غلطة حلم
◆ حسن برما
تذكرت اللا جدوى، حضرت أقوالك الخالدة حول الهزيمة وعجز اليائس مع سراب كاذب ولغط مكرر دون نتيجة، قلت:
لا تكن صديقي!
نام ظلي المسكين بوداعة
قرأت تجاعيده
ولعنت يوم خنت وصية البحر
مع ارتعاشات طائشة
أعدمت سؤالي بغصة في الحلق، احتفظت بمرارته، تأكدت من أن جوابك لم يعد يهمني وأن وقتك الإضافي تمطيط غبي لا جدوى من خوائه، تركتك تعشش في كوابيسي كجني يعشق هلاكي حتى تتوقف أنفاسي المضطربة وينقطع حبل الإيمان بك في قادم أحلامي.
سألتك: متى المخاض المنتظر؟
قلت: يحن يحن!
أقامت أوراق الخريف الميتة مناحة الدفن في مقبرة النسيان، ويقين الحب نعمة سلبتك القدرة على التمرد، أهدتك لهفة توقع المفاجئ، وخلصتك من حنين العاجز المطل على هاوية الخواء.
مررت بجانبي، أدهشني عطرك، أيقظ أحزاني، رفعت نظري إليك وجدتك حلما جريحا يمشي على قدمين، فكرت في الابتعاد عنك، حرضت عليّ عطرك الخرافي، أعدتني لنقطة البداية حيث ترانيم العاشق تتغنى بفخاخ اشتهاء لا ترحم، همست لنفسي المتعبة، قلت: ” عطرك المتمرد لا يكفيني لأنتصر على ضباب الشاطئ المستباح.. وحدها شفاه الحلم الصادق تقودني لجزيرة الصحو المفترض والجنون الفاضح! ”
تلفعت بالرداء الأبيض، قلت لي إنك تفتقدني، تحسست أطرافي، خمنت أنك ستقودني إلى سرير نومتي الأخيرة مع قُبلة بلا مذاق، سخرت مقلاة الوقت المقيت من سذاجة الانتظار الأجوف، ولم انتبه إلى أنني صرت إسفنجا منحوسا في وجه مدفع امتص صدمات شبح أكرهه!
لحقيقة المقام.. صمتك قناع.. وموتك عدوى جرّت اشتياقي نحو هاوية قرارها ندم!!! لذلك لم أشكر الصدفة الحمقاء التي جمعتني بك، واصلت لعنة السراب، خرجت من شرنقة المستحيل الكاذب، عاريا من غبائي وخطيئة الوهم الأكبر، لم أتوقف لأتفقد خرائب الروح المهجورة، تمسكت بتنهيدة ندم حارقة ترثي تواجدي ضمن عشيرة الكفن، وفررت بحلمي بلا تردد.
خارج غلطتك الكبرى، جربت شهقة محروم نفوه لصقيع يحنو على أجساد ودعت جرحها المبين بسفح الجبل الصخري المنبوذ.. كنت جثة باردة انجذبت لفراغ المصير، رحلت ولم ألتفت للوراء، أمراض العبودية لا فكاك منها سوى بالرحيل والابتعاد عن مصدر الداء!
بعثت كوابيسي ليلا
كي لا تأخذك النجوم بعيدا
عن منفاي وجرح الصباح
أنهيتها بإطفاء البركان
رأيتني فوق قمة الهاوية، داريت موتي السريري ببسمة حنين، لم أسأل عن قرار الغياب الأخير، لم أنتظر همسة الوداع الجريحة، لسبب علمته منذ الطفولة، كرهت لحظات وداع الأحبة، فراق الأحياء كفراق الموتى، وغيابهم يقسو على الجميع!
وعند شاهدة الوقت المسجى فوق أطلال الخيانة، ندمت حدَّ القرف، كرهت اليوم الذي رأيت فيه بياض غلطتي الكبرى يكفن حلمي الغبي ويقوده لقبر الظلمة وزنزانة قناعك المشؤوم!
لم أكن أعتقد أني مازلت أملك ما يجب لأتجاوز هاوية الطريق المقطوعة.. شتتت ريح الحنين ورق الشجر، تركته عاريا من عشقه للنواح، حرضت الطائر الحر كي يهجر الجبل الشيطاني المتربص، نزلت من الحافلة المتوجهة لمحطة الانتظار البئيسة، قاومت عنف ضربات القلب، أشعلت رعشة الحياة الحية، ولم أستسلم!
بعد موت الذي ليس فيه نفع.. لم تخف غابة السهل من فأس الحطّاب.. بعيدا عن قسوة الخاوية القاسية، ولدت حياة مغايرة تليق بنبض العناد، يبست زهرة الجبل الأسطورية، طالتها حمم البركان الحاقدة، جرفتها لسفح الفناء، وصارت ذكرى رماد شرير ونذوب روح عجيبة أكره حربائيتها.
نكاية في شؤم العشيرة، تفاءلت واستعدت لوني، اعترفت باسم البركان والزلزال، نجوت بحلمي من خبث الذئاب، أعلنت خلاصي من عش الخيانات.
كنت الجني المأجور، كرهت البوح الصريح، تجرأت على النفس الأمارة بالغلط، ابتسمت، وقلت لي ” تنبغيك أ المصيبة “، وعانقتني بخشوع، صار المنفى يدفئ كوابيس خيباتٍ تهديها ممحاة الذنوب لعشيرة تسعى لمحو غلطة العمر الغبية.
قلت: أنت توأم الروح مع صرختك الأولى كانت ولادتي المفاجئة..
أجبتك: ما أذكره أن المولدة خانت مهمتها ونسيتني في رحم الظلمة.
ومع السأم القاتل، لا شئ أعجبني في منفاي الناعم، لا شئ أثار جمجمتي المسكونة ببرمجيات تحييد الأحاسيس، ولا معنى أنقذ شطحات الغياب!
حفرت سرير نهايتي، لا أحد لام حفار القبور على حياده الثلجي، عمل صامتا وسط مناحات الوداع، والكلام بعد الميت خسارة، قال، التزمت صمت الشجعا، وأدركت متأخرا أنك انتهازي خان فكرة عشقت معناها!!