الدوليةالسياسة

تطبيع الإمارات ممارسة في العلن لما يمارس سريا

◆ أحمد كاعودي

◆ أحمد كاعودي

ركوب الإمارات قطار التطبيع لم يكن مفاجأ للكثير ولا صادما، لقد تم الإعداد له منذ سنوات…؟. في العلوم السياسية، مفهوم التطبيع يعني جعل العلاقة بين دولتين، أو بين دولة وحركة تحرر وطنية طبيعية؛ بعد حروب أو ونزاعات وذاك، بإقامة اتفاقية سلام بغية إنهاء ما كان بينهما من نزاعات. وجرت العادة في تاريخ الحروب أن توقع معاهدات السلام بين الأطراف المتحاربة، بعد انتصار أحدهما وانهزام آخر.

 

سياق‭ ‬الاستدراج‭ ‬للتطبيع

في‭ ‬عقل‭ ‬النظام‭ ‬العربي،‭ ‬معاهدة‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة،ونسوق‭ ‬هنا‭ ‬النموذج‭ ‬المصري،‭ ‬والأردني،‭ ‬وقيادة‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ونماذج‭ ‬أخرى‭ ‬ستركب‭ ‬عربة‭ ‬القطار‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬تخلف‭ ‬منهم،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬سرية،‭ ‬حيث‭ ‬منذ‭ ‬مدة‭ ‬طويلة‭ ‬وروابط‭ ‬هاته‭ ‬الأنظمة‭ ‬سمن‭ ‬على‭ ‬عسل‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬كانت‭ ‬مسوغات‭ ‬الاستدراج‭ ‬إلى‭ ‬مائدة‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬تتأرجح‭ ‬بين‭: 

1ـ‭ ‬الضغط‭ ‬الأمريكي‭ ‬وتخويف‭ ‬رؤوس‭ ‬الأنظمة‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬كراسيهم‭ ‬وعروشهم‭. ‬

2ـ‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬المنهزم‭ ‬والخائف‭ ‬من‭ ‬ادعاء‭ “‬أقوى‭ ‬جيش‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.. ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقهر‭” ‬حسب‭ ‬التوصيف‭ ‬العالمي‭ ‬العبري‭ ‬الموجه‭ ‬إعلاميا‭.‬

‭ ‬3ـ‭ ‬الاستقواء‭ ‬ب‭”‬إسرائيل‭” ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تسويق‭ ‬صورة‭ ‬خطر‭ “‬البُعبُع‭”  ‬الإيراني‭. ‬

وقد‭ ‬أكدت‭ ‬الوقائع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬اليمن،‭ ‬فشل‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬الطيران‭ ‬ومنظومة‭ ‬باتريوت‭ ‬الأمريكيتين‭ ‬الصنع‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬لهجومات‭ ‬أنصار‭ ‬الحوثيين‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬السعودي،‭ ‬فبالأحرى‭ ‬الرهان‭ ‬الخاسر‭ ‬على‭ ‬الجيش‭”‬الإسرائيلي‭”  ‬لهزم‭ ‬إيران‭ ‬ومحور‭ ‬الممانعة،‭ ‬وقد‭ ‬أكدت‭ ‬المقاومة‭ ‬اللبنانية‭ ‬والفلسطينية،‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬روجت‭ ‬له‭ ‬الآلة‭ ‬الإعلامية‭ ‬الصهيونية‭ ‬ومثيلتها‭ ‬الخليجية‭. ‬ويبقى‭ ‬الاستثناء‭ ‬أو‭ ‬النادر‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬اللتان‭ ‬رفضتا‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬وكشفت‭ ‬مرامي‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬قطع‭ ‬أوصال‭ ‬المقاومة،‭ ‬بشتى‭ ‬أنواعها‭ : ‬المسلحة،‭ ‬الإعلامية،‭ ‬الثقافية،‭ ‬الاقتصادية‭… ‬

قطار‭ ‬التطبيع‭ ‬ومحطاته‭ ‬وملابساته‭ ‬التاريخية

منذ‭ ‬وفاة‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر،‭ ‬وتسلم‭ ‬الرئيس‭ ‬أنوار‭ ‬السادات‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم،‭ ‬دخلت‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬عامة،‭ ‬ومصر‭ ‬خاصة‭ ‬مرحلة‭ ‬تاريخية‭ ‬مفصلية،‭ ‬بأن‭ ‬تم‭ ‬القطع‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬مع‭ ‬السياسة‭ ‬الناصرية‭ ‬برمتها،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬تراجع‭ ‬دور‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬محاولتها‭ ‬إرساء‭ ‬معادلة‭ ‬توازن‭ ‬الرعب‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬بأن‭ ‬فتح‭ ‬أنوار‭ ‬السادات‭ ‬وشرع‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬مسلسل‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مطلوبا‭ ‬منه‭ ‬أمريكيا‭ ‬و‭”‬إسرائيليا‭”‬،‭ ‬مضاف‭ ‬إليه‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬التعاون‭ ‬المصري‭ ‬السوفياتي،‭ ‬حيث‭ ‬تتالت‭ ‬الهزائم‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬منطق‭ ‬التفاوض‭ ‬ذاته‭. ‬

أ‭ – “‬معاهدة‭ ‬السلام‭ ‬المصرية‭ ‬الإسرائيلية‭” ‬أو‭” ‬اتفاقية‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭”‬

توجه‭ ‬السادة‭ ‬منفردا‭ ‬إلى‭ ‬توقيعها‭ ‬في‭ ‬26‭/‬3‭/‬1979،‭ ‬منتهكا‭ ‬ومتحديا‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬قرار‭ ‬قمة‭ ‬الخرطوم‭ ‬بلاءتها‭ ‬الثلاثة‭ : ‬لا‭ ‬صلح،‭ ‬لا‭ ‬اعتراف،‭ ‬لا‭ ‬اتفاق،‭ ‬والتي‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬كنائب‭ ‬لخلفه،‭ ‬المنعقدة‭ ‬بتاريخ‭ ‬29‭/‬8‭/‬1967،‭ ‬كانت‭ ‬اتفاقية‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬مجانية‭ ‬ومكاسبها‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬المصري،‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬صفرا،‭ ‬بحكم‭ ‬أن‭ ‬سيناء‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تحريرها‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭ ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬سمى‭ ‬بمعركة‭ ‬العبور‭ ‬الأكبر،‭ ‬فالمستفيد‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الكيان‭ “‬الإسرائيلي‭” ‬حيث‭ ‬أعاد‭ ‬رسم‭ ‬الحدود‭ ‬بما‭ ‬يناسبه‭ (‬منطقة‭ ‬أ،‭ ‬ومنطقة‭ ‬ب،‭ ‬ومنطقة‭ ‬ج‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬انقسمت‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬منزوعة‭ ‬السلاح‭ ‬وهي‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬منطقة‭ ‬تواجد‭ ‬الشرطة‭ ‬المصرية‭ ‬بسلاح‭ ‬خفيف،‭ ‬ومنطقة‭ ‬مطلة‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬المصري‭ ‬مسموح‭ ‬للسلاح‭ ‬والجنود‭ ‬التواجد‭ ‬فيها،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ ‬فقد‭ ‬عملت‭ ‬اتفاقية‭ ‬التطبيع‭ ‬على‭ ‬استئصال‭ ‬واجتثاث‭ ‬مفهوم‭ ‬العداء‭ ‬للصهيونية‭ ‬و‭”‬إسرائيل‭” ‬من‭ ‬النفوس‭ ‬الهشة‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬الكمبرادورية‭ ‬والإقطاعية،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬تحويل‭ ‬الصراع‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬وليبيا‭ ‬القذافي‭ ‬ومنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

ب‭ – “‬معاهدة‭ ‬السلام‭ ‬الأردنية‭ ‬الإسرائيلية‭” ‬أو‭ “‬اتفاقية‭ ‬وادي‭ ‬عربة‭” ‬

تم‭ ‬توقيعها‭ ‬في‭ ‬26‭ /‬10‭/‬1994،‭ ‬وأهم‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬فيها‭ ‬حسب‭ ‬الموقعين‭ ‬عليها‭ : ‬أ‭- ‬العيش‭ ‬في‭ ‬سلام‭ ‬بين‭ ‬الدولتين،‭ ‬ب‭- ‬الاعتراف‭ ‬بسيادة‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬على‭ ‬أراضيه،‭ ‬واستقلاله‭ ‬السياسي،‭ ‬والامتناع‭ ‬عن‭ ‬التهديد‭ ‬بالقوة‭ ‬أو‭ ‬استعمال‭ ‬الأسلحة‭ ‬التقليدية‭ ‬ضد‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض،‭ ‬ج‭- ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬بين‭ ‬الدولتين،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬التخابر‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أو‭ ‬الأردنية‭ ‬المنطلقة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الأردنية‭. ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬الضجة‭ ‬الإعلامية‭ ‬الغربية‭ ‬والصهيونية‭ ‬التي‭ ‬هللت‭ ‬وطبلت‭ ‬لهذه‭ ‬المعاهدة‭ ‬مع‭  ‬أجهزة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تقليص‭ ‬دور‭ ‬الوصاية‭ ‬الأردنية‭ ‬التاريخي‭ ‬على‭ ‬الوقف‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬كالمسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬وغيره،‭ ‬وتحويل‭ ‬المدينة‭ ‬كاملة‭ ‬عاصمة‭ ‬للكيان‭ ‬المغتصب‭ ‬بدعم‭ ‬أمريكي‭ ‬واضح،‭ ‬وتهديد‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بضم‭ ‬أغوار‭ ‬الأردن،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬اختراق‭ ‬ضباط‭ ‬السفارة‭ ‬الإسراىيلية‭ ‬للسيادة‭ ‬الأردنية‭ ‬باعتقال‭ ‬مواطنين‭ ‬أردنيين‭ ‬وسياقاتهم‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭. ‬خلاصة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬اتفاقا‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬بقي‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬ولم‭ ‬يخدم‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬شيء‭. ‬أضرها‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬أفادها،‭ ‬وبقي‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الأردني‭ ‬غير‭ ‬راض‭ ‬عليه‭. ‬

ج‭ – ‬معاهدة‭ “‬أسلو‭” ‬الممهدة‭ ‬لاتفاق‭ ‬مدريد‭ ‬

جرت‭ ‬فصوله‭ ‬الماراطونية‭ ‬بين‭ ‬1993‭ ‬–‭ ‬1995،‭ ‬ووقعه‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭ ‬أمين‭ ‬سر‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وعن‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلي‭ “‬ثعلب‭ ‬الصهيونية‭” ‬شمعون‭ ‬بيريز،‭ ‬وزير‭ ‬خارجيتها‭ ‬آنذاك،‭ ‬مما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬ديباجة‭ ‬الاتفاق‭: ‬1ـ‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬والكرامة‭ ‬والأمن‭ ‬المتبادلين،‭ ‬2ـ‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالحقوق‭ ‬الشرعية‭ ‬والسياسية‭ ‬المشتركة‭ ‬للطرفين،‭ ‬3ـ‭ ‬تأسيس‭ ‬حكومة‭ ‬ذاتية‭ ‬انتقالية‭ ‬فلسطينية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة،‭ ‬كفترة‭ ‬انتقالية‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬دائمة‭ ‬حسب‭ ‬قراري‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬242‭ ‬383،‭ ‬4‭- ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬‭”‬إسرائيل‭” ‬والاعتراف‭ ‬بمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ممثلا‭ ‬وحيدا‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬5ـ‭ ‬الالتزام‭ ‬بعدم‭ ‬استخدام‭ ‬العنف‭ ‬أو‭ ‬الإرهاب‭.. ‬مرت‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬على‭ ‬الاتفاق،‭ ‬ازدادت‭ ‬فيها‭ ‬المستوطنات‭ ‬أضعافَ‭ ‬أضعافِ‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬الاتفاق‭ ‬المشؤوم،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬تداعياته‭ ‬الإجهاز‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬رئيسها‭ ‬السابق‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات،‭ ‬و‭ ‬إطلاق‭ ‬سيل‭ ‬من‭ ‬الاعتقالات‭ ‬للمواطنين‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬وكذا‭ ‬ضم‭ ‬الصهاينة‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭ ‬إلى‭ ‬القدس‭ ‬الغربية،‭ ‬فكان‭ ‬المستفيد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬هو‭ ‬الجانب‭ ‬الصهيوني،‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬البند‭ ‬المتعلق‭ ‬بالتعاون‭ ‬الأمني‭ ‬بين‭ ‬الجانبين،‭ ‬والذي‭ ‬يلزم‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بمنع‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬سلمية،‭ ‬ووفاء‭ ‬أجهزة‭ ‬السلطة‭ ‬بتسليم‭ ‬من‭ ‬تعتبرهم‭ “‬إسرائيل‭” “‬إرهابيين‭” ‬ونعتبرهم‭ ‬نحن‭ ‬مقاومين،‭ ‬وأمام‭ ‬العربدة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وتنكرها‭ ‬لمجمل‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬المبرمة‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬طالب‭ ‬عدة‭ ‬مرة‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفصائل‭ ‬المناضلة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬فتح‭ ‬بمراجعة‭ ‬الاتفاق‭ ‬وفك‭ ‬الارتباط‭ ‬الأمني‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬و‭ “‬إسرائيل‭” ‬لتجاوز‭ ‬المحتل‭ ‬بنود‭ ‬الاتفاق،‭ ‬وطالبت‭ ‬أيضا‭ ‬بالتراجع‭ ‬عن‭ ‬اتفاق‭ ‬أسلو‭ ‬طالما‭ ‬لم‭ ‬تعره‭ “‬إسرائيل‭” ‬أية‭ ‬أهمية‭ ‬وبقي‭ ‬روحا‭ ‬بدون‭ ‬جسد‭. ‬

د‭- ‬التطبيع‭ ‬الخليجي‭ ‬الصهيوني‭ ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬مفاجأ‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬التطبيع‭ ‬الخليجي‭ ‬الصهيوني،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مفعوله‭ ‬تحت‭ ‬مسميات‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والفني‭ ‬ومن‭ ‬تحت‭ ‬الطاولة‭ ‬وتحت‭ ‬العباءة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ما‭ ‬فاجأ‭ ‬المراقبين‭ ‬هو‭ ‬توقيت‭ ‬إعلان‭ ‬الإمارات‭ ‬عنه،‭ ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬وسط‭ ‬انشغال‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الإقليمي‭ ‬بكارثة‭ ‬المرفأ‭ ‬المنفجر‭ ‬ببيروت،‭ ‬وإشارة‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأصابع‭ ‬إلى‭ ‬شبهة‭ ‬الدور‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬وانشغال‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬بجائحة‭ ‬كورونا‭ ‬وتداعياتها‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬المعيشي،‭ ‬إنه‭ ‬فقط‭ ‬إشهار‭ ‬للخيانة‭ ‬كما‭ ‬يسميها‭ ‬بعض‭ ‬الإعلاميين،‭ ‬بعد‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬تسخينات‭ ‬تطبيع‭ ‬دول‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ : ‬

ـ‭ “‬ورشة‭ ‬المنامة‭ ‬للسلام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الازدهار‭” ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬المنعقدة‭ ‬أواخر‭ ‬يونيو‭ ‬2019،‭ ‬المؤتمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عنوانه‭ : “‬السلام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الازدهار‭”‬،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬وراءه‭ “‬عراب‭ ‬التطبيع‭ ‬الخليجي‭” ‬الشيخ‭ ‬خالد‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬صاحب‭ ‬قولة‭ : “‬حق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الوجود‭”‬،‭ ‬و‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬مهندسه‭ ‬نائب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬وصهره‭ “‬جاريد‭ ‬كوشنير‭” ‬المعروف،‭ ‬بولائه‭ ‬لرئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬كان‭ ‬الحضور‭ ‬خليجيا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬حضور‭ ‬ممثلي‭ ‬المغرب‭ ‬والأردن‭ ‬ومصر،‭ ‬وحسب‭ ‬التسريبات‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬حضرت‭ ‬تحت‭ ‬تهديد‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬شخصيا‭. ‬حسب‭ ‬تصريح‭ “‬جاريد‭ ‬كوشنير‭” ‬أثناء‭ ‬الجلسة‭ ‬الافتتاحية‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬المؤتمر‭ “‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭”‬،‭ ‬وتدخل‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬حل‭ ‬النزاع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ـ‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بتخصيص‭ ‬50‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬لمدة‭ ‬10‭ ‬سنوات‭. ‬أولا‭ ‬لبناء‭ ‬ممر‭ ‬بين‭ ‬الضفة‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ثانيا‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬وللتذكير‭ ‬فالورشة‭ ‬قاطعها‭ ‬أصحاب‭ ‬الأرض،‭ ‬فولدت‭ ‬الخطة‭ ‬ميتة،‭ ‬وقد‭ ‬علق‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭ ‬على‭ ‬الورشة‭ ‬بأن‭ ‬قال‭ : “‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬قضية‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬سياسية‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬اقتصادية‭”‬،‭ ‬أي‭ ‬قضية‭ ‬هبات‭ ‬وصدقات‭ ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الفلسطيني‭.‬

ـ‭ ‬الحدث‭ ‬الثاني‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬التطبيع‭ ‬الأول،‭ ‬وهو‭ ‬زيارة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بوفد‭ ‬عالي‭ ‬المستوى‭ ‬لمسقط،‭ ‬وهي‭ ‬الزيارة‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬في‭ ‬1996،‭ ‬الوفد‭ ‬الصهيوني‭ ‬زار‭ ‬مسقط‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬2018،‭ ‬وتم‭ ‬استقباله‭ ‬بحفاوة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الملك‭ ‬قابوس،‭ ‬وحسب‭ ‬الأخبار‭ ‬المتداولة‭ ‬آنذاك‭ ‬فالزيارة‭ ‬تم‭ ‬الترويج‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬توسط‭ ‬السلطنة‭ ‬بين‭ ‬عباس‭ ‬ونتنياهو‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دفع‭ ‬عملية‭ ‬السلام‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬قبول‭ ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬لأن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬لا‭ ‬يعول‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬غير‭ ‬الحليف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فبالأحرى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬ملك‭ ‬أو‭ ‬رئيس‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬للتوسط‭. ‬الزيارة‭ ‬أثارت‭ ‬جدال‭ ‬واسعا‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المراقبين‭ ‬واعتبرها‭ ‬نتنياهو‭ ‬بالتاريخية‭. ‬

ـ‭ ‬الحلقة‭ ‬الأخرى‭ ‬الممهدة‭ ‬للتطبيع‭ ‬هي‭ ‬الاستقبال‭ ‬الذي‭ ‬حظيت‭ ‬به‭ ‬وزيرة‭ ‬الثقافة‭ ‬والرياضة‭ “‬ميري‭ ‬رغيف‭” ‬للعاصمة‭ ‬أبو‭ ‬ظبي‭ ‬بتاريخ‭ ‬29‭/‬20‭/‬2018،‭ ‬وزيارتها‭ ‬لأكبر‭ ‬مسجد‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬تظاهرة‭ ‬رياضية‭ ‬لم‭ ‬يتسرب‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬فحواها‭ ‬سوى‭ ‬فيديوهات‭ ‬زيارتها‭ ‬للمسجد‭ ‬وتصريحاتها‭ ‬لوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العبيرية‭ ‬لكالم‭ ‬عام‭. ‬

لا‭ ‬نغفل‭ ‬أن‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬اللقاءات‭ ‬كانت‭ ‬تتم‭ ‬بين‭ ‬سفراء‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والإمارات‭ ‬والسعودية،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬مهدت‭ ‬للتسريع‭ ‬بالتطبيع‭ ‬وما‭ ‬كانت‭ ‬وتيرة‭ ‬التطبيع‭ ‬العلني‭ ‬لتتم‭ ‬بهذه‭ ‬السرعة‭ ‬لولا‭ ‬انشغال‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬أزماتها‭ ‬وكوارثها‭ ‬الداخلية،‭ ‬وتراجع‭ ‬الدور‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬تلجيم‭ ‬هذه‭ ‬الهرولة‭ ‬والتطبيع‭ ‬المجاني،‭ ‬وكذا‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬انهيار‭ “‬الأنظمة‭ ‬الشعبية‭” ‬وانكماش‭ ‬دور‭ ‬القوى‭ ‬التقدمية‭ ‬وحركة‭ ‬التحرر‭ ‬العربية،‭ ‬وتوظيف‭ ‬ظاهرة‭ ‬التوحش‭ ‬الإرهابي‭ ‬لشغل‭ ‬الشارع‭ ‬العربي‭ ‬بخطورته‭. ‬

لكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تردي‭ ‬الأوضاع‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات،‭ ‬وتغول‭ ‬التحالف‭ ‬الصهيو‭ ‬ـ‭ ‬أمريكي‭ ‬الرجعي،‭ ‬فالرهان‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬قائما‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الثورية‭ ‬وقوى‭ ‬المقاومة‭ ‬مدعمة‭ ‬بشرفاء‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬لإسقاط‭ ‬مشاريع‭ ‬الاستعمار‭ ‬والتقسيم‭ ‬ونهب‭ ‬خيرات‭ ‬المنطقة،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬تطبيع‭ ‬معظم‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬حقيقة،‭ ‬فإن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬حقيقة‭ ‬متأصلة‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬العربي،‭ ‬ولا‭ ‬يكمن‭ ‬لأي‭ ‬نظام‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬يعزلها‭ ‬عن‭ ‬محيطها‭ ‬العربي‭ ‬والعالمي‭ ‬والإنساني،‭ ‬فثقتنا‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬والعمل‭ ‬الثوري‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬كل‭ ‬فلسطين‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى