الإسلام والعلمانية

◆ غريب محمد

    ‬الإيمان‭ ‬هو‭ ‬المعطى‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلاميةّْ،‭ ‬حيث‭ ‬يعتبرالدين‭ ‬هو‭ ‬المرجع‭ ‬الأول‭ ‬و‭ ‬الأخير‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمعرفة‭ ‬والتشريع‭ ‬وتنظيم‭ ‬المجتمع،‭ ‬وهو‭ ‬البديل‭ ‬الحقيقي‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬الغرب‭ ‬أن‭ ‬يفرضه‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭.‬

وفق‭ ‬هذا‭ ‬المنطق،‭ ‬الديموقراطية‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬،‭ ‬وحتى‭ ‬الحداثة‭. ‬أما‭ ‬العلمانية‭ ‬فهي‭ ‬منتوج‭ ‬غربي‭ ‬جاء‭ ‬لمواجهة‭ ‬الكنيسة،‭ ‬فهي‭ ‬إذن‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬الإسلام‭..‬ولا‭ ‬تعني‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬و‭ ‬الإسلامية‭.‬

      ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬و‭ ‬الإسلامية‭  ‬تعيش‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ “‬السكيزوفرينيا‭” ‬وتناقضا‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬الإعلان‭ ‬عنه‭ ‬رسميا‭ ‬وبين‭ ‬الواقع‭ ‬المعاش،‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يريد‭ ‬الاعتراف‭ ‬بكون‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬تحكمها‭ ‬قوانين‭ ‬ومؤسسات‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬و‭ ‬تعتبر‭ ‬إفرازا‭ ‬لتاريخ‭ ‬أوروبا‭ ‬المعاصر‭. ‬فالدساتير‭ ‬و‭ ‬البرلمانات‭ ‬والحكومات‭ ‬و‭ ‬المؤسسات‭ ‬والقوانين‭ ‬والأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬والاعلام‭ ‬والثقافة‭ ‬والمدرسة‭…‬هي‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬أنتاج‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ..‬وحتى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصة‭ ‬وكما‭ ‬صور‭ ‬ذلك‭ ‬الروائي‭ ‬الكبير‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬فإن‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ “‬يعيش‭ ‬حياة‭ ‬عصرية‭ ‬يخضع‭ ‬فيها‭ ‬للقانون‭ ‬المدني‭ ‬والقانون‭ ‬الجنائي‭ ‬الغربيين‭ ‬ويجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬شبكة‭ ‬معقدة‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬و‭ ‬الاقتصادية‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬متأكد‭ ‬من‭ ‬مدى‭ ‬توافقها‭ ‬مع‭ ‬الإسلام‭ . ‬إن‭ ‬تيار‭ ‬الحياة‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬عليه‭ ‬وينسى‭ ‬معه‭ ‬هواجسه‭ ‬حتى‭ ‬يسمع‭ ‬صوت‭ ‬الآذان‭ ‬أو‭ ‬يقرأ‭ ‬صفحة‭ ‬دينية‭ ‬لإحدى‭ ‬الجرائد‭ ‬لتتأجج‭ ‬مخاوفه‭ ‬ويكتشف‭ ‬أنه‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬ازدواج‭ ‬الشخصية‭ .. ‬فنصفه‭ ‬المؤمن‭ ‬يصلي‭ ‬ويصوم‭ ‬ويذهب‭ ‬إلى‭ ‬الحج‭ ‬لكن‭ ‬نصفه‭ ‬الثاني‭ ‬يلغي‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الأبناك‭  ‬و‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭ ‬وفي‭ ‬الشارع‭ ‬وفي‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬والمسارح‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬وسط‭ ‬أهله‭ ‬أمام‭ ‬التلفاز‭”.‬

      ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬الازدواجية‭ ‬فأن‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬ولأنها‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬ترفض‭ ‬الديموقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬و‭ ‬النظام‭ ‬القانوني‭ ‬الذي‭ ‬يعلن‭ ‬ويحمي‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬فأنها‭ ‬وبدل‭ ‬ان‭ ‬تدمج‭ ‬فلسفة‭ ‬التنوير‭ ‬والحداثة‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ – ‬لأن‭ ‬الإسلام‭ ‬برهن‭ ‬تاريخيا‭ ‬على‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬الثقافات‭ ‬واستوعب‭ ‬إيجابيا‭ ‬كل‭ ‬اشكال‭ ‬التنظيم‭ ‬الاجتماعي‭  ‬والاقتصادي‭- ‬فإنها‭ ‬قامت‭ ‬بوضع‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬بأكمله‭ ‬جانبا‭ ‬واستمرت‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬ما‭ ‬يفرضه‭ ‬التاريخ‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬النتائج‭ ‬الكارثية‭ ‬التي‭ ‬نعرف‭.‬

التنوير‭ ‬بدأ‭ ‬عربيا‭ ‬وإسلاميا

    ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬كنيسة‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الاعتراض‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬العلمانية‭. ‬هذا‭  ‬صحيح‭  ‬،‭  ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬نظام‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬يشبه‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكاثوليكية‭ . ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬الفقهاء‭ ‬الذين‭ ‬يحتكرون‭ ‬قراءة‭ ‬النصوص‭ ‬الدينية‭ ‬واستنباط‭ ‬الأحكام‭ ‬الشرعية‭   .  ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬يتم‭ ‬أيضا‭ ‬إضفاء‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭. ‬وبهذا‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬الكنيسة‭ ‬قبل‭ ‬نجاح‭ ‬التنوير‭ ‬و‭ ‬الحداثة‭ . ‬إن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬معارضة‭ ‬السلطة‭ ‬سيجد‭ ‬من‭ ‬يواجهه‭  ‬بالقول‭ :”‬الإسلام‭ ‬يقول‭  ..”.‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬الفقهاء‭ ‬يتحدثون‭ ‬باسم‭ ‬الإسلام‭ ‬لإضفاء‭ ‬الشرعية‭ ‬والقداسة‭ ‬على‭ ‬أقوالهم‭ ‬وعلى‭ ‬الحاكمين‭. ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬إذن‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬وتم‭ ‬تأطيره‭ ‬وضبط‭ ‬وتحديد‭ ‬دور‭ ‬الفقهاء‭ ‬لخدمة‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬و‭ ‬شرعنة‭  ‬اختياراتها‭ . ‬

      ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬النظرة‭ ‬التبجيلية‭ ‬للدين‭ ‬فإن‭ ‬النظرة‭ ‬التاريخية‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬الديانات‭ ‬يحمل‭ ‬تاريخا‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬والفلسفية‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬الايمان‭ ‬نفسه‭ ‬له‭ ‬تاريخ‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬اجتماعي‭ ‬متطور،‭ ‬لأن‭ ‬العقيدة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬نفس‭ ‬المضمون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المراحل‭ ‬التاريخية‭ .‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬تتأثر‭ ‬وتتطور‭ ‬بفعل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الفاعلون‭ ‬الاجتماعيون‭.‬

    ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الذهبية‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ (‬من‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭) ‬كان‭ ‬الفقه‭ ‬الإسلامي‭ ‬متعددا‭ ‬ومبنيا‭ ‬على‭ ‬المناظرة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬تفرض‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭. ‬كان‭ ‬يقال‭ ‬مثلا‭ :” ‬يقول‭ ‬أبو‭ ‬حنيفة‭…‬ويقول‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي‭..” ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحدا‭ ‬يدعي‭ ‬الحديث‭ ‬باسم‭ ‬الإسلام‭.‬

    ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬الذهبي‭ ‬أنتهى‭ ‬مع‭ ‬وفاة‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭(‬1198م‭) ‬وفشل‭ ‬مشروعه‭ ‬الفكري‭ ‬العقلاني‭. ‬لقد‭ ‬اختفت‭  ‬المناظرة‭  ‬ومعها‭ ‬دخل‭ ‬الفقه‭ ‬الإسلامي‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬التعصب‭ ‬والتقليد‭ ‬بسبب‭ ‬تدخل‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬لإحتكار‭ ‬الحديث‭ ‬بإسم‭ ‬الدين‭. ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬مستمرا‭ ‬الى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭. ‬إن‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬تعيش‭ ‬إذن‭ ‬منقطعة‭ ‬عن‭ ‬المرحلة‭ ‬الذهبية‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬و‭  ‬الإسلامي‭   ‬ومعه‭ ‬الفقه‭ ‬الإسلامي‭. ‬لقد‭ ‬دخل‭ ‬الى‭ ‬عالم‭ ‬النسيان‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أنتج‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭.‬

    ‬إذن‭ ‬التاريخ‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬مسيرة‭  ‬التنوير‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ..‬وصراع‭ ‬العقل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يتحرر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬تضعها‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬مواجهته‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أبدا‭ ‬سيرورة‭ ‬ميزت‭ ‬فقط‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭. ‬لقد‭ ‬تعرض‭ ‬المعتزلة‭ ‬لمحنة‭ ‬كبرى‭ ‬وتم‭ ‬تحريم‭ ‬نظريتهم‭ ‬الفلسفية‭ ‬وتمت‭ ‬إباحة‭ ‬دم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعتنقها،‭ ‬وذلك‭ ‬بقرار‭ ‬سياسي‭ ‬من‭ ‬الخليفة‭ ‬القادر‭(‬420ه‭-‬1029م‭) ‬الذي‭ ‬أصدر‭ ‬مرسوما‭ ‬بحضور‭ ‬القضاة‭ ‬والفقهاء‭ ‬الذين‭ ‬وقعوا‭ ‬عليه‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬محنة‭ ‬الفيلسوف‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬معروفة‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬قاضي‭ ‬القضاة‭ ‬في‭ ‬قرطبة‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تكفيره‭ ‬وحرق‭ ‬كتبه‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يموت‭ ‬كمدا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مراكش،‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬نجح‭ ‬فيه‭ ‬مشروعه‭ ‬الفكري‭ ‬العقلاني‭ ‬نجاحا‭ ‬باهرا‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الأورومتوسطي‭.‬

    ‬إذن‭ ‬ولأن‭ ‬العلمانية‭ ‬ليست‭ ‬موقفا‭ ‬ضد‭ ‬الدين‭ ‬ولأنها‭ ‬لا‭ ‬تعادي‭ ‬الايمان‭ ‬ولأنها‭ ‬أيضا‭ ‬ليست‭ ‬نتيجة‭ ‬لمسار‭ ‬تاريخي‭ ‬خاص‭ ‬بالمجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬،‭ ‬فإنها‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬الاعتبارات‭ ‬تعتبر‭ ‬إنجازا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭ ‬قدمت‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التضحيات‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوربية،‭ ‬لأن‭ ‬النضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬ليس‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬دون‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأخرى‭.‬

      ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬العلمانية‭ ‬هي‭ ‬مفهوم‭ ‬فرنسي‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬لأنها‭ ‬تختصر‭ ‬تاريخا‭ ‬طويلا‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬الفكرية‭ ‬والفلسفية‭ ‬والسياسية‭ ‬عرفها‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسي‭ ‬ومعه‭ ‬بقية‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ . ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬رفضها‭ ‬،لأنه‭ ‬بحسب‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭  ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نرفض‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أنتجه‭ ‬العقل‭ ‬الغربي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الإنجازات‭ ‬العلمية‭ ‬والتقنية‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬لتتحقق‭ ‬لولا‭ ‬النضال‭ ‬الطويل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬العقل‭ ‬و‭ ‬تحرير‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬،‭ ‬وتدخلهم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭. ‬إن‭ ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬تغذية‭ ‬مفهوم‭ ‬العلمانية‭ ‬بتاريخ‭ ‬الصراعات‭ ‬الفكرية‭ ‬والفلسفية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬ميزت‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬محورها‭ ‬هو‭ ‬تحرير‭ ‬العقل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التفكير‭ ‬الدوغمائي‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬إمتداد‭ ‬فترة‭ ‬تاريخية‭ ‬دامت‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬قرون‭. ‬بهذا‭  ‬نعطي‭ ‬للعلمانية‭ ‬مضمونها‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ .‬

هل‭ ‬العلمانية‭ ‬تعادي‭ ‬الدين؟

  ‬العلمانية‭ ‬هي‭ ‬ضد‭ ‬الدين‭ .‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الاعتراض‭ ‬الثاني‭ ‬على‭ ‬العلمانية‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أصحابه‭ ‬أن‭ ‬فصل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬هو‭ ‬بمثابة‭ ‬أقصاء‭ ‬للدين‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬المجتمع‭ ‬،‭ ‬وحصره‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الحياة‭ ‬الشخصية‭. ‬هذا‭ ‬غير‭ ‬صحيح‭ ‬لأن‭ ‬العلمانية‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬طرد‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬مملكة‭ ‬العقل‭ ‬بل‭ ‬تعني‭ ‬إعمال‭ ‬العقل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجالات‭ ‬العمل‭ ‬والمعرفة،‭ ‬وهي‭  ‬تحرير‭ ‬السياسة‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬لتبقى‭ ‬مجالا‭ ‬للصراع‭ ‬حول‭ ‬المصالح‭ ‬دون‭ ‬إضفاء‭ ‬القداسة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬وهي‭ ‬أيضا‭ ‬تحرير‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬توظيفه‭ ‬خدمة‭ ‬لهذا‭ ‬الموقف‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬،‭ ‬وحتى‭ ‬يبقى‭ ‬عمل‭ ‬الفقهاء‭ ‬المجتهدون‭ ‬بعيدا‭ ‬ومستقلا‭ ‬عن‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين‭.‬

      ‬إن‭ ‬استقلال‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬تهميش‭ ‬دور‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬إنه‭ ‬يعني‭ ‬عدم‭ ‬مأسسة‭ ‬الدين‭ ..‬وفتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬الفقه‭ ‬الإسلامي‭ ‬ليأخذ‭ ‬مجراه‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬توافق‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬الحي‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬توجيه‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬،‭ ‬ومستفيدا‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬و‭ ‬متخلصا‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬التقليد‭ ‬والدوغمائية‭.‬

      ‬إن‭ ‬الدولة‭ ‬المستبدة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬تستغل‭ ‬الدين‭ ‬وتحتكره‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توظيفه‭ ‬لإضفاء‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬واختياراتها‭ ‬الرجعية‭ ..‬ولهذا‭ ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬بضبط‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬أطار‭ ‬مؤسسات‭ ‬رسمية‭ ‬وخنقت‭ ‬الفقهاء،‭ ‬وذلك‭ ‬بتحديد‭ ‬صارم‭ ‬لدورهم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إختصاره‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬المجال‭ ‬التعبدي‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬حيل‭ ‬فقهية‭ ‬لتبرير‭ ‬الواقع‭ .‬لقد‭ ‬تحولوا‭ ‬بذلك‭ ‬الى‭ ‬موظفين‭ ‬خاضعين‭ ‬لتوجيهات‭ ‬السلطة‭ ‬القائمة‭ ‬،‭ ‬مما‭ ‬أثر‭ ‬سلبا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الفقه‭ ‬الإسلامي‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬نفسه،‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬الى‭ ‬دين‭ ‬طقوسي‭ ‬جامد‭ ‬وشعبوي‭  ‬معزول‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬الحي‭ ‬والمتغير‭ ‬باستمرار‭ ..‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬التناقض‭ ‬الصارخ‭ ‬بين‭ ‬سلوك‭ ‬المسلمين‭ ‬وبين‭ ‬القيم‭ ‬النبيلة‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬الإسلام‭. ‬إن‭ ‬الازدحام‭ ‬أمام‭ ‬المساجد‭ ‬وكل‭ ‬مظاهر‭ ‬التعبد‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تخفي‭ ‬واقع‭ ‬التردي‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬وتراجع‭ ‬الأخلاق‭ ‬،‭ ‬والهوة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تفصلنا‭ ‬عن‭ ‬الشعوب‭ ‬المتحضرة‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه‭ ‬اليوم‭ . ‬لأن‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬سيؤدي‭ ‬الى‭ ‬معرفة‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقدم‭ ‬للناس‭ ‬على‭ ‬انه‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬أخر‭ ‬المطاف‭ ‬إلا‭ ‬قراءات‭ ‬فقهية‭ ‬جاءت‭ ‬لتبرير‭ ‬الاستبداد‭  ‬وإخضاع‭ ‬الناس‭ ‬للأمر‭ ‬الواقع‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ “‬الطقوسي‭” ‬في‭ ‬الدين‭ ‬وإفراغه‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬الإنساني‭ ‬والروحي‭.‬

العلمانية‭ ‬تحرر‭ ‬الإنسان

    “‬الصلاة‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الطلب‭ ‬،‭ ‬إنها‭ ‬سمو‭ ‬بالنفس‭ ‬البشرية‭” ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬الدين‭ ‬وهذا‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬تسعى‭ ‬الى‭ ‬تحقيقه‭ ‬العلمانيةّ‭: ‬السمو‭ ‬بالنفس‭ ‬البشرية‭ ‬وأنسنة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬ومواجهة‭ ‬كل‭ ‬مايسييء‭ ‬للإنسان‭ ‬وكل‭ ‬اشكال‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬التي‭ ‬تفشت‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الانهيار‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والتفسخ‭ ‬المجتمعي‭.‬

    ‬لقد‭ ‬حولوا‭ ‬الدين‭ ‬إلى‭ ‬أيديولوجية‭  ‬وجعلوا‭ ‬الإيمان‭ ‬بها‭ ‬شرطا‭ ‬ضروريا‭ ‬للإنتماء‭ ‬الى‭ ‬الجماعة‭ ‬،‭ ‬وكل‭ ‬محاولة‭ ‬للتمرد‭ ‬يتم‭ ‬إعتبارها‭ ‬كفرا‭ ‬ويتم‭ ‬الإلقاء‭ ‬بصاحبها‭ ‬خارج‭ ‬المجتمع‭ ‬وتكفيره‭.‬

    ‬العلمانية‭ ‬هي‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإيمان‭ ‬،‭ ‬أي‭ ‬الإيمان‭ ‬الذي‭ ‬يسلب‭ ‬الأنسان‭ ‬إرادته‭ ‬وحريته‭ ‬،‭ ‬ويمنعه‭ ‬من‭ ‬إعمال‭ ‬العقل‭ . ‬العلمانية‭ ‬هي‭ ‬ضد‭ ‬الإيمان‭ ‬الدوغمائي‭ ‬وضد‭ ‬الاستيلاب‭ ‬وضد‭ ‬الجهل‭ ‬والإنغلاق‭ ‬والتعصب‭ ..‬وهي‭ ‬مع‭ ‬تحرير‭ ‬الانسان‭ ‬بالثقافة‭ ‬وبالعلم‭ ‬وبالحوار‭ ‬الحر‭ ‬وبالتعليم‭ ‬والمعرفة‭ ‬النقدية‭.‬

    ‬إن‭ ‬الدين‭ ‬يلعب‭ ‬دورا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬شخصيات‭ ‬الأفراد‭ ‬وإنطلاقا‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬تكوين‭ ‬وبناء‭ ‬الوعي‭ ‬الجماعي‭  . ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يتساءل‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬نشر‭ ‬المعرفة‭ ‬بالدين‭   ‬وما‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬؟‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬العلمانية‭ ‬فالإهتمام‭ ‬ينصب‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬السياسي‭ ‬ويتم‭ ‬إهمال‭ ‬الجانب‭ ‬المتعلق‭ ‬بالمعرفة‭ ‬وبالتعليم

    ‬العلمانية‭ ‬تجيب‭ ‬على‭ ‬سؤالين‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭  . ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬نعرف‭ ‬دون‭ ‬السقوط‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬أي‭ ‬توجيه‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬أيديولوجي‭ ‬أو‭ ‬فقهي‭ ‬؟‭ ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬ننقل‭ ‬هذه‭ ‬المعرفة‭ ‬إلى‭ ‬الأخرين‭ ‬؟‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬العلمانية‭ ‬تحترم‭ ‬مبدأ‭ ‬تربويا‭ ‬وفلسفيا‭ ‬يحمي‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتعرضوا‭ ‬لأي‭ ‬تأثير‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬أيديولوجي‭ ‬أو‭ ‬سياسي‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬لأنهم‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬أنفسهم‭ . ‬ففي‭ ‬المدرسة‭ ‬العلمانية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬لأي‭ ‬أستاذ‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬أراءه‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬أمام‭ ‬المتعلمين‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مدارسنا‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬فيها‭ ‬الأطفال‭ ‬يوميا‭ ‬للشحن‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬ويقمع‭ ‬فيها‭ ‬الحس‭ ‬النقدي‭ ‬عند‭ ‬الطلبة‭. ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬حذف‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬التعليمية‭ ‬بل‭ ‬يعني‭ ‬تعزيز‭ ‬الدراسة‭ ‬التاريخية‭ ‬للدين‭ ‬والتشجيع‭ ‬على‭ ‬تجديد‭ ‬الفكر‭ ‬الديني‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بالتوافق‭ ‬مع‭ ‬الفلسفة‭ ‬والعلوم‭ ‬الإنسانية‭.‬

‭ ‬لأنهم‭ ‬يريدون‭ ‬الحفاظ‭ ‬علىLes gestionnaires du sacré‭    ‬هذا‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬يزعج‭ ‬

سلطتهم‭ ‬وتحكمهم‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬وسلوك‭ ‬الناس‭ . ‬في‭ ‬حين‭ ‬تسعى‭ ‬العلمانية‭ ‬الى‭ ‬تحرير‭ ‬الانسان‭ ‬بالعلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬وفسح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬الأفكار‭ ‬لتعبر‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬فضاء‭ ‬الحوار‭ ‬الحر‭ ‬أمام‭ ‬الجميع‭ ‬دون‭ ‬إقصاء‭ ‬لأي‭ ‬طرف‭.‬

    ‬إن‭ ‬نجاح‭ ‬العلمانية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬قد‭ ‬أفاد‭ ‬كثيرا‭ ‬الدين‭ ‬المسيحي‭ ‬الذي‭ ‬تخلص‭ ‬من‭ ‬وصاية‭ ‬الدولة‭ . ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التوافقات‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬جعلت‭ ‬الكنيسة‭ ‬تواكب‭ ‬كل‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬توافق‭ ‬تام‭ ‬مع‭ ‬ظاهرة‭ ‬الايمان‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتأثر‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬متوقعا‭  ‬بالثورات‭ ‬العلمية‭ ‬والتكنولوجية‭.‬

    ‬أما‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬فلازالت‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭  ‬العلمانية‭ ‬فردية‭ ‬ولم‭ ‬تتحول‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬إجتماعية‭ ‬تقود‭ ‬النضال‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الواجهة‭ ‬،لأن‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬رغم‭ ‬كونها‭ ‬الأكثر‭ ‬استهلاكا‭ ‬لمنجزات‭ ‬التطور‭ ‬التقني‭ ‬فإنها‭ ‬ترفض‭ ‬المبادئ‭ ‬العقلية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬هذا‭ ‬التقدم‭..‬‭ ‬وفي‭ ‬غياب‭ ‬الأطر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬تقوية‭ ‬تيار‭ ‬العلمانية‭ ‬فإن‭ ‬بناء‭ ‬مجتمعات‭ ‬ديمقراطية‭ ‬ومتحررة‭ ‬سيبقى‭ ‬هدفا‭ ‬بعيد‭ ‬المنال‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى