دفاعا عن الثقافة الفنية ( الغناء نموذجا )

◆ العربي الرودالي

    النهضة‭ ‬الفنية،‭ ‬نهضة‭ ‬تربوية‭…‬وثقافة‭ ‬إنسانية

  ‬من‭ ‬أصناف‭ ‬الفنون‭ ‬و‭ ‬الجماليات‭ ‬المبتكرة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الحياة‭ ‬البشرية‭ ‬منذ‭ ‬النشأة‭ ‬الأولى،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬بحق‭ ‬من‭ ‬الفتوحات‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتبلورة،‭ ‬هو‭ ‬الغناء‭..‬إنه‭ ‬يتميز‭ ‬بكونه‭ ‬أصلا،‭ ‬عنصرا‭ ‬غريزيا‭ ‬لدى‭ ‬الإنسان‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭..‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تجمع‭ ‬بشري‭ ‬لا‭ ‬يغني،‭ ‬بل‭ ‬و‭ ‬سائر‭ ‬المخلوقات‭ ‬الأخرى،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬تستغني‭ ‬عنه‭ ‬أية‭ ‬شريحة‭ ‬من‭ ‬شرائح‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭…‬إنه‭ ‬الأكثر‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الفنون‭ ‬الذي‭ ‬يتصف‭ ‬بهذه‭ ‬الصفة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ميزة‭ ‬كونية‭ ‬أصبحت،‭ ‬في‭ ‬سيرورة‭ ‬التطور‭ ‬التاريخي‭ ‬للإنسان،‭ ‬تقاس‭ ‬بها‭ ‬القيمة‭ ‬الذوقية‭ ‬لكل‭ ‬أمة،‭ ‬وتحدد‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬مقومات‭ ‬وجودها‭ ‬الثقافي‭ ‬والحضاري،‭ ‬عبر‭ ‬تجذرها‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬و‭ ‬المكان‭ ‬تاريخيا‭ ‬و‭ ‬جغرافيا‭…‬و‭ ‬بإيجاز،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الإبداع‭ ‬الذي‭ ‬يصطلح‭ ‬عليه‭ ‬بالفن‭ ‬عموما‭ ‬وبالغناء‭ ‬خصوصا‭ ‬هو،‭ ‬إلى‭ ‬عهدنا‭ ‬هذا،‭ ‬العنصر‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬النسيج‭ ‬الثقافي‭/‬الفني‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لأنه‭ ‬أكثر‭ ‬انتشارا‭ ‬وأكثر‭ ‬تأثيرا‭…‬من‭ ‬هنا‭ ‬فالغناء،‭ ‬بتعدده‭ ‬وتنوع‭ ‬أنماطه،‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬العنصرية‭ ‬ولا‭ ‬الطبقية‭ ‬ولا‭ ‬الفئوية‭ ‬ولا‭ ‬الغنى‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬الفقر‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬تمايز‭ ‬آخر‭..‬به‭ ‬يحصل‭ ‬الإسهام‭ ‬خلقيا‭ ‬وخلقيا،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره،‭ ‬في‭ ‬التنشئة‭ ‬و‭ ‬التطور‭ ‬والرقي‭ ‬النفسي‭ ‬و‭ ‬المزاجي‭ ‬والخيالي‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭…‬فمن‭ ‬المهد‭ ‬إلى‭ ‬اللحد‭ ‬الجميع‭ ‬يتوق‭ ‬إلى‭ ‬إنشاد‭ ‬أو‭ ‬سماع‭ ‬ترنيمات‭ ‬غنائية‭ ‬تنشيطية‭ ‬أو‭ ‬تعبيرية،‭ ‬وجدانية‭ ‬أو‭ ‬ابتهالية‭ ‬روحية،‭ ‬متجذرة‭ ‬أو‭ ‬تتجذر‭ ‬بين‭ ‬الطبيعة‭ ‬والكائن‭ ‬البشري،‭ ‬والمبدع‭ ‬والمتلقي‭..‬ولنا‭ ‬المثال‭ ‬في‭ ‬الحماس‭ ‬الذي‭ ‬تذكيه‭ ‬الموسيقى‭ ‬وتبعثه‭ ‬في‭ ‬نفسية‭ ‬الجنود‭ ‬والمناضلين،‭ ‬تعبئة‭ ‬للشعوب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحرر‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬حوزة‭ ‬البلاد،‭ ‬كما‭ ‬يحصل‭ ‬دوما‭ ‬في‭ ‬أزمنة‭ ‬الحركات‭ ‬الوطنية‭ ‬والتحررية‭…‬وخير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ثورة‭ “‬الغناء‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المقاوم‭”‬،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء‭ ‬والاستمرار‭… ‬فقوة‭ ‬التراث‭ ‬والذاكرة،‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬قدرتهما‭ ‬الخارقة‭ ‬على‭ ‬اختزان‭ ‬الموروث‭ ‬الثقافي‭ ‬كهوية‭ ‬للكيان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الفنون،‭ ‬ومنها‭ ‬الغناء‭..‬وهكذا‭ ‬يترتب‭ ‬باستمرار‭ ‬الوجدان،‭ ‬ويتهذب‭ ‬الذوق،‭ ‬ويتفتق‭ ‬الخيال،‭ ‬وتنفتح‭ ‬الآفاق‭ ‬لتنشرح‭ ‬النفس‭ ‬وتطمئن،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الذات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭… ‬أفراح‭ ‬ومسرات،‭ ‬أحزان‭ ‬وهواجس،‭ ‬أحلام‭ ‬وآمال،‭ ‬عشق‭ ‬ولوعة،‭ ‬لهف‭ ‬وطموح،‭ ‬غضب‭ ‬وانتفاض‭…‬إنه‭ ‬إبداع‭ ‬في‭ ‬الذات‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬مسافاتها‭ ‬من‭ ‬الفرد‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ،‭ ‬في‭ ‬صيرورة‭ ‬تبصم‭ ‬الحقب‭ ‬المتعاقبة‭..‬وبهذا‭ ‬يكون‭ ‬إبداعا‭ ‬متأصلا‭ ‬لتأكيد‭ ‬الحضور،‭ ‬حضور‭ ‬التساكن‭ ‬والانتماء‭ ‬والمواطنة‭..‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬إبداعا‭ ‬في‭”‬الآخر‭” ‬الغريب،دون‭ ‬هذا‭ ‬الحضور،‭ ‬فسيكون‭ ‬انسلاخا‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬هذا‭ ‬الآخر‭..‬فالأمة‭ ‬التي‭ ‬تعي‭ ‬ذاتها‭ ‬وتشعر‭ ‬بها‭ ‬تملك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تتطور‭ ‬تكامليا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬النهضة‭ ‬الشاملة‭… ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬نحن‭ ‬المغاربة‭ ‬نعتز‭ ‬بغنائنا‭ ‬وموسيقانا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لكل‭ ‬الأمم‭…‬فمكونات‭ ‬ثقافتنا‭ ‬إجمالا‭ ‬ضاربة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬العصور،‭ ‬وستبقى‭ ‬ولن‭ ‬تفنى‭ ‬ما‭ ‬بقيت‭ ‬أمتنا‭ ‬تبدع‭ ‬بملكاتها،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لكل‭ ‬أمة‭…‬فمهما‭ ‬كان‭ ‬الدخيل‭ ‬مقتحما‭ ‬وعنصريا،‭ ‬فلا‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يذوب‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭..‬فالشعوب‭ ‬لها‭ ‬طرقها‭ ‬وأساليبها‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬تراثها،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الوشم‭ ‬والرقص‭ ‬والهتاف‭ ‬والفرجة‭ ‬واللعب‭ ‬وبالأحرى‭ ‬الغناء،‭ ‬أصواتا‭ ‬وصورا‭ ‬وسلوكات‭ …‬ولكن‭ ‬ومن‭ ‬المؤسف‭ ‬جدا،‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الراهن‭ ‬لحظة‭  ‬التشتت‭ ‬والتشرذم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬نتيجة‭ ‬الانتكاس‭ ‬الحضاري‭ ‬والتراجع‭ ‬التاريخي‭ ‬عامة،‭ ‬وكذا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التأطير‭ ‬والتدبير‭ ‬خاصة،‭ ‬ثقافيا‭ ‬وفكريا‭ ‬وحتى‭ ‬سياسيا،‭ ‬إذ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬تفتقد‭ ‬اللحمة‭ ‬الواصلة‭ ‬بين‭ ‬العناصر‭ ‬المكونة‭ ‬للذات‭…‬حيث‭ ‬تتيه‭ ‬التوجهات‭ ‬و‭ ‬تغيب‭ ‬الرؤى‭ ‬و‭ ‬يضيع‭ ‬التماسك،‭ ‬تحت‭ ‬ذريعة‭: “‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬الشباب‭ ‬وينشط‭ ‬الجماهير‭ ‬ويحدث‭ ‬الرواج‭ ‬الاقتصادي‭”‬،‭ ‬إلخ‭..‬فيستفحل‭ ‬بذلك‭ ‬الانتهاز‭ ‬بلا‭ ‬حدود،‭ ‬وتطلق‭ ‬أيدي‭ ‬السماسرة‭ ‬وكذا‭ ‬الطفيليين‭ ‬البعيدين‭ ‬عن‭ ‬الميدان‭ ‬والجاهلين‭ ‬له‭…‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬الإبداع‭ ‬ضحية‭ ‬التضاربات‭ ‬وبالتالي‭ ‬يعتريه‭ ‬النكوص‭…‬هكذا‭ ‬إذن‭ ‬تضيع‭ ‬أسس‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬الذوق‭ ‬والنظام،‭ ‬سيكولوجيا‭ ‬واجتماعيا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬على‭ ‬الرقي‭ ‬الحسي‭ ‬والوعي‭ ‬التساكني‭…‬مما‭ ‬سينعكس‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬باللامبالاة‭ ‬و‭ ‬تداعياتها،‭ ‬وأخطرها‭ ‬خاصة‭ ‬تفكيك‭ ‬الذات‭ ‬القائمة‭ ‬وتصدعها،‭ ‬ثم‭ ‬تركها‭ ‬للمجهول‭..‬فبعد‭ ‬التراث‭ ‬الموروث‭ ‬عن‭ ‬الأجداد‭ ‬إبان‭ ‬وعقب‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وبعد‭ ‬الحركة‭ ‬النهضوية‭ ‬الثقافية‭ ‬والفنية‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬خاصة،‭ ‬والتي‭ ‬طبعت‭ ‬بقوة‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬حيث‭ ‬نهض،‭ ‬بحماس‭ ‬منقطع‭ ‬النظير،‭ ‬الضمير‭ ‬الجمعي‭ ‬تطلعا‭ ‬إلى‭ ‬التنمية‭ ‬والتقدم‭ ‬والازدهار،‭ ‬فقد‭ ‬نما‭ ‬وتطور‭ ‬إشعاع‭ ‬ثقافي‭ ‬وفنوني‭ ‬إبداعية‭ ‬كبير،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدراسات‭ ‬الفكرية‭ ‬الكبرى‭ ‬وأجناس‭ ‬الآداب‭ ‬ومعارض‭ ‬الرسم‭ ‬والمسرح‭ ‬وأشهر‭ ‬الألحان‭ ‬الموسيقية‭ ‬والغنائية،‭ ‬وذلك‭ ‬فيما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬بالزمن‭ ‬الجميل‭…‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬وابتداء‭ ‬من‭ ‬مطلع‭ ‬الألفية‭ ‬االثالثة،‭ ‬لم‭ ‬نتمكن‭ ‬استمراريا‭ ‬من‭ ‬تهيئ‭ ‬وصنع‭ ‬نخبة‭ ‬جديدة،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬والآداب‭ ‬والفنون،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أننا‭ ‬صرنا‭ ‬نشك‭ ‬متسائلين،‭ ‬في‭ ‬مناخ‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬أحدثته‭ ‬القطيعة‭ ‬مع‭ ‬ذاتنا،‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬هجمة‭ ‬العولمة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الشرسة‭ ‬التي‭ ‬أخلطت‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬هل‭ ‬سيكون‭ ‬لنا‭ ‬كتاب‭ ‬وشعراء‭ ‬و‭ ‬رسامون‭ ‬وموسيقيون،‭ ‬بحجم‭ ‬الرواد‭ ‬الأوائل‭ ‬لدينا،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬من‭ ‬جادت‭ ‬بهم‭ ‬عصور‭ ‬بلادنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان؟‭ ‬نعم‭ ‬قد‭ ‬يحصل‭ ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬بلادنا‭ ‬خصبة‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تنجب،‭ ‬ولكن‭ ‬نحن‭ ‬غافلون‭ ‬ويغيب‭ ‬في‭ ‬أذهاننا‭ ‬الوعي‭ ‬لبناء‭ ‬المشروع‭ ‬الحضاري،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬الركود‭ ‬الإبداعي‭ ‬يتفاقم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭… ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬لثقافتنا‭ ‬الفنية،‭ ‬و‭ ‬منها‭ ‬الغناء‭  ‬والموسيقى‭ ‬الذين‭ ‬نحن‭ ‬بصددهما،‭ ‬حيث‭ ‬تحولت‭ ‬العملية‭ ‬الإبداعية‭ ‬إلى‭ ‬صناعة‭ ‬نماذج‭ ‬مستنسخة‭ ‬تجتر‭ ‬الاجترار‭ ‬وتبسط‭ ‬البسيط‭ ‬و‭ ‬تردد‭ ‬ما‭ ‬يتردد،‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬ندر‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬شاق‭  ‬وعصامية‭ ‬بطيئة‭ ‬تستنزفها‭ ‬الإحباطات‭…‬وبذلك‭ ‬عم‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الأعمى‭ ‬والمدجن،‭ ‬وبالتالي‭ ‬محاولة‭ ‬صناعة‭ ‬النجوم‭ ‬الفاشلة،‭ ‬حتى‭ ‬طغى‭ ‬منطق‭ ‬السوق‭..‬وهكذا‭ ‬آلت‭ ‬الأخلاقيات‭ ‬النوعية‭ ‬والحس‭ ‬الجمعي‭ ‬إلى‭ ‬الاندثار‭>…‬ويعزى‭ ‬السبب‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بهذا‭ ‬الصنف‭ ‬من‭ ‬الفن،‭ ‬أي‭ ‬الموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬ومعه‭ ‬الفنون‭ ‬الأخرى،‭ ‬إلى‭ ‬الاستخفاف‭ ‬والارتباك‭ ‬والعشوائية‭ ‬وعدم‭ ‬الاكتراث‭ ‬كليا‭ ‬بالأذواق،‭ ‬وغياب‭ ‬الرؤية‭ ‬وسوء‭ ‬التدبير‭ ‬وانعدام‭ ‬الإرادة،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المسؤولية‭ ‬المباشرة،‭ ‬أي‭ ‬الذين‭ ‬يشرفون‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬وعلى‭ ‬الشأن‭ ‬الثقافي‭ ‬وكذا‭ ‬الشأن‭ ‬الإعلامي،‭ ‬إذ‭ ‬تتحرك‭ ‬دواليبهم‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تصور‭ ‬وطني‭ ‬متكامل‭ ‬لمشروع‭ ‬ثقافي‭/‬فني‭ ‬كبير‭..‬فحتى‭ ‬تحرير‭”‬الإعلام‭”‬مثلا‭ ‬مرغوب‭ ‬فيه،‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬تشتت‭ ‬أو‭ ‬بعثرة،‭ ‬لأن‭ ‬فضاء‭ ‬الإعلام‭ ‬السمعي‭/‬البصري‭ ‬هو‭ ‬الأشد‭ ‬التصاقا‭ ‬بالجمهور‭ ‬والأكثر‭ ‬ترويجا‭ ‬للمنتوج،‭ ‬والذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نموذجا‭ ‬رائدا‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الثقافي‭ /‬الفني‭/‬الموسيقي،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬السوقية‭ ‬والعشوائية‭ ‬والارتجال‭…‬والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬قد‭ ‬ورثنا‭ ‬من‭ ‬السابقين‭ ‬ما‭ ‬نعتز‭ ‬به‭ ‬راهنا‭ ‬مع‭ ‬أنفسنا‭ ‬وأمام‭ ‬الأمم‭ ‬الأخرى،‭ ‬فماذا‭ ‬سنترك‭ ‬نحن‭ ‬الآن‭ ‬للأجيال‭ ‬بعدنا؟‭ ‬حتى‭ ‬يذكروننا‭ ‬هم‭ ‬أيضا‭ ‬بفخر‭ ‬واعتزاز؟‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬العصرنة‭ ‬بمعنى‭ ‬الحداثة‭ ‬عاملا‭ ‬حتميا،‭ ‬والإبداع‭ ‬الشبابي‭ ‬بمعنى‭ ‬التطور،‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬التعامل‭ ‬معهما‭ ‬بالممانعة،‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬التصور‭ ‬التاريخي‭ ‬و‭ ‬الحضاري‭ ‬الذي‭ ‬يضمن‭ ‬الأمن‭ ‬الثقافي‭ ‬لبلادنا‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬العولمة؟‭ ‬لأنه‭ ‬أصبح‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭ ‬غزو‭ ‬يهدد‭ ‬بالإقصاء‭…‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى