قصة: الشفاء
◆ مصطفى لمودن
كان لموقع الفايسبوك دورٌ في صداقتنا الافتراضية، وشئتُ وشاء أنِ التقينا، وتحولت صداقتُنا إلى أمرٍ واقعيّ. نلتقي كمْ مرة، نتبادل أطراف الحديث ونتجادلها أحيانا.. راقني توجّهه، حيث لا يتكلف في القول، ولا يدّعي ما ليس له به علم.. يُمكن بسهولة أن يُصنّف ذا توجه يساري، يحترم حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وينادي ما استطاع إلى ذلك قولا وكتابة على الإنترنيت بمجتمع المساواة، وبروح إنسانية تعمّ العالم وتنحو به نحو السلم والعدالة والإخاء.. مصطلح الإخاء هذا لا يلتفت إليه كثيرا، مادام يستمدّ مشروعيته التاريخية مِن مصدر ديني وكذلك من مبادئ الثورة الفرنسية معا، وهو الحريص على الضبط والصرامة.
ذكرَ لي أنه كان في الجامعة خطيبا مُفوّها، يُقحم نفسه في كل النقاشات، وغالبا ما يُفحم خصومه الإيديولوجيين وغيرهم.. يكاد يحفظ كتاب “رأس المال”، ولا يتوانى عن الاستدلال به، وأحيانا ينتقده، ويتعرض للبدائل الممكنة، ابتداء مِن ما طرحه كرامشي، مرورا بماوتسي تونغ إلى تجربة كوبا مع فيديل كاسترو ومقاومة الأكراد لخصومهم المتعددين بروح نضالية جماعية..
في آخر جلسة لي معه، ظهر مكتئبا، حاول إخفاء سبب ذلك. لكن، بعد اِلحاح مني، قال إن خاله الذي بمثابة والده مريض جدا، وأضاف أن خاله هذا هو مَن تكلف به بعد طلاق أمه.. كان عاملا بأحد مصانع التلفيف، لكن أرباب المصنع الذين تناوبوا على امتلاكه، لم يُوفوا الخالَ حقوقه كاملة، فبعد سنوات الكدّ والعمل، وجد نفسه بدون تقاعد وبدون تغطية صحية..
تأسفت لهذا الوضع المحزن.. اَلحَحْـتُ على صديقي كي يتقبّل مني مُساعدة مالية بسيطة، مادام هو كذلك عاطل، فقط يشتغل بأعمالٍ متفرقة حسب الفصول والمناسبات، أحيانا يشارك شبابا آخرين في حمل العرائس بقاعات الأفراح، وأحيانا يعمل مع بائع الساندويشات بأحد الشواطئ، دون أن يستقرّ على عمل رغم شواهده الجامعية..
ما علينا، لنبق مع المشكلة الحالية.. بعد اِلحاح مني تسلّم تلك المساهمة المتواضعة. وأفصحَ لي على أن أمه وزوجة المريض، قامتا ببيْعِ ما تتوفران عليه مِن حليّ كي تساهما في علاج الخال.. وبقي هناك أملٌ، مادامتِ التحاليلُ الطبيةُ لم تظهر بعد..
أثّـر فيّ كثيرا هذا الوضع. عدتُ إلى منزلي كئيبا. بعد لُـقَـيْمات العشاء، فتحت حسابي على الفايسبوك، فوجدت الصديق قد كتب:
خالي يُعاني فقرَ دمٍ، دعواتكم.