المجتمع

لعبة الحوار الاجتماعي بالمغرب

أحمد السامري

يعتبر الحوار سمة ملازمة للوجود الاجتماعي، ومميزة للإنسان بصفة عامة منذ أن تخطى الشرط الطبيعي وأسس الشرط الثقافي. ويقصد بالحوار كل تبادل للآراء والأفكار والتحاليل بين طرفين أو أكثر من أجل الوصول إلى اتفاق. وهو آلية أساسية لتدبير الاختلاف وحل النزاعات بشكل سلمي حضاري، وبهذا المعنى فالحوار يتناقض مع العنف والقوة. ويمكن القول أن فضاء الديمقراطية المميزة للمجتمعات الحديثة هو فضاء التواصل والحوار بامتياز، قائم على احترام رأي الأخر وقبول الاختلاف والإقناع والاقتناع.

أما الحوار الاجتماعي فهو نوع من الحوار الذي ينحصر في مجال اجتماعي محدد هو مجال العلاقات الشغلية والمهنية، وتعرفه منظمة العمل الدولية ” باعتباره حوارا يضم كل أشكال التفاوض والتشاور وحتى تبادل المعلومات بين ممثلي الحكومة وأرباب العمل والعمال، وفقا لأشكال مختلفة حول كافة المسائل ذات المصلحة المشتركة المرتبطة بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية”. ويستنتج من هذا التحديد أن الحوار الاجتماعي كما سنته منظمة العمل الدولية يعتبر آلية أساسية لتدبير نزاعات الشغل والمساهمة في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والحد من نزاعات الشغل وتشجيع السلم والاستقرار الاجتماعيين وتحسين شروط العمل اللائق وضمان المساواة والعدالة الاجتماعية وأنسنة العلاقات الشغلية والمهنية ورفع مستوى الحماية الاجتماعية والرفع من المردودية والإنتاجية. وبصفة عامة يمكن القول أن الحوار الاجتماعي آلية لتحسين وإصلاح بنية وشروط الاستغلال وليس إلغاءها، لأنها آلية وضعت داخل البراد يغم الديمقراطي بتوجهه الليبرالي.

إلا أن تحقيق هذه الأهداف رغم محدوديتها ورغم إبقائها على استغلال العمال، تشترط مجموعة من الشروط والمقتضيات مثل وجود منظمات ديمقراطية قوية مستقلة وذات مصداقية، اعتراف الحكومة بالدور الهام الذي يمكن أن تلعبه هذه المنظمات في التشريعات وكافة القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وجود قطاع خاص وطني ومتضامن، وجود إطار تشريعي مناسب لمؤسسات الحوار الاجتماعي المركزية والقطاعية والترابية، احترام الحقوق الأساسية للعمال، حياد الحكومة وأخذها نفس المسافة من التنظيمات أطراف الحوار.

والمتتبع للحوار الاجتماعي بالمغرب يلاحظ بسهولة شبه انعدام إن لم نقل انعدام جل هذه المقتضيات: فرغم التنصيص في مدونة الشغل على أشكال مختلفة للحوار الاجتماعي سواء المركزية أو الترابية، ورغم أنه في كل سنة عند اقتراب فاتح ماي يكثر الحديث عن الحوار الاجتماعي وتعقد جلسات في هذا الإطار، إلا أن مأسسة الحوار الاجتماعي قطاعيا وترابيا لازال مطلبا بعيد المنال، وذلك للاعتبارات التالية:

  • الحكومة في المغرب ليست لها السيادة وليست لها حرية الإرادة والقرار في ظل وجود ازدواجية الحكومة والدولة، ولا يستقيم الحوار إلا بين أطراف مستقلة ولها حرية اتخاذ القرار، ومن يعترف بسيادة الحكومة ليس من حقه المطالبة بالديمقراطية.
  • الحكومة هي أداة سياسية للدولة، وهذه الأخيرة هي التعبير السياسي للطبقة السائدة اقتصاديا وبالتالي تسخرها لاستدامة سيادتها السياسية، ولن تكون في يوم ما على نفس المسافة من قوة العمل وقوة الرأسمال، فهي دائما منحازة للطرف الذي تمثله وتعبر عنه سياسيا.
  • الرأسمال في المغرب رأسمال جبان وانتهازي ولا يؤدي حتى الضرائب كشرط للمواطنة، والدليل على ذلك أن 2% من المقاولات تؤدي 80% من الوعاء الضريبي، وبالتالي همه الربح السريع وانتهاز الفرص وابتزاز الدولة فيما يخص الامتيازات، في غياب تام للمغامرة والمبادرة والتضامن…
  • منظمات نقابية ضعيفة ومتشرذمة ولا تمثل مجتمعة حتى 6% من قوة العمل وأغلبها غير ديمقراطية ولا مستقلة، بل وقرارها مرتبط بأجندات سياسية ويتغير حسب موقعها وتواجدها في الحكومة أو في المعارضة، بل هناك من النقابات من دافعت عن قرارات عندما كانت أحزابها في الحكومة وعن نقيضها في المعارضة أو العكس.
  • أن الحوار الاجتماعي سن في بيئة ديمقراطية كآلية لتعزيز الديمقراطية التشاركية ومشاركة تنظيمات المجتمع في صنع السياسات العمومية، أي كآلية لتجاوز نقائص الديمقراطية التمثيلية فقط، في حين أننا في المغرب لازال الشعب المغربي يناضل من أجل الديمقراطية التمثيلية حتى نتحدث عن التشاركية والمشاركة. لذلك هناك حديث عن الإشراك، والإشراك غير المشاركة، الإشراك فيه طرف فاعل ومقرر وطرف منفعل فقط.

لهذه الاعتبارات يمكن الجزم أن ما يسمى حوارا اجتماعيا في المغرب وفي كل الدول غير الديمقراطية هو لعبة فقط ومناورة تخوضها الأطراف كل حسب حساباته واستراتيجيته، والكل على علم بنوايا الكل، وما تم تحقيقه من مكتسبات للطبقة العاملة كان في سياقات مختلفة ومرتبطة بوضعية النظام السياسي في لحظات دقيقة إما داخليا أو خارجيا، وعلى حساب تضحيات جسام للقوى الوطنية الديمقراطية سواء في نضالها السياسي أو الاجتماعي.

ولذلك كله لا بد من التنصيص على بعض الخلاصات الأساسية:

  • لإصلاح مثلث الحوار الاجتماعي المعطوب لابد من خوض النضال من أجل التغيير الديمقراطي، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية، الدولة الحاضنة للحقوق والحريات، دولة الرعاية الاجتماعية والكرامة والعدالة والمساواة، لذلك فالمغرب في حاجة ليس لحوار اجتماعي بل لحوار سياسي شامل يفضي إلى إصلاحات سياسية مؤسسة للديمقراطية في كل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
  • الطبقة العاملة تحتاج إلى المعبر السياسي، أي إلى حزب الطبقة العاملة، كأداة لخوض النضال على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والإيديولوجية، وفي انتظار ذلك عليها مرحليا الخروج من حيادها وسلبيتها والانخراط في النضال من أجل التغيير الديمقراطي من خلال الأحزاب والنقابات الديمقراطية المناضلة.
  • تجميع وتوحيد قوى اليسار الحاملة لهموم الطبقة العاملة أصبح ضرورة نضالية ملحة في المرحلة الراهنة من أجل تأطير وقيادة نضالات الطبقة العاملة وعموم المأجورين وكل الجماهير الشعبية الكادحة.
  • الحركة النقابية وخصوصا النقابات الديمقراطية المناضلة والممانعة في هذه اللحظة الموسومة بالتراجعات الكبرى وبسياسة التفكيك الشامل ( تنظيمات المجتمع، المرفق العمومي، مفهوم الدولة المركزية، الدولة الاجتماعية…) مطالبة بإعادة النظر في آليات اشتغالها خصوصا أن هناك تحولات كبرى ومتسارعة في عالم الشغل قد تهدد تواجدها ككل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى