الرياضة والمال زواج قائم على منطق الربح
◆ محمد البصيري
يرى أنصار النظرية النقدية للرياضة التنافسية أن الرياضة والمال يشكلان الثنائي الأكثر التحاما، إلى درجة أنه الأقل تضررا على ما يبدو في نظرهم من الأزمات الإقتصادية والمالية التي شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة. ويجسد ذلك المبالغ المالية الباهضة لإنتقالات اللاعبين خصوصا في كرة القدم كما تظهر على سبيل المثال صفقة انتقال اللاعب “غاريت بايل” إلى نادي ريال مدريد في عز الأزمة سنة 2013 وقيمتها حوالي 100 مليون أورو). كما أن مداخيل اللاعبين تعتبر خيالية وجد مثيرة (35 مليون أورو للأرجنتين ليونيل ميسي، و 30 مليون أورو للبرتغالي كرستيانو رولاندو خلال سنة 2012).
ثنائي الرياضة والمال عرف منذ القدم، وكانت بداية زواجهما الحقيقي انطلاقا من انجلترا في أواخر القرن 19 التي عرفت أولى أشكال الإحتراف. ليدخل هذا الثنائي فرنسا ولو بشكل محتشم في بداية القرن العشرين، ليجتاح العالم بأكمله انطلاقا من بداية عقد الثمانينات إبان البروز القوي لوسائل الإعلام، وقبول الإحتراف من قبل اللجنة الدولية الأولمبية.
لكن العلاقة بين تنائي الرياضة والمال ليست دائما هادئة وفق أنصار ذات التوجه، وعلاقتهما الحميمية بحسبهم تطرح عدة تساؤلات. هل يمكن اعتبار الرياضة كسلعة، تخضع قيمتها لتقلبات وقوانين السوق وفق العرض والطلب؟، هل بالإمكان سن شكل من أشكال الرقابة، من أجل التصدي لتنامي ظواهر الرشوة والرهانات السرية وتبيض الأموال؟، هل الأموال الطائلة المدفوعة من قبل وسائل الإعلام لشراء حقوق البث لا تشوه بعض المنافسات الرياضية، وتخلق حدودا ملموسة بين “الكبار” و “الصغار”؟ وهل الإستشهار والإحتضان الرياضي يندرج فعلا في إطار منهجية عمل المقاولات الكلاسيكية؟. تم هل مداخيل نجوم الرياضة منسجمة مع الواقع الإقتصادي؟.
فمنذ عقد الثمانينات من القرن الماضي حط المال بقوة في عالم الرياضة، وبدا ذلك جليا من خلال حدثين، هما قبول اللجنة الأولمبية الدولية مبدأ الإحتراف، والتي انطلقت في تسويق الألعاب واستغلالها تجاريا منذ سنة 1985. فالتسويق الأولمبي أفرز مع مرور الوقت مبالغ مالية طائلة، 2.63 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من 1993 إلى 1996، و 5،45 مليار دولار من 2005 إلى 2008. وأمام هذه المبالغ الخيالية انحنى دعاة الهواية للعاصفة، حيث باتت تقريبا كل الرياضات احترافية، وتم خلق عدة منافسات دولية، كبطولة العالم لألعاب القوى سنة 1983، أو كأس العالم للريكبي سنة 1987. فالتنظيم الرياضي صار يخضع قبل كل شيء إلى منطق الربح، وباتت الفرجة الرياضية عبارة عن سلعة من نوع خاص. فإذا كان الإقتصاد الرأسمالي الليبرالي ينبني على قوانين السوق وفق الميكانيزم الكلاسيكي الخاص بالعرض والطلب والمنافسة، فرياضة الفرجة باتت في وضعية المهيمن، حيث بات العرض يولد الطلب. فالفيفا تنظم “منتوجا” هو كأس العالم لكرة القدم وتقوم بتسويقه وتحديد القوانين المتحكمة فيه. وهنا وبشكل كاريكاتوري أوضح الباحث “ألان لوري”، وكأن صانعي السيارات يصيغون بأنفسهم قانون السير. نفس التصور ينطبق على كل التظاهرات الرياضية العالمية الكبرى.