‭ ‬المفكر‭ ‬العقلاني‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬العروي‭.‬

‭ ‬وتصل‭ ‬الغرابة‭ ‬منتهاها‭ ‬حين‭ ‬يبدأ‭ ‬تصفيق‭ ‬حواريي‭ ‬المقرئ،‭ ‬وحواريي‭ ‬حوارييهم،‭ ‬على‭ ‬تجريح‭ ‬لا‭ ‬يمت‭ ‬للقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬لأدبيات‭ ‬الحوار‭ ‬بصلة،‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬فيزيائي‭ ‬صرف‭ ‬يتطلب‭ ‬دراية‭ ‬علمية‭ ‬دقيقة،‭ ‬لقد‭ ‬رد‭ ‬عليهم‭ ‬ستيفن‭ ‬هوكينغ‭ ‬من‭ ‬قبره‭ ‬بكل‭ ‬سمو‭ ‬وعفة‭ ‬العلماء،‭ ‬بأن‭ : “‬أعظم‭ ‬عدو‭ ‬للمعرفة‭ ‬ليس‭ ‬الجهل‭ ‬بل‭ ‬وهم‭ ‬المعرفة‭”‬،‭ ‬هي‭ ‬محنة‭ ‬العلماء‭ ‬أمام‭ ‬جهل‭ ‬وجهالة‭ ‬فقهاء‭ ‬الخرافة،‭ ‬فلا‭ ‬مشكلة‭ ‬في‭ ‬الجهل،‭ ‬فالعلم‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬دحضه،‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬الخطورة‭ ‬في‭ ‬إلباس‭ ‬الجهل‭ ‬ثوب‭ ‬القداسة‭ ‬وغطاء‭ ‬الدين،‭ ‬لتصدق‭ ‬توقعات‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬منذ‭ ‬زمن،‭ ‬وهو‭ ‬يصف‭ ‬الواقعة‭ ‬بدقة‭ : “‬التجارة‭ ‬بالأديان‭ ‬هى‭ ‬التجارة‭ ‬الرائجة‭ ‬فى‭ ‬المجتمعات‭ ‬التى‭ ‬ينتشر‭ ‬فيها‭ ‬الجهل،‭ ‬إذا‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬تتحكم‭ ‬فى‭ ‬جاهل‭ ‬فعليك‭ ‬أن‭ ‬تغلف‭ ‬كل‭ ‬باطل‭ ‬بغلاف‭ ‬دينى‭”. 

لم‭ ‬تبرع‭ ‬الوهابية‭ ‬وأتباعها‭ ‬بالتقية،‭ ‬لحدود‭ ‬اللحظة،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬استصدار‭ ‬فتاوي‭ ‬قطع‭ ‬الرؤوس‭ ‬وإرضاع‭ ‬الكبير‭ ‬والتداوي‭ ‬ببول‭ ‬البعير‭ ‬ونكاح‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وحكم‭ ‬الضراط‭ ‬في‭ ‬المجلس‭..‬،‭ ‬ولم‭ ‬نشهد‭ ‬أنهم‭ ‬أجمعوا‭ ‬بفتاويهم‭ ‬المغرضة‭ ‬على‭ ‬محاسبة‭ ‬فاسد‭ ‬أو‭ ‬محاكمة‭ ‬حاكم‭ ‬ظالم‭ ‬أو‭ ‬مناصرة‭ ‬كادح‭ ‬أو‭ ‬مجابهة‭ ‬تصهين‭..‬،‭ ‬بالعكس‭ ‬فالعالِم‭ / ‬الإنساني‭ ‬ستيفن‭ ‬هوكينغ،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬المناصرين‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬السمحة،‭ ‬عكس‭ ‬أتباع‭ ‬المقرئ‭ ‬الذين‭ ‬كلما‭ ‬وصل‭ ‬ملف‭ ‬محاربة‭ ‬التطبيع‭ ‬الصهيوني‭ ‬لقبة‭ ‬البرلمان‭ ‬أقبروه‭.‬

لن‭ ‬ننجر‭ ‬للكلام‭ ‬السوقي،‭ ‬ولا‭ ‬محاكاة‭ ‬معلقة‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬كلثوم‭ :‬

    ‬ألا‭ ‬لا‭ ‬يجهلن‭ ‬أحد‭ ‬علينا
                        ‬فنجهل‭ ‬فوق‭ ‬جهل‭ ‬الجاهلينَ

فنحن‭ ‬نملك‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الرد‭ ‬ومن‭ ‬جنس‭ ‬نفس‭ ‬كلام‭ ‬المقرئ،‭ ‬لكننا‭ ‬نتعفف‭ ‬في‭ ‬استعمالها،‭ ‬صونا‭ ‬لِعُمْقنا‭ ‬الإنساني،‭ ‬فقد‭ ‬تعلمنا‭ ‬في‭ ‬مدرستنا‭ ‬قواعد‭ ‬أدب‭ ‬مجادلة‭ ‬المختلفين،‭ ‬والمحاججة‭ ‬المنطقية،‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬القرائن‭ ‬العلمية،‭ ‬فخلاصة‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬إناء‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬ينضح‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى