الثورة السودانية مصرة على وضع حد للحكم العسكري
”الإضراب السياسي” وهو الإسم الذي أطلقه تجمع المهنيين السودانيين على مليونية الخميس 23 ماي، كان إضرابا ناجحا، حمل رسالة واضحة للمجلس العسكري بأن هدف الثورة الأولي الذي تجمع عليه كل القوى المعبرة عنها هو السلطة المدنية وإقبار الحكم العسكري.
وكل من تتبع خطوات الطرفين المتفاوضين والمتناقضين في نفس، الوقت قوى الحرية والتغيير من جهة، والمجلس العسكري من جهة أخرى، منذ إعلان فشل التفاوض يوم الإثنين 21 ماي بناء على الرفض القاطع للأخير برفض رئاسة مدني للمجلس السيادي، يدرك أن مناورات المجلس العسكري لا مستقبل لها أمام قوة سياسية موحدة، معززة بيقظة شعبية كبيرة مصرة على أولوية الحل السياسي المحدد في الحكم المدني بفترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات تقودها الحرية والتغيير.
لخص بيان تجمع المهنيين السودانيين الذي صدر في فجر 21 بعد فشل التفاوض ودعا إلى الإضراب السياسي تمهيدا للعصيان المدني، بشكل مركز، العقدة السياسية التي عرقلت التحول من الدولة العسكرية إلى الدولة المدنية حيث جاء فيه: ” نقول بكل وضوح، إن المجلس العسكري لا يزال يضع عربة المجلس السيادي أمام حصان الثورة ويصر على إفراغها من جوهرها وتبديد أهداف إعلان الحرية والتغيير وتحوير مبناه ومعناه”. ومن المناورات الكثيرة التي لجأ إليها المجلس العسكري هو أنه في أبريل الماضي اتخذ قرار منع النقابات العمالية والمهنية والفئوية وذلك للتقرب من الحرية والتغيير ومن تجمع المهنيين السودانيين الطرف الفاعل في الثورة، حيث أن هذه النقابات كانت تحت سيطرة الحزب الوطني الذي يقوده البشير وكانت تلك القيادات الطلابية والعمالية والتجارية وغيرها إقصائية وتستعمل العنف وتسخر النقابات لصالح حكم البشير، وهذا ما أدى إلى جانب عوامل أخرى لظهور تجمع المهنيين، وكان ذلك القرار لا يعني شيئا بالنسبة لهذا الأخير لأنه أصبح يضم أغلب الاتحادات ولا أدل على ذلك أنه في يوم واحد من إعلان الإضراب السياسي وقع في ” الدفتر الثوري ” ( دفتر توقع فيه التنظيمات التي تلتزم بالحضور في موقع التظاهر أو الاعتصام) مستخدمو 4 بنوك و10 شركات و موظفو 6 وزارات و5 قطاعات فئوية و 3 مستخدمي وعمال قطاعات إدارية في مقدمتها عمال الكهرباء. لذا فإن التجمع النقابي والمهني يرى في قرار المجلس الذي اتخذه يوم الأربعاء 23 ماي والقاضي بالتراجع عن منع النقابات الذي اتخذ في أبريل مؤامرة لدعم فلول الرئيس السابق والاستعانة بهم لمواجهة الثورة. كما يرى في تهديد المجلس يوم 22 ماي بالفصل من العمل كل عامل أو موظف أو مستخدم شارك في الإضراب الذي تدعو له الحرية والتغيير علامة فاصلة على أن المجلس قد أختار طريق معاداة أهداف الثورة.
يظهر أن المجلس العسكري يحاول أن يستجيب لبعض الأصوات في الخليج التي يقلقها تغيير النظام ومجيء قوة شعبية غير مضمون موقفها من الصراع الذي تريده أن ينخرط فيه السودان ضد إيران ومع ما يسمو بالناتو العربي.