ملف: الحراك الشعبي الفئوي
إعداد: عبد العاطي اربيعة - محمد الناصري
طغيان مقاربة التعنيف وإهمال المطالب الإجتماعية
تقديم: ليست هذه هي المرة الوحيدة التي شبت فيها الاحتجاجات الفئوية في المغرب، فمنذ سنوات طويلة احتل المعطلون الشارع وحتى 20 فبراير بشكل عام هي انتفاضة شبابية، وبعدها خرج طلبة كلية الطب إلى الشارع ، ثم الاساتذة المتدربون وحتى الأطباء والممرضون لم يجدوا أمام تسويفات الحكومة بدا من التظاهر، وفي هذه السنة بلغت الاحتجاجات الفئوية درجة عالية عملنا في هذا الملف على الإحاطة بها، وحتى نعطيها حقها من التدقيق والبحث فصلناها عن الملف المجالي الذي سنعمل على نشره في العدد المقبل. إن هذا الزخم من الاحتجاجات ليست في حقيقة الأمر إلا انعكاسا أوتوماتيكيا لعاملين أساسين إثنيـن: الأول السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة والثاني الخضوع التام لمخططات المؤسسات الدولية المالية والاقتصادية،وغير ذلك من التحاليل التي تبحث في العوامل النفسية وعوامل ضعف النقابات ليس إلا تضليلا، ولو كانت النقابات قوية لكانت الاحتجاجات أقوى وأمضى وليس العكس.
1- احتجاجات المتصرفين المغاربة
تقديم توضيحي:
إن عدم استقرارية الوظيفة العمومية مرده أزمة الإختيارات الممنهجة للدولة والحكومات المتعاقبة ذات الجوهر التبعي واللاديمقراطي واللاشعبي المنصاع لتوصيات وشروط الأبناك الدولية المانحة والممولة لمشاريع الهدم لكل القطاعات الإجتماعية من صحة وتعليم ….التي تؤكد في العديد من توجهاتها انها مجالات تشكل عبئا على موارد الدولة بذالك يجب ايجاد مخارج قانونية لتفكيك بنيتها ومحتواها الإحتماعي .وتم نهج اسلوب تقليص المناصب الشاغرة في الإدارات وفرض التوظيف الهزيل بالعقدة قسرا مما ينذر بتهديد مستقبل مسار الوظيفة العمومية .ناهيك عن الفوارق في مستوى الممارسة المهنية ومسارات الترقي والفوارق الطبقية الأجرية في الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والغرف المهنية. وما من شك في أن مساوئ لاحصر لها تنطوي عليها الإدارة المغربية ناهيك عن رواسب الإستبداد التحكمي الذي يترجم استبداد الدولة وفسادها في التدبير الجيد للمرفق مع تحويل القيم الإدارية المعمول بها دوليا كخدمات اجتماعية الى سلع تباع مما يحطم منظومات القيم الإدارية والقذف بالخدمات الى أنياب قوانين السوق ومخالبها بدون حماية وتأمين المسار المهني للموارد البشرية
السياق التاريخي والمهني لتأسيس هيئة المتصرفين :
كما ان كل المساوئ السالفة الذكر ترتد الى المركزية المفرطة والمصلحة الخاصة التي تؤسسها علاقات الملكية القانونية للإدارة المغربية ومواردها البشرية والتملك الفعلي يصطحبها نظام اشتغال بروقراطي نزاع الى تحطيم أي مبدأ إجتماعي إنساني ويقف حائلا دون تحقيق اي تطور حقيقي في المسار الإداري انها بطبيعة الحال صورة تعكس الخيار المنهجي لجهاز الدولة الرعائي وضامن لإستقراريتها وبسط نفوذها المهيمن حفاظا هلى مصالحها وإخضاعها لمراكز القرار الراسمالي المهيمن والمعولم بشكل مشوه.
وكون هيئة المتصرفين جزءا لا يتجزء من المنظومة القانونية والمهنية والإدارية المغربية سوف يجعلها هذا الواقع المتردي أمام تحد جديد تمثل في تقوية صفوفها منذ سنة2001 و2004 بإحداث فدرالية جمعيات متصرفي القطاعات العمومية فدخلت الهيئة في سيرورة نضالية وستعرف تحولا في التعاطي الحكومي مع الملفات المطلبية المعروضة لكن نتائج المرحلة لم تستجب لتطلعات المتصرفين لاعتبارات بنيوية اهمها تشتت او تعدد الأنظمة الأساسية وهيمنة النظرة الفئوية كما أن هزالة حضور تطلعات ملفها على مستوى التنظيمات النقابية على خلاف قطاعات أخرى تقنيين ومساعديهم ومحررين ومنتدبين قضائيين والممرضين ……التي تكفلت به المركزيات النقابية الى جانب توسيع قاعدة المرجعيات المهنية والمهددة للمواقع والصلاحيات المهنية والتدبيرية .اضافة الى ادراج هامشي سنة 2008 ملف المتصرفين ضمن جولات الحوار الإحتماعي فيما يسمى ”باللجنة القانونية “.الاأن هذا الحوار فشل على المستوى الوطني والقطاعي والفئوي .كما أن جولات الحوار الإجتماعي لسنة 2009و2010 هيمنت عليها القضايا المطلبية الأفقية كالزيادة في الأجور ومراجعة نظام الترقية والتسقيف بالنسبة لعدد سنوات الإنتظار.سجل بالمقابل تراجع ملف هيئة المتصرفين من مشهد الحوار الإجتماعي .
هذا الوضع المأزوم وتراكماته السلبية شكل تحولا نوعيا في مسار الهيئة إذ كان تأسيس اطار الإتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة في 9 يوليوز 2011نقطة انطلاق لدينامية جديدة داخل جسم الإدارة طبقا لمقتضيات القانون الأساسي 29اكتوبر 2010الغير العادل والمحدد للمهام التالية في مادته الثالثة :”يقوم المتصرفون بمهام التأطير والإدارة والخبرة والإستشارة والمراقبة في إدارات الدولة ومصالحها اللاممركزة….”
وقد سطر لنفسه ثلاثة محاور أساسية للعمل تستمد شرعيتها من القوانين الدولية والوطنية وهي كالتالي :
1- تقوية الأداة التنظيمية والنضالية للمتصرفين بناء على قواعد الديمقراطية والإستقلالية …والوحدة والتضامن
2- صياغة تصور لواقع هيئة المتصرفين بالإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والغرف المهنية ومصالحها القطاعية والجهوية والمحلية وبرامج عملية تمكن مكونات الهيئة من التموضع المهني للقيام بدورها في الدفاع عن مصالحها المادية والمعنوية وفق خطط واستراتجيات نضالية ….
3- ملف مطلبي يضم مقترح نظام اساسي جديد يقوم على قواعد الهيئة وإعادة هيكلة المسار المهني والأجري وتدبير نظام الترقية بشكل يلائم وظائف وكفاءات المتصرف.
هيئة المتصرفين مهام متعددة وكفاءات عالية وفوارق أجرية:
كما تتكون هيئة المتصرفين من خريجي مدارس ومعاهد عليا وكليات وطنية ودولية وتتضمن عددا من التخصصات القانونية والتدبيرية والإقتصادية والعلمية والتقنية …التي تؤهل المتصرف للعب دور ريادي في تحديث منظومة الإدارة وقوة اقتراحية تساهم في صناعة قرارات لتحديث الإدارة وتجويد الخدمات لكن .البيروقراطية الإدارية والهاجس الأمني والتحكمي والقرارات الإرتجالية والزبونية في تحديد المسؤوليات وعدم استقلالية القرارنجم عنه وضع أجري كارثي غير عادل أثر حتى في مسارات الترقي والمسار المهني :
• أجور غير متساوية من أجل مهام متساوية
• أجور غير متساوية من أجل شهادات متساوية
• أجور غير متساوية من أجل كفاءات متساوية
لكن المفارقة اللا قانونية هي أن تسند مناصب المسؤولية من مستوى رئيس قسم ورئيس مصلحة لأطر تنتمي الى هيئات مختلفة للموظفين ويترتب عن ذلك نفس المهام والمسؤوليات فيما لايترتب عليها نفس الأجوروالتعويضات .وهذا ماتؤكده حتى المعطيات الرسمية الواردة بتقرير وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الادارة حول الموارد البشرية الصادرسنة 2013 والذي خصص لتقييم هذه الموارد برسم سنة2012وتؤكد هذه المعطيات أنه شغل المتصرفون 41.35°/° من مجموع مناصب المسؤولية بالإدارات العمومية منها 11.46°/° شغلها متصرفو وزارة الداخلية و29.89°/°كانت مسندة للمتصرفين بباقي الإدارات العمومية الأخرى فيما تولت هيئة المهندسين والمهندسين المعماريين تسيير 28.97°/° من هذه المناصب ،من هنا يتبين الدور المحوري الذي تضطلع به هيئة المتصرفين في تدبير وتسيير الهياكل الإدارية ابتداء من سنة 1913 السنة التي تم فيها تعيين اول متصرف ببلدية الدار البيضاء.
الفوارق الأجرية بين المتصرفين نفس المهام رغم نفس الرقم الإستدلالي المماثل
الإتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة مسار نضالي وقوة اقتراحية ومطالب عادلة ومشروعة
- تسع مسيرات وطنية بشوارع الرباط
- عشرات الوقفات الإحتجاجية الوطنية والجهوية والإقليمية
- اضرابات وطنية داخل مقرات العمل 2014 و2015 مع حمل الشارات
- عشرات اللقاءات الترافعية مع اعضاء الحكومة والبرلمان والمركزيات النقابية
- ندوات وايام دراسية للتعريف بالملف والرفع من قيمة الاطار
نجم عنه الحرمان من الترقية السلمية القانونية المستحقة كما حصل للمتصرف عبد الحق المساوي متصرف وزارة الداخلية بالخميسات 2019 والكاتب الإقليمي محمد ناصري متصرف قطاع غرف الصناعة التقليدية بالحسيمة سنة2015 انتقال تعسفي الى تاونات والحرمان من الترقية القانونية برسم سنة 2014 والاقتطاع من اجور المتصرفين والمتصرفات والتهديدات التعسفية المجانبة للقانون من طرف بعض رؤساء الغرف والجماعات ورؤساء مصالح بعض الإدارات كما حصل لرئيسة الإتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة فاطمة بنعدي واللمتصرف محمد ابويريكة من طرف عزيز الرباح رئيس مجلس بلدية القنيطرة .
ان تبني هيئة المتصرفين للخط التصعيدي والنضالي بناء على نقاط مطلبية واضحة تتجسد في:
الحكامة المهنية، والعدالة الأجرية، والقانون الأساسي المنصف والموحد لكافة متصرفي الإدارت والمؤسسات العمومية والحماعات الترابية والغرف المهنية واحترام الحريات النقابية وربط المسؤولية بالمحاسبة والتوزيع العادل لمناصب المسؤولية هدفها تحويل المرفق العام خدمة للمواطنين وتحديث للإدارة.في افق دمقرطتها .وقد تم التعبير عن ذلك في العديد من الحوارات مع الإدارة الوصية على الوظيفة العمومية .وتبين بالملموس ان لاحل للدولة لقضية قطاع المتصرفين في قضية القانون الأساسي الموحد لكافة متصرفي الإدارات و العدالة الأجرية رغم اعترافها بفضاعة التفاوت الأجري بين أطرها رغم نفس المهام ونفس الديبلومات المحصل عليها فحتى شعار كذبة الوزارة “الإصلاح الشمولي للوظيفة العمومية” ماهي الا تدابير تعتمد معايير الكفاءة وإدماج ثقافة التقييم بناء على المردودية وكأننا نمتهن في وكالات اومقاولات انتاجية مما يضرب في العمق مفهوم الإدارة العمومية وتقديم خدمات اجتماعية والذهاب في اتجاه خوصصة العديد من الخدمات إنه خيار يؤله منطق السوق واللبرالية المالية المتوجشة في طبعتها الجديدة المعاصرة والمطبقة منذ الثمانينات وتعليبها بشعارات التحديث ورقمنة الإدارة و”الإصلاح الشمولي للوظيفة العمومية” في إطار” الجهوية الموسعة” نموذج البطائق والشواهد في الغرف المهنية وبعض الوثائق في إدارات أخرى كوزارة المالية تصحيح الإمضاء في بعض الجماعات .كما ان هذه الإجراءات تفرغ الوظيفة العمومية من محتواها الحقيقي وتهددها بالهشاشة وعدم الإستقرارية مما ينعكس سلبا على المرفق العام والمرتفقين وخوصصة الخدمات المقدمة للتمهيد التدريجي عن تخلي الدولة وإدارتها عن خدمة المرتفقين .
وقد اكد الإتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة في العديد من المحطات النضالية وخاصة المسيرة الوطنية التاسعة في 24 ابريل 2019 التي انطلقت من امام مقر وزارة الإقتصاد والمالية تحت شعار “من اجل حقوقنا التصعيد هو الحل” وتوجت باعتصام ليلي امام مقر البرلمان في كلمة مسؤولي الفروع ورئيسة الإتحاد .لايمكن للمتصرفين ان يكونو بمثابة قنطرة لتمرير اختيارات الليبرالية المتوحشة اللاشعبية واللاجتماعية استجابة لإملاءات الأبناك الدولية وترضية لوهم ومزاعيم الإصلاح الشمولي للوظيفة العمومية ” فما لايأتي بالنضال يأتي بمزيد من توحيد الجهود النضالية لكل قطاعات الوطيفة العمومية في اطار جبهة عريضة أونامية ونقابية وحقوقية وسياسية…..لأن الإدارة العمومية حق على الدولة تهم عموم الشعب بكل مكوناته.
◆ محمد ناصري : عضو اللجنة الإدارية للإتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة
2- احتجاجات طلبة الطب والصيدلة
تعتبر التنسيقية الوطنية لطلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان من الحركات الاجتماعية التي بصمت على معارك نضالية بطولية هذه السنة، والتي وصلت حد مقاطعة الدراسة لثمانية أسابيع متتالية، سجل فيها الطلبة على إصرار منقطع النظير، والتزام تام بتنفيذ كل ما تقرره التنسيقية، في وقت تعرف فيه الحركة الطلابية تراجعا كبيرا.
وهو ما يجعل دراستها والاستفادة من مسارها، سواء على المستوى التنظيمي أو على مستوى اتخاذ القرار أمرا ملحا، فبالرغم من أن الطلبة قد قاموا بفرز قيادة تتحدث وتفاوض باسمهم، إلا أن القواعد هي من تقرر من خلال التصويت السري المباشر، وهو ما يعتبر مثالا في الديمقراطية المباشرة التي تجعل من الفرد مشاركا في القرار، ومنفذا له في ذات الآن.
وكانت التنسيقية الوطنية لطلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان قد تأسست منذ حوالي خمس سنوات، وقد استطاعت أن تسقط الخدمة الإجبارية، ومن أهم مطالبها عدم إدماج طلبة القطاع الخاص بالتداريب الميدانية بالمستشفيات العمومية، وعدم اجتيازهم للمباريات الداخلية وكذلك الإقامة إلى جانب طلبة القطاع العام لما فيه من ضرب لتكافؤ الفرص، حيث ترى أن هذه الإجراءات التي أقدمت عليها الوزارة تعتبر مدخلا لضرب مجانية التعليم، كما يطالب الطلبة بإزالة الضبابية عن الدراسات الطبية في النظام الجديد، وحذف السنة السادسة لطلبة طب الأسنان، وكذلك الامتحان التأهيلي الذي نص عليه دفتر الدراسات البيداغوجية الجديد…
وجدير بالذكر أنها قررت الأسبوع الماضي، بالأغلبية رفض مشروع الاتفاق الذي تقدمت به وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، ووزارة الصحة، والذي يهدف إلى إتمام السنة الجامعية، من خلال استدراك ما تبقى من الزمن الجامعي.
حيث صوت الطلبة بسبع كليات بأغلبية ساحقة لصالح استمرار المقاطعة، وكذلك مقاطعة الامتحانات، إلى حين تحقيق جميع مطالبهم.
فحسب بلاغ للتنسيقية الوطنية لطلبة الطب والصيدلة بالمغرب فقد جاءت نسب التصويت كالتالي: 98% بالنسبة لطلبة طب الأسنان بالدارالبيضاء، 95.46% بالنسبة لطلبة الطب و%92.8 بالنسبة لطلبة الصيدلة، وبلغت النسبة 96.4% بوجدة، و88.88% بطنجة، و93.7% بفاس، و97.9 بمراكش، و97.81 بأكادير، أما بالنسبة للربط فوصلت إلى 86% لطب الأسنان و80% للطب و67% للصيدلة.
وبعد هذا التصويت يدخل طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان في الأسبوع الثامن من المقاطعة الشاملة، وعلى رأسها مقاطعة الامتحانات، مما يجعل القطاع على أبواب سنة بيضاء، خصوصا في ظل عدم استجابة الوزارة لمجموعة من المطالب التي يعتبرونها أساسية في ملفهم المطلبي، في حين تعتبرها الوزارة غير مشروعة، وهو ما أكده وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي سعيد أمزازي ردا على سؤال بالبرلمان حول الموضوع.
وبالرغم من أن المقاطعة الشاملة للدروس النظرية والتداريب الاستشفائية، بلغت مدتها الشهرين، وكذلك قرارها مقاطعة الامتحانات، وتنظيم مسيرة وطنية بالعاصمة الرباط يوم 30 ماي 2019، إلا أن الوزارة تصر على إجراء هذه الأخيرة في وقتها المحدد، حسب جواب الوزير على ذات السؤال بالبرلمان، مما يؤكد أن الاحتقان سيتصاعد أكثر فأكثر.
وفي سياق آخر، وبالرغم من أن الوزارة لا طالما تحدثت عن رفضها الجلوس مع التنسيقيات، إلا أن طلبة الطب فرضوا عليها الاجتماع بهم أكثر من مرة، وهو ما يؤكد قوة تنسيقيتهم.
3- احتجاجات الممرضين وتقنيي الصحة
تعتبر حركة الممرضين من الفئات الاجتماعية التي خاضت ولا زالت تخوض نضالات، من أجل نيل مجموعة من الحقوق التي سطرتها منذ انطلاقها.
فقد تأسست أول حركة للممرضين وتقنيي الصحة سنة 2012 على مطلب واحد، وهو المعادلة؛ حيث أنه بالرغم من المسار الدراسي الذي كان يسلكه الممرضون، والمتمثل في ثلاث سنوات بعد البكالوريا، والذي يماثل نظامه النظام الجامعي، إلا أن الشهادة التي كانوا يحصلون عليها، لم تكن تعادل الإجازة، حيث كان الممرضون وتقنيو الصحة يلجون الوظيفة بالسلم التاسع، وهو ما اعتبروه حينها ظلما وحيفا، ليقودوا نضالات تصعيدية توجت بتحقيق ذلك المطلب.
وقد عادت هذه الفئة إلى تنظيم نفسها في حركة جديدة سنة 2015 تحت اسم حركة الممرضين وتقنيي الصحة بالمغرب، حاملة مجموعة من المطالب، أهمها: الإنصاف في التعويض عن الأخطار المهنية، إنصاف ضحايا المرسوم 2.17.535، حيث ترى الحركة أن هذا المرسوم أنتج حيفا وظلما كبيرين من خلال: حرمان الممرضين وتقنيي الصحة من تسوية وضعيتهم الإدارية وتصحيحها ابتداء من تاريخ إدماجهم في الوظيفة العمومية وبالتالي هضم حقوقهم في الأثر المالي، وعدم استفادة فئة عريضة من أقدمية اعتبارية خصوصا ضحايا تكوين السنتين. كما تطالب الحركة بإخراج هيئة وطنية للممرضين وتقنيي الصحة، إخراج مصنف الكفاءات والمهن، وكذلك مراجعة شروط الترقي وإدماج الممرضين المعطلين دون اعتماد نظام التعاقد، هذا النظام الذي ترى الحركة أنه يكرس الهشاشة والاستقرار.
ففي هذا السياق اعتمدت الدولة المغربية على نظام التعاقد في القطاع، حيث تتم هذه العملية على مستوى الجماعات المحلية، وبأجور هزيلة، تكاد تنحدر إلى نصف الأجر الذي يتقاضاه المرسمون مع وزارة الصحة، بالإضافة إلى فتح باب هذه المباريات لطلبة المدارس الخصوصية، وهو ما يعتبره الممرضون وتقنيو الصحة تغييبا لمبدأ تكافؤ الفرص، حيث أن الولوج لمؤسسات التعليم العمومي يعتمد الانتقاء الأولي، والمبنية على نقط البكالوريا، في حين أن القطاع الخاص لا يعتمد هذه العملية، والأكثر من ذلك يتم قبول طلبة بمستوى الثانية بكالوريا (غير حاصلين على هذه الشهادة).
وقد خاضت الحركة منذ تأسيسها مجموعة من المحطات النضالية المختلفة، ففي سنة 2017 نظمت 12 يوم إضراب، وخلال سنة 2018 نظمت 3 مسيرات وطنية، وقفتين وطنيتين وكذلك اعتصامين وطنيين ومجموعة من الوقفات والاعتصامات الجهوية والإقليمية، وقد تصاعدت وتيرة هذه المحطات النضالية خلال هذا الموسم، كان آخرها إضرابا وطنيا لثلاثة أيام (14 و15 و16 ماي 2019)، كما دعت الحركة لإضراب وطني أيام 10 و11 و12 و13 و14 يونيو 2019.
وجدير بالذكر أن حركة الممرضين وتقنيي الصحة تضم خمسة إطارات، وهي إطار الممرضين، إطار القابلات، إطار تقنيي الصحة، إطار المروضين، وإطار المساعدين في المجال الطبي الاجتماعي.
4- احتجاجات الفئات التعليمية
لازال قطاع التربية والتعليم، ونحن على بعد أيام معدودات على موعد الامتحانات الإشهادية، حيث تخوض مجموعة من الفئات التعليمية مدعومة بتنسيق نقابي خماسي يضم كلا من النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والجامعة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، والجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي، والجامعة الحرة للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والنقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الفيدرالية الديمقراطية للشغل.
فبعد مجموعة من المحطات النضالية الإنذارية التي خاضتها مجموعة من التنسيقيات، وعلى رأسها الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، وأساتذة الزنزانة التاسعة، وحاملو الشهادات المقصيون من الترقية، وأساتذة الزنزانة العاشرة، وأطر الهيئة التربوية والإدارية، والأساتذة المستبرزون، والمبرزون، ومفتشو التعليم… دخلت مجموعة من هذه التنسيقيات في أشكال تصعيدية.
فقد دخلت التنسيقية الوطنية في إضراب مفتوح امتد من من 18 مارس إلى غاية إلى غاية 14 أبريل 2019، والذي تخللته مجموعة من الأشكال النضالية المحلية والجهوية والوطنية، سواء الوقفات والمسيرات أو الاعتصامات. ولعل أبرزها الاعتصام الوطني ليلة 23 مارس، والذي تعرض فيه الأساتذة والأستاذات لمختلف أشكال القمع، وبمختلف الوسائل وعلى رأسها خراطيم المياه، حيث استمرت المطاردات إلى غاية الساعات الأولى من صباح اليوم الموالي، دون أن ننسى الإنزال الوطني بالرباط أيام 08 و09 و10 أبريل، والذي عرف تدخل أمنيا مماثلا، والذي أصيب على إثره عبد الله حجيلي أب لأستاذة متعاقدة والذي لا زال يرقد بالمستشفى إلى حدود هذه اللحظات.
وقد استطاعت التنسيقية بعد هذا الإنزال أن تفرض على الوزارة الجلوس معهم للحوار، بعدما طالت ترفض ذلك بدعوى أنها لا تتحاور مع التنسيقيات، وأن هذه الأخيرة غير قانونية. حيث تم لقاء ضم إلى جانب الوزارة والتنسيقية، النقابات الخمس والمرصد الوطني للتربية والتكوين يوم 13 أبريل.
وقد خلص هذا الاجتماع إلى: توقيف المساطر الإدارية والقانونية ضد جميع الأساتذة، تأجيل امتحان التأهيل المهني، إرجاع الأستاذين المطرودين (حساين بوكمان وادريس العلوي الزيداني)، وصرف الأجور المتوقفة، وبناء على ذلك قامت التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد بوقف الإضراب المفتوح في انتظار مخرجات اللقاء الثاني يوم 23 أبريل 2019.
لكن سرعان ما أعلنت التنسيقية الوطنية بعد عقدها لمجلسها الوطني بمراكش بعودتها إلى الإضراب، بسبب عدم التزام الوزارة بمخرجات اللقاء الأول حسب ما جاء في البلاغ الصادر عن المجلس الوطني، حيث سجلت التنسيقية تطبيق مساطر العزل خاصة في الأكاديميات الثلاث بالصحراء، اعتماد استئناف العمل عند عودة الأساتذة إلى المؤسسات واستدعاءات الامتحان المهني… وكذلك تصريح وزير التربية الوطنية بخصوص سقف الجولة الثانية من الحوار (23 أبريل 2019)، علما أنه كان غائبا عن الجولة الأولى.
حيث سيتم تجسيد إنزال وطني مشترك بين التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، التنسيقية الوطنية للأساتذة حاملي الشهادات والتنسيقية الوطنية لأساتذة الزنزانة 9، حيث تم تمديد إضراب هذه الفئة إلى غاية 28 أبريل 2019، ليتم توقيف الإضراب والعودة إلى الأقسام يوم 29 أبريل 2019، على أن يتم عقد لقاء آخر يوم 23 ماي بين الوزارة والتنسيقية والنقابات، هذ اللقاء الذي سيتم مقاطعته مرة أخرى من طرف التنسيقية والنقابات، وأرجعت التنسيقية ذلك إلى عدم جدية الوزارة في ترجمة مخرجات لقاء 13 أبريل 2019، وذلك بعدم إصدارها لأي مذكرة في شأن التدابير الإدارية والقانونية التي كانت باشرتها سابقا في حقهم، وهو ما كان قد التزم به الوزير سعيد أمزازي في لقائه بالتنسيقية يوم العاشر من ماي.
من جهتها لا زالت كل من التنسيقية الوطنية للأساتذة حاملي الشهادات، والتنسيقية الوطنية لأساتذة الزنزانة التاسعة مصرتين على التصعيد ضد الوزارة المعنية بالقطاع، فبعد مجموعة من الأشكال الإنذارية التي خاضتها كل تنسيقية، سواء وقفات ومسيرات أيام الآحاد أو الإضرابات الإنذارية وحمل الشعارات، خاضت التنسيقيتان أشكالا نضالية تصعيدية في الأيام الماضية الأخيرة، وعلى رأسها الإنزال الوطني الوحدوي بمدينة الرباط، والذي عرف تجسيد إفطار جماعي أمام البرلمان، والذي عرف تدخلا لقوى الأمن لفض اعتصامهم بعد دقائق قليلة من آذان المغرب يوم 13 ماي.
ويطالب حاملو الشهادات بالترقية وتغيير الإطار على غرار أفواج ما قبل 2015، وها ما زالت الوزارة تصر على رفضه، مقترحة أن تكون الترقية حسب الحاجيات، وقد قررت هذه الفئة التعليمية الاحتفاظ بالنقط وعدم إمساكهم بمنظومة “مسار”، كما هددت بمقاطعة الامتحانات الإشهادية.
أما أساتذة الزنزانة التاسعة فيطالبون بترقية استثنائية، بعدما لم يعد معمولا بالتوظيف في هذا السلم، منذ اعتماد الإجازة لولوج مهنة التعليم منذ حوالي العشر سنوات أو أكثر، في حين بقيت هذه الفئة قابعة في هذه الزنزانة، وهو ما يعتبرونه ظلما وحيفا في حقهم.
وفي ظل ما يعيشه القطاع من احتقان خصوصا أمام إصرار هذه التنسيقيات على التصعيد واستعداد فئات أخرى للاحتجاج آخرها أساتذة الزنزانة العاشرة، وأمام تعثر الحوار القطاعي بين النقابات التعليمية والوزارة، وتعنث هذه الأخيرة في الاستجابة لمطالب مختلف الفئات التعليمية، فكل المؤشرات تؤكد أن الدخول المدرسي المقبل سيعرف احتقانا أكبر من الذي عاشه ويعيشه هذه السنة، وأول المستجدات التي وصلتنا مقاطعة النقابات وتنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد لدعوة الوزارة للحوار، خصوصا أن الدولة تحاول فقط ربح الوقت دون تحقيق المطالب.
5- احتجاجات الأساتذة حاملي الشهادات
يشرفنا -أستاذ عبد الوهاب السحيمي- في جريدة الطريق أن ننجز معكم هذا الحوار، قصد الوقوف على أهم المستجدات التي يعرفها ملف الأساتذة حاملي الشهادات بوزارة التربية الوطنية، وكذلك لتدارس ما يعيشه قطاع التعليم بالمغرب من أزمات.
الطريق: بداية، نريد -ومن خلالكم- أن يعرف الرأي العام الوطني أكثر ما هي التنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات؟
عبد الوهاب السحيمي: التنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات، هي إطار نضالي مستقل، تأسس سنة 2016، من أجل النضال والتضحية لاسترجاع حق موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات في الترقية وتغيير الإطار، على غرار جميع موظفي الوزارة قبل دجنبر 2015. إذن، فالتنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات، هي كيان نضالي، يضم جميع موظفي الوزارة حاملي الشهادات، والمقصيين من حقهم العادل والمشروع، والمتمثل في الترقية وتغيير الإطار.
وللتنسيقية هياكل إقليمية وجهوية تغطي كافة التراب الوطني، منتخبة بطريقة ديمقراطية وشفافة. ولها كذلك لجان تسهر على تنظيم عملها وطنيا، وجهويا، وإقليميا.
ونشير كذلك، إلى أن التنسيقية إطار مستقل عن النقابات التعليمية، لكن علاقاتها بها قوية؛ من ناحيتي التعاون والتنسيق الميدانيين، وكذلك من ناحية تبادل الآراء واتخاذ القرارات. وثمة عمل دؤوب من جميع الأطراف بهدف تمكين جميع موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات من حقهم المكتسب والمتعلق بالترقية وتغيير الإطار، على غرار جميع الأفواج قبل 2015.
الطريق: ما هي أهم المطالب التي ترفعها التنسيقية الوطنية للأساتذة حاملي الشهادات؟
عبد الوهاب السحيمي: مطالب التنسيقية واضحة، وهي الترقية وتغيير الإطار لجميع موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات، على غرار جميع موظفي الوزارة الذين استفادوا من هذا الحق إلى غاية دجنبر 2015.
فالمعلوم، أن حق الترقية وتغيير الإطار في قطاع التربية الوطنية ظل حقا مكتسبا منذ الاستقلال إلى غاية دجنبر 2015. وللأسف، بعد هذا التاريخ، أصبح مسؤولو الوزارة، يتلكؤون في تسوية وضعية حاملي الشهادات، على غرار زملائهم السابقين، دون تقديم أي تبريرات أو توضيحات. واليوم، فحاملو الشهادات المحتجون لا يطالبون إلا بتمكينهم من حق ظل مكتسبا في قطاع التعليم لعقود طويلة، ومساواتهم مع زملائهم السابقين.
الطريق: هل يمكن لكم أن تضعوا القراء الكرام، في السياق التاريخي لهذا الملف، علما أنه مر بمجموعة من المحطات منذ 2011؟
عبد الوهاب السحيمي: سنة 2011، استفاد جميع موظفي وزارة التربية الوطنية من حق الترقية وتغيير الإطار بشكل مباشر، وذلك بناء على مرسوم حكومي استثنائي صدر لهذا الغرض. وبعد هذا التاريخ، أصبحت وزارة التربية الوطنية، ومعها الحكومة المغربية، ترفض إصدار أي مرسوم لرفع الظلم والحيف عن حاملي الشهادات بقطاع التعليم. لذلك خاض الأساتذة المتضررون نضالات قوية وغير مسبوقة، انطلقت شهر يناير 2012، ودامت 3 سنوات متتالية، لتتوج بإضراب وطني مفتوح، مرفوق باعتصام ممركز بالرباط، اعتصم فيه أغلب المعنيين، مدة 111 يوما. وللإشارة فإن هذا الاعتصام يعتبر الأطول والأكثر صمودا في تاريخ الوظيفة العمومية المغربية. وسنتا 2013 و2014، وبعد هذه النضالات غير المسبوقة وما رافقها من قمع مقصود، ومن اعتقالات غير قانونية، وتوقيفات أجور المضربين بالمئات، وإحالات على المجالس التأديبية، ومحاكمات جائرة للعديد من مناضلي ومناضلات حاملي الشهادات … عاد حق الترقية وتغيير الإطار لأصحابه، وتم تمكين جميع المتضررين من مطالبهم العادلة والمشروعة، وهي الترقية وتغيير الإطار بناء على قرار وزاري يحمل رقم 1328.13.
ولكن هذا القرار الوزاري، ويا للأسف، حصر هو الآخر حق الترقية وتغيير الإطار لموظفي التعليم، فقط في غضون سنتين بعد إصداره؛ فبعد شهر دجنبر 2015، لم يعد بإمكان حاملي الشهادات الاستفادة من الترقية وتغيير الإطار. وهو ما نناضل من أجله اليوم، حيث نطالب بتمكين جميع موظفي الوزارة بعد 2015 من حقهم العادل والمشروع في الترقية وتغيير الإطار، على غرار الأفواج السابقة.
الطريق: خاضت التنسيقية الوطنية مجموعة من المحطات النضالية التصعيدية، خلال هذا الموسم الدراسي، نريد أن نتساءل معكم، الأستاذ السحيمي، عن الأفق النضالي لملفكم، وهل يمكن أن يعرف سيناريو 2013/2014، والذي خاض فيه الأساتذة المقصيون من الترقية بالشهادة أطول اعتصام، والذي وصل إلى 111 يوما؟
عبد الوهاب السحيمي: منذ أن تم الإجهاز على حق الترقية وتغيير الإطار في شهر دجنبر 2015، وموظفو وزارة التربية الوطنية حاملو الشهادات يخوضون سلسلة من الإضرابات والاعتصامات، إلا أن حدة هذه الأشكال النضالية ازدادت قوة وجرأة خلال الموسم الحالي. ويأتي هذا التصعيد النضالي بعد أن استنفذت التنسيقية كافة السبل الودية، وجميع الأشكال النضالية الإنذارية التي خاضتها سابقا: خلال العطل، وأيام الآحاد، وارتداء الشارات السوداء … وبفعل عدم تجاوب الوزراة الوصية، ومواصلتها سياسة الآذان الصماء، وعدم الاهتمام برقي المدرسة العمومية، لم يعد أمامنا غير خيار التصعيد، وهو ما نسير فيه اليوم.
وأما بخصوص إمكانية الدخول في إضراب مفتوح، على غرار الاعتصام البطولي لحاملي الشهادات سنتي 2013 و2014، نقول: إن هذا الخيار وارد جدا. وكما يعلم الجميع، فآخر محطاتنا النضالية كانت إضرابات منتظمة ومتوالية، وراففتها اعتصامات لأسابيع كاملة. وبالتأكيد، فأي خطوة تصعيدية، تأتي بعد التصعيد الأخير، لن تكون بعيدة عن الإضراب المفتوح.
ونشير هنا، أننا لم نكن يوما هواة إضرابات، بالعكس، فنحن دائما وأبدا مع ضمان حق المتعلم في التحصيل الدراسي، ونعتبر الإضراب أبغض الحلال، كما يقال. لكن للأسف، فالأساليب الماضوية التي تجابه بها الوزارة الوصية نضالاتنا السلمية الحضارية والمسؤولة، ومنها سياسة التعنت واللامبالاة البائدين، تفرض علينا الدخول مكرهين في إضرابات واعتصامات.
ونؤكد اليوم، أن أي تسوية لهذا الملف من سترفع الظلم والغبن عن المتضررات والمتضررين، وستوقف كل هذه الإضرابات والاعتصامات، وستعجل بعودة جميع الأساتذة والأستاذات لأقسامهم.
الطريق: هل هناك مداخل أخرى، إلى جانب المعارك النضالية، والتي يمكنها أن تؤدي إلى حل هذا الملف؟
عبد الوهاب السحيمي: إلى جانب معاركنا النضالية الميدانية، نخوض أشكالا احتجاجية موازية. ولعل البيان الأخير للتنسيقية، والذي دعا جميع موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات للاحتفاظ بنقط المراقبة المستمرة وعدم مسكها في منظومة مسار، لخير دليل على هذه الأشكال النضالية الموازية.
مع العلم أننا، كما قلت سابقا، لسنا هواة إضرابات، وإنما نروم من خلال هذه الأشكال النضالية، تنبيه الحكومة، ومعها الوزارة الوصية، للحيف الذي يطال موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات، جراء إقصائهم من حقهم التاريخي والمكتسب في الترقية وتغيير الإطار. ونؤكد، أن أي تسوية شاملة وعادلة لهذا الملف، سوف تجعل جميع المتضررين والمتضررات يوقفون إضراباتهم وأشكالهم النضالية، ويعودون فورا لمقرات عملهم.
الطريق: الأستاذ السحيمي، يعرف قطاع التربية والتعليم، احتجاجات متواصلة لمجموعة من الفئات التعليمية، أين يتموقع الدفاع عن المدرسة العمومية في مطالب هذه الفئات؟
عبد الوهاب السحيمي: أولا، يجب أن يفهم الموضوع، بمعنى المجتمع والرأي العام، أن الدفاع عن حقوق رجال ونساء التعليم هو دفاع مباشر عن المدرسة العمومية. واسمح لي هنا أن أخاطب من خلالكم السيد الوزير أمزازي قائلا: بالله عليه، كيف يمكن استيعاب إنجاح الرؤية الإطار 30- 15 وقطب العملية التعليمية التعلمية يشعر بالغبن المادي والإداري، ولا ينفك يجابه بسياسات مادية تنظر للمشاريع الثقافية والتربوية نظرة محكومة بالهاجس التقشفي ماديا. ينبغي، السيد الوزير المحترم -وأنتم كنتم أستاذا جامعيا، وتعون جيدا انعكاس الوضعية المعيشية على الفعل التربوي- التفكير في الأستاذ الذي ثبت لنساء ورجال التعليم أنه مغيب تماما في تعاملكم وإجراءاتكم. إن هذا الهجوم القوي على حقوق ومكتسبات نساء ورجال التعليم، هذا الهجوم الممنهج والمقصود على الشغيلة التعليمية اليوم، عبر الإجهاز على مكتسباتها التاريخية، وتشويه صورة الأستاذ، وشن حملة شرسة ومخدومة عليه في كل المواقع، هو هجوم بالأساس على المدرسة العمومية، وعلى ما تبقى فيها من مكتسبات. إنه لا يمكن الحديث، أبدا، عن الجودة والعطاء في الفصول الدراسية، بوجود أساتذة مسلوبي الحقوق، مكانتهم الاجتماعية في الحضيض.
فمكانة المدرسة العمومية في المجتمع من مكانة رجل وامرأة التعليم، وأي ضرب لهذه المكانة ستكون له انعكاسات سلبية مباشرة على المدرسة العمومية وعلى الدور الذي تقوم به.
الطريق: في نظرك ألا تؤدي التنسيقيات الفئوية إلى إضعاف فرص النضال الوحدوي؟ وإذا لم يكن كذلك، فما هي مقترحاتكم لتوحيد نضالات الشغيلة التعليمية؟
عبد الوهاب السحيمي: الأساتذة عندما اختاروا النضال في إطار تنسيقيات، فذلك لأنهم أجبروا على اتخاذ هذا المسلك، ولم يكن لهم خيار آخر غيره. فجميع الملفات التي تناضل من أجلها التنسيقيات اليوم، للأسف، تخلت عنها النقابات سابقا، في مرحلة من المراحل، ولأسباب معلومة. فملف حاملي الشهادات، مثلا، تم التخلي عنه منذ مدة طويلة، وتوقيع بعض الكتاب العامين للنقابات على اتفاق آخر الليل والذي تم بموجبه إصدار النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات لسنة 2003، والذي أجهز على جملة من الحقوق وعلى رأسها حق الترقية وتغيير الإطار لحاملي الشهادات، لخير دليل على تخلي النقابات على حقوق رجال ونساء التعليم بالتواطؤ في بعض الأحيان وتقديم التنازلات. مثل هذه الأساليب هي التي شرعنت ميلاد التنسيقيات الأستاذية، وهي التي، إن استمرت، ستفرض على الأساتذة والأستاذات الخروج للنضال من أجل استرجاع حقوقهم المغتصبة بالتدريج.
وعكس ما يدعي البعض، بكون التنسيقيات تعمل على إذكاء التفرقة والتشتت في قطاع التعليم، يتأكد منذ الأمس القريب، واليوم بجلاء، أنها هي من تعمل على توحيد نضالات نساء ورجال التعليم. إن جميع الإضرابات التي سجلت نسبة نجاح قياسية خلال هذا الموسم، كانت بمبادرة التنسيقيات التعليمية المناضلة، وآخر الأشكال الاحتجاجية الموحدة، والتي عرفت نجاحا غير مسبوق هو الإضراب الوطني للتنسيقيات التعليمية الثلاث (حاملو الشهادات، والمفروض عليهم التعاقد، والزنزانة 9)، لمدة أسبوع، من 22 أبريل 2019، وإلى غاية 27 منه، علاوة على الأشكال النضالية الموحدة الموازية له، والتي حضرها عشرات الآلاف من الأساتذة والأستاذات.
الطريق: يذهب البعض إلى اعتبار الإضرابات المتواصلة لنساء ورجال التعليم تضر بمصلحة المتعلمين، فما هو ردكم عليهم؟
عبد الوهاب السحيمي: لا يجادل أحد في كون الإضرابات تهدر زمن التعلم، وبالنتيجة فهي تضر بمصلحة المتعلمين. لكن السؤال المطروح بإلحاح اليوم، هو من المسؤول المباشر عن هذه الإضرابات؟
فنحن، قبل أن ندخل في الإضرابات من أجل حق الترقية وتغيير الإطار، راسلنا وزارة التربية الوطنية مرارا وتكرارا لتنبيهها حول الحيف الذي يطالنا، نحن -حاملي الشهادات-. وبعد ذلك خضنا إضرابات خلال أيام الآحاد، وأيام العطل. وعوض أن تتجاوب الجهات الوصية مع هذه الاحتجاجات بشكل واعٍ وحضاري، وتدعو لعقد حوار جدي ومسؤول يفضي إلى تسوية هذا الملف تسوية شاملة وعادلة، فضلت اللجوء إلى الأساليب البائدة، ونهجت طريق القمع، والاعتقالات، والاقتطاع التعسفي وغير القانوني من أجور المضربين والمضربات. بل لقد تعدت كل ذلك، في المرحلة الأخيرة، إلى اعتبار المضربين والمضربات، في مجموعة من الأقاليم، متغيبين! وأخضعتهم ظلما وعدوانا لمسطرة ترك الوظيفة.
إن الحل، اليوم، بيد الوزارة. وقد دعوناها وندعوها مجددا لعقد حوار جاد ومسؤول، يفضي إلى تسوية ملف حاملي الشهادات بقطاع التربية الوطنية تسوية عادلة وشاملة، وآنذاك سيتم تجنيب عموم المتعلمين والمتعلمات هدر أي ساعة إضافية.
الطريق: وحتى نختم بملفكم، يا أستاذ السحيمي، هل يمكن أن تقبل التنسيقية بحل توافقي، غير الترقية المباشرة دون قيد أو شرط؟
عبد الوهاب السحيمي: نحن نؤكد على حقنا في الترقية وتغيير الإطار لجميع موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات، وأي حل لا يكفل هذا الحق فهو لا يعنينا في شيء. يمكن أن نختلف في آليات وصيغ الحل، لكن في المحصلة، لا يمكن أن نقبل غير المساواة مع زملائنا السابقين. فهذا حق مكتسب منذ الاستقلال، ونحن لا نطالب إلا بضمان استمرار هذا الحق ليشمل أفواج 2016 و2017 و2018 و2019، وذلك أسوة بجميع الأفواج قبل دجنبر 2015. ونضالنا الحضاري والمسؤول، سيستمر، وفي إطار التصعيد، إلى حين رفع هذا الظلم والحيف الذي يطالنا، ويتم تمكيننا من جميع حقوقنا المسلوبة، وعلى رأسها الترقية وتغيير الإطار لجميع موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات.