الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى أين؟
◆ عزيز لوديي
نفتح في هذه الصفحة قضية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب،سواء كحركة في تاريخها، أو مآلها ومستقبلها،ونحن في الجريدة لن نفرض أية رقابة على وجهات النظر التي تحبل بها الحركة قديما وحديثا، نصر فقط على احترام قواعد الحوار والنقاش دون خدش وعنف لفظي. سنحتفظ بالعنوان أعلاه لكل المقالات التي سترد علينا، مع عنوان المقالة أسفله. وسنبدأ بنشر مقال طويل من طرف الرفيق عزيز الوديي، سنقسمه على عدة حلقات وهو أصلا استجواب أجراه معه الصحافي عماد ستيتو والمؤرخ المعطي منجب.
عبد العزيز لوديي شاهداً على الحدث
”لا توجد ذاكرة من دون انتقاء ولا من دون نسيان […]. إننا لا نتذكر إلا ما هو ضروري لفهم الأحداث”
دونيس بيشانسكي
الحلقة 1: توضيحات لا مناص منها
1. أسعى في هذه المقابلة، إلى الالتزام بالاقتصار على الحديث عن الأحداث والوقائع التي عشتها شخصيا، وساهمت فيها بكيفية مباشرة أو غير مباشرة. كما ستَرِد في معرض حديثي أحداث لم أكن مشاركا فيها، بل هي منقولة عن رفاق من الثقاة وذوي المصداقية.
إن روايتي/شهادتي هذه هي حصيلة لمعرفتي طبعاً لتاريخ “الحملم” و”أوطم” والحركة الطلابية المغربية، انطلاقا من تجربتي المحدودة في الزمان والمكان داخل تلك الإطارات النضالية. وبديهي أنني لم أعتمد في هذه الشهادة على ذاكرتي الشخصية وعلى بعض الوثائق النادرة فقط، بل عمدت إلى الاستعانة أيضاً بذاكرة مجموعة من الرفاق الذين عاشوا تلك “الوقائع” و”الأحداث” من أجل تصحيح بعض المعلومات وتأكيدها أو نفيها. ولا أخفي أن مثل هذه الاستشارات الرفاقية كانت مفيدة للغاية بالنسبة لما أضعه بين يدي القارئ اليوم، والذي يبقى مع ذلك مجرد شهادة وليس تاريخاً أو تأريخاً بالمعنى العلمي للمصطلح.
2. تحوّل المؤتمر الخامس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب “أوطم”، إلى حدٍّ ما، إلى نوع من “عام الفيل” في تاريخ حركتنا الماركسية-اللينينية. وهو الأمر الذي يُذكرنا بـ “قنبلة المارشي سنترال” بالدار البيضاء، في تاريخ المقاومة المغربية، التي يدّعي المئات من المقاومين، “أبُوَتَهُم” لتلك العملية الفدائية. وقد أصبح ذلك المؤتمر، التاريخي والهام في مسيرة حركتنا، موضوع الكثير من القيل والقال، بل وحتى العديد من الأساطير!
3. من البديهي أن كل ما سأرويه، في حديثي هذا، مطبوع بالضرورة بالذاتية النابعة من العناصر المكوّنة لشخصيتي غير المعصومة من الخطأ، بداهة. لن أخوض، في هذه العجالة، في الموضوع/الجدل القديم-الحديث حول العلاقة بين الذاتي والموضوعي في العلوم الإنسانية عامة، وفي التاريخ على وجه الخصوص. أكتفي بالقول، إن روايتي لما عِشْته مُؤطَرة ومتأثرة، بقوة، بقناعاتي القديمة عندما كنت طالبا مناضلا في إطار حركتنا، كما أنها قد تتأثر بقناعاتي الراهنة الماركسية الديمقراطية، وبحنيني إلى الثورة التي لا زلتُ أحلم بها في خريف حياتي…
4. شكّل انتمائي للحركة الماركسية المغربية “الحملم” ونضالي في صفوفها، إلى جانب رفاق/رفيقات أعزاء ومخلصين قدموا تضحيات جساماً، وهم في مقتبل العمر، ولا يزال ذاك الانتماء يُشكّل لحد اليوم مفخرة واعتزازا بالنسبة إليّ.
5. وبقدر ما أعتزّ وأفتخر بانتمائي لـ “الحملم”، فإنني لا أتوانى في نقد حركتنا وتقييم تجربتها دون “جلد الذات”، أولا؛ لكن بعيدا عن المداهنة أو تبجيل تجربتنا وتقديسها أو نفخ الذات والسقوط في النرجسية، ثانيا. فليعذرني رفاقي/رفيقاتي إن بدا – لهم/لهن- أنني أقسو على نفسي وعلى حركتنا المناضلة… و”على قدر الهوى يأتي العتاب” (أحمد شوقي) أو “من يحب يقسو في العتاب” كما يقول البعض.
6. لا بد لي أن أشير إلى الدور الحيوي الذي اضطلعت به خديجة المنبهي، زوجتي، في مجمل مسيرتي النضالية. إذ بفضل نضالها وجرأتها، التي عزّ نظيرها، استطعتُ البقاء على اتصال بالعالم الخارجي وبرفاقي لما كنت معتقلا، كما أنّها كانت بارعة ومُبدعة في فن إتلاف الهوية الفعلية للكتب أو تمويهها وفي تسريب ما كان ممنوعاً إدخاله إلى السجن. وأشير إلى أنها كانت المناضلة الوحيدة الملتزمة سياسيا في إطار “الحملم”، تنظيم “ب” ضمن عائلات معتقلي “مجموعة أنيس بلافريج”. فضلا عن كونها تعرضت باستمرار للاعتقال والاستنطاق كلما حدث طارئ داخل السجن أو خارجه. وهي التي ساعدتني على تجنب العديد من الانزلاقات والهفوات الشخصية والسياسية بعد إطلاق سراحي. وللإشارة فإن جلّ العائلات (الأمهات، الآباء بل وحتى الزوجات) لم يكن على علم بنشاط ذويه، ولم يتفهم سبب اعتقالهم! غير أن ذلك لم يحُل دون تحوّل تلك العائلات إلى تشكيل السند الرئيسي الذي دعم المعتقلين السياسيين بالمغرب طيلة كل مدة اعتقالهم.
7. لا يمكننا الحديث عن المؤتمر XV لـ “أوطم” من دون التطرق إلى العلاقة الوطيدة، العضوية، إلى حد التماهي، بين الحركة الطلابية المغربية من جهة، و”الحملم” من جهة أخرى، في نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي. وبقدر ما أثرت الحركة الطلابية في تكوّن “الحملم” في توجهاتها وممارساتها اليومية تأثرت الحركة الطلابية أيضا بفكر وتوجهات وممارسات “الحملم” داخل القطاع الطلابي.
8- وأخيراً وليس آخراً، قد يُثير نشر هذه الذكريات القديمة – الشهادة – عن وقائع وأحداث، جرت منذ أكثر من أربعة عقود خلت، “زوبعة” من الانتقادات والملاحظات الإيجابية و/أو السلبية “اللاذعة”، غير أنني أرحب، بشكل مسبق، بكل ذلك مادام ينطلق من حسن نية ويروم تصحيح الأخطاء التي قد ارتكبتها عند سردي للوقائع والأحداث. إذ المهم، في اعتقادي، هو التقرب أكثر ما يُمكن مما جرى في الماضي وصولاً إلى حقائق تاريخية تُفيد ذاكرة المُضطَهدين حاضراً وعلى الأخص مستقبلاً. والغاية من هذا النشر ليست هي تمجيد ماضينا والبكاء على أطلاله بقدر ما هي الاستفادة من أخطائنا من أجل المساهمة في بناء مستقبل أفضل، ليس إلا!
لن أتعرض هنا إلى تعريف الحركة الماركسية- اللينينية المغربية “الحملم” ولا إلى قاعدتها الاجتماعية الطبقية الأساسية – المعروفة بداهة- أو إيديولوجيتها “الرسمية”، ولا كيف سعت إلى ترجمة تلك الإيديولوجيا في الواقع المغربي.
ولن يتناول هذا الاستجواب أيضاً التكتيكات التي بلورتها “الحملم” من أجل إنجاز المهام الثورية الجسيمة التي أعلنتها وسعت، بكل قواها، إلى تحقيقها؛ كما أنه لن يتعرض إلى أسباب عدم قدرة “الحملم” على التجذر في صفوف أصحاب المصلحة الأساسية في الثورة – العمال والفلاحين الفقراء- وبقائها معزولة عن تلك الجماهير. غير أنه لا مندوحة من طرح تساؤلات فيما يخص محاولات تفسير انكسار “الحملم” بعامل القمع الجهنمي الذي سلطه النظام على الحركة الناشئة منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي… بمعنى هل يكفي العامل القمعي لتفسير و/أو تبرير فشل حركتنا في إنجاز مهامها التاريخية.
كانت الشبيبة، بشقيها الطلابي والتلاميذي، القاعدة الاجتماعية/الطبقية الرئيسية للحملم. وهي البيئة التي نشأت فيها الحركة وترعرعت، كما أنها اكتسبت السمات الأساسية التي طبعتها من ذاك الوسط الاجتماعي الشاب، المتحمس والمتعطش إلى فك الارتباط مع الآباء -الذين يمثلون روح المحافظة والتشبث بالتقاليد- والطامح إلى تغيير جذري لواقعه ولواقع المجتمع برمته.
إنها فئة من الشباب – الذي لا يُشكل طبقة اجتماعية بطبيعة الحال- ينتمي سوادها الأعظم للبرجوازية الصغرى المدينية كما ينحدر بعضه من الطبقات الشعبية الفقيرة بل وحتى المعدمة في المدن والبوادي، بالإضافة إلى نزر قليل من المناضلين من ذوي الأصول البرجوازية الكبرى أو “الأرستوقراطية”. إلا أن الفئة الاجتماعية السائدة في صفوف حركتنا كانت، بكل تأكيد، هي البرجوازية الصغرى المدينية. ولإثبات ذلك تكفي العودة إلى صكوك الاتهام وإلى منطوقات الأحكام المتعلقة بكل المحاكمات، الكبيرة منها والصغرى، التي تمت فيها متابعة مناضلي ومناضلات “الحملم” وصدرت خلالها آلاف السنين في حقهم؛ وذلك خلافا للمناضلين الاتحاديين الذين كانت حركتنا تصفهم بوصمة خطأ بـ “البلانكيين”!!