انطلاقا من هوية فيدرالية اليسار الديمقراطي، وفي سياق مشروعها المستقبلي لتوحيد قوى اليسار المغربي المناضل، وتنفيذا للبرنامج الذي قدمته الهيئة التنفيذية للفيدرالية إلى الهيئة التقريرية وصادقت عليه، نظمت الفيدرالية جامعتها الصيفية الفكرية الأولى حول موضوع :”إعادة بناء اليسار المغربي: الأسس والآليات”، وذلك يوم الأحد 14 يوليوز 2019، بالدار البيضاء، شارك في أشغالها عشرات الأطر من مكونات الفيدرالية؛ وعدد من الفعاليات اليسارية وباحثون أكاديميون مهتمون بالموضوع. وتشكل هاته المحطة نقلة نوعية في إنضاج النقاش والوعي بشأن متطلبات بناء مشروع سياسي يساري قوي يسهم في إنجاز مهام التغيير المطلوب وخلق شروط تحقيق الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
الفيدرالية ستقتحم جرأة البحث عن الأجوبة المشتركة لتطوير بناء اليسار منسق فيدرالية اليسار الديمقراطي، د. علي بوطوالة
ركز تقديم منسق الفيدرالية على تراكمات أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي في مسار الوحدة، وكذا سبل الانفتاح على حساسيات يسارية أخرى أحبطتها بعض التجارب والتنظيمات، وأكد على أن سيرورة الوحدة هاته تحتاج لتوضيح الرؤية للتمكن من إنجاز الحزب الاشتراكي الكبير، خصوصا أمام المشهد السياسي البئيس الذي خلقته الدولة بعد إغلاق كل الأقواس التي فتحتها حركة 20 فبراير، وهو الوضع المأزوم الذي انهارت معه أيضا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب المغربي، وهو ما أفرز رد فعل طبيعيا للشعب المغربي بتنامي الحراكات الشعبية، ولم تكن إجابات الدولة إلا بالمقاربة القمعية فلا حلول هناك. من هذا المنطلق خلص منسق الفيدرالية إلى حاجة المغاربة إلى يسار قوي، تستطيع فيه فيدرالية اليسار الديمقراطي توسيع أفق الأمل، واستعادة المبادرة السياسية، وفي هذا السياق تأتي هاته الجامعة الصيفية، بطرح أسئلة جريئة تهم هوية اليسار وأسس وآليات إعادة بنائه، في أفق بناء الدولة الديمقراطية وإقرار الملكية البرلمانية وكذا الدفاع عن وحدة تراب المغرب، بنظرة منفتحة على المستقبل وبإشراك ليس فقط أطر فيدرالية اليسار الديمقراطي، بل أيضا بإشراك محيط الفيدرالية من مفكرين ومثقفين وباحثين وفاعلين مهتمين، وهذا ما دفعنا لتبني التفكير المشترك في هاته المحطة النوعية خول مشروع يساري متجدد يستطيع فك لغز استعصاء التغيير الديمقراطي.
الندوة الأولى : “واقع اليسار المغربي وأسس إعادة بنائه” / من تنشيط الرفيق محمد بجاجا.
مادام النظام يدعي المناعة فلماذا يحرك آلته القمعية ؟ ذ. عبد الله حمودي
استهل الندوة الأولى الباحث والمفكر عبد الله حمودي، مشيرا إلى ضرورة ربط الحوار بقوانين العلم، لتشخيص تداعيات الحالة وفق مطالب وخطاب اليسار، ابتدأ الباحث حمودي بوضع معادلة أساسية تتمثل في تناقض صارخ يعتري طبيعة النظام، فهو في الآن ذاته يتظاهر بالمناعة الكاملة، وفي الوقت نفسه يتعاطى بشكل أمني وقمعي متشدد مع الحراكات الاجتماعية وحملات المقاطعة الاقتصادية، إذن فإعلان المناعة والقوة في غاية التناقض أمام قمع واعتقال الممانعين، في هذا الباب، فتشخيص هاته الحالة الجديدة يقتضي يساراً متجددا. انتقل حمودي بعد ذلك إلى تدقيق مطلب إصلاح نظام الحكم عن طريق فصل السلط، مشيرا إلى أن السلطة التنفيذية (الملكية) رغم مظهر عدم ممارسة الدور الاقتصادي، فهي تمسك بزمام القرار في كل المشاريع الاقتصادية الكبرى، وهو ما يعبر عن اختلال كبير لن يُعَالَجَ إلا بتحرير الإنتاج من السلطة التنفيذية، هاته الأخيرة التي تعيق حرية المستثمرين وتحد من شفافية المنافسة، وهذا الضبط للحقل الاقتصادي، نجده بنفس الحدة التحكمية في المجال السياسي، وذلك بتسويق ديمقراطية صورية تتحول فيها الانتخابات المتحكَّمُ في نتائجها لآلية قصد ضبط الهيئات الانتخابية لمعاكسة الدينامية الاجتماعية والتحكم في النخب، وهو نوع من القمع الكلاسيكي يغلق الحقلين الاقتصادي والسياسي، لهذا تحول حزب العدالة والتنمية لأداة طيعة لممارسة هذا الضبط من طرف النظام، فلا عدالة ولا تنمية هناك، فقط انتهاك للحقوق وإشاعة الإحباط بإمكانية التغيير، والقرار متحكم فيه لا داخل المجلس الحكومي ولا داخل المجلس الوزاري.
إن المطروح على اليسار وخصوصا فيدرالية اليسار الديمقراطي، في ظل هذا الواقع المأزوم، أن تقارب الحراكات الاجتماعية للشباب مع مشروع التغيير الديمقراطي، فطبيعة التحركات الاجتماعية مفتوحة على المستقبل المجهول، لكن اليسار يستطيع إعطاءها مضمونا سياسيا للتغيير، وفيدرالية اليسار الديمقراطي كقوة منظمة وما سيتمخض عن وحدتها تستطيع لعب هذا الدور السياسي كقوة واعدة تجنب الحراك منزلقات العنف والعفوية وتعطيه بعده السياسي للتغيير الديمقراطي، عكس التنظيرات التي سعت للانقلاب العنيف للسلطة بدون محددات وأهداف سياسية واضحة.
وفي معرض مداخلته أشار الباحث الأكاديمي عبد الله حمودي إلى أن نتائج دراسات Baromètre arabe خلصت إلى أن الشباب المغربي هو المرتب أولا في المنطقة من ناحية المطالب بالتغيير الجدري، فالاحتجاجات متعددة ومتواترة بالمغرب، نتيجة الإحباط المتكرر، والخصاص المهول في كل المجالات، ومطلب التغيير الشامل يسكن عدة شرائح من المجتمع المغربي، مما يقتضي الوصول لحراك واسع، لهذا على فيدرالية اليسار الديمقراطي الاجتهاد لبعث الأمل بالمبادرة لوضع معالم لتجميع اليساريين وقوى التغيير، ولتكون تلك المعالم عامل جذب لرواد التغيير، وذلك بتسريع هاته الدينامية، وفي هذا السياق اقترح معلمتين اثنتين كأولوية: الشغل والحرية، فالحرية من قيم اليسار وبها يتفوق على مشروع الإسلاميين الذين تنتفي عندهم قيم الحرية، أما الشغل فهو عمق الطروحات الاشتراكية ربطا بتوزيع الثروة، وعلى اليسار كقوة مستقبلية أن لا يبقى حبيس الأب والنظرة القديمة، فهو الآن سليل لذلك الأب المضحي والمناضل كإرث، لكنه سليل مجدد يشق طريق المستقبل.
الدولة تثبت استمرارها بخيارات اقتصاد المحاسيب وتجديد نخب الريع ذ. سعيد السعدي
في مستهل مداخلته اعتبر الأستاذ سعيد السعدي أن مشروع فيدرالية اليسار الديمقراطي بالاندماج، عامل أمل وعامل حاسم لتغيير ميزان القوى لصالح الفئات المستضعفة، فهناك حاجة مجتمعية لليسار أكثر من أي وقت مضى، وفي الوقت ذاته فوضع اليسار لا يساعد على الوحدة، لذا فالمرحلة المقبلة من المفروض أن يكون فيها الحرص على الانطلاق بخيار بديل عن اليمين واليسار التدبيري الحكوميين، وذلك لتجنب اجترار الأخطاء السابقة، بالبحث عن ما يوحد اليسار المناضل وتفعيل آلياته التنظيمية، وفي سياق تحليله أشار إلا أن الدولة ماضية لتكريس نفس نموذجها التنموي رغم اعترافها بفشله، وذلك بتكرار نفس المسار الاقتصادي المنهار، حيث تستمر الدولة في اعتبار الرأسمال البشري كأداة وليس هدفا تنمويا، وكذا الانخراط في سلاسل القيمة العالمية بتكريس تبعيتنا المطلقة للاقتصاد العالمي والشركات المتعددة الجنسية، واعتبار الحكامة الجيدة فقط شماعة لتوفير مناخ الأعمال للرأسمال الدولي، وأخيرا سن سياسة تقشف تضرب الخدمات الاجتماعية وترهن مستقبلنا بمديونية خط ائتمان صندوق النقد الدولي، هي نفس سمات فشل النموذج التنموي تعيد إنتاج نفسها، مع تسجيل فشل كل المخططات: الأزرق، الأخضر…،
وواصل ذ.السعدي حديثه بأنه لا يمكن ادعاء فشل النموذج التنموي والاستمرار في تطبيق نفس انتكاساته، إلا إذا كان المقصود ذر الرماد على العيون للاستمرار في تثبيت اقتصاد المحاسيب، بزواج السلطة والمال، بخلق نخبة ريعية تتغدى على الولوج التفضيلي إلى: آلية التمويل، آلية العقار، آلية الإدارة، آلية السياسة التجارية..، كل هذا في مقابل ارتفاع وتيرة تفقير المغاربة، فتقارير الفقر المتعدد الأبعاد حول الصحة والتعليم ومستوى العيش تشير إلى توسع قاعدة الفقر المدقع بالمغرب، وبإملاءات صندوق النقد الدولي، إذن يبقى محوريا في مشروع فيدرالية اليسار الديمقراطي استرداد السيادة الشعبية على الاقتصاد، ولن يتأتى ذلك والملكية التنفيذية تسهل تغول رأسمالية المحاسيب، فالمطروح على اليسار الآن الوضوح في تبني الملكية البرلمانية لوقف تنفد الأوليغارشية المالية الريعية، فلسنا بمنآى عن موجة ثانية من الحراك، ونموذجا الجزائر والسودان بمقربة منا، فالمسألة الاجتماعية في صلب المشروع اليساري الحقيقي، ومن المهم الاستفادة من أخطاء اليسار التدبيري الحكومي الذي انغمس في الانتخابات وأصبحت الدولة تتحكم في دوالبه من الداخل بخلق مصالح فئوية نفعية لمريديه الجدد.
إن هذا اليسار المتجدد من خلال فيدرالية اليسار الديمقراطي هو بارقة أمل للمستقبل، عليه التحلي بالعزيمة والجرأة، فآفاق العمل موجودة ويوميا، يجب فقط التعبئة لها، بالاشتغال على الملفات، فالوضوح الفكري والايديولوجي مهم جدا، لكنه ينبغي أن يكون مقرونا بالاشتغال الميداني، فعلى سبيل المثال Lydec شركة مهيمنة وهناك تغطية من الدولة لاختلالاتها، فهاته قضية حيوية لانخراط اليسار، الشيء نفسه بالنسبة لقضايا البيئة، المساواة بين الجنسين، المسألة الثقافية، تسيير الشأن الجماعي بما يوفر من قرب مع المواطنين..، كلها قضايا في صلب المشروع اليساري، خصوصا مع توسع التواصل عبر الوسائط الإلكترونية.
وفي الأخير خلص الأستاذ سعيد السعدي إلى أن المسألة التنظيمية يُنْظَرُ إليها أحيانا بشكل خاطئ، في سياق البحث عن الحالة المثالية للديمقراطية الداخلية، لهذا من المهم خلق جو من التآزر والتوافق والتفاؤل الداخلي، وليس فقط الأغلبية والأقلية، لأن العدو خارجي، وكذا التفكير في خلق تنظيم جبهة واسعة تضم أنصار التغيير الديمقراطي.
معركة الإصلاح الديني في عمق مهام اليسار ذ. سعيد ناشد
افتتح ذ.سعيد ناشيد مداخلته بملاحظتين أوليين: مضمون الأولى أن الإصلاح الديني يجب الحديث عنه بنفس قوة الحديث عن الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي، ففي الغرب لم يمروا للإصلاح الحديث والتنوير إلا عبر الإصلاح الديني، فلا يمكن تحقيق العمران الحضاري إذا نفينا وجود الدنيا. في الملاحظة الثانية، وفي تفاعل مع الأستاذ حمودي، أكد ناشيد أنه لا يجب علينا الانحسار فقط في انتقاد الدور السعودي- الإماراتي فقط، فقد لعبت أيضا قطر دورا إجراميا في التلغيم الطائفي للحراك وبالسلاح، ولا يخفى دورها الدموي في تقتيل بقية الطوائف بسوريا، رغم ان بداية الحراك كانت حداثية ومدنية.
واصل ناشيد تفكيكه لمقولة : “الدين أفيون الشعوب”، بالإشارة إلى أنه رغم الفعل المدمر للأفيون فله مفعول مُسَكِّنُ، فالمساجد والإعلام والمدارس تنطلق من التوظيف السحري للدين، وكذا التوظيف الإيديولوجي للدين باستعماله للوصول إلى السلطة، وهما توظيفان يدمران الجانب الروحي للدين. فحين رفع الشعار الرنان : “الإسلام هو الحل”، وتفشل التجربة فهو في المضمون فشل لاستعمال الدين سياسيا، وهذا ما يفسر كون أكبر موجات الإلحاد والخروج من الدين تسجل في السعودية وإيران، وتتزايد بشكل كبير في مصر مع انهيار تجربة الإخوان المسلمين. من جانب آخر فزاوية التعاطي مع الدين باعتباره مولدا للانفعالات الحزينة والخوف والغيرة والحقد، ولا أدل على ذلك إلا مبدأ الولاء والبراء، فكيف يعقل ان يتبرأ مهاجر مسلم بفرنسا من المسيحي وهو في دياره وتتربى البغضاء والعمى الدموي اتجاه من يستضيفه، وكيف للمسلم المصري ان يعادي ويتبرأ من المصري القبطي، ويعطي كل الولاء والتقرب من المسلم الاندونيسي البعيد. إن الأديان أتت بالطمأنينة والمحبة والسكينة الروحية، فلماذا نجد الدين عندنا مقرونا بالخوف من القبر والاضطراب النفسي وتكريس غرائز الانحطاط والخضوع والاستبداد، والانسلاخ عن الأرض والوطن.
إن هذا الخطاب الديني يفسد المعنى الروحي للدين، بحيث تم تغليب قراءات الأحاديث وتضخيمها، حتى تحولت السنة إلى قاضية مكان القرآن، لتصبح الشريعة مصدرا لتوظيف الدين في الاستبداد بالناس وتراجع القرآن إلى الخلف بفعل فاعل موجه، وعوضت الشريعة عبادات العقيدة جانبها الروحي، فالشريعة ليست كلام الله ولا الرسول بل كلام الفقهاء، فهو اجتهاد واستنباط فقط، إنه استنطاق للنص بشيء لم يقله بالقياس، لهذا من المفيد التذكير أن أحكام الأمر في القرآن ليست معممة في الزمان وعلى كل البشر، بل هي أحكام أمر لأشخاص بعينهم وفي فترة سابقة زمنية محددة بعينها، مثلا : “كتب عليكم القتال”، الأمر بالهجرة، الجهاد ( الحبشة)، فالخطاب القرآني منحاه في الأصل تعبدي، ولذلك من المهم استنباط القيم الوجدانية فيه وكذا المحبة والرحمة والتسامح، دون إغفال أن المرحلة الامبراطورية للإسلام (الجزية، أهل الذمة، اللواء،..) غير المراحل الآنية لبروز الدولة الوطنية مما يقتضي اجتهادات تأخذ الظرفية بعين الاعتبار، وتلغي الأحكام اللاواقعية.
في الأخير انتهى الأستاذ ناشيد إلى أن معركة الإصلاح الديني، في عمق مهام اليسار، وعلى عاتق فيدرالية اليسار الديمقراطي، ولليسار حلفاء طبيعيون في الحقل الديني ومن ضمنهم: القرآنيون الذين يواجهون تشويهات فقهاء الحديث، أهل التصوف النظري الذين يعلون قيم السمو الإنساني، وأخيراً مفكرو الإسلام الإصلاحي الذين يواجهون دهاقنة الإسلام السياسي والمخزني.
نرفع شعار الملكية البرلمانية لمواجهة تغول الليبرالية وزحف الظلامية ذة. نبيلة منيب
افتتحت الرفيقة نبيلة منيب مداخلتها بالإشادة بحضور المثقفين لهاته الجامعة الفكرية، وهو استدراك للتباعد بين المثقف واليسار، قصد محاربة التصحر الإيديولوجي، وتوليد الأفكار لإنجاز المشروع اليساري الذي يحتاجه المغاربة، وعليه فإن الأسئلة الكبرى التي يبقى الرهان على الإجابة عليها هي: الأمن الطاقي، الصراع الاستراتيجي في المنطقة وكذا تحدي العولمة، وما يصاحب ذلك من تبعية استهلاكية وتخريب للبيئة، فعلى اليسار استنهاض أوضاعه وعدم الاستسلام لتوحش النيوليبرالية ولا لاشتداد أنظمة الاستبداد، ولا للأمية السياسية، فرغم انحسار اليسار عالميا، فإن شروط نجاحه متوفرة، لكننا نحتاج لقراءة نقدية لتاريخنا قصد استخلاص الدروس وتمحيص النماذج اليسارية الناجحة ومقاربتها مع المغرب، دون تحجر، فالاشتراكية متجددة بطبيعتها، ومن المهم ربطها بديمقراطية تضمن بشكل حقيقي السيادة والرقابة الشعبيتين، دون إغفال أدوار المثقف في نشر الوعي بهاته القضايا على أوسع الطبقات المستغَلة، ومن ضمنها الطبقة الوسطى، لتحقيق كل هاته المطامح على اليسار التحول لسلطة مضادة قادرة على التعبئة الجماهيرية، بالتغلغل وسط الحركية الاجتماعية وداخل المجتمع المدني، في قلب مطالب النساء والنقابات والمثقفين، ومن هذا المنطلق ففيدرالية اليسار الديمقراطي واضحة في رفع شعار الملكية البرلمانية في الدولة والمجتمع، لمناهضة الليبرالية المتغولة وكذا زحف الظلامية على المجتمع، نفس الوضوح من المهم أن يشمل أدبياتنا بإقرار العلمانية ضد أدلجة الدين لتحقيق مواطنة كاملة الأركان، تكون النساء فيها كاملة الحقوق، وبالتالي، تضيف الرفيقة نبيلة منيب، علينا كيساريين امتلاك جرأة إطلاق ثورة ثقافية متنورة، تبتدئ من المدرسة ومناهجها، وذلك من منطلق اعتبار معركة تنمية الحس النقدي والتحليلي في المجتمع هي معركة اليسار، بجانب المشروع التنويري، ومطروح على اليسار الانخراط الملموس في طرح نموذجه التنموي بمداخله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..، وذلك بإجابات جماعية وتفكير مشترك مع محيط تقاطعاتنا الواضحة.
الندوة الثانية : “مشروع تجميع مكونات اليسار.. أية آليات ؟” / من تنشيط الرفيق يونس فيراشين.
كل تأخير في منطق الوحدة هو هدر للزمن السياسي وتفويت لفرص بناء يسار قوي ذ. محمد الحبيب الطالب
استهل ذ. محمد الحبيب الطالب تدخلات الندوة الثانية من الجامعة الفكرية، بالتأكيد على ضرورة تآلف أطراف اليسار بإنجاز قراءة نقدية صحيحة ومشتركة، باستحضار العامل الحضاري للقيم الثقافية، فاللاحوار يعتبر ضياعا فكريا يصيب اليسار في كيانه، وكل تأخير في منطق الوحدة هو هدر للزمن السياسي وتفويت لفرص بناء يسار قوي، ولا إشكال في التموقع بالمعارضة، فهو موقف أسلم من تكملة حكومة يمينية بدون صلاحيات، فالمعارضة اليسارية مصلحة عامة، من الواجب تميزها بمرجعيتها وبرنامجها، بإعادة الاعتبار للإيديولوجية والهوية الاشتراكية التي تستوعب الحداثة وحاملي التقدم المجتمعي، لكن من المهم التنبه إلى ان الحداثة لوحدها أصبحت ملغمة بحيث انه حتى اليمين أصبح يستعملها، لهذا فربطها بالاشتراكية يزيل اللبس. وفي نظري علينا التمييز بين البرنامج المجتمعي والبرنامج الحكومي، بتنشيط الحوار بين اليسار الحكومي وغير الحكومي، ولما لا التقدم بلائحة انتخابية لكل اليسار، إن الوحدة الاندماجية وسط فيدرالية اليسار الديمقراطي عامل حاسم ومحدد في مستقبل اليسار المغربي وعليه الانفتاح على كل الطاقات الحليفة، والتفكير في كتلة / جبهة تتجاوز الكتلة التاريخية لكتلة أكبر بمضمون أيضا اجتماعي وثقافي كما نظر لها غرامشي، وفي عمقها المثقف العضوي، فلماذا لا نبدأ بخطوات صغيرة بإطلاق جمعية واسعة لتجميع مثقفي محيطنا. إنها مبادرة ليست بسيطة.
المطلوب ليس فقط توحيد الهيئات اليسارية بل توحيد كل اليساريين الحقيقيين ذ. محمد الساسي
أما ذ. محمد الساسي، فقد أكد على أن المطلوب ليس هو توحيد الهيئات اليسارية بل توحيد اليساريين الحقيقيين، وقد ميز هؤلاء عن بعض من قيل عنهم أنهم يساريون في الحكومة، وما هم في الأصل إلا أعيان بغلاف يساري لا فرق بينهم وبين الأحزاب الإدارية، بعجزهم عن تبني فكرة اليسار، بعد أن استبدلوا قواعدهم السابقة بمنخرطين جدد في قمة اليمينية.
بالنسبة لخطاطة تصور بناء الحزب الاشتراكي الكبير في دينامية فيدرالية اليسار الديمقراطي، فقد طرح الساسي عدة خطوات عملية لذلك، باعتماد تدبير المبادئ المشترك وليس تغييرها، ابتداء بعقد ندوة صحفية لتأسيس حزب جديد وليس اندماج 3 أحزاب، وبذلك سيصبح صناعة مشتركة لثلاثة أحزاب ومكون رابع من افراد وحساسيات قريبة، ومواكبة ذلك بحملة على الإنترنيت لموعد إطلاق الحزب الجديد، وتكوين قاعدة بيانات من الحساسيات والجمعيات والأفراد في دينامية التجميع هاته، ومرافقة ذلك بالنزول لكل المناطق محليا وجهويا والاتصال المباشر بالمواطنات والمواطنين، بإشراك الديناميات المحلية والفئوية، بحيث يكون المشروع الجديد عمق مؤسساتي ووسط حركية النضال المجتمعي والمثقفين، وهذا لن يستثني بالطبع تيارات محبطة وسط اليسار الحكومي لها رغبة في الانخراط بالمشروع الجديد وتبني خياراته، هذا الإعداد سيؤدي إلى الإعلان الرسمي للتأسيس والتحضير للمؤتمر بقيادة مشتركة للمرحلة الانتقالية ونسب التمثيليات، للوصول لصهر كل المكونات في مدة سنتين والاتفاق على كل القضايا الأساسية، بما فيها الأمين العام الذي من المفروض ان يكون بشخصية مجمعة قادرة على ان تكون إسمنتا لكل المكونات، وتحميل المسؤوليات للشباب وضبط العضوية تنظيميا والتحضير للمؤتمر الأول ليكون حدثا كبيراً ورجة سياسية، ولا مانع ان تصاحبه لجنة استشارية للحكماء.
بالنسبة لسمات الحزب الجديد، فسيكون متعدد التيارات، حزبا يساريا متجددا يجمع من المؤمن بالاشتراكية العلمية إلى المتبني للاشتراكية الديمقراطية، حزب يجمع بين النضال الجماهيري والنضال المؤسساتي، يضع في أجندته تحقيق الانتقال الديمقراطي في بلادنا، هو حزب يساري معتدل، نضاله سلمي متدرج، حزب للأجيال الجديدة كاستمرار لحركة 20 فبراير، معارض مرحليا، حزب متحالف مع المجتمع المدني الديمقراطي، بخطاب يلائم الواقع بدقة ومصداقية وتواضع، حزب يقبل تغيير وسائل العمل، حزب يساري يتجدد.
المطروح على اليسار إعطاء أفق سياسي للحراك الاجتماعي الذي يعم المغرب ذ.عبد السلام العزيز
أشار الرفيق ذ. عبد السلام العزيز في مداخلته إلى أن لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، لكن المؤكد أن هناك انحباسا شاملا، أمام فشل النطام سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ولم تحقق بلادنا لا الديمقراطية ولا التنمية، وحتى التعبيرات الاحتجاحية من حراك اجتماعي ونقابي لم يصل إلى مستوى بلورة أفق سياسي له، فاليسار حاضر ميدانيا في كل هاته التعبيرات، لكن تشتت قوته لا يعطي الزخم الكافي لتواجده، إذن السؤال المطروح: كيف يصبح لليسار معبر سياسي موحد، إن دينامية فيدرالية اليسار الديمقراطي لخلق شروط الاندماج بما فيها الانفتاح على المكون الرابع لحلفاء الفيدرالية أفرادا وحساسيات هو المدخل لتجميع اليساريين والديمقراطيين، وذلك بإعمال الأسس النقدية لتجاربنا قصد بناء يسار متجدد، بإعطاء الأمل بتحقيق مغرب آخر ممكن، وعملية إعادة البناء هاته لن تنتهي زمنيا بالتنظيم السياسي المنشود، بل بالاستمرار في بناء تنظيمات المجتمع، بالنسبة للمستوى الايديولوجي، فالغاية ليست بحثا عن صفاء نظري، بل نحن في حاجة إلى حزب يعتبر الاشتراكية قيمة مرجعية لكن متعددة، بالانفتاح على تجديد الفكر الاشتراكي، وهذا ما سيمكننا من بناء حزب جماهيري واسع يضم الشرائح التي لها مصلحة في التغيير الديمقراطي، وستكون الانتخابات وسيلة لتعزيز التنظيم السياسي، ولكن بالاستفادة من أخطاء الماضي بعدم تمكين المنتخبين (الأعيان) من التحكم بالحزب.
كل هذا المسار لا يمكن تحقيقه إلا بإعطاء المسألة التنظيمية وزنها الحقيقي، وفي هذا السياق فأطروحة شرعنة التيارات داخل الحزب لا تعني بالضرورة الديمقراطية، كما أن المركزية لا تعني ميكانيكيا غياب الديمقراطية، من هذا المنطلق بجب البحث عن آليات جديدة قصد الإشراك في القرار، وإعطاء مساحة واسعة للقرار المحلي، تجنبا لكل انزلاقات بيروقراطية، فبناء الحزب الجديد سيرورة معقدة، وتقتضي فرز نخب كفأة جديدة، منطلقها وضع ميثاق لمناضلات ومناضلي فيدرالية اليسار الديمقراطي، يكون بمثابة تصريح للعموم بالالتزام الانخراط في عملية التوحيد.
في تفاعلات نقاش الحضور، تم التركيز على تشابه اليسار عالميا رغم التباعد الجغرافي بتنامي الشعبوية اليمينية وتوسع جبهات الحراكات الاجتماعية وحدة طرح الأسئلة الثقافية: أقليات، مناخ، هجرة، ورفع مطالب تتجاوز سقف الحكامة إلى التوزيع العادل للثروة والسلطة والعدالة الاجتماعية والمجالية، وكذا تنامي رفض الايديولوجية والتنظيم الوساطة، وتوسع الخطاب الهوياتي وطغيان الزمن الافتراضي ووسائطه الإلكترونية، كلها أسئلة مؤرقة تطرح نفسها علينا كيساريين. مداخلات أخرى استعرضت ضرورة تبييء الاشتراكية العلمية بالمغرب وتسريع وثيرة مثل هاته الندوات، وأهمية فضح اليسار الحكومي التدبيري والقطع مع أخطائه، فالديمقراطية في أدبيات الفيدرالية شاملة وليست تمثيلية فقط، بقية التدخلات استعرضت ضرورة تقييم الأداء في مسار الوحدة بوضع ميثاق عمل جماعي يتجاوز الأنانيات الذاتية فالمشروع أولا، كما وقف بقية المتدخلين على ضرورة تحصين مناعة المشروع الوحدوي نظريا وسياسيا، واعتبار الدولة في هذا المشروع فاعلا اقتصاديا اجتماعيا لتحقيق العدالة والتنمية خارج الأدوار الأمنية État gendarme، على مستوى المرجعية وقفت المداخلات على واقع الاستغلال والاستيلاب المتغير مما يفرض مراجعات على مستوى المتحولات في الاشتراكية وليس الثوابت، بالدفاع عن نظام نيابي حقيقي، تجاذبات في النقاش طرحت ضرورة إعادة نحت المفاهيم بتحيينها وفق المستجدات وليس فقط حسب رؤية المعرفة في القرن 19، حتى لا يصبح اليسار منفصما عن الواقع، وأيضا حتى لا يندمج لا عقلانيا في ذات الواقع، وهي طروحات تحتاج لخطة طريق لتنزيلها والمرافعة عليها في الميدان، وليس فقط بتبنيها فوقيا، بوضع برامج مرحلية مترابطة مع الأهداف الاستراتيجية.
تدخلات القاعة تفاعلا مع عروض الندوة الثانية، ثمنت دينامية فتح النقاش الداخلي حول سبل الاندماج واكراهاته وطرق تجاوزها، مع التأكيد على ضرورة وضع خطة طريق سليمة تحدد بدقة مسار الاندماج تجنبا لأي منزلقات، واستفاضت المداخلات في نقاش النموذج التنظيمي المستقبلي للوحدة، وبأن التيارات ليست بالضرورة وصفة سحرية للاندماج، وتم استحضار عامل الزمن أيضا في المداخلات لتسريع وتيرة توفير شروط الاندماج دون التسرع اللاعقلاني، والهدف إنضاج مستلزمات التوحد داخل فيدرالية اليسار الديمقراطي.