الثقافة

روزا لوكسمبورغ المثقفة الحمراء

لوموند : عدد خاص عن تاريخ الثورات ترجمة - : عبد الكريم وشاشا - غشت 2018

الوجه البارز للثورة الأولى الروسية، بطلة انتفاضة Spartakiste في برلين (أو الإضراب العام ما بين 5 يناير إلى 12 يناير 1919 والذي يمثل حلقة أساسية في الثورة الألمانية 1918 / 1919)، مؤسسة الحزب الشيوعي الألماني، دافعت عن معتقداتها بصلابة حتى الموت.

داخل روزا طاقة نضالية خلاقة مشتعلة دائما، راسلت إحدى صديقاتها من السجن، سنة 1916:

” إذا تطلب الأمر، أن تكون إنسانا، حتى ولو وضعت حياتك كلها وبابتهاج على كفة الميزان الكبير للقدر.. وأنت تستقبل كل يوم مشرق وكل سحابة جميلة ”

صاحبة روح متقدة، وآراء قاطعة، وعقل نقدي يقظ، غير مستعدة مطلقا التخلي عن قناعاتها ومعتقداتها اليسارية المتطرفة. كتبت :” لا أحد بإمكانه أن يرغمني على عض التراب “. منظرة للماركسية، في حياتها، أثارت روزا لوكسمبورغ الإعجاب والبغض في نفس الوقت، التمرد يجري مجرى الدم في عروقها، تعتقد بنجاعة الإضرابات والعصيانات الجماهيرية، وتطمح لتوحيد مطالب البروليتاريا عالميا. تؤمن بالسلام والسلم، ناضلت ضد الحرب، أفرج عنها بعد اعتقالها بسبب ذلك، مثقفة ثائرة، ذات أسنان صلبة، حتى ضد من ينتمي إلى صفوفها؛ تندد وتفضح وتعري كل مظاهر الجبن والإفراط للبورجوازية، من جان جوريس إلى ” العقل الضيق ” عند لينين. رغم أنها بقيت متضامنة طيلة مسار الثورة، فقد انتقدت بشدة البلاشفة عندما انقلبت ثورتهم إلى دكتاتورية ماحقة.. أو عندما تم إعادة توزيع الأراضي بعد حظر الملكية.. فالحرية بالنسبة إليها هي القيمة العليا، لقد قالت: ” الحرية، هي دائما الحرية حتى بالنسبة للذي يفكر في شيء آخر

امرأة شابة ملتزمة أيما التزام

تنحدر روزا لوكسمبورغ من عائلة يهودية متحررة وميسورة، ولدت سنة 1871 في بولونيا الروسية. وقد وضعت جبيرة ما يقارب سنة وهي لا زالت صغيرة السن، بعض تشخيص خاطئ لمرض السل في العظام؛ آخر عنقود لأسرة من خمسة أطفال أصبحت تعرج طيلة حياتها. اجتازت دراستها الثانوية بتفوق لافت بثانوية فارسوفيا وكانت ضمن الحصة المخصصة لليهود، عندما استعرت بالفعل معاداة السامية، لكنها تتمتع بنظرة واسعة، تناهض الظلم، ولم تتخذ مطلقا المسألة اليهودية أو قضية المرأة كقميص عثمان أو كغطاء في نضالها..

باكرا غادرت روزا بولونيا إلى سويسرا، حيث حصلت على دكتوراه في الاقتصاد السياسي وناضلت بجانب الاشتراكيين، وخاصة رفيقها ليو جوكيش (Leo Jogiches) الذي التقت به هناك. قبل الالتحاق بألمانيا، البلد الذي حصلت على جنسيتها بفضل زواج أبيض. وقد لعبت منذ البداية الدور الأول في قلب الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) دقيقة وملهمة وصارمة في المناظرات والنقاشات المذهبية الداخلية.

متحدثة وخطيبة ليس لها مثيل، وتمثل حلقة مركزية قوية في مدرسة تكوين الأطر للحزب. سجل المؤرخ (Jean –Numa Ducange) :” كانت ضليعة وواسعة المعرفة، دروسها في الاقتصاد السياسي، غذت الأنتربولوجيا وأدرجت لمعرفة الشعوب البدائية ” .. في كتابها الرئيسي ” تراكم الرأسمال المالي ” الصادر سنة 1913، راجعت روزا الحمراء الماركسية بتصور جديد وراهنت على التدمير الداخلي للرأسمال.. ” وفي آخر المطاف ستؤول الأمور بهذا النظام إلى تشديد الضغط على العمال، مما سيؤدي إلى ثورات جذرية في الصراع الطبقي “.. وكانت موافقة على أممية شاملة، الفكرة التي أدت بها إلى الانسحاب من الحزب الاشتراكي الديمقراطي البولوني عندما نادى بتأسيس بولونيا : “فهي رفضت الوطنية لأنها ذات أفق ضيق بيروقراطي ويمكن أن تأخر انبثاق حركة عمالية عالمية ” .. بالنسبة لها :على العمال أن يأخذوا مصيرهم بأيديهم.. وقيادة الحزب لا يمكن لها إلا أن تساعدهم.. وقد انسحبت وابتعدت عن منظرين للاتجاه الآخر بما فيهم صديقها كارل كاوتسكي..

دائما في الخطوط الأمامية

بعيدة عن أن تكون محرضة أو مشاغبة صالونات، نزلت المناضلة روزا إلى ميدان النضال، وهكذا قفلت راجعة إلى بولونيا سنة 1905، إبان اندلاع الثورة الأولى الروسية، حيث تم أسرها وقد استطاعت الإفلات في لحظة أخيرة من حكم بالإعدام. بعد عودتها إلى ألمانيا تموقعت في الجناح اليساري للحزب الاشتراكي الديمقراطي، مناهضة لكل الحروب، ومعارضة على الخصوص لحرب 1914، وهو الموقف الذي أدت عنه ثمن حبسها لفترة طويلة خلال هذه الحرب.. وهناك كتبت عدة رسائل ملتهبة وهذه الرسائل التي تمت قراءتها مؤخرا على مسارح باريس من طرف الفنانة والمسرحية الفرنسية أنوك جرينبرج (Anouk Grinberg)، وهي من أكثر المعجبات ” بهذه المرأة المدهشة والعظيمة التي فضحت البروباغاندا وواجهت البربرية ” متعلقة بإحساس رهيف بالطبيعة، ومقبلة على حياة صاخبة مليئة بالحب، فقد خاضت لهيب علاقات حب كثيرة، وفي السجن كتبت باسم مستعار (Junius) كتابات يسارية مشتعلة، بعدها القاعدة النظرية لرابطة سبارتاكوس – نسبة لسبارتاكوس الذي قادة ثورة العبيد ضد روما – التي قامت بتأسيسها، وكانت تدعو للسيطرة على مجالس العمال ونشر الثورة حتى تعم أوروبا كافة، فالحزب الشيوعي الألماني الذي بادرت بتأسيسه نهاية 1918 هو امتداد لرابطة سبارتكوس.

تم إطلاق سراحها صبيحة اتفاقيات الهدنة، فروزا لوكسمبورغ هي بطلة الثورة الألمانية التي اندلعت في نهاية الحرب العالمية. رغم أنها ضد الأساليب الإرهابية، فهي تعتقد بأنه يجب رفع مستوى وعي العمال بدل تسليحهم، فقد شاركت في يناير 1919 في حركات التمرد الشيوعية في برلين، والتي سرعان ما تم قمعها بوحشية دموية. تم التبليغ بها، وإلقاء القبض عليها في مخبئها السري.

خضعت روزا لوكسمبورغ مع البرلماني Karl Liebknecht للاستجواب والتحقيق وبعد ذلك تم قتلهما من طرف فيلق من القوميين، فقد كان من المفروض اقتيادهما إلى السجن، لكنها تلقت ضربة هراوة على الرأس، ثم طلقة مسدس، قبل رميها في قناة (قناة لاندفيرولم يتم انتشال جثتها إلا بعد شهور. ثائرة، متهمة أنها حاولت القضاء على الرأسمالية.. وقد تحولت روزا لوكسمبورغ بعد اغتيالها وموتها إلى علامة بارزة للمثقفين اليساريين .. من ألمانيا إلى أمريكا اللاتينية…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى