الـحـريـة الـمـقـنـعـة
◆ فيروز فوزي
تتميز النقاشات بخصوص مشروع قانون حول العلمانية في كيبك بهاجس أنطولوجي حقيقي : لقد آن الاَوان لتثبيت بعض القوانين لأن في كيبك، هكذا يعيش المرء، كما يؤكد على ذلك فرنسوا لوغو. وسيكون من الأصح التفكير على صعيد تفاعلات هويات أخرى اجتماعية وجماعية مبنية حسب وجهات نظر أخرى. كل هوية جماعية حتى الأكثر ضعفاً والأكثر انفتاحاً تنطوي على إقصاء للآخر في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية معينة. لكن إقصاء الآخر يمكن التعبير عنه فقط في جماعات متنافرة، على مستويات المواقف المعبر عنها بأحكام مسبقة وصور نمطية. تصبح الهوية الجماعية هوية منغلقة في وجه القيم الأخرى، وضد تعدد أساليب الحياة، وأكثر تمركزاً على المستوى العرقي. فكيف هو الوضع حين يتعرض العيش المشترك لتحد خطير ؟ ما هي النتائج حين يصبح انعدام الحرية ومفهوم التعدد رهاناً إيديولوجياً وسياسياً ؟ لماذا لا يتم قبول التعدد الثقافي والتفكير في الوسائل القانونية لإدراجه في مشروع سياسي شامل ؟ ماذا يتوجب علينا أن نفهم في الحقيقة بخصوص مشروع قانون حول العلمانية. يجب أن يفهم السيد فرنسوا لوغو أن كل ثقافة تمثل نموذجاً، كل متماسك تتميز نتائجه بإسهام الناس وأفعالهم.
على هذا النحو يجب أن يكون ثمة دوماً رابطة عقلانية بين موضوع القانون وتأثيراته على حرية الناس. لن يكون صائباً البحث عن هوية شاملة, يتعلق الأمر بأن نفهم أن كل جماعة اجتماعية ستتملك هذه المرجعيات بطرق مختلفة ومغايرة. في هذا الصدد، ثمة حكاية تذكارية تسكن الذات الحرة ” النساء المسلمات المحجبات ” أهواء أخلاقية تعبر عن نفسها بتأثر عبر اتخاذ الكلمة طريقة في الوجود ومظهراً عاماً وزياً واستعدادا ذهنياً.
على سبيل المثال، المؤمنات والمؤمنون المسلمون، مثل كل فرد آخر لا يعيشون في وعاء مغلق. إنهم يقدمون إيجابيات دالة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والديمغرافي إلى المجتمع في كيبك. وبالتالي، إزاء الأقليات المهاجرة، القانون الكندي، بما في ذلك، قانون كيبك، يبدو أكثر انفتاحاً على التعبير الفردي للانتماءات الدينية، وهذا، حتى داخل المجال العام، ومنه مبدأ العلمانية الشاملة.
حسب إحصائيات كندا، فقط تسعة في المائة من سكان كيبك لا ينتمون لأي حركة دينية، مقارنة مع اثنا وعشرون من سكان كندا الآخرون. يعلن معظم سكان كيبك أنهم مسيحيون، وهذا، حتى لو لم يمارسوا شعائر الدين في الواقع. والحالة هذه، إن المناصرين لعلمانية راديكالية في الوقت الحالي هم ضد كل ظهور ديني علني، معتبرين أن الاعتقاد الديني يعود إلى حميمية الفرد الخاصة.
بهذا المعنى، يجب أن نأخذ في الاعتبار علاقات النفس البشرية مع المقدس وتبعاً لذلك تتقاسم جماعة من المؤمنين بعض المقدسات، والطقوس أو نظام أخلاقي. أعتقد أنه بمقدورنا فهم إشكاليتنا بتبني إصغاء متبادل بدون مواجهة ولا دعاية بهدف تفادي على كل حال السيرورة الأكثر كلاسيكية لتأكيد هوية عنيفة، والتي يتجلى خطرها في شكل انطواء على الذات بدل خلق هوية علائقية وليس هوية إقصائية.
يبدو لي من الضروري في الواقع الإلحاح أيضا على أن هذا المشكل يمس ليس فقط النساء المحجبات لكن أيضاً أطفالهم. بحيث أن التوتر الحالي حول الأم ” المرأة المحجبة ” له أيضاً دور مركزي في تربية الأطفال وتأمين هذا الدور وخصوصاً نقل معرفة إلى أطفالهم كي يساهم هؤلاء فتيات وأطفال في المستقبل بشكل عادل في بناء مجتمع كيبك. أظهرت من جهة أخرى بعض الدراسات أن كل تحسن في مستوى التربية والصحة للنساء يشكل استثماراً على المستوى البعيد لأنه ينعكس على الحالة الصحية وقدرات الأطفال.
في الواقع، إن إقامة أو بناء فعل سياسي شامل لمشروع جماعي محترم في الآن نفسه للحريات الفردية وحرية الدين يشكل ماضيها عنصراً بناء تبقى مسألة مهمة. على أي حال، إن بناء فضاء للاعتراف يبدو ضرورياً كي يتحرر العيش المشترك من المشاعر وأشكال المعيش من اللامساواة والظلم.