الدباغون الجدد
إن الغوص في تاريخ الفعل الاحتجاجي بالمغرب، ربطاً بما تتغنى به الدولة مؤخرا حول الإصلاح الضريبي، يقودنا إلى تمحيص فترة نهاية القرن التاسع عشر، حيث قاد الدباغون المغاربة سنة 1874 بمدينة فاس انتفاضةً كبيرة للحرفيين، وذلك في مواجهة ارتفاع الجبايات عندما جددت الدولة فرض ورفع المكوس على المغاربة، وهي الانتفاضة التي وصلت حدتها إلى مستوى التهديد برفض بيعة السلطان.
وقد انتفض الحرفيون، إثر تَبِعات توقيع المخزن على معاهدة بيكلار مع فرنسا سنة 1863، حيث أصبح المحميون في وضع تفضيلي، خصوصا السماسرة التجاريون، وكل أفراد عائلتهم، وبالتالي لم تعد للمخزن أي سلطة لدفعهم لتأدية الضرائب والمكوس، مما أفرز في المجتمع المغربي طبقة من المحميين فوق سلطة الجباية، ومن جهة أخرى حرفيين ومهنيين مغاربة أثقلتهم الدولة بالضرائب وارتفاع نسب الجباية، لتعويض خصاص ما فقدته الدولة في المحميين.
ما أشبه الليلة بالبارحة، ونحن نعيش الآن مع محميين من طراز آخر، يستظلون بحاشية السلطة المخزنية، ويتهربون من أداء الضرائب، وكذا مستثمرون أجانب بإعفاءات ضريبة إلى درجة امتياز أداء صفر ضريبي، بالمقابل فبالنسبة للأجراء من كادحي هذا البلد ومتوسطي الدخل، بل حتى المتقاعدين، فقد سن الجيش الإنكشاري لجمع الجبايات “فراماناته”، وذلك باقتطاع الضريبة بشكل مهول من منبع الأجور مباشرة، حتى أصبحت مداخيل ضرائب عرق العمال والأجراء أكثر من %80 من الضريبة على الدخل.
من المؤكد أن الاحتجاجات الفئوية التي تنزل للشارع وباطِّرادٍ عدداً وأحجاماً، تُحيل على نفس سياقات انتفاضة الدباغين بالمغرب، ونفس فضاضة تعامل جيش الإنكشارية في جمع الجبايات من الطبقات الدنيا وإنهاك جيوب أسرها، فهل من منصت؟ وهل من قارئ للتاريخ؟